السعودية تستضيف أحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

«مشروع شوشة» بالبحر الأحمر شراكة استراتيجية بين «كاوست» و«نيوم»

في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
TT

السعودية تستضيف أحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)
في بيئات أحواض مائية قابلة للضبط (كاوست)

غالباً ما تتطلب الظروف الاستثنائية إجراءات استثنائية أيضاً. فمع الوتيرة المتسارعة لتغير المناخ وتأثر النظم البيئية بطرق وخيمة وغير متوقعة، أصبح العلماء وصانعو السياسات والخبراء في جميع أنحاء العالم يعيدون التفكير بضرورة وضع استراتيجيات حاسمة وجريئة قابلة للتطبيق والتكيف وذات مغزى تتصدى للتبعات المدمرة لهذه الظاهرة.
وعلى ضوء ذلك، أطلقت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست) مبادرة طموحة لدعم استعادة الشعاب المرجانية في وقت يشهد العالم فيه تغيراً بيئيّاً غير مسبوق. وتعد هذه المبادرة في جزيرة شوشة على ساحل البحر الأحمر أول مشروع واسع النطاق لترميم الشعاب المرجانية في العالم، تديره وتموله «كاوست» بالشراكة مع «نيوم»، أحد المشاريع العملاقة في المملكة العربية السعودية التي تركز على الاستدامة وتحسين جودة الحياة وحماية الطبيعية. وتوفر هذه الشراكة الاستراتيجية بين الكيانين الخبرة البحثية والبنية التحتية التقنية اللازمة لتعزيز استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاقات كبيرة.
وقال البروفسور توني تشان، رئيس كاوست بهذه المناسبة: «نحن في سباق مع الزمن لإنقاذ الشعاب المرجانية، التي يمكن القول إنها من بين أكثر النظم البيئية قيمة على هذا الكوكب. وتعاني الشعاب المرجانية في جميع أنحاء العالم من أزمة، وقد تعاونت (كاوست) مع (نيوم) ونخبة من الشركاء العالميين لنشر أفضل حلولنا العلمية والتقنية لترميم الشعاب المرجانية، وإثبات ذلك في جزيرة شوشة».

تستخدم عالمة البحار في «كاوست» البروفسورة راكيل بيكسوتو المعززات الحيوية (البروبيوتيك) لزيادة تحمل ومرونة الشعاب المرجانية

بدأ المشروع مع إنشاء مركز أبحاث المرجان في «كاوست» الذي يضم أعضاء من هيئة التدريس والباحثين المهتمين بتطوير مناهج جديدة لاستعادة الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطورت هذه الخطة الطموحة لتصبح أساساً لمبادرة أكبر من المرجح أن تدعم استعادة الشعاب المرجانية وترميمها في جميع أنحاء المنطقة لعقود مقبلة. يشار إلى أن هذه المبادرة تهدف بالأساس لتكون عرضاً لتقنيات وأساليب استعادة الشعاب المرجانية المبتكرة التي يمكن تطبيقها في البحر الأحمر وأنظمة الشعاب المرجانية الأخرى حول العالم.
يتضمن المشروع زراعة مئات الآلاف من الشعاب المرجانية في موقع تجريبي بمساحة 100 هكتار يقع في البحر الأحمر شرق جزيرة شوشة، على بعد نحو 20 كيلومتراً من «نيوم» في محافظة تبوك بالمملكة العربية السعودية. وسيشمل أيضاً مركزاً للأبحاث والسياحة البيئية لزيادة المعرفة حول النظم البيئية للشعاب المرجانية والتنوع البيولوجي للأنواع التي تدعمها.

