لبنان: زيادة في احتياطات الدولار في {المركزي} تسبق موجة التضخم الوشيكة

للمرة الأولى منذ 2019... و«تبدّل نوعي» في سياسات البنك

TT

لبنان: زيادة في احتياطات الدولار في {المركزي} تسبق موجة التضخم الوشيكة

برز تطور لافت في ميزانية مصرف لبنان المركزي، تمثل بتسجيل زيادة شهرية في احتياطات العملات الصعبة بمبالغ تصل إلى نحو 418 مليون دولار خلال شهر واحد من منتصف الشهر الماضي، وهي الزيادة الشهرية الأولى من نوعها منذ خريف العام 2019، والذي يؤرخ لدخول البلاد مرحلة الانهيارات النقدية والمالية والتي تستمر بتوليد ضغوطها الحادة على سعر صرف العملة الوطنية.
وجاء هذا التطور اللافت على وقع استمرار التداولات النقدية في الأسواق الموازية فوق حدود 40 ألف ليرة لكل دولار، ووسط ترقبات لموجة جديدة من التضخم مطلع الشهر المقبل، مع بدء اعتماد سعر 15 ألف ليرة لكل دولار في احتساب الرسوم المتوجبة على المستوردات، والذي سينعكس تلقائياً على احتساب الضريبة على القيمة المضافة البالغة 11 في المائة على معظم السلع والمنتجات في أسواق الاستهلاك، علماً بأن مؤشر الغلاء التراكمي تعدى 1300 في المائة على مدى 3 سنوات.
وقد أدى انحسار الدور المحوري للبنك المركزي في إدارة سوق القطع وعمليات المبادلات بسبب الانكماش المتوالي والحاد في احتياطاته، إلى تشوهات نقدية عميقة تعكسها أسعار الصرف المتعددة بين السعر الرسمي البالغ 1515 ليرة لكل دولار والسعر السوقي الواقعي الذي تعدى 40 ألف ليرة، وما بينهما من تداولات منصة «صيرفة» بنحو 30 ألف ليرة وأسعار خاصة بالسحوبات من الحسابات الدولارية في البنوك بسعري 8 و12 ألف ليرة، ليضاف إليها أخيراً سعر الدولار الجمركي، وهو ما شرّع أبواب أسواق الاستهلاك أمام موجات تضخمية عارمة، في مقابل تقلصات حادة ومتتالية للمداخيل والمدخرات.
وتقر الحكومة في خطتها الإنقاذية المنشودة والتي تزمع رفعها إلى إدارة صندوق النقد الدولي، بوجوب توحيد سعر الصرف، وانتقال لبنان إلى نظام سعر صرف َمِرن يساعد في امتصاص الصدمات والسماح للسياسة النقدية بصب اهتمامها على هدفها الرئیسي المتمثل في استقرار الأسعار. وهي تعتبر أن استقرار الأسعار ولجم التضخم في ظل انخفاض عجز الموازنة وسیاسة نقدیة متشددة، من الأمور الجوهریة للحفاظ على القدرة التنافسیة من خلال سعر الصرف الفعلي، على أن یكون تدخل البنك المركزي في سوق القطع محدوداً بهدف تجنب تقلبات كبیرة.
بذلك، شكلت الزيادة «المفاجئة» رافعة استثنائية لاستعادة إجمالي الاحتياط النقدي القابل للاستخدام إلى مستوى 10 مليارات دولار؛ مما يعزز حجم السيولة بالعملات الأجنبية لدى البنك المركزي الذي يتولى إدارة الجزء الأكبر من العمليات النقدية اليومية عبر منصة «صيرفة»، ويلبي من خلالها وعبر الجهاز المصرفي طلبات للأفراد والشركات بمتوسط تعدّى 60 مليون دولار في الأسبوع الماضي، وبسعر 29.8 ألف ليرة لكل دولار، أي ما يقل عن 10 آلاف ليرة عن السعر الرائج للمبادلات في الأسواق الموازية والذي تخطى عتبة 40 ألف ليرة.
ولا يفصح البنك المركزي عادة عن خلفيات ميزانيته ودلالاتها في شقي الأصول والخصوم على حد سواء ولا عن تركيبة العملات الصعبة في احتياطه، بينما ترجّح مصادر مصرفية متابعة حصول تبدل نوعي في سياساته، لجهة التدخل المباشر في أسواق القطع غير النظامية بهدف استقطاب كميات من الدولار النقدي من خلال منافذ شركات تحويل الأموال وشبكات الصرافين، فضلاً عن إمكانية البدء باحتساب مفاعيل شروع وزارة المال بتقاضي رسوم وضرائب بالدولار عبر البوابات الجوية والبحرية، وإضافة إلى حصة الإيرادات الدولارية المتأتية من شركة «طيران الشرق الأوسط» (الميدل إيست) والمملوكة بغالبية أسهمها من قبل مصرف لبنان.
وبالتوازي مع التبدل النوعي والكمي في حركة الاحتياطات من الانحدار المتوالي إلى الزيادة الاستثنائية في آخر إفصاحين دوريين لميزانية البنك المركزي، سجلت الكتلة النقدية بالليرة، والتي يتم إدراجها تحت بند «النقد في التداول خارج مصرف لبنان»، ارتفاعاً صاروخياً في الفترة عينها، لتصل أرقامها إلى نحو 70 تريليون ليرة منتصف الشهر الحالي، مقابل نحو 45 تريليون ليرة، أي بفارق يناهز 25 تريليون ليرة تم ضخها خلال شهر واحد منذ منتصف شهر سبتمبر (أيلول) الماضي.
أما على صعيدٍ سنوي، فحافظت المؤشرات الخاصة بالاحتياطيات على مضمونها السلبي، حيث تراجعت قيمة الموجودات الخارجيّة لمصرف لبنان بنحو 3.7 مليار دولار وبنسبة تقارب 20 في المائة مقارنة بالمستوى الذي كانت عليه في الفترة عينها من العام الماضي، والبالغ حينها 13.79 مليار دولار، بعد عزل احتساب القيمة الاسمية لسندات دين دولية مصدرة من الحكومة اللبنانية (يوروبوندز) بقيمة 5 مليارات دولار محمولة من البنك المركزي.


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

تركيا تعلن استقرار الأمن على حدودها مع العراق بعد «تطهير زاب»

وزير الدفاع التركي يسار غولر خلال استقبال نظيره العراقي سعيد ثابت العباسي في أنقرة السبت (الدفاع التركية)
وزير الدفاع التركي يسار غولر خلال استقبال نظيره العراقي سعيد ثابت العباسي في أنقرة السبت (الدفاع التركية)
TT

تركيا تعلن استقرار الأمن على حدودها مع العراق بعد «تطهير زاب»

وزير الدفاع التركي يسار غولر خلال استقبال نظيره العراقي سعيد ثابت العباسي في أنقرة السبت (الدفاع التركية)
وزير الدفاع التركي يسار غولر خلال استقبال نظيره العراقي سعيد ثابت العباسي في أنقرة السبت (الدفاع التركية)

قال وزير الدفاع التركي يشار غولر إن بلاده أرست الأمن بطول حدودها مع العراق، وذلك بعدما أجرى مباحثات مع نظيره العراقي ثابت العباسي في أنقرة، حول التطورات الأخيرة في سوريا، والتعاون بين البلدين في مكافحة «حزب العمال الكردستاني» وتأمين الحدود.

وأضاف غولر، في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية في أنقرة، الأحد، تناول فيه أنشطة القوات المسلحة على مدار العام، أنه تم تطهير منطقة زاب في شمال العراق بالكامل من عناصر «منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية» في إطار عملية «المخلب - القفل»، المستمرة منذ 17 أبريل (نيسان) 2022.

وتابع: «قمنا بتحييد 1136 إرهابياً في هذه المنطقة التي يعدها (العمال الكردستاني) مركزاً مهماً له، والتي تحتل موقعاً رئيسياً بين سوريا وجبل قنديل، معقل (العمال الكردستاني) في شمال العراق».

القوات التركية تواصل «عملية المخلب - القفل» في شمال العراق منذ أبريل 2022 (وزارة الدفاع التركية)

ولفت إلى أنه تم خلال العملية تدمير 3 آلاف و158 لغماً و1327 كهفاً وملجأ، وضبط ألفين و421 قطعة سلاح متنوعة، و957 من الأسلحة الثقيلة، وأكثر من 910 آلاف قطعة ذخيرة تستخدم في هذه الأسلحة، تم الاستيلاء عليها في منطقة زاب.

وعدَّ غولر زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بغداد وأربيل في 22 أبريل (نيسان) الماضي بمثابة نقطة تحول في العلاقات التركية العراقية، مضيفاً أننا «نواصل المفاوضات لجعل التعاون بين بلدينا دائماً في مكافحة الإرهاب، وفي هذا السياق، عقدنا الاجتماع الرابع للآلية الأمنية رفيعة المستوى بين بلادنا والعراق، في أنقرة في 15 أغسطس (آب) الماضي، ووقعنا مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري والأمني ​​ومكافحة الإرهاب».

وقال: «إننا نرحب بالقرار الذي اتخذه العراق، الذي بدأ يعتبر (حزب العمال الكردستاني) مشكلة له أيضاً، وإعلانه (منظمة محظورة)، ونتوقع من الحكومة العراقية أن تعلنه (منظمة إرهابية) في أقرب وقت ممكن».

تركيا والعراق وقعا مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري في أغسطس الماضي (الخارجية التركية)

وذكر غولر أن تركيا تراقب تحركات «حزب العمال الكردستاني» في شمالي العراق وسوريا، لافتاً إلى أن قسماً من الأسلحة التي قدمتها أميركا إلى «وحدات حماية الشعب» الكردية، أكبر مكونات «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي تعدّها حليفاً في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، أرسلتها الوحدات الكردية إلى شمال العراق، بعد التطورات الأخيرة في سوريا وتضييق الفصائل السورية الخناق عليها.

ولفت إلى أن «العمال الكردستاني» بات يواجه صعوبات في تجنيد عناصر له في شمال العراق، لذا شرع في نقل قسم من عناصره وأسلحته من سوريا إلى العراق.

وأضاف: «إلا أن العناصر المرسلة إلى شمال العراق إما يستسلمون للجيش التركي المنتشر بالمنطقة، أو يفرون من التنظيم في وقت قصير جداً لجهلهم بالمنطقة».

وكان غولر التقى نظيره العراقي، ثابت سعيد العباسي، في مقر وزارة الدفاع التركية في أنقرة مساء السبت.

جانب من مباحثات غولر والعباشي في أنقرة السبت (الدفاع التركية)

وحسب مصادر تركية، تطرقت المباحثات إلى التطورات الأخيرة في سوريا والتعاون التركي العراقي في مكافحة «حزب العمال الكردستاني» وتأمين الحدود، كما تم استعراض التعاون في إطار مذكرة التعاون الأمني والعسكري ومكافحة الإرهاب الموقعة في أغسطس (آب) الماضي.

ونصت المذكرة على إنشاء مركز مشترك للتنسيق الأمني في بغداد إلى جانب مركز تدريب وتعاون مشترك في معسكر بعشيقة، بمحافظة نينوى، شمال العراق، الذي كانت توجد به قوات تركية.

وشهدت السنوات القليلة الماضية خلافات بين الجارتين، تركيا والعراق، حول عمليات عسكرية عبر الحدود تنفذها تركيا ضد مسلحي «حزب العمال الكردستاني»، التي تعدّها العراق انتهاكاً لسيادته، فيما تتمسك تركيا بأنها ضرورية لحماية أمن حدودها وشعبها.

وشهدت العلاقات بين البلدين في العامين الأخيرين تطورات إيجابية، سواء فيما يتعلق بالتعاون في المجالات الأمنية، أو على صعيد التعاون الاقتصادي والتجاري وفي مشروع «طريق التنمية».