نجح فيلم «13 حياة» والمعروض على شبكة «أمازون برايم» في لفت الأنظار للتفاصيل الدقيقة لعملية إنقاذ 12 فتى ومدربهم في كهف بتايلاند، والتي وقعت في عام 2018. وحازت على اهتمام دولي، وما بدا أنه «مهمة مستحيلة»، في فيلم لا يخلو من التشويق رغم أننا كمشاهدين نعرف نهايته.
الفيلم الذي أخرجه رون هوارد، والذي قدم لجمهوره أفلاماً مشوقة سابقاً أبرزها «أبوللو 13» و«بيوتيفول مايند» أو «عقل جميل»، بالإضافة إلى خبرته في إخراج أفلام وثائقية، نجح في تسليط الضوء على تفاصيل جديدة لعملية إنقاذ صبية الكهف، ربما أهمها على وجه الخصوص هو كيف تم إخراج المراهقين ومدربهم، الأمر الذي لم يعلن وقتها لوسائل الإعلام، وهو بتخدير الأطفال وحمل غواصون لهم في مياه الكهف المظلم.
يدهشنا الفيلم المقدم في 147 دقيقة بأن ما بدا لنا كمشاهدين على الحدث الذي كان العالم يتابعه بشغف، لا يقل عن الشغف الذي كان يتابع به العالم بطولة كأس العالم لكرة القدم آنذاك، مع الفارق الإنساني بالطبع، فوصول خبراء ومعدين من أبرز الدول المتقدمة على رأسها الولايات المتحدة، لم يبعد عن المشهد حقيقة أنه فوضوي وأشبه بالارتجال من أفراده، فحالة الاهتمام الإعلامي كان وراءها تخبط في اتخاذ القرارات، وخاصة أن ذلك يتم تحت ضغط الإعلام وأهالي المراهقين وذويهم.
أخذنا سريعاً من أول مشهد لدخول المراهقين إلى الكهف، في مغامرة غير محسوبة من جانبهم، وحتى الحشد الإعلامي والرسمي لإنقاذهم من كهف «ثام لونغ» وسط أمطار موسمية، ويركز الجزء الأكبر من فيلم «13 حياة» على غواصي الكهوف البريطانيين جون فولانثين (والذي قام بدوره الممثل كولين فيريل) والغوص ريك ستانتون (وقام به الممثل فيغو مورتينسين)، الذين استدعتهم الحكومة التايلاندية لقيادة عملية خاصة لمعرفة ما إن كان الأطفال ما زالوا أحياء، ومحاولة إنقاذهم.
وبعد عشرة أيام ورحلتين مرهقتين عبر كهوف ضيقة شديدة السواد، يكتشف الغواصان أن الثلاثة عشر كانوا أحياء بأعجوبة بعد أسبوع محاصرين في كهف صغير وفي أول لقاء بين الغواصين والأطفال ومدربهم، يلتقطون فيديو لهم، ويعودون بين فرحة الأهالي والمسؤولين، وبين حيرة تملكت الغواصين عن كيفية إخراجهم. واستقر الغواصان جون وريك على استدعاء الدكتور ريتشارد هارس أو هاري (وقام به الممثل جويل إجيرتون)، وهو طبيب تخدير أسترالي مكلف بمهمة نقلهم من الكهف إلى الخارج.
مخرج العمل رون هوارد مع الصبية الذي يؤدون دورهم في الفيلم (أ.ب)
ويتبعنا الفيلم بالخريطة والتوقيت على الشاشة ليجعله أقرب لفيلم توثيقي عن الأحداث ولكن لا تخلو من الدراما. وكشف مخرج العمل هوارد أنه بسبب قيود السفر بسبب «كورونا»، تم تصوير الجزء الأكبر من الفيلم في كوينزلاند بأستراليا، مع تصوير إضافي في تايلاند كان على هوارد توجيهه عن بُعد، ويقول هوارد في تصريحات لوكالة «أسوشييتد برس» في أغسطس (آب) الماضي: «شعرت وكأنني قائد أوركسترا. «من الناحية اللوجيستية، كان الأمر معقداً للغاية. وشعرت بمسؤولية أعمق في الحصول على هذا بشكل صحيح نيابة عن المشاركين أكثر من أي فيلم آخر صنعته».
وبصرياً، يتنقل الفيلم إلى مشاهد المناطق الجغرافية التي وقع فيها الحادث، ويظهر وعورة الكهف وصعوبة إنقاذ الأطفال، فيما يتنقل العمل من وقت لآخر إلى القرويين في محيط الكهف الذين وافقوا على التضحية بمحاصيلهم الزراعية، مقابل إخراج الماء الزائد في الكهف إليها بواسطة المسؤولين، كما يرصد العمل في أحد المشاهد صنع رجل قروي لماسورة من الزراعية لمساعدة عملية نقل الماء من الكهف لإنقاذ الصبية.
ويهتم العمل برصد التفاصيل الصغيرة التي اتبعها الأبطال الغواصون في إنقاذ الأطفال، مثل التركيز على وضع ساعة «تايمر» لمعرفة الوقت الذي يتم أخذه في الذهاب للصبية والعودة للسطح، والذي كان في البداية لإيصال الطعام والشراب لهم حتى يتم إنقاذهم، فضلاً عن إيصال أوراق وأقلام لينقل الصبية رسائل مكتوبة لطمأنة أهاليهم. كما كشف العمل في مشهد مؤثر مساعي مدربهم في تهدئة الصبية من خلال التأمل واليوغا.
مشهد من الفيلم للصبية وهو يقومون باليوغا وراء مدربهم (أ.ب)
وعلى عكس المألوف في أفلام هوليوود، لم يكن أبطالنا واثقين من نتائج جهود الإنقاذ، بل متشككين في محاولتهم، ويتجسد خوفهم في المقترح الذي وصفوه بالمجنون لإنقاذ الأطفال عبر تخديرهم، ولم يعرف أحد منهم ليس فقط أن الخطة ربما لن تنجح، لأنه ببساطة «لا يوجد حل سهل» لإنقاذ الصبية ومدربهم، فيما ينقل العمل اهتزاز السلطات تجاه «القرار الصحيح» بعد وفاة غواص، ويدعى سامارن بونان بعد أن فقد الوعي تحت الماء خلال محاولة إنقاذ أعضاء الفريق ومدربهم.
يظهر العمل ارتياح الغواصين المنهكين بالفعل من سلامة الصبي الأول، لينتقل إلى عربة إسعاف محاطة بحواجز بلاستيكية بيضاء تحجبهم عن وسائل الإعلام، ليضع الفيلم مشاهديه أمام جدل يتجدد حول حدود وسائل الإعلام، وحق الإعلام في المعرفة مقابل إخفاء بعض المعلومات حفاظا على خصوصية الأطفال وعلى نجاح العملية الصعبة.
نجح «13 حياة» كذلك في رصد التشوش والإرهاق الذي ظهر على الغواصين الأبطال، بالإضافة إلى تعرضهم أيضاً لمخاطر عديدة خلال عملية الإنقاذ البطولية المذهلة، يظهرون ضعفهم تجاه ما يتحملون من مسؤولية من جهة، وحياتهم الشخصية الضاغطة من جهة أخرى.
ممثلون يقومون بدور أهالي الصبية في موقع تصوير الفيلم (أ.ب)
ويخلص الفيلم للتفاصيل الصغيرة، مثل تخصيص مشهد لأمهات أحد الصبية وهي وابنها لا يحملون أي جنسية (عديمي الجنسية) أي دون أي أوراق رسمية، وتنقل الأم مخاوفها من تجاهل رجال الإنقاذ لابنها واسمه تشا، لينقل الفيلم تأكيد المسؤولين على أهمية إنقاذ الجميع، ولا أولوية لأحد على أحد، في إخلاص للأحداث الحقيقية، التي كشفت عن وجود ثلاثة صبية من عديمي الجنسية، وقد منحتهم السلطات التايلاندية الجنسية بعد إنقاذهم.
ودرامياً، يخلق العمل حالة من التشويق لمتابعته، حتى لمن لم يتابع عملية إنقاذ الصبية آنذاك، وفي حين تركز عدد من الأعمال التاريخية على سرد قصة «بطل» واحد، انحاز الفيلم لأكثر من بطل، ليس فقط الغواصين، ولكن أهالي القرية والمسؤولين، وأفراد الأمن والأطباء، وكأن الفوضى التي نقلها الفيلم في بداية الأحداث قد تراصت في نظم واحد من أجل إنجاح المهمة.
ويلخص الممثل مورتينسين أهمية المشاركة في فيلم «13 حياة» بقوله لوكالة «أسوشييتد برس»: «الفيلم مثال مهم على تطوع عدد كبير من الأفراد (أبرزهم الغواصين الحقيقيين) من أجل الصالح العام، وهذا أمر رائع هذه الأيام. يجب أن يكون هذا هو السلوك الأكثر شيوعاً في العالم، وأن البشر قادرون على ذلك معاً».