أساس متين لترميم المرجان
تتطلب المشاريع المعقدة وواسعة النطاق التي تضم فرقاً متعددة وخدمات لوجيستية كبيرة، وجود قيادة متمرسة قادرة على إعطاء توجيهات مهمة وحاسمة. ولهذا تم إحضار توم مور خبير السياسات البيئية وترميم الشعاب المرجانية المخضرم في عام 2021 للمساعدة في إطلاق مشروع مبادرة ترميم الشعاب المرجانية بـ«كاوست». وصل توم إلى الجامعة في أواخر عام 2021 جالباً معه خبرة كبيرة في إدارة الحفاظ على الشعاب المرجانية بعد أن عمل لأكثر من 23 عاماً في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA) بالولايات المتحدة، فضلاً عن امتلاكه شبكة من الانتماءات العالمية التي ستشكل نطاق المشروع وآليات تنفيذه. ولا شك في أن مثل هذه المشاريع الضخمة تتطلب كوادر بشرية استثنائية، وهو ما يعمل عليه توم من خلال تجميع فريق كبير يضم علماء من «كاوست» وخبراء عالميين لتقديم شيء لم يسبق له مثيل، يقول: «ما يجعل هذه المبادرة قادرة على تغيير قواعد اللعبة في مجال استعادة الشعاب المرجانية هو اشتمالها على توليفة من الخبرات والعناصر الفذة والمستقلة التي تم تجميعها معاً في مشروع واحد. وهي فرصة مواتية لتطبيق علوم عالمية المستوى تخرج من جامعة كاوست، فضلاً عن امتلاكها الموارد الفائقة والآليات اللازمة لتوسيع نطاقها».


جزيرة شوشة بالقرب من «نيوم» ستكون موقعاً لأحد أكبر مشاريع ترميم الشعاب المرجانية في العالم

تلعب «كاوست» دوراً محورياً في هذا المشروع الواعد، حيث توفر التمويل والبنية التحتية البحثية الشاملة والمختبرات المتطورة والتقنيات الرائدة. ويقدم «نيوم» الرؤية الشاملة والبنية التحتية التشغيلية والمواقع المخصصة لزراعة وتكاثر المرجان. ويقوم فريق دولي من الخبراء متعددي التخصصات الذين عمل توم مور على تعيينهم منذ وصوله - من المهندسين الذين يمكنهم بناء نظم أساسية لدعم الحياة، إلى مديري المشاريع الذين يمكنهم تشغيل المرافق المعقدة، إلى علماء البحار الذين لديهم معرفة عميقة بالبحر الأحمر وترميم الشعاب المرجانية، وأخيراً القوى العاملة من الغواصين اللازمين لزراعة الشعاب المرجانية.
يذكر أن عدة منظمات إقليمية ودولية مختلفة تسهم أيضاً في دعم الخبرات الداخلية لـ«كاوست» الخاصة بهذا المشروع، بما في ذلك اتحاد استعادة المرجان، ومؤسسة استعادة المرجان، و«NOAA»، والمعهد الأسترالي للعلوم البحرية، و«Oceans Inc»، وشركة كورال فيتا، ومنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان (CORDAP) في «كاوست» التي نشأت خلال رئاسة المملكة العربية السعودية لمجموعة العشرين (G20) في عام 2020. وتتمثل مهمتها في دعم المبادرات الحالية والجديدة التي تركز على الحفاظ على الشعاب المرجانية وتكيفها ودعم جهود ترميمها وتكميلها على أوسع نطاق.
يشار إلى أن البروفسور كارلوس دوارتي، أستاذ علوم البحار المتميز في «كاوست»، هو من بين العلماء في مركز أبحاث المرجان بـ«كاوست» الذين يعملون على إيجاد وتطبيق حلول استعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وفي عدد من المواقع الدولية من خلال دوره كمدير تنفيذي لمنصة تسريع أبحاث وتطوير المرجان في الجامعة. يقول دوارتي: «الشعاب المرجانية هي أول نظام بيئي معرض لخطر الانقراض - شبه الوظيفي - في ظل ظاهرة تغير المناخ، ونحن بحاجة إلى زيادة قدرتنا على استعادتها من بضعة هكتارات إلى كيلومترات مربعة وما بعدها. وفي ظل ذلك، يقدم هذا المشروع فرصة فريدة لاختبار وتطوير معرفتنا والتعلم من خلال العمل في هذا المجال الحرج لمستقبل محيطاتنا والبحر الأحمر. إنه منارة الأمل التي تأتي من المملكة إلى العالم».
ويوضّح توم أن عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها شهدت تطوراً كبيراً منذ تسعينات القرن الماضي، أي قبل تهديد ظاهرة ابيضاض المرجان اليوم. كان علماء الأحياء حينئذٍ ينفذون عمليات الاستعادة استجابةً لجنوح السفن والحوادث البحرية الناتجة عن ارتطام السفن بالشعاب المرجانية وتأثيرات بناء السواحل. وكانت معظم الجهود تتم بدعم مالي وتقني محدود. وظل الأمر كذلك حتى أوائل عام 2000 عندما عمل علماء الأحياء البحرية في الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، على إصلاح الأضرار الناجمة من ترسانات السفن على الشعاب المرجانية في منطقة البحر الكاريبي، حيث بدأت الوكالة في التفكير بشكل مختلف حول آلية استعادة المرجان، خصوصاً بعد هلاك نوعين رئيسيين من الشعاب المرجانية على نطاق واسع بسبب الابيضاض والأمراض. ومع ذلك، لم يتم اتخاذ إجراءات مباشرة للحفاظ على البيئة وإدارة تدهورها على الوجه الأكمل، يقول توم: «لقد عرفنا كيفية إصلاح الموائل الأخرى مثل الأعشاب البحرية وأشجار المنغروف، لكننا لم نعرف كيفية إصلاح الشعاب المرجانية».

