الصين... تحديات داخلية وخارجية على وقع «معركة أوكرانيا»

الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ف.ب)
TT

الصين... تحديات داخلية وخارجية على وقع «معركة أوكرانيا»

الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ (أ.ف.ب)

واصل شي جينبينغ السياسة التي انتهجها سابقوه منذ قررت الصين التحرر من النظرة الضيقة إلى الحكم الشيوعي لتنتهج ما تمكن تسميته «شيوعية رأسمالية» (أو رأسمالية موجَّهة من الدولة)، أي اقتصاد متوثّب ينمو بسرعة كبيرة، في ظل نظام سياسي صارم يتولاه حزب واحد يحكم ملياراً و400 مليون شخص.
والحقيقة أن الرجل الذي يجلس على الكرسيّ الأول نجح في ولايتيه الأولى والثانية في القضاء على الفقر المدقع، وعالج جزئياً الدور السلبي للصين في التسبب بالتغيّر المناخي، وحارب الفساد الذي كان مستشرياً في البلاد، وبالطبع حقق الاقتصاد في عهده قفزات كبيرة على الرغم من التحديات والصعاب خصوصاً في فترة الجائحة التي لفّت العالم. كذلك، غيرت الصين سياستها الخارجية فخرجت من قوقعتها لتصير أكبر مُقرِض في العالم من خلال مبادرة «الحزام والطريق» التي تشمل مشاريع بنية تحتية ضخمة وبرنامج تنمية على مستوى الكرة الأرضية.
في السنوات الخمس الآتية تُقبل الصين على عالم متغيّر جيوسياسياً، وبالتالي جيواقتصادياً. وقد حدّد شي الخطوط العريضة لموقفه في خطابه أمام 2300 مندوب في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي، حين قال: «يجب أن نعمّق إدراكنا لمفهوم المعاناة، والتفكير في الأساسيات، والاستعداد للخطر في وقت السلم، والجاهزية لمواجهة اختبارات كبيرة ورياح عاتية وأمواج عالية».
قبل الكلام عن التحديات والأخطار، يجدر بنا أن نشير إلى أنه عندما وصل شي جينبينغ إلى أعلى هرم السلطة عام 2012، وكان يومذاك في التاسعة والخمسين، كان الاقتصاد مزدهراً والناتج المحلي الإجمالي ينمو بمعدل سنوي متوسطه 10٪ لأكثر من عقد. لكن التباطؤ كان حتميًا، وانخفضت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي كل عام تقريبًا. علاوة على ذلك، كان التفاوت المعيشي بين السكان يتزايد. كما ان تلوث الهواء والمياه بلغ مستويات كارثية اضطرت معها قرى وبلدات بأكملها أحيانًا إلى الانتقال إلى مواقع أخرى!
علما الصين وهونغ كونغ يرفرفان في المدينة (أ.ف.ب)
كذلك، كان عليه إيجاد التوازن بين الحؤول دون انفجار سكاني من جهة والحاجة إلى قوة عاملة فعّالة في بلاد تزداد شيخوخةً.
علاوة على ذلك، حلّت الجائحة في الصين – ويقال إنها انطلقت منها – فكان التصدي لها عبر سياسة «صفر كوفيد» التي أثبتت نجاحاً من الناحية الصحية، لكنها ضربت الاقتصاد في العمق، علماً أن القيادة لا تزال متمسكة بها، وكلما حصل انتشار للفيروس تسارع السلطات إلى الإقفال والعزل غير آبهة بالانتقادات والتململ الشعبي.
نجح شي في التصدي لبعض المشكلات، وتعايش مع أخرى. والأهم أن الصين لا تزال تسير بخطى ثابتة عموماً في اتجاه تبوّؤ المرتبة الأولى في سلّم الاقتصاد العالمي قبل الولايات المتحدة. ويكفي هنا أن نذكر أن الناتج الصيني تضاعف في عهد شي وصولاً إلى 17.7 تريليون دولار سنوياً. غير أن حواجز كثيرة قد تعرقل المسيرة، خصوصاً منها التحديات الخارجية.
