لا يخلو شارع في مصر من عربة الفول المدمس، وعلى مدار العام، تأخذ عربة الفول حيزا ضخما من حياة المصريين، فعليها تتم اجتماعات وتتداول المناقشات والحوارات بمختلف أنواعها من سياسة إلى فن إلى رياضة إلى أحوال المجتمع المصري بكل تفاصيله وشؤونه. ورغم أن حي جاردن سيتي العريق يعد أحد مربعات السفارات الهامة في مصر، لاحتوائه على سفارات بريطانيا وأميركا وكندا وغيرها، إلى جانب عدد من أرقى فنادق العاصمة، وكثير من مكاتب الإدارات السياسية والتجارية وغيرها.. إلا أن ذلك كله لم يحُل دول أن يستمتع رواد الحي العريق بأجواء رمضان على الطريقة الشعبية.
في الأيام العادية غير شهر رمضان، تعمل عربات الفول من بعد أذان الفجر إلى صلاة الظهر، ويتبارى صانعوها في تزيينها ورسم النقوش عليها، ولا يخلو الأمر من كتابة بعض العبارات الساخرة والحكم الإنسانية.
وفي شهر رمضان الكريم يتوج طبق الفول المدمس طاولة سحور كل البيوت المصرية، يقدم بوصفة إسكندراني أو بالزيت الحار أو بالطحينة، يقدم مع السجق وشرائح البسطرمة، وفول بالصلصة الحارة، يقدم بالبيض المسلوق أو المقلي، ويخلط مع اللحم المفروم أحيانا.
لكن عربات الفول المصرية لديها أصناف محددة تقدمها من الفول، ورغم ذلك ينافس «فول محروس» بحي جاردن سيتي الراقي على الصدارة بين عربات الفول.
فمع بداية شهر رمضان الكريم، وقبل انتصاف ليل القاهرة بنصف ساعة، ترص الطاولات والكراسي، في انتظار زبائن محروس من كل الفئات والأعمار، لا مجال للنقاش والحوار الطويل مع النادل أو الشاب السريع كالنحلة، يسمع الطلبات وينقلها إلى داخل المكان الصغير جدا، حيث يقبع سحر «فول محروس» وسط أطباقه، التي لا تقف عند حدود الفول، لكنها تخاطب فيك حبك وعشقك للبطاطس المهروسة والمقلية، والباذنجان المقلي بالثوم والخل، والفلفل الحار المقلي الغارق في فتات أوراق الشطة الجافة، وكذلك يقدم أطباقا من البيض «المدحرج» المقلي في الزبدة، والبيض الأومليت، والإسباني بالخضراوات والزيتون الأسود.
ويقدم الفول بنكهات مختلفة، فول بالزيت الحار والسمن وآخر بالزبدة، وفول إسكندراني بالخلطة المكونة من شرائح بصل وفلفل أخضر وطماطم.
الطريف في الأمر أنه بعد تناولك السحور عليك الإسراع بإخلاء الطاولة، لتتيح فرصة للآخرين على قائمة الانتظار.
ومن عادة المصريين، بعد كل وجبة، وخصوصا الإفطار والسحور، احتساء الشاي، ويفضل بالنعناع الأخضر، ومع خطوات قليلة في شارع قصر العيني، الذي يفصل حي جاردن سيتي عن حي المنيرة، ويزداد هدوء الشارع العريق كلما تقدمت في اتجاه ميدان التحرير، لكن يقطعه صوت طرقات الطاولة وإذاعة الأغاني، وهمهمات من البشر تقضي باقي السهرة الرمضانية، على رصيف المقاهي الشهيرة بهذا الحي، مثل مقهى زغلول والفلاح وأرابيسك.
ولا يختلف الأمر كثيرا إذا ما أخذتك قدماك مستمتعا بسحر «وسط البلد» بعد منتصف الليل، فكل شيء جميل في تكوينه عبر تمشية قصيرة في شارع الفلكي، وقبل الوصول إلى ميدان عابدين الشهير، يقع مطعم «أبو كريم» في مدخل حارة صغيرة، يجري أحد عمال المطعم ليأخذ كرسيين إضافيين من عم «صابر» في القهوة المقابلة للحارة الصغيرة، ليتيح الفرصة لعدد كبير من الأصدقاء الشباب الساهرين، لالتفاف حول طاولة سحورهم وتناول أطباق الفول الشهية.
وقبل أذان الفجر بنصف ساعة يهدأ إيقاع الشارع أكثر وأكثر، ولا يقطعه إلا مثابرة عجوزين يتقاتلان في مباراة «عشرة طاولة» بجانب محل الفضة القديم.
عربات الفول نجم رمضاني في مربع السفارات بالقاهرة
مقاهٍ ساهرة حتى أذان الفجر
عربات الفول نجم رمضاني في مربع السفارات بالقاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة