خريف اجتماعي ساخن في فرنسا والتحضير لتحركات إضافية

الحكومة أمام معضلة إعادة النظر في قانون التقاعد

مسيرة نقابية في تولوز (أ.ف.ب)
مسيرة نقابية في تولوز (أ.ف.ب)
TT

خريف اجتماعي ساخن في فرنسا والتحضير لتحركات إضافية

مسيرة نقابية في تولوز (أ.ف.ب)
مسيرة نقابية في تولوز (أ.ف.ب)

«إنه الخريف الحار»... هكذا وصفت المظاهرات التي عرفتها باريس وعشرات المدن الفرنسية التي شهدت نزول حوالي ربع مليون شخص إلى الشوارع والساحات لمطالبة الحكومة برفع مستوى الأجور، ومحاربة الغلاء الفاحش والتضخم غير المسبوق منذ أربعين عاماً، ما يصيب الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، ويدفع عشرات الآلاف إلى التهميش والفقر.
وعلى الرغم من أن التحركات المطلبية في فرنسا تعد تقليداً في بداية كل الخريف، إلا أنها هذه السنة استثنائية، وهي تتواءم مع مطلب آخر عنوانه رفض تغيير قانون التقاعد الذي يريد الرئيس إيمانويل ماكرون وحكومته السير به بسرعة. وخطة الحكومة تقوم على رفع سن التقاعد الذي هو حالياً عند الـ62 عاماً، إذ إنها تعتبر أن إنقاذ النظام التقاعدي ككل لن يكون ممكناً ما لم يتم تأخير الخروج من دورة العمل تدريجياً للوصول إلى سن الـ64 أو الـ65 عاماً في السنوات المقبلة. وسبق لحكومة إدوار فيليب أن حاولت عام 2019 السير بهذا القانون. إلا أنها لم تفلح رغم أشهر المشاورات والمفاوضات. ولم يجمد المشروع إلا بسبب حلول جائحة «كوفيد 19».
وخلال الحملة الانتخابية الرئاسية التي وفرت للرئيس إيمانويل ماكرون ولاية جديدة من خمس سنوات، بقي موضوع التقاعد المتفجر الذي يعارضه اليسار، ويحظى بدعم متفاوت من الأحزاب اليمينية، هامشياً. إلا أن ماكرون والدائرة المقربة منه يعتبران أن العهد الجديد أمام خيارين: إما السير بمشروع إعادة النظر بنظام التقاعد اليوم قبل الغد رغم معارضة النقابات وأحزاب اليسار، وإما تأخير طرحه، ما سيعني عملياً وضعه على الرف والانضمام إلى المشاريع الإصلاحية التي لم تر النور.
أمس، قالت إليزابيت بورن، رئيسة الحكومة، إن دورة من المشاورات مع الأحزاب والنقابات والقوى السياسية ستنطلق، وإنها تأمل تبني المشروع الإصلاحي قبل الشتاء المقبل.
رئيسة الحكومة الفرنسية إليزابيت بورن (أ.ب)
ويلوح ماكرون والحكومة باللجوء إلى مادة في الدستور تتيح للحكومة أن تطرح على التصويت مشروع القانون دون مناقشة في البرلمان. والحال أنها تعاني من مشكلة رئيسية عنوانها افتقادها للأكثرية المطلقة، الأمر الذي يفرض عليها البحث عن حلفاء لتوفير الأكثرية المطلوبة. إلا أن أحزاب اليسار هددت بطرح الثقة بها في حال قررت استخدام المادة 39 المشار إليها. ووفق منطوق المادة المذكورة، فإن فشلها في دعم أكثرية بسيطة في البرلمان يعني أمرين: سقوط المشروع الإصلاحي من جهة وسقوط الحكومة من جهة أخرى. لكن ماكرون هدد بكلام بالغ الوضوح بحل الجمعية الوطنية (البرلمان)، والتسبب بانتخابات تشريعية جديدة بعد أقل من ستة أشهر على الانتخابات الأخيرة.
وأعلن وزير العمل بصريح العبارة أنه «إذا تحالفت قوى المعارضة وأسقطت الحكومة، فإن الرئيس ماكرون سيطلب من الفرنسيين أن يحسموا المسألة، وأن يقولوا ما هي الأكثرية (الجديدة) التي يريدونها» في البرلمان. ويرى المراقبون أن تهديد ماكرون بانتخابات جديدة مغامرة غير محسوبة النتائج، بمعنى أنه لا سبب يدفع إلى الاعتقاد أنه سيكون قادراً على الفوز بأكثرية، فيما عجز مباشرة بعد إعادة انتخابه عن تحقيق هذا الهدف. يضاف إلى ذلك أن شعبيته تتراجع، وأن الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية تعاقب الحكومة، ولا تعمل، بطبيعة الحال، لصالحها.
لم تتردد المعارضة في قبول التحدي. وكتبت مارين لوبن، زعيمة اليمين المتطرف الذي فاز بـ89 مقعداً في الانتخابات التشريعية الماضية، في تغريدة لها: «نحن جاهزون وليتفضل»، فيما أكد جان لوك ميلونشون، المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب «فرنسا المتمردة»، أن العودة إلى صناديق الاقتراع «لا تعد تهديداً بل فرصة جديدة»، بمعنى الفوز بعدد أكبر من المقاعد لليسار المتنوع الذي نجح في تعبئته في إطار ما يسمى «الاتحاد الشعبي الجديد الاقتصادي والاجتماعي»، الذي يحظى في البرلمان الراهن بـ150 مقعداً. وذهب أوليفيه مارليكس، رئيس مجموعة نواب حزب «الجمهوريون» اليميني المعتدل الأقرب إلى مواقف ماكرون وحزبه «النهضة» (الجمهورية إلى الأمام سابقاً) إلى التساؤل عن «اللعبة» التي يلعبها ماكرون، داعياً إياه إلى الاهتمام بانتظام «عمل المؤسسات» في البلاد، بمعنى أن يترك اللعبة الديمقراطية تجري وفق القواعد المعمول بها.
ليست تظاهرات أمس سوى مقدمة لما ينتظر الحكومة في الأيام المقبلة. ذلك أن أحزاب اليسار بكل تشكيلاتها والخضر تخطط لمظاهرات حاشدة يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) ينتظر أن تنضم إليها النقابات وشعارها الأول سيكون ارتفاع كلفة المعيشة وتضاؤل القدرة الشرائية للمواطنين. وتسعى الحكومة من خلال تدابير مختلفة للتخفيف من وطأة الغلاء الذي يمس الكهرباء ومشتقات الطاقة والمواد الغذائية والخدمات، فيما تتراوح نسبة التضخم ما بين 6 و7 في المائة.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.