*الصين والتحديات
كان لا بد للمارد الأصفر أن يخرج من القمقم، فالقوة الاقتصادية ترافقها حتماً طموحات سياسية، إن لم يكن جشعاً وسعياً إلى غَرف المزيد من الثروات، فأقلّه تحصيناً للمنجزات وبحثاً عن أسواق للحفاظ على ما تحقق وتطويره.
من هنا كان مشروع «الحزام والطريق» الاقتصادي - السياسي الذي بدوره حقق نجاحات متفاوتة بعد اصطدامه بعراقيل سياسية تحرص على زراعتها واشنطن بطبيعة الحال.
في مواجهة التحديات، اعتمدت بكين سياسة حازمة تجاه الاحتجاجات في هونغ كونغ (2019 – 2020) التي انتهت بفرض القانون الصيني المتشدد و«تحييد» قادة الانتفاضة وفرض السيطرة المباشرة على المنطقة التي اعتادت على التميز عن البر الصيني الرئيسي خلال الحكم البريطاني (1843 – 1997). وبررت بكين ذلك بتأكيدها أن الاحتجاجات كانت صنيعة أيادٍ خارجية هدفها زرع الفوضى وضرب الاستقرار.
وفي الداخل أيضاً، تواصل السلطات الصينية «إعادة تأهيل» أقلية الأويغور التي تعلو الأصوات في الغرب احتجاجاً على قمعها وزجّ الآلاف من أفرادها في معسكرات يخضعون داخلها للقمع وما يشبه محو الهوية والذاكرة...
كذلك، لم تحد بكين قيد أنملة عن سياسة تعتبر أن تايوان هي جزء لا يتجزأ من الصين، وأن استعادتها ستحصل عاجلاً أم آجلاً، بالحسنى أو بالقوة. وقد شاهدنا في الأشهر الأخيرة تصعيداً على تلك «الجبهة» بين الصين والجزيرة، وبين الأولى والولايات المتحدة الحاضنة للأمة الصينية الصغيرة، ومصدر أسلحتها، والعاملة دوماً عبر التصريحات وزيارات المسؤولين على إعطائها شرعية الوجود، وإن تكن تايوان خارج الاعتراف الرسمي الأميركي والأممي...
دبابة وجنود خلال مناورات عسكرية تايوانية (إ.ف.ب)
في بحر الصين الجنوبي تعتمد بكين سياسة متشددة من منطلق أن لها حق السيادة وشرعية النفوذ في مياه تشكل مدى حيوياً لها وملعباً طبيعياً لمصالحها، فيما تدعم واشنطن الدول المشاطئة الأخرى لهذا البحر: تايوان، الفلبين، ماليزيا، بروناي، فيتنام، أندونيسيا.
ولعل الاستحقاق الخارجي الأكبر الذي على شي جينبينغ مواجهته هو التموضع في خضم المشهد العالمي المعقّد والمتجه إلى مزيد من التعقيد. فأين ستكون الصين في الآتي من الأيام؟
هل تشكل حلفاً صريحاً مع روسيا وربما الهند في مواجهة الغرب؟ هل تستطيع البقاء على موقف متحفظ كما تفعل حالياً في المواجهة الدائرة؟ أين ستقف إذا تصاعد التوتر بين شطرَي كوريا وتحول إلى مواجهة عسكرية؟ أيمكن أن تقدم على غزو تايوان وتستعيد بالقوة ما فقدته عام 1949؟
يمكن تلخيص كل ذلك وسواه بالقول إن على الصين أن تقرر ما إذا كانت تريد أن تبقى التاجر النشيط الذي عليه أن يحتفظ بعلاقات طيبة مع جميع زبائنه، أم أن تصبح قوة عظمى سياسياً وعسكرياً (تحديث الجيش جارٍ على قدم وساق) يمكنها أن تجني الفوائد الاقتصادية المتأتية عن ذلك لاحقاً...
لعل الجواب يكمن في ما ستؤول إليه «معركة أوكرانيا»...


