«الساحل الأفريقي» يعيد صياغة استراتيجيته لمكافحة الإرهاب وينتظر الدعم

بعد 6 أشهر على انسحاب مالي من القوة المشتركة

TT

«الساحل الأفريقي» يعيد صياغة استراتيجيته لمكافحة الإرهاب وينتظر الدعم

بعد نحو 6 أشهر على انسحاب مالي من القوة المشتركة لدول الساحل الأفريقي (G5)، تسعى تلك الدول إلى صياغة استراتيجية مغايرة لمكافحة «الإرهاب» المتنامي في منطقة غرب أفريقيا، بما في ذلك زيادة حرية وكفاءة تلك القوة المشتركة.
وتعاني دول الساحل الأفريقي (بوركينا فاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد)، تصاعداً للجماعات الإرهابية التي تستغل الأوضاع السياسية غير المستقرة هناك.
وفي عام 2014، أنشأ رؤساء تلك الدول ما تُعرف باسم «المجموعة الخماسية لمنطقة الساحل- G5»، بهدف تنسيق التعاون بينها من جهة، والقوى الدولية من جهة أخرى؛ لمكافحة التنظيمات المتطرفة. لكن انسحاب مالي، منتصف مايو (أيار) الماضي، من القوة العسكرية المشتركة، شكَّل ضاربة قاصمة للتحالف.
وناقش مجلس الأمن الدولي، في اجتماعه أمس (الأربعاء)، القوة المشتركة للتحالف، والتي تواجه مشكلات مختلفة، بما في ذلك الحاجة المستمرة إلى مزيد من التمويل والقدرات، والكفاح للحفاظ على استقلاليتها عن التأثير الخارجي، والبقاء فعالة من الناحية التشغيلية دون مشاركة مالي.
وحسب تقرير نشره «معهد الدراسات الأمنية والاستراتيجية» في بريتوريا، فإن نقص التمويل، وتغيير التحالفات الاستراتيجية، وانسحاب مالي من القوة المشتركة، عوامل تستدعي «اتباع نهج جديد لمكافحة العنف والإرهاب في تلك المنطقة».
وذكر المعهد، في تقريره الصادر الاثنين الماضي، أن قرارات وزراء الدفاع ورؤساء أركان دول الساحل، الصادرة في سبتمبر (أيلول) الماضي: «ستحول القوة المشتركة إلى قوة تدخل لمكافحة الإرهاب، يمكن أن يقوم بعمليات في مختلف الدول التي تشكل التحالف، خلافاً للدور الحالي الذي يقتصر نطاقه على المهام العسكرية عبر الحدود».
وناقش اجتماع للقادة العسكريين بدول الساحل، يومي 21 و22 سبتمبر، في النيجر، استراتيجية جديدة للقوة المشتركة. ونظراً لانسحاب مالي، قرر الوزراء إلغاء مناطق العمليات الجغرافية الثلاث السابقة، والتي منعت القوة من التدخل بشكل فعال عبر الحدود، كما اتفقوا على نقل مركز القيادة المشتركة، من إنجامينا في تشاد إلى منطقة قريبة من منطقة العمليات. وقرر الاجتماع أن تدعم مجموعة الدول العمليات العسكرية الثنائية والمتعددة الأطراف للدول الأعضاء، حسب التقرير.
وتعتقد شانون زيمرمان، المحاضرة في الدراسات الاستراتيجية بكلية الحرب الأسترالية، أن دول الساحل «تحاول أن تتبع نهجاً استباقياً، وتعالج بعض القضايا الرئيسية التي سببت مواطن خلل في المبادرات السابقة (مثل القيود حول الحدود)».
وتؤكد زيمرمان لـ«الشرق الأوسط» أنه «على الرغم من تلك المقاربة الجديدة لدول الساحل، فإن غياب مالي سيؤثر بقوة». وتشرح: «دون وجود مالي، سيكون من الصعب إحراز تقدم في مكافحة الإرهاب في المنطقة عموماً... لا تفصل مالي موريتانيا عن بقية مجموعة دول الساحل الخمس فحسب؛ بل إنها أيضاً مصدر رئيسي لتدفق العناصر والجماعات الإرهابية».
ومن المرجح أن «تؤدي التحديات السياسية الحالية في مالي، ومشاركة قوات (فاغنر) الروسية، إلى زيادة عدد المتطرفين في المنطقة»، كما تشير زيمرمان التي ذكرت أن «مع توقف مالي عن العمل بالتنسيق مع جيرانها، سيكون من الصعب للغاية مكافحة الإرهاب بشكل فعال في منطقة الساحل».
وتصاعد الإرهاب في دول الساحل بشكل أسرع من أي منطقة أخرى في أفريقيا، بزيادة 140 في المائة منذ عام 2020. وأسفر هذا عن مقتل 8 آلاف شخص، ونزوح 2.5 مليون، بينما وصل عدد ضحايا هجمات تنظيم «داعش» وحده خلال 2022، إلى نحو ألف قتيل، وفقاً لتقرير «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» في واشنطن.
وعزت مالي انسحابها من التحالف العسكري الأفريقي إلى «فقدان استقلاليتها»، ومعاناتها من «الاستغلال» من الدول الأربع، بعدما «مُنعت من تولي رئاسة التكتل الإقليمي المكون من الدول الخمس».
في السياق ذاته، يقول أحمد سلطان، الخبير في شؤون الحركات الإرهابية، إن «مدى تأثير انسحاب مالي يعتمد على فاعلية قوة بقية دول التحالف». ويرى سلطان أن «تلك القوة لديها مشكلات عديدة أخرى دون انسحاب مالي، من بينها مشكلات في التخطيط والتدريب والكفاءة العملياتية؛ إضافة إلى المشكلة الأضخم، وهي التمويل».
وعقب مناقشات رفيعة المستوى في مجلس الأمن الدولي، قالت أمينة محمد، المتحدثة باسم الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، إن «انتشار الإرهاب في أفريقيا يمثل مصدر قلق للمجتمع الدولي بأسره، وإن مواجهته تتطلب نهجاً وقائياً».
ونوهت أمينة محمد إلى أن المبادرات الإقليمية العديدة لمكافحة الإرهاب في أفريقيا، بما في ذلك فرقة العمل المشتركة المتعددة الجنسيات في حوض بحيرة تشاد، والقوة المشتركة لمجموعة الخمسة لمنطقة الساحل «تحتاج إلى دعم المجتمع الدولي الكامل، والالتزام الدائم بهذا الدعم»، وحثت على أن يضمن مجلس الأمن «التمويل اللازم لعمليات الاتحاد الأفريقي لمكافحة الإرهاب».


