ينطلق اليوم أسبوع الـ«هوت كوتير» بباريس، وعلى مدى خمسة أيام سنتابع أغلى وأجمل ما يمكن تصوره من أزياء وإكسسوارات أبدعها خيال نحو 11 مصمما، وسهرت على تنفيذها أياد ناعمة يقدر عددها بـ2.200 خياطة، تشعر كل واحدة منهن بالفخر بانتمائها إلى هذا النادي ولو في الجهة الأخرى، وكأنهن جنديات مجهولات. أكثر ما يميزهن وفاؤهن لبيوت الأزياء أو الورشات التي يعملن فيها، إذ تقضي الواحدة منهن حياتها العملية مع دار واحدة من الصبا إلى سن التقاعد، دون تذمر بل تعتبر نفسها محظوظة. ومن البديهي أن هذه الأنامل لم تتوقف في الأسابيع الأخيرة عن صياغ وتجسيد ما تخيله المصممون، في أشهر الورشات، مثل «لوساج» للتطريز، «ماسارو» للأحذية، «كوس» للقفازات، «لوماريه» للريش وهلم جرا، فكل جزئية من فستان أو بنطلون أو قميص أو تنورة صنعت في ورشة معينة قبل أن تنتقل إلى أخرى وتنتهي على منصات العرض.
الترجمة الحرفية لـ«الهوت كوتير» هي (الخياطة الرفيعة)، أما معناها الحقيقي فهي فن صناعة الأزياء الراقية. فقد تستغرق القطعة الواحدة آلاف الساعات لترصيعها أو تطريزها باليد مما يجعلها فريدة لا مثيل لها في كل أنحاء العالم. كما لا يمكن لأي مصمم كان أن يشارك في البرنامج الرسمي للأسبوع، فقط لأنه شعر بالرغبة في ذلك أو له الإمكانيات المادية لتنظيم عرض فخم قد يكلف ما لا يقل عن 200 ألف جنيه إسترليني. صحيح أن هناك مصممين يعرضون على هامشه حتى يكسبوا صفة العالمية، إلا أن «لاشومبر سانديكال» الجهة المنظمة والمشرفة على الموضة الفرنسية لا تعترف بهم، وتضع شروطا قاسية لا تحيد عنها قبل قبولهم. من هذه الشروط ضرورة أن تكون للمصمم خبرة وتجربة في مجال تفصيل الأزياء على المقاس تحديدا، وأن تكون له زبوناته المخلصات، بالإضافة إلى ورشة أو معمل في باريس يوظف نحو 20 شخصا، وأخيرا وليس آخرا أن تكون له القدرة على تقديم تشكيلتين في السنة، واحدة في يناير (كانون الثاني) والثانية في يوليو (تموز)ز. ولا يزال لحد الآن أشهر الأسماء المشاركة في الأسبوع هي شانيل، وديور، وجيورجيو أرماني، وجون بول غوتييه، وستيفان رولان، وإيلي صعب، وجيامباتيستا فالي، ورالف أند روسو، ودار فالنتينو، علما أن هذه الأخيرة ستغيب عن باريس هذا الموسم لتعرض في مسقط رأسها، روما.
الـ«هوت كوتير» دائما تنجح في فتح ذلك الملف القديم الذي يتساءل فيه البعض عن مدى جدواها ومناسبتها للعصر، خصوصا وأن الكثير من متذوقاتها الأميركيات قل عددهن، بعد أن غيب الموت أغلبهن، عدا أنها، تاريخيا، ومنذ بدايتها في القرن التاسع عشر، ترتبط بسيدات البلاطات في باريس وأوروبا اللواتي كن يحتجنها للتميز عن باقي الطبقات الاجتماعية من جهة، وحتى لا تحضر الواحدة منها نفس المناسبة بنفس الفستان.
