هل أقصت الـ«سوشيال ميديا» الـ«باباراتزي»؟

المصوّر الصحافي... عين الإعلام وواجهته

بيار يوسف
بيار يوسف
TT

هل أقصت الـ«سوشيال ميديا» الـ«باباراتزي»؟

بيار يوسف
بيار يوسف

هل تخيّلت يوماً قراءة مقالة في جريدة من دون صور فوتوغرافية ترافقها؟ وهل في استطاعتك أن تكمل متابعة حدث معين عبر شاشة التلفزيون إذا غابت الصورة عنه؟ الإعلام المرئي والمكتوب يرتكزان على الصورة. فهي عين الإعلام وواجهته، تنقل الخبر كما هو وبوضوح حتى إن بعضها لا يحتاج أي تعليق. إذ يكفي أن تتصدر صورة جذابة صحيفة أو ريبورتاجاً مصوراً كي يسرق الخبر انتباهك، ويحثك على قراءته أو مشاهدته.
المصور الصحافي في لبنان، وغيره، يُعدّ من أكثر الإعلاميين مواكبة للأحداث الخطيرة بالجملة، منذ سبعينات القرن الماضي حتى اليوم. وبين حروب هنا ومعارك هناك، وثورات وأزمات وفضائح، اتسمت مهام المصوّرين الصحافيين، في الكثير من الأحيان، بالخطورة. فقد كانوا يضعون حياتهم على كفهم -كما يقال- وينطلقون مرتدين الدرع الحامية في رحلاتهم، من أجل إتمام المهمة على أكمل وجه، قبل العودة إلى أحبابهم أحياءً. وكم من صورة صحافية لا تزال تُحفر في ذاكرة الناس، لأنها نقلت آلامهم وعبّرت عن مآسيهم وأفراحهم، لمجرد نشرها في الإعلام؟
«الشرق الأوسط» التقت عدداً من المصورين الصحافيين، بينهم من تخصّصوا في تصوير الحروب والأخبار السياسية فكانوا في قلب الحدث، وآخرون اتجهوا نحو المجال التلفزيوني والصحافة الفنية، فاستطاعوا أن يعبروا بالمشاهد إلى حفلات ومهرجانات ومظاهرات وغيرها.
قصص هؤلاء المصوّرين مع كاميرتهم طويلة يمكنها أن تؤلف كتباً، لما تحمل من حكايات وغرائب.

أنور عمرو

«الكاميرا تسكنني»
يعمل أنور عمرو في التصوير الصحافي منذ أكثر من 30 سنة، ولقد تخصص في تصوير الحروب في لبنان وسوريا والعراق. عمله في وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) يفتح أمامه أبواباً محلية وعالمية، لكنه بسبب خطورته تعرّض لإصابات جسدية أكثر من 13 مرة. ولقد واكب الحرب السورية لنحو 4 سنوات متتالية، ولمجزرة قانا التقط صوراً تناقلتها وسائل إعلامية أجنبية كـ«واشنطن بوست» و«ليبراسيون» و«بي بي سي» وغيرها.
عن شغفه بمهنته، يقول إنه يعود إلى رسالة إنسانية لا تبارح ذهنه، ويضيف في لقاء مع «الشرق الأوسط» قائلاً: «لطالما تمنيت أن تكون الصورة الفوتوغرافية التي ألتقطها السبب في إيقاف حرب أو مأساة وطن. عندما صورت تلك الطفلة المنتشَلة من تحت الركام في عام 1996 في مجزرة قانا، كنت كمن يصرخ للعالم طالباً النجدة والرأفة بالأطفال. كنت أحدّث نفسي وأقول لها: ليت صورتي هذه تهز المجتمعات، وتركض لإغاثتنا فتتوقف الحرب».


وديع شلينك

هدف أنور كان دائماً الإضاءة على وجع الناس: «كيف لا، وأنا منهم؟ صورتي يجب أن تعكس هذه القضايا وتبرزها». ملايين الصور التي التقطها أنور عمرو تذكّره بحقبات تاريخية، وعندما يستعيدها في ذهنه يطرح على نفسه أسئلة كثيرة. «كنت في كل مرة أغادر فيها إلى حرب، يقولون لي: هل أنت مجنون؟ ولكنّ شغفي وحبي لمهنتي كانا يقفان وراء اندفاعي. لست نادماً، ولا على أي لحظة خطرة عشتها من أجل حبي هذا». وحقاً، لا تزال صور أنور عمرو تلاقي الشهرة التي تستحقها، بينها تلك التي صوّرها للمُودِع المسلّح الذي تمترس داخل أحد المصارف اللبنانية، وهو يدخن سيجارة من وراء القضبان الحديدية للبنك.
ثم يوضح: «لعملنا قواعد وأصول ولذلك نخضع لدورات خاصة تتطلب مهارات وتمارين وتدريبات في معسكرات خاصة للمصوّرين. هناك نتعلم كيف نتحرك على أرض مشتعلة بالقذائف أو مزروعة بالألغام أو يجتاحها قناصة. كان همي دائماً التأمين على عائلتي فيما لو حدث لي أي مكروه. وهذا الأمر توفّره المؤسسة التي أعمل بها (أ.ف.ب)، وهو ما يجعلني أقوم بمهماتي وأنا مطمئن». أما عن كاميرته فيقول: «إنها تسكنني، فهي بمثابة عضو من أعضاء جسدي، إنها هاجسي... ولا تفارقني حتى في أيام العطلة».