حماية الشعاب
مع استمرار تدهور الشعاب المرجانية، بدأ توم والعلماء الآخرون بالمنطقة في التساؤل عما إذا كانت التقنيات نفسها التي استخدمتها المشاريع المجتمعية الصغيرة وتجارة الأحواض المائية لعقود من الزمن - مثل تفتيت الشعاب المرجانية الفردية إلى مئات القطع الصغيرة (المستنسخات الجينية) وتنمية المستعمرات المرجانية - يمكن استخدامها لإصلاح الشعاب المرجانية في المواقع المتضررة، أم لا. وهنا بدأت الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي جهوداً مركزة لاستعادة المرجان باستخدام هذا النهج في نطاقات كبيرة، عبر إنشاء مشاتل مرجانية صغيرة في المحيط الأطلسي وفي جميع أنحاء فلوريدا ومنطقة البحر الكاريبي.
نجحت هذه الطريقة، لكن توم قال إنه باستثناء عدد قليل من الأطراف المشاركة، فإن بقية العالم لم ينتبه لحجم المشكلة وكانت أغلب الجهود البيئية مركزة على المناطق البحرية المحمية، ومشكلات التلوث البري، والصيد الجائر، وحلول تغير المناخ. وفيما تلعب كل منطقة دوراً حاسماً في تعافي الشعاب المرجانية، فإنها لا تستطيع معالجة التحدي بمفردها. ولم ينتبه العالم لحجم الضرر الذي لحق بالنظام البيئي للشعاب المرجانية حتى عام 2015 عندما أصبحت ظاهرة ابيضاض المرجان منتشرة بشكل مزداد حتى بدأ دعاة الحفاظ على البيئة على مستوى العالم في التحدث بجدية عن استراتيجيات ملحة لترميم المرجان.
في عام 2016، شكل توم مور والمتعاونون معه ائتلاف استعادة الشعاب المرجانية، وهو مكان تبادل المعلومات وحلول «العصف الذهني» (شحذ الذهن) للممارسين والمعلمين والمديرين والعلماء وغيرهم من المشاركين في الحفاظ على الشعاب المرجانية. وسرعان ما تطور هذا الاتحاد من مجموعة صغيرة مقرها منطقة البحر الكاريبي إلى مجتمع دولي فاعل.
وكان مؤتمر مستقبل المرجان 2018 نقطة انطلاق الائتلاف، حيث ناقش فيه المشاركون كيفية توسيع عمليات استعادة الشعاب المرجانية وترميمها على نطاق أكبر وأكثر تركيزاً. بينما وضع كثير من المجموعات خططاً خاصة تتناول هذه القضية، لم يكن أي طرف على استعداد لتولي الاستثمار الحقيقي المطلوب، حتى تقدمت «كاوست»، بالتعاون مع نيوم وحكومة المملكة العربية السعودية، وشُكلت مبادرة «كاوست» لاستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة، وبدأت العمل على قدمٍ وساق لاستعادة المرجان.
يشرح توم: «يحاول علماء الأحياء حل المشكلات الهندسية في مناطق ترميم الشعاب المرجانية باستخدام الشريط اللاصق والأربطة ذات الزمام المنزلق والأنابيب البلاستيكية والصمغ السريع منذ عقدين من الزمن وحتى يومنا هذا، إلا أن ما نحتاج إليه فعلاً هو أن يطور المهندسون حلولاً مبتكرة ومخصصة لهذه المشكلات. ولحسن الحظ، كان التفكير المبتكر سمة باحثي (كاوست). لا يوجد مشروع في العالم مماثل لهذا المشروع مطلقاً من ناحية الدعم الحكومي الكامل، والاستثمار والاستعداد لتوسيع نطاقه، ووجود فريق من الخبراء الذين يمكنهم تحقيق ذلك».

