تطور الإعلام المصري يصطدم بـ {تحديات كبرى»

خبراء يطالبون بوضع خطة استراتيجية و«تفعيل بحوث المشاهدة»

د. حسن عماد مكاوي
د. حسن عماد مكاوي
TT

تطور الإعلام المصري يصطدم بـ {تحديات كبرى»

د. حسن عماد مكاوي
د. حسن عماد مكاوي

في ظل التطورات التكنولوجية المتلاحقة، والأزمات الاقتصادية التي تحيط بالصناعة، والتي تتزامن جنباً إلى جنب مع منافسة «شرسة» من مواقع التواصل الاجتماعي، بات الحديث عن تطوير الإعلام المصري أمراً وجوبياً. وحقاً، لا يكاد يمر يوم من دون أن يتحدث أكاديمي أو إعلامي، أو حتى سياسي، في هذه «الأزمة»؛ أملاً في استعادة ما تسمى «الريادة الإعلامية» في منطقة الشرق الأوسط. وفي حين يؤكد خبراء الإعلام على «قوة» الإعلام المصري، وتاريخه العريق الذي جعله قادراً على «تشكيل وقيادة الرأي العام العربي في فترات سابقة»، فإنهم أشاروا إلى تحديات كبرى تواجه أي محاولات للتطوير.
ملف تطوير الإعلام المصري يحظى راهناً باهتمام على أعلى المستويات، وفي أبريل (نيسان) الماضي أشار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري، خلال لقائه الكاتب الصحافي كرم جبر، رئيس «المجلس الأعلى لتنظيم ‏الإعلام» (الهيئة المسؤولة عن تنظيم الإعلام بموجب الدستور) إلى «تعاظم دور الإعلام في عالمنا المعاصر يوماً بعد يوم، لا سيما مع التطور ‏التكنولوجي الهائل والمتسارع الذي نشهده حالياً على مستوى العالم»، واصفاً إياه بأنه «قوة لا يستهان بها في تنوير المجتمع، وحشد الجهود من ‏أجل الدفاع عن الوطن ضد التهديدات، والحفاظ على مقدرات الوطن».
وأكد «احترام الدولة المصرية الدائم لحرية الرأي والتعبير وتعدد الآراء، بما يخدم ‏مصلحة الوطن وصالح المواطنين».

التحدي التكنولوجي

الدكتورة حنان يوسف، عميدة كلية اللغة والإعلام في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، تضع التكنولوجيا على رأس التحديات التي تواجه تطوير الإعلام في مصر، والمنطقة العربية. وتقول في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «الإعلام المصري يواجه مجموعة من التحديات التي يشترك فيها مع المنظومة العربية عموماً، على رأسها التحدي التكنولوجي والتطور السريع، وهو تحدٍّ مخيف يتطلب مواكبة هذه التغيرات المتلاحقة بسرعة كبيرة».
وأضافت أنه «يترافق مع الغزو التكنولوجي تحدٍّ آخر هو التحدي المجتمعي والقيمي؛ حيث يواجه المجتمع ضربات متلاحقة لقيمه، يزيد من تأثيرها ارتفاع نسب الأمية، والتفاوت الديمغرافي في السن، والزيادة السكانية الضخمة». أما الدكتور حسن عماد مكاوي، العميد الأسبق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، فيرى أن «الإعلام المصري يعيش أصعب فتراته خلال السنوات الأخيرة، من حيث سيطرة القالب الواحد، من دون تنوع يعكس وجهات النظر المختلفة في المجتمع، فضلاً عن عزوف الجمهور عن الإعلام المصري، وسعيه لمنصات وقنوات بديلة، تقدم معلومات مغرضة وغير دقيقة عن البلاد».
للعلم، بينما يوجه البعض انتقادات إلى الإعلام المصري لافتقاره للتنوع، أكد رئيس الوزراء المصري في تصريحات تلفزيونية بداية العام الجاري أن «الإعلام المصري متنوع، ويقوم يومياً بانتقاد عدد من القضايا». وأشار إلى «وجود منصات موجهة ضد الدولة المصرية، وهو ما نعمل على موازنته عبر منصات أخرى تشرح الخطط الحكومية». وفي هذه الأثناء، يشغل حال الإعلام الحكومة المصرية، وأيضاً الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي وجَّه عدة رسائل للإعلام على مدار السنوات الماضية، من بينها دعوته للإعلاميين، خلال يونيو (حزيران) الماضي، في أثناء افتتاح عدد من المشروعات، لتغطية «الحقيقة»؛ إذ قال: «لا أريد منكم أن تتحدثوا بشكل إيجابي... بل أطالبكم بتوضيح الحقيقة للمصريين». ولقد سبق أن أشار الرئيس السيسي إلى قوة تأثير الإعلام المصري في عقد الستينات، إذ قال في تصريحات على هامش مؤتمر الشباب عام 2019، إن «عدم التطوير لسنوات طويلة، جعل التأثير يتراجع... إلا أن الدولة المصرية وضعت خطة للتطوير».