مقالات ذات صلة

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

العالم زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

زيلينسكي يطلب مساعدة الرئيس الصيني لإعادة أطفال أوكرانيين من روسيا

أدلى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بمزيد من التصريحات بشأن مكالمة هاتفية جرت أخيراً مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، في أول محادثة مباشرة بين الزعيمين منذ الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال زيلينسكي في كييف، الجمعة، بعد يومين من الاتصال الهاتفي، إنه خلال المكالمة، تحدث هو وشي عن سلامة الأراضي الأوكرانية ووحدتها «بما في ذلك شبه جزيرة القرم (التي ضمتها روسيا على البحر الأسود)» وميثاق الأمم المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
العالم الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

الصين ترفض اتهامها بتهديد هوية «التيبتيين»

تبرأت الصين، اليوم (الجمعة)، من اتهامات وجهها خبراء من الأمم المتحدة بإجبارها مئات الآلاف من التيبتيين على الالتحاق ببرامج «للتدريب المهني» تهدد هويتهم، ويمكن أن تؤدي إلى العمل القسري. وقال خبراء في بيان (الخميس)، إن «مئات الآلاف من التيبتيين تم تحويلهم من حياتهم الريفية التقليدية إلى وظائف تتطلب مهارات منخفضة وذات أجر منخفض منذ عام 2015، في إطار برنامج وُصف بأنه طوعي، لكن مشاركتهم قسرية». واكدت بكين أن «التيبت تتمتع بالاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية والوحدة العرقية وموحّدة دينياً ويعيش الناس (هناك) ويعملون في سلام». وأضافت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ، أن «المخاوف المز

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

البرلمان الياباني يوافق على اتفاقيتي التعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا

وافق البرلمان الياباني (دايت)، اليوم (الجمعة)، على اتفاقيتين للتعاون الدفاعي مع أستراليا وبريطانيا، ما يمهّد الطريق أمام سريان مفعولهما بمجرد أن تستكمل كانبيرا ولندن إجراءات الموافقة عليهما، وفق وكالة الأنباء الألمانية. وفي مسعى مستتر للتصدي للصعود العسكري للصين وموقفها العدائي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، سوف تجعل الاتفاقيتان لندن وكانبيرا أول وثاني شريكين لطوكيو في اتفاق الوصول المتبادل، بحسب وكالة كيودو اليابانية للأنباء. ووافق مجلس المستشارين الياباني (مجلس الشيوخ) على الاتفاقيتين التي تحدد قواعد نقل الأفراد والأسلحة والإمدادات بعدما أعطى مجلس النواب الضوء الأخضر لها في وقت سابق العام

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

الصين تُدخل «الحرب على كورونا» في كتب التاريخ بالمدارس

أثار كتاب التاريخ لتلاميذ المدارس الصينيين الذي يذكر استجابة البلاد لوباء «كورونا» لأول مرة نقاشاً على الإنترنت، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي). يتساءل البعض عما إذا كان الوصف ضمن الكتاب الذي يتناول محاربة البلاد للفيروس صحيحاً وموضوعياً. أعلن قادة الحزب الشيوعي الصيني «انتصاراً حاسماً» على الفيروس في وقت سابق من هذا العام. كما اتُهمت الدولة بعدم الشفافية في مشاركة بيانات فيروس «كورونا». بدأ مقطع فيديو قصير يُظهر فقرة من كتاب التاريخ المدرسي لطلاب الصف الثامن على «دويين»، النسخة المحلية الصينية من «تيك توك»، ينتشر منذ يوم الأربعاء. تم تحميله بواسطة مستخدم يبدو أنه مدرس تاريخ، ويوضح

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

تقرير: القوات البحرية الأوروبية تحجم عن عبور مضيق تايوان

شجّع مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، (الأحد) أساطيل الاتحاد الأوروبي على «القيام بدوريات» في المضيق الذي يفصل تايوان عن الصين. في أوروبا، تغامر فقط البحرية الفرنسية والبحرية الملكية بعبور المضيق بانتظام، بينما تحجم الدول الأوروبية الأخرى عن ذلك، وفق تقرير نشرته أمس (الخميس) صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية. ففي مقال له نُشر في صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الفرنسية، حث رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أوروبا على أن تكون أكثر «حضوراً في هذا الملف الذي يهمنا على الأصعدة الاقتصادية والتجارية والتكنولوجية».

«الشرق الأوسط» (بيروت)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.