بوتين يتهم الغرب بتعزيز «النزعات الاستعمارية» ويؤكد قدرة روسيا على المواجهة

التغيرات العالمية «لا رجعة فيها» والنخب الغربية «منفصلة» عن مصالح الشعوب

شدد بوتين على أن التغيرات التي يشهدها العالم حالياً «لا رجعة فيها» (أ.ف.ب)
شدد بوتين على أن التغيرات التي يشهدها العالم حالياً «لا رجعة فيها» (أ.ف.ب)
TT

بوتين يتهم الغرب بتعزيز «النزعات الاستعمارية» ويؤكد قدرة روسيا على المواجهة

شدد بوتين على أن التغيرات التي يشهدها العالم حالياً «لا رجعة فيها» (أ.ف.ب)
شدد بوتين على أن التغيرات التي يشهدها العالم حالياً «لا رجعة فيها» (أ.ف.ب)

عكست تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الجلسة العامة للمنتدى الاقتصادي الشرقي، رهاناً روسيّاً على تعميق الأزمات الداخلية في المجتمعات الغربية، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، وزيادة التضخم، وارتفاع الأسعار. ورأى بوتين أن النخب الغربية انفصلت عن مصالح شعوبها، وعملت على تعزيز مسار «فرض الهيمنة الاستعمارية». وقدّم بوتين في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي الذي يُعقد في أقصى الشرق الروسي تحت عنوان «نحو عالم متعدد الأقطاب» رؤيته للتطورات السياسية والاقتصادية في العالم على خلفية الحرب الأوكرانية، والمواجهة المتفاقمة بين روسيا والغرب. وقال إن «التحديات العالمية الجديدة» حلّت محل وباء فيروس «كورونا»، منتقدا ما وصفها بأنها «هستيريا العقوبات الغربية»، و«المحاولات العدوانية المكشوفة لفرض أنماط سلوكية على دول أخرى، وحرمانها من سيادتها وإخضاعها لإرادتها».
وقال الرئيس الروسي إن الحرب ضد أوكرانيا هذا العام كان أمرا ضروريا. وقال: «أستطيع أن أقول إن المكسب الرئيسي كان تعزيز سيادتنا، وهذه نتيجة مؤكدة لما يحدث الآن»، مشيرا إلى أن الهجوم على أوكرانيا كان مطلوبا للدفاع عن روسيا. وأضاف «لم نخسر شيئا ولن نخسر شيئا».
ووصف العقوبات الغربية بأنها باتت مصدر تهديد للعالم بأسره. وأشار إلى أن ذلك أدى إلى تراجع الثقة في الدولار واليورو والجنيه الإسترليني، وقال إنه «حتى حلفاء الولايات المتحدة يخفضون احتياطياتهم من العملة الأميركية».