د. سامي عبد العزيز - د. حنان يوسف

الاحتراف والمهنية

من جهته، يلخص الدكتور سامي عبد العزيز، العميد الأسبق لكلية الإعلام في جامعة القاهرة، التحديات التي تواجه الإعلام المصري في كلمتين، هما «الاحتراف» و«المهنية». وهو يقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «التدريب والتأهيل عنصر مهم لتحقيق الطفرة المطلوبة في الإعلام»، مشدداً على أن أي محاولات للتطوير «لا بد من أن تنطلق من واقع بحوث تتحدث عما يحتاجه الرأي العام، مع إنشاء مركز تدريب عالمي يخرج كوادر جديدة».
وفي هذا السياق ترصد الدكتورة حنان يوسف تحدياً آخر يواجه الإعلام المصري، ألا وهو «الفجوة بين الواقع والمأمول، بين ما يجري تدريسه في الجامعات وبين الممارسة المهنية على الأرض التي تشهد تجاوزات لأخلاقيات الإعلام والقواعد المهنية»، على حد قولها. وتتابع متطرقة إلى «الخلل» في شكل البرامج التلفزيونية التي أصبحت «نموذجاً مكرراً، وقالباً واحداً، يتكلّم فيه المذيع لمدة ساعتين للجمهور». ثم تستطرد بأن التحديين المهني والتكنولوجي يرتبطان بتحدٍّ اقتصادي «نابع من الأضرار التي تتعرض لها الصحافة الورقية جراء المنافسة مع المنصات الرقمية».
وكان كرم جبر قد قال أخيراً في تصريحات له، إن المشهد الإعلامي في مصر يحتاج إلى «خطوات أخرى»، وإنه «على الرغم من الجهود المبذولة لتنظيم الإعلام على مدار السنوات الأربع الماضية، بالتنسيق ‏والتعاون مع الهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام لتحسين بيئة الإعلام وضبط المشهد، فلا يزال الطريق طويلاً، وهناك يقين ‏بضرورة استكمال بقية خطـوات ضبط المشهد الإعلامي». ‎

قناة إقليمية

على صعيد آخر، يراود حلم إنشاء قناة إخبارية دولية وإقليمية المصريين منذ سنوات. وفي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تمتلك عدداً من القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع الإلكترونية في مصر، عن تدشين «قطاع أخبار المتحدة» بوصفه «أكبر القطاعات الإخبارية في الشرق الأوسط». وذكرت أنه سيضم قناة أخبار دولية وقناة أخبار إقليمية، فضلاً عن تطوير قناة «إكسترا نيوز»، وإطلاق قناة «إكسترا الحدث». وحول هذه النقطة قال الدكتور سامي عبد العزيز، إن «الكل في انتظار القناة الإخبارية المصرية، فبمتابعة سريعة للقنوات الدولية الصادرة بالعربية، سنجد أن معظم محتواها عن مصر، باعتبارها دولة كبيرة تاريخياً».
أما الدكتورة حنان يوسف فترى أن لدى الإعلام المصري تجربة رائدة على مستوى الإعلام الدولي، من خلال مجموعة «نايل تي في» التي تضم قنوات باللغات الإنجليزية والفرنسية، وقناة إخبارية. ثم تقول إن «مصر كانت لها ريادة إعلامية؛ لكن في ظل المنافسة الشرسة اختلف الوضع... وهذا تحدٍّ جديد يتطلب جهوداً تسويقية وإمكانات مهنية ومادية كبيرة». وتردف بأن «حلم إنشاء قناة إقليمية إخبارية مصرية ما زال قائماً، بيد أنه يتطلب استراتيجية واضحة، وإمكانات بشرية ومادية». ومن ثم تقول إن «الريادة الإعلامية المصرية ما زالت موجودة، فهي أول دولة في المنطقة تنشئ مدينة للإنتاج الإعلامي، وتطلق قمراً صناعياً، كما أن الذاكرة السينمائية العربية تزخر بالأفلام المصرية». وتوضح: «التاريخ موجود وموثق؛ ولكن المنافسة شرسة، تحتاج إلى إعادة نظر للحالة العربية، وإلى خطاب إعلامي مصري خارجي متوازن، من حيث نوعية القضايا التي يتناولها وقوالب التقديم المختلفة».