حسن عسل

تغيّر الأزمنة
يعترف معظم المصوّرين الذين التقتهم «الشرق الأوسط» بأن زمن الصورة تبدلت مشهديته تماماً. فهو تطور مع الوقت بفضل انفتاح الناس تجاهه مرة، وتراجعهم مرات بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى حسن عسل، المصوّر في جريدة «النهار» منذ أكثر من 30 سنة، أن الضغوط التي كان المصور الصحافي في الماضي يتعرض لها في مهماته خفّت. ويتابع: «كانت هناك محظورات وخطوط حمراء يفرضها السياسيون علينا من باب عدم اقتحام خصوصياتهم، مع أنها كانت عموميات وتدخل في صلب عملنا. فهذا السياسي ممنوع أن تقترب منه، وذاك الزعيم يجب ألا تنشر له صورة قبل أن يلقي نظرة عليها. اليوم الأمور تغيّرت وصرنا نعيش زمناً تفتّحت فيه الذهنيّات، وما عادت تعلق على أمور سطحية. فالناس كما أهل السياسة صاروا يعرفون أن المصوّر ليس عدوهم، بل مجرد شخص يقوم بعمله بكل بساطة، فيقبلونه بكل طيبة خاطر».
حسن الذي عُرف بتصويره مواضيع يطغى عليها العنصر السياسي مُنع غير مرة من إكمال مهماته التصويرية. إذ استولى بعضهم على شرائط صور له، وذات يوم حُوّل إلى الشرطة العسكرية. ويتذكر: «لا يمكنني أن أنسى لحظة تصويري وزيرة الخارجية الأميركية (السابقة) مادلين أولبرايت، وكنت يومها أعمل في جريدة (السفير). تمكنت من تصويرها وهي تحط بهليكوبتر في ساحة السفارة الأميركية. فنُصب لي حاجز لدى مغادرتي بُعيد انتهائي من إتمام مهمتي. واستولى عنصر على الصور، وعندما سألته عن السبب، أجابني بأن صوري خرقٌ أمني».
من ناحية ثانية، يرى حسن أن الصورة الفوتوغرافية لها أهمية أكبر من الريبورتاج (التحقيق) المصوّر، لأن عمرها أطول، ونستطيع نبشها ولو بعد حين».

الكاميرا... والجوّال
«زمن الصورة تحوّل؟ نعم» يقول وديع شلينك، الذي عمل في عدد من الصحف والمجلات والمواقع اللبنانية، وواكب حقبات فنية كثيرة كان فيها الـ«باباراتزي» نجم الساحة.
هذا الأخير باتت مهمته ملغاة بفضل الجوّال الذي يتيح لأي شخص أن يكون «باباراتزي». وهنا يضيف لـ«الشرق الأوسط» شارحاً: «الهاتف الجوّال هو الذي تحول إلى «باباراتزي» متجوّل، وصاحبه يمكنه أن يصور فناناً أو فنانة ساعة يشاء، إذا ما صدف ووجد في المكان نفسه معهم. كنا في الماضي نسترق الوقت وندخل المكان خلسة، كي نستطيع الحصول على صورة تفضح الفنان في أوضاع مختلفة. هذه الخصوصية ولّت اليوم وغاب الـ«باباراتزي» عن الساحة، خصوصاً أن الفنان نفسه بات يتمنى أن يصوره أحدهم كي يكون حديث الصالونات والسوشيال ميديا». ويتابع شلينك أن «لكل زمن صورته، وزمن اليوم تجتاحه اللقطة السريعة بفضل الجوّال».
الصحافة الفنية يجدها وديع أكثر أماناً من غيرها «لأن الفنان بطبيعته يحب أن يتصور كي يسلّط الضوء على شكله الخارجي، ويحظى بـ(اللايكات)». لكنه في الوقت نفسه يرى أن الصورة الفوتوغرافية الحقيقية لا يمكن أن تنافسها أخرى التُقطت بالجوّال، لجهة جودتها وتقنيتها. لذلك أصبح الفرق شاسعاً بين صور يسهل التقاطها، وأخرى يلزمها الوقت لتنفيذها وخروجها إلى النور. وهو يختتم بالتأكيد أن علاقات تربطه مع فنانين كثر. وهو تعاون مع أهم نجوم لبنان: «أعتقد لأنهم يعرفونني منذ زمن ويثقون بعدستي. فأنا أعرف تماماً كيف ألتقط الصورة لشخص ما ومن أي زاوية».

