ماكرون: انقسام أوروبا أحد أهداف حرب روسيا على أوكرانيا

أكد مجدداً عزمه على التواصل مع بوتين لكي لا يترك الساحة لتركيا كقوة وحيدة تتواصل مع روسيا

الرئيس الفرنسي متحدثاً في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي متحدثاً في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم (إ.ب.أ)
TT

ماكرون: انقسام أوروبا أحد أهداف حرب روسيا على أوكرانيا

الرئيس الفرنسي متحدثاً في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم (إ.ب.أ)
الرئيس الفرنسي متحدثاً في المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم (إ.ب.أ)

إنها «مضبطة اتهامات» متكاملة بحق روسيا التي رسمها أمس الرئيس الفرنسي في كلمته المطولة جدا «ساعتين من الزمن» بمناسبة المؤتمر السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم بحضور رئيسة الحكومة وأعضائها. إيمانويل ماكرون الذي اتهم سابقا باتباع سياسة «رخوة» إزاء الرئيس الروسي والإصرار على التواصل معه رغم الخيبات التي ألمت به بسبب امتناع الأخير عن تنفيذ الوعود التي أغدقها في أكثر من مناسبة، استخدم أمس لهجة بالغة التشدد لكنها لم تمنعه من التأكيد مجددا على عزمه مواصلة التواصل معه. ورأى الرئيس الفرنسي أن «انقسام أوروبا هو أحد أهداف حرب روسيا» على أوكرانيا معتبراً أن «وحدة الأوروبيين (...) أساسية» في هذا الملف.
وأضاف ماكرون «لا ينبغي أن نترك أوروبا تنقسم» و«هذا تحد يومي».
بداية، اعتبر ماكرون أن غزو روسيا لأوكرانيا «انتهاك وضرب للمبادئ التي قام عليها السلم في أوروبا طيلة عقود وتشمل زمن الحرب الباردة والفترة التي تبعتها». وهذه المبادئ تشمل احترام سيادة الدول وسلامة أراضيها وشرعة الأمم المتحدة. والحال أن الحرب الروسية تنسف كل ذلك وتعيد الحرب إلى قلب أوروبا وتنسف النظام الدولي وتفضي إلى انقسامات داخل القارة الأوروبية وتدوس مبادئ القانون الدولي وتتسبب في أزمات متنوعة مثل أزمة الطاقة والأزمة الغذائية العالمية وتستخدم الهجرات سلاحا سياسيا. ولا تتوقف «المضبطة» عند هذا الحد إذ أن ماكرون يرى أن ما تقوم به روسيا يلامس التهديد بحصول كارثة نووية ويفضي إلى توسيع الهوة بين الشمال والجنوب وتزيد من اختلال التوازنات وتضرب النظام الدولي. فضلا عن ذلك، فإن الحرب الروسية يمكن نعتها، وفق ماكرون، بـ«الهجينة» لأنها تستخدم الحرب الإعلامية وقلب الحقائق وتزييفها وتحميل المسؤولية فيما حصل للحلف الأطلسي بينما المسؤولية تقع على كاهل روسيا. كذلك يعتبر ماكرون أن الحرب الروسية تؤدي خدمة للصين التي تسعى لطرح نموذج وقيم مختلفة تماما عن القيم الديمقراطية والغربية. وباختصار، فإن الحرب الروسية تهدف إلى اقتطاع أراض وضمها إلى روسيا ما يتناقض مع كافة الأعراف والمواثيق التي تضبط النظام العالمي.
بيد أن هذه المضبطة الاتهامية لا تمنع الرئيس الفرنسي من التأكيد مجددا على عزمه مواصلة التواصل مع نظيره فلاديمير بوتين. ويعد ماكرون من أكثر القادة الغربيين تواصلا مع سيد الكرملين منذ ما قبل اندلاع الحرب صبيحة 24 فبراير (شباط) الماضي حين سعى إلى ثنيه عن شن هجوم على أوكرانيا وحصل منه على تعهد بعودة القوات الروسية إلى ثكناتها بعد انتهاء تدريباتها إن في بيلاروسيا أو على الحدود الروسية - الأوكرانية. كذلك سعى بعد اندلاعها إلى الحصول على هدنة أو وقف لإطلاق النار.