وشدد على أن التغيرات التي يشهدها العالم حاليا «لا رجعة فيها»، مشيرا إلى أن تقليص تأثير واشنطن على العمليات في الاقتصاد والسياسة العالميين، كان العامل المحفز لهذه العمليات. ووفقا لبوتين فإن «الغالبية المطلقة لدول آسيا والمحيط الهادي لا تقبل المنطق المدمر للعقوبات، وهنا تقع مبادئ المنفعة المتبادلة والتعاون في قلب مسار العلاقات التجارية». ولفت إلى أن «صفقة إسطنبول» التي تم توقيعها قبل أسابيع، لتسهيل صادرات الحبوب والأغذية من أوكرانيا وروسيا «لا تحقق أهدافها المعلنة لأن كل المواد الغذائية التي تصدرها أوكرانيا في إطار هذه الصفقة تذهب إلى أوروبا، وليس إلى البلدان المحتاجة».
وأوضح الرئيس الروسي «إذا استبعدنا تركيا كدولة وسيطة، فكل الحبوب المصدرة من أوكرانيا تقريباً لا يتم إرسالها إلى البلدان النامية والأكثر فقراً، ولكن إلى دول الاتحاد الأوروبي. خلافا لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي يتضمن فقط مساعدة أكثر الدول المحتاجة، (...) لقد تم تحميل سفينتين فقط. اسمحوا لي أن أؤكد، اثنتان فقط من أصل 87، وقد حملوا 60 ألف طن من المواد الغذائية من أصل مليوني طن، تم إرسال 3 في المائة فقط منها إلى البلدان النامية».
نفى الرئيس الروسي أن تكون روسيا تستخدم الطاقة «سلاحا» ضد أوروبا، بعد أيام من توقف شحنات الغاز الروسي عبر خط أنابيب «نورد ستريم». وقال بوتين إن الدول الغربية تقول إن «روسيا تستخدم الطاقة كسلاح. كلام فارغ! أي سلاح نستخدم؟ نقوم بتوفير الكميات الضرورية وفقاً لطلبات» الدول المستوردة. وتابع الرئيس الروسي أمام قادة اقتصاديين وسياسيين آسيويين «أعطونا توربيناً ونعيد إطلاق نورد ستريم غداً». وأعلنت مجموعة «غازبروم» الروسية الجمعة توقف عمل خط أنابيب «نورد ستريم» الحيوي لإمداد أوروبا بالغاز، «بالكامل»، حتى انتهاء إصلاح توربين فيه، بعدما كان من المقرر أن يعاود العمل السبت إثر عملية الصيانة. وعزز هذا الإعلان مخاوف الدول الأوروبية من انقطاع تام للغاز الروسي في أوروبا، قبل حلول فصل الشتاء وعلى خلفية تضخم متسارع في أسعار الطاقة. ويتهم الاتحاد الأوروبي موسكو باستخدام شحنات الغاز كسلاح ضغط في إطار النزاع في أوكرانيا. وتقول موسكو إن العقوبات المفروضة عليها تسببت في نقص قطع الغيار، ما يهدد تشغيل نورد ستريم. وقال بوتين متوجهاً إلى الأوروبيين، «نحن مستعدون لاستئناف التصدير عبر نورد ستريم غداً»، مضيفاً «كل ما عليكم فعله هو الضغط على الزر»، مذكراً بأن روسيا ليست هي من «فرض عقوبات». وتابع «لكننا وصلنا إلى طريق مسدود بسبب العقوبات الغربية» على موسكو. واعتبر أن تحديد سقف محتمل لأسعار الغاز الروسي من قبل الأوروبيين سيكون «حماقة» و«حلاً آخر خارج السوق بلا آفاق». وقال: «إذا أرادت الدول الأوروبية التخلي عن مزاياها التنافسية، فالقرار متروك لها».
ووصف بوتين سياسة الدول الأوروبية بأنها استمرار للماضي الاستعماري. منتقدا ما وصفه حرص الغرب على تعزيز مسار الهيمنة. وقال إن الغرب «يريد فرض نماذج سلوك خاصة به، تخدم مصالحه ولا تخدم سواه، ونشهد مساعي لتعزيز هيمنة مراوغة للولايات المتحدة في السياسة العالمية». وقال بوتين إن النخب السياسية الغربية «لا تعبأ بمصالح شعوبها، وتلقي بها في محرقة العقوبات، ونلاحظ اتساع الفجوة ما بين النخب السياسية والشعوب الغربية (...) بينما تنزع واشنطن إلى فرض أجندتها السياسية على القارة الأوروبية، غير عابئة بصالح القارة، تحت مزاعم وحدة الأطلنطي». وشدد على أن ارتفاع الأسعار في الأسواق العالمية «يمكن أن يكون مأساة حقيقية لمعظم البلدان الأشد فقرا. لذلك، وفقاً للأمم المتحدة، إذا عانى 135 مليون شخص في العالم في عام 2019 من نقص حاد في الغذاء، فإن عددهم حاليا هو 345 مليونا». وقال إن «الدول الأكثر فقرا تفقد تماما القدرة على الوصول إلى أهم المنتجات الغذائية لأن الشراء من قبل الدول المتقدمة يؤدي إلى ارتفاع حاد في الأسعار».
وتطرق في خطابه إلى الوضع الداخلي في روسيا وقال إن معدلات التضخم السنوي تتجاوز حاليا، 14 في المائة بقليل، مشيرا إلى اتجاه «تراجعي» في هذا المجال. وزاد «أعتقد أنه وفقاً لنتائج العام سيكون لدينا حوالي 12 في المائة، ووفقاً للعديد من خبرائنا، في الربع الأول، بحلول الربع الثاني من العام المقبل، سنصل على الأرجح إلى المؤشرات المستهدفة، وهناك من يتحدث عن معدلات 5 إلى 6 في المائة، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أنه سيتم الوصول إلى مستوى أربعة في المائة فقط». وأشار إلى أن الوضع الاقتصادي في روسيا قد استقر، و«لكن لا تزال هناك مشاكل مرتبطة بـالإمدادات من الخارج. كما استقرت أسواق العملات والأسواق المالية، ووصل معدل البطالة إلى أدنى مستوى تاريخي له بأقل من أربعة في المائة». وزاد أن «روسيا تكاد تكون الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تلبية احتياجاتها من الموارد الطبيعية». وأشار إلى أن «السفن التي نطورها ستسمح لنا بالملاحة طوال العام عبر ممر الملاحة الشمالي».
وعموما فقد رأى بوتين أن «الوضع الاقتصادي في روسيا استقر لكن المصاعب لا تزال قائمة، وخصوصا المتعلقة بإمدادات من الخارج». لكنه جدد التأكيد في الوقت ذاته على «استحالة عزل روسيا ويكفي فقط النظر إلى الخريطة للتأكد من ذلك». وتعهد الرئيس الروسي بتعزيز مسار إحلال المعاملات بالعملات الوطنية في تعاملات روسيا الاقتصادية، وقال إنه سيتم استخدام الروبل الروسي واليوان الصيني في مدفوعات الغاز مع الصين بنسب متساوية.
وتستضيف مدينة فلاديفوستوك في أقصى الشرق الأقصى الروسي هذا الأسبوع فعاليات وأنشطة منتدى الشرق الاقتصادي، وسط مشاركة دولية وصفتها موسكو بأنها واسعة برغم القيود الغربية.


مقالات ذات صلة

مستشار بوتين: أوكرانيا ومولدوفا قد تفقدان استقلالهما

أوروبا انفجار طائرة مسيّرة في سماء العاصمة الأوكرانية كييف أثناء غارة روسية، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا، 14 يناير 2025 (رويترز)

مستشار بوتين: أوكرانيا ومولدوفا قد تفقدان استقلالهما

قال مستشار للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن أوكرانيا ومولدوفا يمكن أن تفقدا وضعهما كدولتين مستقلتين، وذلك في مقابلة مع صحيفة «كومسومولسكايا برافدا» الروسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في كييف (د.ب.أ)

زيلينسكي يناقش مع وزير الدفاع الألماني بناء درع شاملة للدفاع الجوي

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه ناقش مع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بناء درع شاملة للدفاع الجوي، وتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا لقاء سابق بين ماكرون وزيلينسكي في باريس (رويترز)

زيلينسكي يناقش مع ماكرون «نشر وحدات» أجنبية في أوكرانيا

أعلن الرئيس الأوكراني، الاثنين، أنه ناقش مع نظيره الفرنسي دعم أوكرانيا واحتمال «نشر وحدات» من العسكريين الأجانب في البلاد، وهي فكرة طرحها حلفاء كييف مؤخراً.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عمال يقفون بالقرب من أنبوب في موقع بناء لتمديد خط أنابيب الغاز الروسي «ترك ستريم» عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

الكرملين: هجوم أوكرانيا على خط أنابيب «ترك ستريم» عمل «إرهابي»

قالت وكالة «تاس» الروسية للأنباء، إن الكرملين اتهم أوكرانيا اليوم (الاثنين)، بمهاجمة خط الأنابيب «ترك ستريم»، واصفاً ذلك بأنه «عمل إرهابي في مجال الطاقة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.