مقالات ذات صلة

هل تتسع المواجهات بين التنظيمات المتطرفة في مالي؟

العالم هل تتسع المواجهات بين التنظيمات المتطرفة في مالي؟

هل تتسع المواجهات بين التنظيمات المتطرفة في مالي؟

وسط محاولات لإنقاذ «اتفاق سلام هش» مع جماعات مسلحة انفصالية، وتصاعد الصراع على النفوذ بين تنظيمات «إرهابية» في مالي، دعا تنظيم «داعش» جميع الجماعات المسلحة المتنافسة معه في البلاد، إلى إلقاء أسلحتها والانضمام إلى صفوفه. وهي الرسالة التي يرى خبراء أنها موجهة إلى «الجماعات المسلحة المحلية التي وقعت اتفاقية السلام لعام 2015، إضافة إلى تنظيم (القاعدة) في مالي ومنطقة الساحل»، الأمر الذي «يزيد من هشاشة الأوضاع الأمنية في البلاد، ويدفع نحو مواجهات أوسع بين التنظيمات المتطرفة».

العالم العربي عودة «النصرة» إلى الواجهة في مالي تعزز خوف الجزائر على «اتفاق السلام»

عودة «النصرة» إلى الواجهة في مالي تعزز خوف الجزائر على «اتفاق السلام»

بينما تبنى تنظيم تابع لـ«القاعدة» في مالي اغتيال مسؤول بارز في البلاد، كثَفت الجزائر لقاءاتها مع الأطراف السياسية الداخلية لإنقاذ «اتفاق السلم»، الذي ترعاه منذ التوقيع عليه فوق أرضها عام 2015، من الانهيار، وتفادي إحداث فراغ بالمنطقة يتيح للجماعات المسلحة الانتشار من جديد. وأعلنت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي تتبع لـ«القاعدة» في مالي، مقتل عمر تراوري، مدير ديوان الرئيس الانتقالي، العقيد عاصمي غويتا، وثلاثة جنود وأسر اثنين آخرين من الجيش المالي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
العالم تحطم مروحية عسكرية بحي سكني في باماكو

تحطم مروحية عسكرية بحي سكني في باماكو

تحطمت مروحية عسكرية، السبت، في حي سكني بعاصمة مالي، باماكو، أثناء عودتها من عملية لمكافحة المتشددين، بحسب ما أفادت القوات المسلحة ومصادر. وسقط عشرات الضحايا بتفجير انتحاري ثلاثي في وسط البلاد. وجاء حادث المروحية إثر تعرض مهمة إمداد للجيش لهجوم في وقت سابق في شمال البلاد المضطرب. وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في بيان: «نحو الساعة الواحدة وعشر دقائق بعد الظهر، تحطمت مروحية هجومية تابعة للقوات المسلحة المالية في منطقة سكنية في باماكو أثناء عودتها من مهمة عملانية».

«الشرق الأوسط» (باماكو)
العالم جماعة تابعة لـ«القاعدة» تتبنّى اغتيال مدير مكتب رئيس مالي

جماعة تابعة لـ«القاعدة» تتبنّى اغتيال مدير مكتب رئيس مالي

تبنَّت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة الإرهابي»، هجوماً قرب الحدود الموريتانية، أدى إلى مقتل عمر تراوري مدير ديوان رئيس المجلس العسكري الحاكم الانتقالي مع 3 من مرافقيه، إضافة إلى مسؤوليتها عن هجوم في كمين آخر نفذته (الأربعاء) الماضي أسفر عن مقتل 7 جنود ماليين. وأفادت الرئاسة المالية (الخميس) بأن عمر تراوري مدير ديوان الرئيس الانتقالي العقيد عاصمي غويتا، هو أحد القتلى الأربعة الذين سقطوا في هجوم استهدفهم (الثلاثاء) بالقرب من بلدة نارا. وأعلنت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» أنها شنَّت هجوماً آخر (الأربعاء) أسفر عن مقتل 7 جنود في مكمن بين سوكولو وفرابوغو (وسط مالي)، فيما ق

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي الجزائر تخشى انهيار «اتفاق السلام» في مالي

الجزائر تخشى انهيار «اتفاق السلام» في مالي

بعد اغتيال مسؤول بارز في مالي على يد تنظيم متشدد، تكثّف الجزائر لقاءاتها مع الأطراف السياسية الداخلية في البلد الأفريقي لإنقاذ «اتفاق السلم» - الموقّع في 2015 - من الانهيار، وتفادي إحداث فراغ في المنطقة قد يتيح للجماعات المسلحة الانتشار من جديد. وأعلنت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة لتنظيم «القاعدة» في مالي، اغتيال عمر تراوري مدير ديوان الرئيس الانتقالي العقيد عاصمي غويتا و3 جنود، إضافة إلى أسْر اثنين آخرين من الجيش. وذكرت الجماعة في بيان أنها نصبت «مكمناً للجيش بين نارا وغيري، الثلاثاء الماضي، وقتلت مدير الديوان و3 جنود وأسَرَت اثنين، واستحوذت على أسلحة، فيما أصيب عنصر من الجماعة»، وت

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».