التحقيق المصوّر
يختلف العمل التصويري للريبورتاجات (التحقيقات) المصورة عن الفوتوغرافي منه. وبيار يوسف نموذج يحتذى في هذا المجال. مسيرته في التصوير التلفزيوني في المؤسسة اللبنانية للإرسال (إل بي سي) تعود إلى نحو 40 سنة. وهو ينقل خبرته هذه اليوم إلى طلاب كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية، حيث يعطي صفوفاً خاصة بكيفية تصوير الريبورتاج. أما قصته مع التصوير التلفزيوني فبدأت بالصدفة لأنه أصلاً درس الهندسة المدنية، لكنه ما لبث أن انتقل إلى العمل في هذا المجال بعدما درسه، وتابع دورات خاصة به.
بيار يرى أن على المصور التلفزيوني الحرص على الهدوء وتجنب دفع المشاهد إلى الملل. ويضيف: «هناك قواعد يجب اتباعها، منها ألا يتخطى صوت المراسل في التقرير المصور الـ20 ثانية في كل مرة يتحدث فيها أو يعلق على الحدث. وثانياً، تعامل المصور التلفزيوني مع المشاهد كشخص أصم، وأما القاعدة الثالثة فهي أن يتمتع بحس ثلاثي الأبعاد، بحيث يصوّر ويركز على الحدث، وفي الوقت ذاته يستطيع أن يلتقط أي إشارة صوتية تحيط به، وينقل أجواء المكان الذي يصور فيه».
ذكرياته كثيرة -كما قال لـ«الشرق الأوسط»- وغالبيتها محفوفة بالمخاطر: «لا يمكنني أن أنسى استشهاد الرئيس رينيه معوض الذي كنت أرافق تحركاته بطلب من (إل بي سي)، ويوم استشهاده طلب مني أن أغادر إلى مقره لأن لديه أعمالاً إضافية يقوم بها. وما إن وصلت إلى المقر في منطقة الرملة البيضاء حتى سمعت صوت الانفجار وعرفت أنه قضى».
نام بيار يوسف على الطريق السريع مرات، واتخذ من محطة «إل بي سي آي» بيتاً له بين 1985 و1992 كي يواكب أي مستجدات تحصل، ويتذكر: «كانت طبيعة عملنا أجمل وأكثر جودة، اليوم بات الاستسهال سيد المهنة وصارت الأخطاء كثيرة ولا يوجد من يصححها... ثم إن بين الفيديو والصورة فارقاً شاسعاً، فالأول يتفاعل الناس معه بشكل أفضل بسبب الحركة التي يتمتع بها، بينما الثانية أصعب لأن على صاحبها أن يوفق بلقطة غير عادية حتى تُحدث الفرق».
ومن ذكرياته تلك التي حملها معه من إندونيسيا... «يومها طُلب مني تصوير ما يحصل في موجة تسونامي التي أتت على الأخضر واليابس. كان الأمر قاسياً جداً، إذ كان عليّ أن أسير من دون أن أخطئ وأدوس على مئات الجثث المنتشرة هناك بفعل الموجة».


مقالات ذات صلة

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (إ.ب.أ)

«إيه بي سي نيوز» تدفع 15 مليون دولار لمكتبة ترمب الرئاسية لتسوية دعوى تشهير

وافقت شبكة «إيه بي سي نيوز» على دفع 15 مليون دولار لصالح مكتبة دونالد ترمب الرئاسية، لتسوية دعوى قضائية تتعلق بتصريح غير دقيق من المذيع جورج ستيفانوبولوس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الفيلم يتناول مخاطرة صحافيين بحياتهم لتغطية «سياسات المخدّرات» في المكسيك (الشرق الأوسط)

«حالة من الصمت» يحصد «جائزة الشرق الوثائقية»

فاز الفيلم الوثائقي «حالة من الصمت» للمخرج سانتياغو مازا بالنسخة الثانية من جائزة «الشرق الوثائقية».

«الشرق الأوسط» (جدة)
رياضة عربية المهندس خالد عبد العزيز رئيس المجلس الأعلى للإعلام في مصر (صفحة المجلس على «فيسبوك»)

مصر: قرارات جديدة لمواجهة «فوضى الإعلام الرياضي»

أصدر المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر، برئاسة المهندس خالد عبد العزيز مجموعة قرارات، اعتماداً لتوصيات لجنة ضبط أداء الإعلام الرياضي.

محمد الكفراوي (القاهرة)
أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي
TT

إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها

الصحف الفرنسية أمام التحدي
الصحف الفرنسية أمام التحدي

يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).

الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).

نقاش إعلامي محتدم

ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.

للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».

أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.

بصمات ماسك غيّرت «إكس» (تويتر سابقاً)

«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك

من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».

أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.

سالومي ساكي

... الفريق المتريّث

في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».

الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.

من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.

وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».

«لوفيغارو»... باقية

هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.

ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.

أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.

في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.