أساطير ورموز تضيء مسرحيات صلاح عبد الصبور

دراسة تحليلية ترصد أبعادها ودلالاتها

أساطير ورموز تضيء مسرحيات صلاح عبد الصبور
TT

أساطير ورموز تضيء مسرحيات صلاح عبد الصبور

أساطير ورموز تضيء مسرحيات صلاح عبد الصبور

رغم أن هذا الكتاب يحمل عنوان «تحليل الرمز في مسرح صلاح عبد الصبور – دراسة تحليلية»، فإن مؤلفه د.صلاح شفيع لا يقتصر على فضاء المسرح فقط في تجربة عبد الصبور (1931 - 1981) بل يمتد إلى شعره. مشيراً في بداية الكتاب إلى أن البعد الأسطوري في إبداع عبد الصبور ظهر مبكراً وتحديداً في ديوانه «شجر الليل» حيث يوظِّف أسطورة «ميدوزا» الإغريقية الشهيرة فيجعل مصر جوهرة من ينظر إليها يتحول إلى حجر:
«من يُدِم النظرَ إليها يرتدّ إليه النظر المحسور
ويهوي في قاع النوم المسحور
حتى أجل الآجال»
وفي قصيدة «موت فلاح» بديوانه «أقول لكم» تطل أسطورة «سيزيف» والصخرة السمراء «ظلت بين منكبيه ثابتة»، كما تلوح أسطورة «أوزريس» الفرعونية في قصيدة «أغنية للقاهرة» حيث تضغط المدينة عليه بضراوة وتتفتت عظامه على شوارعها مثلما تبعثرت أشلاء أوزريس في أنحاء الوادي، ومن ثم يستدعي الأسطورة ليتقمص شخصية بطلها الذي كُتب له الخلود حين لملمت زوجته أشلاءه، ما يعكس التوق إلى الحياة المتجددة تحصناً ضد قهر المدينة له.
وفي مسرحية «مسافر ليل» يستخدم عبد الصبور لفظ «الحوت» بحمولاته المستلهمة من قصة نبي الله يونس مرتين، فعندما سُئل الشاعر عن الجلاد المقتول قال: «فهو الآن حبيس في بطن الحوت الأبدي» كما يستخدمه في وصف عربة القطار: «تبدو مظلمة كبطن الحوت الميت»، فالحوت عند عبد الصبور يرمز إلى القبر والسجن وضياع من فيه إلا إذا تمسكوا بالإيمان.
وترد لفظة «الخبز» في مسرحية «الأميرة تنتظر» محملة بطاقة رمزية عبر حوار «القرندل» مع الوصيفة الثالثة التي تسأل: «هل لك في لقمة خبز؟»، فيجيبها القرندل: «خبزي لم ينضج بعد»، فتسأله: «ومتى ينضج خبزك؟»، فيجيبها: «حين أغنّي». إن نضج خبزه هو تمام الأغنية ولا تتم الأغنية إلا بقتل «السمندل» أي ولادة الصدق وموت الكذب والزيف، فالقمح والخبز صنوان للحرية. ويؤمن الشاعر بأن انعدام الحرية يأتي نتيجة طبيعية لانعدام الخبز، كما في مسرحية «ليلى والمجنون» على لسان «حسان» الذي يقول:
«ما تملكه يا مولاي الشاعر لا يُطعم طفلاً كسرة خبز». ويتكرر رمز «الخبز» كذلك في مسرحية «بعد أن يموت الملك» على لسان الشاعر:
«طفلاً لا أملك أن أعطيها
فأنا خاوٍ مذ بعت الحرية بالخبز»
ويوضح المؤلف في كتابه الصادر حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، أن النار التي ارتبطت في الأساطير الإغريقية بـ«بروميثيوس» الذي سرقها وقدمها إلى الإنسان لتنطلق حياته إلى آفاق أكثر رحابة، فلولا النار ما حقق الإنسان شيئاً ذا بال. كما أن بها قدرة خارقة، مما دعا البعض إلى عبادتها. ومن النار خُلق إبليس اللعين مما دعاه إلى التمرد على الأمر الإلهي بالسجود لآدم. وقد جاءت النار عند صلاح عبد الصبور بهذا المدلول لتعني القدرة المطلقة. يقول عامل التذاكر في «مسافر ليل» موضحاً قدراته: «أو أبلع ناراً!». ويقول الحلاج في مسرحية «مأساة الحلاج»: «دعوني حتى تنفذ في بدني لتؤدّبني ألفاظ عتاب المحبوب النارية».
ولأن النار ترمز إلى القوة المبهمة نراها ترتبط عند عبد الصبور بالرغبة الحسية، ففي «الأميرة تنتظر» يترادف لفظا الرغبة والنار، وهو ما يتجلى في قول «السمندل»: «صارت بنت العشرين تحت جناحي امرأة حافلة بالرغبة والنار». وتخاطب الأميرة في لحظة ضلالها «السمندل» بقولها:
«يداك حبل وضلوعي عربة
قدني إلى حدائق النيران!»
وحول حضور المكان ورمزيته في مسرح عبد الصبور، يشير المؤلف إلى مركزية السجن أو الزنزانة في معظم أعماله كمرادف لـ«الغياب الزمني»، حيث كتب مسرحياته في حقبة الستينات التي شهدت دخول بعض المثقفين السجن كنوع من الاعتقال السياسي. وفي «مأساة الحلاج»، استخدم السجن بشكل مباشر عندما وضع البطل داخله، لكن الحلاج لم يكن مغيباً داخله لأنه كان يحمل كلماته القادرة على بعث الحياة، لهذا يرد الحياة لأحد السجينين ويجعله ثائراً لحياته قيمة. وفي السجن تتبدد ظلمة حيرته بنور الاختيار بين السيف أو الكلمة. في دلالة على محنة الإرادة الإنسانية، حينما تكبَّل بالأغلال، وتفقد حريتها، ويراوح فعل المقاومة، ما بين التمرد والرفض، أو الإذعان والسقوط في الهاوية.
أيضاً في «الأميرة تنتظر» يتجلى الفضاء المسرحي عبر مكانين هما «الكوخ» و«قصر الورد». تعيش الأميرة في الكوخ منذ خمسة عشر خريفاً في هوّة نفي انزلقت إليها بخطيئتها وهي تنتظر الرجوع إلى قصر الورد. ترمز البطلة ليلى، الأميرة، الملكة، إلى الوطن بكل مكوناته من أرض وناس وتاريخ، وضمنياً يرمز القصر إلى الأرض. وبموت «السمندل» ينتهي الغياب وتعود الأميرة إلى القصر.
ومن مفردات الرمز في ديكور مسرحيات صلاح عبد الصبور، كما أراد هو في النص الأصلي، نجد على سبيل المثال نجمة مأمور شرطة أميركي بحوزة «عامل التذاكر» الذي نصَّب نفسه قاضياً يحاكم الراكب بتهمة سرقة البطاقة البيضاء في مسرحية «مسافر ليل». ولاستكمال صورة القاضي يستخرج «النجمة» ويعلقها على صدره، في إشارة إلى تنصيب الولايات المتحدة نفسها قاضياً وشرطياً على العالم رغم جرائمها، بخاصة في حرب فيتنام التي وقعت في توقيت قريب من زمن كتابة المسرحية وأحدثت هزة في ضمير العالم آنذاك بل داخل أميركا نفسها.


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.