ريادة الستينات

الدكتور حسن مكاوي، من جانبه، يثمِّن «تأثير الإعلام المصري في الستينات من القرن الماضي؛ لأنه كان يقدم رسالة واضحة لاقت تجاوباً من شعوب بعض الدول... ومع أنه كان إعلام الصوت الواحد حينذاك، فإن غياب المنافسة في تلك الفترة منحه القوة والتأثير محلياً وعربياً». ويضيف موضحاً: «الوضع الآن مختلف وتنافسي بشكل كبير، الأمر الذي يستدعي توفر إمكانيات عالية مادية، إضافة إلى التدريب والتأهيل للإعلاميين». وفي حين يرى الدكتور عبد العزيز أنه «لا يمكن مقارنة الوضع في الماضي بالوضع الحالي، بسبب اختلاف طبيعة الساحة الإعلامية وغياب القدر الكبير من المنافسة»، يعتبر الإعلامي حسن حامد، رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون الأسبق، أن «تفوق» الإعلام المصري في الستينات تحقق لكونه يومذاك «إعلاماً تنموياً موجهاً لجماهير الشعب، ولم تكن هناك أصوات متداخلة معه».

استراتيجية إعلامية

ختاماً، يشدد الدكتور مكاوي على «ضرورة وجود استراتيجية واضحة للإعلام المصري تحافظ على أمنه القومي في الداخل والخارج، مع ضرورة إصدار قانون حرية تداول المعلومات الذي نص عليه دستور عام 2014». في حين ترى الدكتورة حنان يوسف أن «عدم وجود استراتيجية يتبناها الإعلام يعد واحداً من التحديات الرئيسة»، مطالبة «الجماعة الإعلامية، بالعمل على وضع استراتيجية إعلامية واضحة تقود المؤسسات الإعلامية في الفترة المقبلة، باعتبار الإعلام أحد أدوات الأمن القومي المصري».
وبالفعل، تعكف مصر على وضع استراتيجية للإعلام، وسبق عرض ملامح «الاستراتيجية الإعلامية لعام 2022»، على رئيس مجلس الوزراء المصري. ووفق البيانات الرسمية، فإن «هذه الاستراتيجية تنطلق من ‏الدور الذي يلعبـه الإعلام كقوة ناعمة فـي إحداث التغيرات المطلوبة في مجال رفع الوعي والإدراك لدى المواطنين».


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
TT

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)
الدوسري مترئساً اجتماع المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب (واس)

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي، الاثنين، أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية غير العادية» التي استضافتها الرياض مؤخراً.

وشددت القمة في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على مركزية القضية الفلسطينية، والدعم الراسخ للشعب لنيل حقوقه المشروعة، وإيجاد حل عادل وشامل مبني على قرارات الشرعية الدولية.

وقال الدوسري لدى ترؤسه الدورة العادية الـ20 للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء الإعلام العرب في أبوظبي، أن الاجتماع يناقش 12 بنداً ضمن الجهود الرامية لتطوير العمل المشترك، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، بمشاركة رؤساء الوفود والمؤسسات والاتحادات الممارسة لمهام إعلامية ذات صفة مراقب.

الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

وأضاف أن الاجتماعات ناقشت سبل الارتقاء بالمحتوى الإعلامي، وأهم القضايا المتعلقة بدور الإعلام في التصدي لظاهرة الإرهاب، وجهود الجامعة العربية في متابعة خطة التحرك الإعلامي بالخارج، فضلاً عن الخريطة الإعلامية العربية للتنمية المستدامة 2030.

وتطرق الدوسري إلى استضافة السعودية مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة للتصحر «كوب 16»، وقمة المياه الواحدة، وضرورة إبراز مخرجاتهما في الإعلام العربي، مؤكداً أهمية الخطة الموحدة للتفاعل الإعلامي مع قضايا البيئة.

وأشار إلى أهمية توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في الإعلام العربي، واستثمار دورها في تعزيز المحتوى وتحليل سلوك الجمهور، داعياً للاستفادة من خبرات «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي» في الرياض؛ لتطوير الأداء.