أساليب مبتكرة
ستسهم «كاوست» - باعتبارها شريكاً رئيسياً في هذا المشروع - بموارد وخبرات من مختلف التخصصات لتنفيذ المشروع، بما في ذلك التقنيات التي تطورها والمصممة لتوفير طرق أكثر كفاءة لنمو الشعاب المرجانية وزراعتها مثل تقنية (KAUST Maritechture) لتغطية الحدائق المرجانية بالهياكل الصناعية. وسيعمل باحثو الجامعة على تطوير سلسلة توريد أفضل للشعاب المرجانية باستخدام أدوات مثل الروبوتات والتصنيع التكيفي ثلاثي الأبعاد، والمساعدة في تعزيز مرونة وحياة الشعاب المرجانية باستخدام أساليب متطورة من العلوم البيولوجية.
وكمثال على جهود «كاوست» في هذا المجال، يقوم البروفسور مانويل أراندا، أستاذ البيولوجيا التطورية في «كاوست»، بتطبيق خبرته في علم الجينوم المرجاني على المشروع من خلال تحديد الجينات التي تجعل مستعمرات مرجانية معينة أكثر مقاومة للحرارة من غيرها من خلال التكاثر الانتقائي الذي يمكن من خلاله إدخال هذه السمات المرنة إلى مجموعات المستعمرات المرجانية الأقل تحملاً لمنحهم فرصة أفضل للبقاء في ظل درجات حرارة أكثر دفئاً. وفي دراسة أخرى، تعمل البروفسورة شارلوت هاوزر، أستاذة العلوم الحيوية في «كاوست»، على تطوير هياكل عظمية مطبوعة بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مغلفة بمادة تسرع نمو المرجان. وهي نفسها الهياكل الصناعية التي سيستخدمها العلماء في المشروع لزراعة الشعاب المرجانية. كما تبحث البروفسورة راكيل بيكسوتو، أستاذة علوم البحار في «كاوست» وزميلة الجمعية الدولية للشعاب المرجانية منذ عقود في كيفية استخدام البكتيريا لدعم الكائنات الحية المختلفة والنظم البيئية الطبيعية الحيوية، على اليابسة وتحت الماء. ويعد عملها الثوري في المعززات الحيوية المرجانية (البروبيوتيك) مثالاً مهماً آخر على مساهمات أعضاء هيئة التدريس بـ«كاوست» في حلول الترميم واستعادة الشعاب المرجانية في جزيرة شوشة.
يقول إيان كامبل، المدير التنفيذي للمشاريع الخاصة في «كاوست» الذي يشرف على المبادرة في جزيرة شوشة: «نريد تقديم مشروع لترميم الشعاب المرجانية على نطاق واسع، وفي الوقت نفسه نرغب باستخدام مناهج استعادة بيئية شاملة تضم الأساليب التقليدية والحديثة والمبتكرة من خلال إدماج تقنيات تحليل البيانات والذكاء الصناعي لإنشاء نموذج عمل مستدام. يتمثل هدفنا بتسخير مواردنا المتميزة لبناء حلول يمكن أن تدعم المشاريع الأخرى في جميع أنحاء المنطقة والعالم».
يحتوي الموقع الذي تم اختياره للمشروع على شعاب مرجانية في حالة سليمة وأخرى سيئة على حد سواء، التي قال توم إنها توفر فرصاً لتطبيق واختبار استراتيجيات الاستعادة المختلفة. من المقرر زرع أكثر من 5 آلاف من الشعاب المرجانية كل يوم، بإنتاجية تقريبية تصل إلى نصف المليون من الشعاب المرجانية سنوياً، ومليونين من الشعاب المرجانية على مدار خمس سنوات. وسيتم استخدام هياكل صناعية خاصة عند الحاجة مصممة لدعم الشعاب المرجانية ومساعدتها في النمو لتشكل مستعمرات كبيرة، فضلاً عن استخدامها لزراعة المرجان على الشعاب المرجانية الحالية.
سيستخدم العلماء شعاباً مرجانية من عدة مصادر متنوعة، مع التركيز على تلك التي تنمو في المشاتل، سواء في المحيطات أو تلك التي في مرافق خاصة وتستخدم أنظمة إضاءة مثلى وظروف نمو قابل للضبط. وسيعمل الفريق على الحد من استخدام المرجان الموجود قدر الإمكان. كما سيستفيد المشروع من المرجان الذي تضرر وانفصل عن شعابه بفعل العواصف أو مشاريع البناء.
ويؤكد توم أن الهدف الرئيسي من هذا المشروع هو زيادة مرونة وتنوع الشعاب المرجانية، يقول: «لا يمكنك نقل الشعاب المرجانية من جميع الأنحاء والأعماق المختلفة إلى مواقع جديدة. فلا يوجد حل واحد يناسب الجميع. نحن بحاجة إلى التفكير مَلِيّاً بشأن الشعاب المرجانية التي يمكن أن تنمو وتزدهر في الموقع، بالإضافة إلى الشعاب المرجانية النادرة التي تتكاثر لَاجِنْسِيّاً».