المتحمسون في المقابل يجيبون بأن «الهوت كوتير» تعيش عصرا ذهبيا جديدا. فظهور متذوقات شابات وثريات أنعشها وعوض النقص الذي خلفه الجيل السابق، خصوصا وأنهن يتمتعن بإمكانيات عالية تجعلهن لا يولين أسعارها النارية أي انتباه. فالمهم بالنسبة لهن هو التفرد والفخامة وهذا ما يحصلن عليه لقاء 8 آلاف جنيه إسترليني لقطعة بسيطة للنهار ومئات الآلاف لفستان عرس أو سهرة. ولا يقتصر التفرد على التصميم أو التطريز والترصيع، بل أيضا على نوعية الأقمشة وتقنيات الرسم عليها وما شابه من أمور فنية. لا ينكر أي متابع لتاريخها بأنها كانت في فترة من الفترات مجرد «بريستيج» وأداة إبهار لبيع العطور وباقي المنتجات، إلا أنها اكتسبت قوة ذاتية في السنوات الأخيرة وبدأت تحقق الأرباح، وليس أدل على هذا من دار «فرساتشي» التي تعرضت للكثير من النكسات أدت إلى إغلاق هذا الجانب بعد مصرح مؤسسها جياني فرساتشي، لكن عادت إليه منذ بضع سنوات بعد أن لمست مدى الإقبال عليه وتنامي طبقات جديدة متعطشة لكل ما هو فريد ومتميز. وبالفعل حققت النجاح وسجلت مبيعاتها ارتفاعا بنسبة 50 في المائة هذا العام مقارنة بعام 2014، كما تتوقع دار «شانيل» ارتفاعا في مبيعاتها لعام 2015. سيدني توليدانو، الرئيس التنفيذي لدار «ديور» كان من أوائل من تغنوا بهذا النجاح منذ أن التحق المصمم البلجيكي الأصل، راف سيمونز بالدار، حيث استقطب زبونات جديدات وشابات من كل أنحاء العالم، بفضل لمساته العصرية بعد نجاحه في إنزال الـ«هوت كوتير» من برجها العاجي، أو بالأحرى بعد أن خفف من دراميتها المسرحية وجعلها تبدو راقية ومتميزة ويمكن استعمالها في كل المناسبات.
بيد أننا لا يجب أن ننسى أن الأسبوع هو استعراض للفنية والخيال، كما أنه مختبر للأفكار التي تتقاطر إلى باقي القطاعات فيما بعد وتنعكس عليها، وهذا ما يجعل كل ما يُعرض طوال الأسبوع بمثابة لوحات أو تحف فنية يزيد سعرها مع مرور الزمن، ويمكن أن تباع في المزادات بالملايين، بدليل مزاد دار «سوذبيز» القادم بعنوان «رونكونتر كوتير أ باري» أي (لقاءات الكوتير في باريس) الذي ستعرض فيه مجموعة كبيرة من الأزياء لكبار مصممي القرن العشرين، من «شانيل»، و«إيف سان لوران» إلى و«ديور»، عز الذين علايا، «لانفان»، «سكياباريللي» وغيرهم. وكانت هذه الأزياء ملكا لديدييه ليدو، أحد أشهر مقتنيي الهوت كوتير بباريس. وقد سبق له أن أعلن سابقا أنه لن يتخلى عن أي من مقتنياته القيمة إلا أنه تراجع عن قناعته وقرر طرح مجموعة قال إنه «انتقاها بدقة لتبرز جماليات الخياطة وفنيتها التقنية وتفاصيلها الدقيقة، ستطرح في المزاد في الـ8 من الشهر الحالي». أي في عز أسبوع «الهوت الكوتير»، حتى يُمكن لضيفات الأسبوع وزبونات «الهوت كوتير» من حضوره، والاستمتاع بهذه الأزياء عن قرب ابتداء من الآن.
انطلاق أسبوع «الهوت كوتير» بباريس لربيع وصيف 2016
يتزامن هذا الموسم مع مزاد «سوذبيز» لمجموعة نادرة لأشهر مصممي القرن العشرين
انطلاق أسبوع «الهوت كوتير» بباريس لربيع وصيف 2016
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة