لبنان: ملفّ انفجار المرفأ يفجّر علاقة وزير العدل ورئيس «القضاء الأعلى»

TT

لبنان: ملفّ انفجار المرفأ يفجّر علاقة وزير العدل ورئيس «القضاء الأعلى»

انفجر الخلاف بين وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري، وبين رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبّود، على خلفية إصرار الوزير على تعيين القاضية سمرندا نصّار، محققاً عدلياً رديفاً في جريمة انفجار مرفأ بيروت، وتكليفها مهمّة البتّ بإخلاء سبيل 17 موقوفاً في القضية وعلى رأسهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر، المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، وصهره النائب جبران باسيل.
شظايا هذا الخلاف، أصابت أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذين امتثل معظمهم لدعوة وزير العدل، ولم يترددوا في عقد جلسة طارئة للمجلس للبتّ بتعيين محقق إضافي، وإعادة النظر بمشروع مرسوم تعيين رؤساء محاكم التمييز، ورغم الموقف الحادّ للقاضي عبّود وإعلانه رفض «التدخل السياسي بعمل القضاء من خلال وزير العدل»، عقد مجلس القضاء جلسة أمس برئاسة نائب الرئيس (المدعي العام التمييزي) القاضي غسّان عويدات، وهو ما شكّل تحدياً واضحاً للقاضي عبّود، وكرّس انقساماً حادّاً في رأس هرم السلطة القضائية، وإصرار أغلب الأعضاء على المضيّ بتعيين القاضية نصّار.
ورغم الرسالة التي انطوت عليها الجلسة، وما ستخلّفه من تداعيات على الواقع القضائي، فإن مجلس القضاء أخفق في تلبية طلب وزير العدل، بسبب عدم الاتفاق على اختيار قاضٍ لرئاسة إحدى غرف محاكم التمييز خلفاً للقاضية جمال الخوري التي أحيلت على التقاعد، وفقدان النصاب القانوني عند الانتقال إلى التصويت على تعيين نصّار كمحقق رديف، بفعل انسحاب القاضي عويدات، المتنحّي مسبقاً عن أي إجراء يتعلّق بملف مرفأ بيروت، بسبب صلة القرابة بينه وبين وزير الأشغال الأسبق والنائب الحالي غازي زعيتر المدعى عليه في القضية. وأثارت الجلسة جدلاً حقوقياً وقضائياً بشأن قانونية انعقادها بغياب رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، إلا أن أحد أعضاء المجلس أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن الجلسة التأمت بنصاب قانوني، وترأسها نائب رئيس المجلس القاضي غسان عويدات. وأشار القاضي الذي رفض ذكر اسمه إلى أن «القانون واضح، وينصّ على أن مجلس القضاء ينعقد برئاسة رئيسه أو نائب الرئيس أو أعلى الأعضاء درجة»، معتبراً أنه «لا مجال للشرح والتفسير في ظلّ وضوح النصوص القانونية». وقال: «لقد حرص المشرّع على عدم اختصار مجلس بشخص واحد (الرئيس) وعدم تقييده بأهواء أيٍّ كان».
وبدا لافتاً أن القضاة الذين شاركوا في الاجتماع، خرجوا بانطباع إيجابي، يعبّر عن تحررهم من تعليق الجلسات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية، ورفض عضو مجلس القضاء «اتهام أعضاء المجلس بتبعيتهم لأحزاب السلطة والتيارات السياسية». وقال: «نحن لم نتقيّد اليوم بجدول الأعمال الذي حدده وزير العدل، بدليل أننا لم نبتّ بالبنود التي حددها الوزير، بل طرحنا من خارج جدول الأعمال بنوداً أخرى واتخذنا قرارات بشأنها، وأهمها الموافقة على أهلية 34 قاضياً جديداً تخرجوا من معهد القضاء، وتوزيعهم على المحاكم من دون انتظار التشكيلات القضائية المعطلة منذ سنتين، وهذا دليل على أن المجلس سيّد نفسه، وليس أسير الإملاءات السياسية كما يروّج البعض».
وكان لافتاً أن الأعضاء الذين عقدوا الاجتماع أصدروا بياناً بمبادرة منهم، وليس عبر أمانة سرّ مجلس القضاء الأعلى كما درجت العادة، وعزا مصدر قضائي السبب إلى أن «رئيس مجلس القضاء وأمين السرّ غادروا مقرّ مجلس القضاء في نفس الوقت الذي بدأت فيه الجلسة». وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا الأسلوب شكّل مفاجأة، كأن أمانة السرّ مرتبطة بشخص الرئيس وليس بمؤسسة مجلس القضاء». وجاء في البيان الصادر بعد الاجتماع، أن «مجلس القضاء الأعلى عقد جلسة بنصاب قانوني بناءً على كتاب وزير العدل». وأكد أعضاء المجلس أن الاجتماع جاء «التزاماً منهم بنصّ القانون وخارج أي غاية سياسية، ويهدف إلى تأمين سير عمل المرفق القضائي ويهدف إلى متابعة أوضاع القضاة المعنوية والمادية». وأكد البيان أن المجلس «وافق على إعلان أهلية 34 قاضياً متدرجاً من خارج جدول الأعمال، وأرجأ الجلسة إلى يوم الثلاثاء المقبل».
وكان رئيس مجلس القضاء الأعلى قد انتقد بشكل حادّ «ما يتعرّض له القضاء والقضاة ومجلس القضاء الأعلى ورئيسه، من محاولات تدخل سياسي سافر في العمل والأداء القضائيين، من خلال حملات ممنهجة ومتمادية، تضمّنت فيما تضمّنته تجنيات وافتراءات وتهجّماتٍ وتجاوزات». ورأى رئيس مجلس القضاء أنّ «التدخلات السياسية في القضاء، الحاصلة من الجهات والمراجع المختلفة، صراحةً أو ضمناً، سكوتاً أو تجاهلاً، أسهمت وتسهم في ضرب الثقة بالأداء القضائي»، معتبراً أن «التدخل السياسي، تظهّر في آخر أوجهه وأحدثها، من خلال دعوة وزير العدل إلى اجتماعٍ لمجلس القضاء الأعلى، ووضعه لجدول أعماله، وذلك في سابقة لها مبرراتها السياسية لا القضائية»، مؤكداً أنّ «مسار العدالة في لبنان لن يتوقف، خصوصاً في قضية انفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى تحديد المسؤوليات وإنزال العقوبات الملائمة بحق المرتكبين». وشدد على التزامه بـ«قَسَم الحفاظ على استقلالية القضاء وكرامته، بكلّ أمانة وإخلاص، وهو لم ولن يُفَرِّط َ أبداً، ولن يتهاونَ إطلاقاً، في تطبيق مضمون قَسَمه».


مقالات ذات صلة

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

المشرق العربي رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

رحيل الموسيقار اللبناني إيلي شويري

تُوفّي الموسيقار اللبناني إيلي شويري، عن 84 عاماً، الأربعاء، بعد تعرُّضه لأزمة صحية، نُقل على أثرها إلى المستشفى، حيث فارق الحياة. وأكدت ابنته كارول، لـ«الشرق الأوسط»، أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قبل أن تعلم به العائلة، وأنها كانت معه لحظة فارق الحياة.

المشرق العربي القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

القضاء اللبناني يطرد «قاضية العهد»

وجّه المجلس التأديبي للقضاة في لبنان ضربة قوية للمدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، عبر القرار الذي أصدره وقضى بطردها من القضاء، بناء على «مخالفات ارتكبتها في إطار ممارستها لمهمتها القضائية والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وجّهت إليها». القرار التأديبي صدر بإجماع أعضاء المجلس الذي يرأسه رئيس محكمة التمييز الجزائية القاضي جمال الحجار، وجاء نتيجة جلسات محاكمة خضعت إليها القاضية عون، بناء على توصية صدرت عن التفتيش القضائي، واستناداً إلى دعاوى قدمها متضررون من إجراءات اتخذتها بمعرض تحقيقها في ملفات عالقة أمامها، ومخالفتها لتعليمات صادرة عن مرجع

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

جعجع: فرص انتخاب فرنجية للرئاسة باتت معدومة

رأى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع أن فرص انتخاب مرشح قوى 8 آذار، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، «باتت معدومة»، مشيراً إلى أن الرهان على الوقت «لن ينفع، وسيفاقم الأزمة ويؤخر الإصلاح». ويأتي موقف جعجع في ظل فراغ رئاسي يمتد منذ 31 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث فشل البرلمان بانتخاب رئيس، وحالت الخلافات السياسية دون الاتفاق على شخصية واحدة يتم تأمين النصاب القانوني في مجلس النواب لانتخابها، أي بحضور 86 نائباً في دورة الانتخاب الثانية، في حال فشل ثلثا أعضاء المجلس (86 نائباً من أصل 128) في انتخابه بالدورة الأولى. وتدعم قوى 8 آذار، وصول فرنجية إلى الرئاسة، فيما تعارض القوى المسيحية الأكثر

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

بخاري يواصل جولته على المسؤولين: الاستحقاق الرئاسي شأن داخلي لبناني

جدد سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان، وليد بخاري، تأكيد موقف المملكة من الاستحقاق الرئاسي اللبناني بوصفه «شأناً سياسياً داخلياً لبنانياً»، حسبما أعلن المتحدث باسم البطريركية المارونية في لبنان بعد لقاء بخاري بالبطريرك الماروني بشارة الراعي، بدأ فيه السفير السعودي اليوم الثاني من جولته على قيادات دينية وسياسية لبنانية. وفي حين غادر السفير بخاري بكركي من دون الإدلاء بأي تصريح، أكد المسؤول الإعلامي في الصرح البطريركي وليد غياض، أن بخاري نقل إلى الراعي تحيات المملكة وأثنى على دوره، مثمناً المبادرات التي قام ويقوم بها في موضوع الاستحقاق الرئاسي في سبيل التوصل إلى توافق ويضع حداً للفراغ الرئا

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

شيا تتحرك لتفادي الفراغ في حاكمية مصرف لبنان

تأتي جولة سفيرة الولايات المتحدة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا على المرجعيات الروحية والسياسية اللبنانية في سياق سؤالها عن الخطوات المطلوبة لتفادي الشغور في حاكمية مصرف لبنان بانتهاء ولاية رياض سلامة في مطلع يوليو (تموز) المقبل في حال تعذّر على المجلس النيابي انتخاب رئيس للجمهورية قبل هذا التاريخ. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية ووزارية أن تحرك السفيرة الأميركية، وإن كان يبقى تحت سقف حث النواب على انتخاب رئيس للجمهورية لما للشغور الرئاسي من ارتدادات سلبية تدفع باتجاه تدحرج لبنان من سيئ إلى أسوأ، فإن الوجه الآخر لتحركها يكمن في استباق تمدد هذا الشغور نحو حاكمية مصرف لبنان في حال استحال عل

محمد شقير (بيروت)

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
TT

تقرير: مقتل القيادي بـ«حزب الله» علي موسى دقدوق بغارة إسرائيلية في سوريا

الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)
الضابط الأميركي كيفين بيرغنير يعلن للصحافيين في بغداد اعتقال علي موسى دقدوق 2 يوليو (تموز) 2007 (أ.ف.ب - غيتي)

قال مسؤول دفاعي أميركي كبير إن قائداً كبيراً في «حزب الله» اللبناني كان قد ساعد في التخطيط لإحدى أجرأ وأعقد الهجمات ضد القوات الأميركية، خلال حرب العراق، قُتل في غارة إسرائيلية على سوريا.

واعتقلت القوات الأميركية علي موسى دقدوق، بعد مداهمة عام 2007، عقب عملية قتل فيها عناصرُ يتنكرون في صورة فريق أمن أميركي، خمسة جنود أميركيين. ووفقاً لموقع «إن بي سي» الأميركي، أطلقت السلطات العراقية سراحه لاحقاً.

وأضاف المسؤول الدفاعي الأميركي، وفق ما نقل عنه موقع «إن بي سي»، أن تفاصيل الضربة الجوية الإسرائيلية غير معروفة، متى حدثت، وأين وقعت في سوريا، وهل كان هدفها دقدوق تحديداً.

الغارة المعقدة، التي ساعد دقدوق في التخطيط لها، حدثت في مجمع عسكري مشترك أميركي-عراقي في كربلاء، في 20 يناير (كانون الثاني) 2007.

تنكَّر مجموعة من الرجال في زي فريق أمن عسكري أميركي، وحملوا أسلحة أميركية، وبعضهم كان يتحدث الإنجليزية، ما جعلهم يَعبرون من عدة نقاط تفتيش حتى وصلوا قرب مبنى كان يأوي جنوداً أميركيين وعراقيين.

كانت المنشأة جزءاً من مجموعة من المنشآت المعروفة باسم «محطات الأمن المشترك» في العراق، حيث كانت القوات الأميركية تعيش وتعمل مع الشرطة والجنود العراقيين. كان هناك أكثر من عشرين جندياً أميركياً في المكان عندما وصل المسلّحون.

حاصرت العناصر المسلّحة المبنى، واستخدموا القنابل اليدوية والمتفجرات لاختراق المدخل. قُتل جندي أميركي في انفجار قنبلة يدوية. بعد دخولهم، أَسَر المسلّحون جندين أميركيين داخل المبنى، واثنين آخرين خارج المبنى، قبل أن يهربوا بسرعة في سيارات دفع رباعي كانت في انتظارهم.

طاردت مروحيات هجومية أميركية القافلة، ما دفع المسلّحين لترك سياراتهم والهروب سيراً على الأقدام، وخلال عملية الهرب أطلقوا النار على الجنود الأميركيين الأربعة.

وفي أعقاب الهجوم، اشتبه المسؤولون الأميركيون بأن المسلّحين تلقّوا دعماً مباشراً من إيران، بناءً على مستوى التنسيق والتدريب والاستخبارات اللازمة لتنفيذ العملية.

وألقت القوات الأميركية القبض على دقدوق في مارس (آذار) 2007. وكما يذكر موقع «إن بي سي»، أثبتت أن «فيلق القدس»، التابع لـ«الحرس الثوري الإيراني»، كان متورطاً في التخطيط لهجوم كربلاء. واعترف دقدوق، خلال التحقيق، بأن العملية جاءت نتيجة دعم وتدريب مباشر من «فيلق القدس».

واحتجز الجيش الأميركي دقدوق في العراق لعدة سنوات، ثم سلَّمه إلى السلطات العراقية في ديسمبر (كانون الأول) 2011.

وقال المسؤول الأميركي: «قالت السلطات العراقية إنها ستحاكم دقدوق، لكن جرى إطلاق سراحه خلال أشهر، مما أثار غضب المسؤولين الأميركيين. وعاد للعمل مع (حزب الله) مرة أخرى بعد فترة وجيزة».