ولهذه الغاية، ستحتوي الخطة الرئيسية التي يجري تطويرها للموقع على مئات من المناطق التشغيلية تضم شبكة من الوحدات، لكل منها خطتها الوصفية الخاصة. وسترصد أجهزة الاستشعار وتقنيات المراقبة الرقمية الأخرى الشعاب المرجانية التي تعيش بشكل جيد وستحدد مواقعها، حيث تساعد هذه المعلومات في اتخاذ قرارات حول الاستراتيجيات التي تُمكن الشعاب المرجانية من الازدهار في المستقبل. وبكل تأكيد، ستلعب القدرات والموارد الحاسوبية المتفوقة في «كاوست» دوراً كبيراً في هذا الجهد. يقول توم مور: «يستعرض هذا المشروع الإمكانات والتقنيات الحالية والمستقبلية لـ(كاوست) في مجال حماية التنوع الحيوي والتي ستساعدنا في الاختيار الصحيح للمرجان وبطريقة ذكية تجعل الشعاب المرجانية أكثر قوة وصحة».

مركز تعليمي
بمجرد بدء المشروع وسريانه، سيتم إنشاء مركز زوار ومنشأة بحثية لتوفير فرص تعليمية وتبادل مستمر للعلماء والطلبة والسياح على حد سواء، وتسهيل وصول الزوار من جميع أنحاء المملكة والعالم. وسيضم مركز الزوار معارض تعليمية تفاعلية لزيادة الوعي بالبيئات البحرية، بما في ذلك العروض المرئية التي قال توم إنها ستكون «التوأم الرقمي» لتجربة استعادة المرجان تحت الماء. ستكون منشأة البحث مركزاً متطوراً لباحثي «نيوم» وباحثي «كاوست» والعلماء المقيمين لدراسة الشعاب المرجانية هناك وفي المناطق المجاورة.
يفيد توم بأنهم لا يزالون يستكشفون الفرص المختلفة لهذا المشروع ويدرسون الجوانب الأخرى منه. وأشار إلى أن المشروع من المرجح أن يوجّه الابتكارات بقدر ما ستوجّه الابتكارات المشروع، يقول: «إنه طريق ذو اتجاهين. ما هو مناسب للعلماء في مختبر على نطاق صغير قد لا يعمل بشكل جيد على نطاق منشأة ضخمة. لهذا نحتاج إجراء مزيد من النقاشات والتقارير حول هذا المشروع مع العلماء والمشاركين بالموقع لمساعدتهم في فهم الأساليب والأمور التي تعمل بشكل أفضل في هذا المجال، وبالتالي نتمكن من الخروج بتقنيات وأساليب جديدة ومحسنة لم نفكر فيها في البداية».
وعلق مدير مركز أبحاث البحر الأحمر في «كاوست»، البروفسور مايكل بيرومين على المشروع بقوله: «نعيش اليوم في وقت حرج بيئياً يستدعي تدخلات جريئة وطموحة للحفاظ على الشعاب المرجانية ومعالجة التحديات التي تواجهها على مستوى العالم باستخدام مناهج مبتكرة تغطي تخصصات علمية متعددة. ولا شك أن (كاوست)، التي يعد البحر الأحمر أكبر مختبراتها، في وضع فريد يؤهلها لتكون مركزاً للأبحاث والتطورات التكنولوجية التي سيكون لها تأثير محلي وعالمي».
بدأ فريق مبادرة استعادة الشعاب المرجانية في «كاوست» إطلاقاً مَبْدَئِيّاً للمشروع خلال مؤتمر مستقبل الشعاب المرجانية (Reef Futures 2022) في الفترة من 26 إلى 30 سبتمبر (أيلول) 2022 في كي لارغو بولاية فلوريدا الأميركية، وهو مؤتمر دولي لاستعادة الشعاب المرجانية يجمع ممارسي الاستعادة والباحثين والمديرين وصانعي السياسات من جميع أنحاء العالم لمناقشة أحدث التقنيات والعلوم لتوسيع نطاق وتأثير جهود استعادة الشعاب المرجانية في العالم بشكل كبير.


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

صواريخ الدفع الحراري النووي لاستكشاف المريخ

رسم تصويري لصواريخ الدفع الحراري النووي
رسم تصويري لصواريخ الدفع الحراري النووي
TT

صواريخ الدفع الحراري النووي لاستكشاف المريخ

رسم تصويري لصواريخ الدفع الحراري النووي
رسم تصويري لصواريخ الدفع الحراري النووي

تطوّر وكالة «ناسا» الفضائية الأميركية تقنية بديلة للصواريخ ذات الدفع الكيميائي التي تستغرق وقتاً طويلاً للوصول إلى الكواكب الأخرى.

دفع حراري نووي

تُسمى هذه التقنية «الدفع الحراري النووي»، الذي يستخدم الانشطار النووي ويمكنه في يوم ما تزويد صاروخ بالطاقة من شأنه أن يقطع الرحلة في نصف الوقت الحالي فقط.

يشتمل الانشطار النووي على إنتاج كمية هائلة من الطاقة المنبعثة عند انقسام ذرة بواسطة نيوترون. يُعرف هذا التفاعل باسم التفاعل الانشطاري. وتقنية الانشطار معروفة في توليد الطاقة، وتسيير الغواصات النووية، وقد يؤدي تطبيقها في دفع أو تشغيل صاروخ إلى تزويد «ناسا» يوماً ما ببديل أسرع وأقوى للصواريخ التي تعمل بالطاقة الكيميائية.

وتُطور «ناسا» سوياً مع وكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة تقنية الدفع الحراري النووي. وتُخطط الهيئتان لنشر وإثبات قدرات نظام نموذجي في الفضاء في عام 2027؛ ما يجعله من المحتمل أن يكون أحد أول النماذج التي يتم بناؤها وتشغيلها من قِبل الولايات المتحدة.

يمكن للدفع الحراري النووي يوماً ما تشغيل منصات فضائية قابلة للمناورة من شأنها حماية الأقمار الاصطناعية الأميركية في مدار الأرض وخارجها. لكن التكنولوجيا لا تزال قيد التطوير.

أنا أستاذ مشارك في الهندسة النووية في معهد جورجيا للتكنولوجيا، ومجموعة البحث خاصتي تبني نماذج ومحاكاة لتحسين وتحقيق الاستخدام الأمثل لأنظمة الدفع الحراري النووي. وأملي وشغفي المساعدة في تصميم محرك الدفع الحراري النووي الذي سينطلق في رحلة مأهولة إلى المريخ.

الدفع النووي مقابل الدفع الكيميائي

تستخدم أنظمة الدفع الكيميائي التقليدية تفاعلاً كيميائياً يتضمن وقوداً دافعاً خفيفاً، مثل الهيدروجين، مع العامل المؤكسد. وعند مزجهما معاً، يشتعل العنصران؛ ما يؤدي إلى خروج المادة الدافعة من الفوهة بسرعة كبيرة لدفع الصاروخ.

لا تتطلب هذه الأنظمة أي نوع من نظم الإشعال، وبالتالي فهي موثوقة. لكن يجب على الصواريخ حمل الأكسجين معها إلى الفضاء؛ مما قد يثقلها. وبالمقابل، تعتمد أنظمة الدفع الحراري النووي، على عكس أنظمة الدفع الكيميائي، على تفاعلات الانشطار النووي لتسخين المادة الدافعة التي تُطرد بعدها من الفوهة لإنشاء القوة الدافعة أو الدفع.

في الكثير من تفاعلات الانشطار، يرسل الباحثون نيوتروناً نحو نظير أخف من اليورانيوم، وهو «اليورانيوم - 235». يمتص اليورانيوم النيوترون؛ مما يخلق «اليورانيوم - 236». ثم ينقسم «اليورانيوم - 236» شظيتين - منتجاً الانشطار - ويُطلق التفاعل بعض الجسيمات المتنوعة.

الانشطار النووي لتوليد الطاقة

تستخدم أكثر من 400 محطة للطاقة النووية قيد التشغيل حول العالم حالياً تكنولوجيا الانشطار النووي. وأغلب هذه المفاعلات النووية العاملة هي مفاعلات الماء الخفيف. تستخدم هذه المفاعلات الانشطارية الماء لإبطاء النيوترونات ولامتصاص ونقل الحرارة. يمكن للماء توليد البخار مباشرة في قلب المفاعل أو في مولد البخار، والذي يحرك توربيناً لإنتاج الكهرباء.

تعمل أنظمة الدفع الحراري النووي بطريقة مماثلة، لكنها تستخدم وقوداً نووياً مختلفاً يحتوي على المزيد من «اليورانيوم - 235». كما أنها تعمل في درجة حرارة أعلى بكثير؛ ما يجعلها قوية للغاية ومكثفة. وتتمتع أنظمة الدفع الحراري النووي بكثافة طاقة تزيد بنحو 10 مرات على مفاعل المياه الخفيفة التقليدي.

قد يكون الدفع النووي متقدماً عن الدفع الكيميائي لأسباب عدة. إذ يطرد الدفع النووي المادة الدافعة من فوهة المحرك بسرعة كبيرة؛ ما يولد قوة دفع عالية. ويسمح هذا الدفع العالي للصاروخ بالتسارع بشكل أسرع.

كما تتميز هذه الأنظمة أيضاً بدفع نوعي عالٍ. يقيس الدفع النوعي مدى كفاءة استخدام الوقود الدافع لتوليد الدفع. وتتمتع أنظمة الدفع الحراري النووي بدفع نوعي يبلغ نحو ضعف الدفع النوعي للصواريخ الكيميائية؛ مما يعني أنها يمكن أن تقلل وقت السفر إلى النصف.

تاريخ الدفع الحراري النووي

لمدة عقود، موّلت الحكومة الأميركية تطوير تقنية الدفع الحراري النووي. بين عامي 1955 و1973، أنتجت برامج في وكالة «ناسا» وشركة «جنرال إلكتريك» ومختبرات «أرغون» الوطنية، واختبرت 20 محرك دفع حراري نووي على الأرض.

لكن هذه التصاميم التي سبقت عام 1973 اعتمدت على وقود اليورانيوم عالي التخصيب. ولم يعد هذا الوقود مُستخدماً بسبب مخاطر الانتشار النووي، أو المخاطر المتعلقة بانتشار المواد والتكنولوجيا النووية.

تهدف مبادرة الحد من التهديدات العالمية، التي أطلقتها وزارة الطاقة وإدارة الأمن النووي، إلى تحويل الكثير من المفاعلات البحثية التي تستخدم وقود اليورانيوم عالي التخصيب إلى وقود اليورانيوم عالي الكثافة منخفض التخصيب، أو وقود «الهاليو».

يحتوي وقود اليورانيوم عالي الكثافة منخفض التخصيب HALEU على كمية أقل من المواد القادرة على الخضوع لتفاعل الانشطار، مقارنة بوقود اليورانيوم عالي التخصيب. لذلك؛ يحتاج الصاروخ إلى تحميل المزيد من وقود HALEU هذا؛ ما يجعل المحرك أثقل. ولحل هذه المشكلة، يبحث الباحثون عن مواد خاصة من شأنها استخدام الوقود بشكل أكثر كفاءة في هذه المفاعلات.

يهدف «برنامج الصواريخ التجريبية للعمليات الأرض - قمرية الخفيفة» أو «دراكو» DRACO التابع لوكالة «ناسا» ووكالة مشروعات أبحاث الدفاع المتقدمة «داربا»، إلى استخدام وقود اليورانيوم عالي الكثافة منخفض التخصيب في محرك الدفع الحراري النووي الخاص به. ويخطط البرنامج لإطلاق صاروخه في عام 2027.

وكجزء من برنامج «دراكو»، تعاونت شركة «لوكهيد مارتن» للفضاء مع شركة «بي دبليو إكس تكنولوجيز» لتطوير تصميمات المفاعل والوقود.

سيتعين على محركات الدفع الحراري النووي التي تطورها هذه المجموعات الامتثال لمعايير الأداء والسلامة المحددة. كما سيتعين عليها أن يكون لديها قلب قادر على العمل طوال مدة المهمة وأداء المناورات اللازمة للرحلة السريعة إلى المريخ.

ومن الناحية المثالية، يجب أن يكون المحرك قادراً على إنتاج دفع نوعي عالٍ، مع استيفاء متطلبات الدفع العالي وكتلة المحرك المنخفضة.

بحوث متواصلة

قبل أن يتمكن المهندسون من تصميم محرك يلبي جميع هذه المعايير، يجب عليهم البدء بالنماذج والمحاكاة. وتساعد هذه النماذج الباحثين، مثل أولئك الموجودين في مجموعتي، على فهم كيفية تشغيل وإيقاف المحرك. هذه عمليات تتطلب تغييرات سريعة وهائلة في درجة الحرارة والضغط.

سيختلف محرك الدفع الحراري النووي عن جميع أنظمة الطاقة الانشطارية الحالية؛ لذلك سيحتاج المهندسون إلى إنشاء أدوات برمجية تعمل مع هذا المحرك الجديد.

يعمل فريقي على تصميم وتحليل مفاعلات الدفع الحراري النووي باستخدام النماذج. نعمل على نمذجة ومحاكاة الأنظمة المعقدة للمفاعل لمعرفة كيف يمكن لأمور مثل التغيرات في درجة الحرارة على المفاعل وسلامة الصاروخ. لكن محاكاة هذه التأثيرات يمكن أن يستغرق الكثير من قوة الحوسبة المكلفة.

لقد عملنا على تطوير أدوات حوسبة جديدة تحاكي كيفية عمل هذه المفاعلات أثناء بدء التشغيل ومباشرة التشغيل من دون استخدام الكثير من قوة الحوسبة. ونأمل أن يساعد هذا البحث يوماً ما في تطوير نماذج يمكنها التحكم في الصاروخ بشكل مستقل.

* أستاذ مشارك في الهندسة النووية والإشعاعية بمعهد جورجيا للتكنولوجيا - مجلة «فاست كومباني»

- خدمات «تريبيون ميديا»