بيد أن هذه الجهود باءت كلها بالفشل. ولعل النجاح الوحيد الذي حصده ماكرون مع بوتين أنه نجح في دفعه لقبول وصول بعثة من الوكالة الدولية للطاقة النووية إلى محطة زابوريجيا الأوكرانية التي ظهرت بخصوصها مخاوف حصول حادث نووي. وقال الرئيس الفرنسي أمس إنه «يجب أن نفترض أنه يمكننا دائما مواصلة التحدث إلى الجميع» خصوصاً «الذين لا نتفق معهم». ولجأ ماكرون إلى حجة تبريرية لرغبته مواصلة الحوار مع نظيره الروسي بقوله «من يريد أن تكون تركيا القوة الوحيدة في العالم التي تواصل الحديث مع روسيا؟».
تشدد مصادر الإليزيه على أن الرئيس الأوكراني زيلينسكي هو من كان يطلب من ماكرون البقاء على تواصل مع بوتين لإيصال الرسائل إليه وللتعرف على مخططاته. وتجدر الإشارة إلى أن سياسة ماكرون إزاء روسيا مرت بمرحلتين: الأولى، كانت تهدف إلى تمكين فرنسا من أن تكون صلة الوصل مع روسيا بمعنى المحافظة على مسافة معينة تتيح لها القيام بوساطة بين أوكرانيا وروسيا مع تأكيد وقوفها إلى جانب كييف والالتزام بالمواقف والقرارات التي تتخذ على المستويين الأوروبي والأطلسي. أما المرحلة الثانية فقد بدأت بعد أن تكشفت الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية في المناطق القريبة من كييف وشمال البلاد.
واتسمت هذه المرحلة بالتشدد واستخدام باريس لغة منددة بالممارسات الروسية ودافعة إلى اتخاذ عقوبات قاسية بحق روسيا على جميع الأصعدة الاقتصادية والمالية وفرض العزلة الدبلوماسية وخلافها. والتزم الرئيس الفرنسي أمس بأمرين: الأول، الاستمرار بالحوار مع الجانب الروسي والثاني أن يتم ذلك بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء أكان في الاتحاد الأوروبي أو في الحلف الأطلسي. ويبدو ماكرون بالغ الحرص على وحدة الموقف الأوروبي معتبرا أن أحد أهداف روسا هو إحداث انشقاقات داخل الصف الأوروبي.
يحرص ماكرون على التأكيد أن فرنسا «ليست في حالة حرب مع روسيا ولا تشارك فيها» وأن المساعدات المختلفة التي تقدمها لأوكرانيا غرضها تمكينها من الدفاع عن أراضيها. أما أهداف السياسة الفرنسية إزاء الواقع الروسي - الأوكراني، فقد لخصه ماكرون بأن باريس «لا تريد أن تنجح روسيا في تحقيق انتصار في أوكرانيا». ووفق القراءة الفرنسية، فإن نصرا كهذا من شأنه أن يشجع موسكو على معاودة الكرة في أماكن ومناطق أخرى. أما الوجه الثاني لهذه السياسة فيكمن في توفير الشروط حتى تكون أوكرانيا قادرة على تحقيق الانتصار العسكري الميداني أو توفير الظروف والشروط لتجلس إلى طاولة المفاوضات، عندما تحين المفاوضات، من موقع قوة. وأكد ماكرون كذلك أنه مستمر في التواصل مع روسيا من أجل «التحضير للسلام وتعيين محدداته». إلا أنه أردف مشيرا إلى أن «لا أحد يختار مكان الأوكرانيين» ما الذي ير يدونه أو يقبلونه. وفي كلام الرئيس الفرنسي رسائل موجهة للأوكرانيين ولكن أيضاً لحلفائهم الغربيين وربما يكون موجها بالدرجة الأولى إلى الولايات المتحدة الأميركية.
يبقى أن لحظة العودة إلى المفاوضات، وفق القراءة الفرنسية، لا تبدو قريبة رغم أن الظروف تغيرت. ففي بداية الحرب كانت كييف هي من يسعى إلى التفاوض بينما اليوم، تضيف هذه المصادر، تطلق موسكو رسائل تفيد أنها راغبة بالتفاوض فيما الجانب الأوكراني، الذي يستند إلى قدرته الراهنة على مقاومة الغزو الروسي لا بل تحقيق نجاحات ميدانية، يعتبر أن تواصل الحرب تخدم أهدافه وتعزز موقعه علما بأن الرئيس زيلينسكي يرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات قبل أن تعود القوات الروسية إلى مواقعها لما قبل الـ24 فبراير الماضي وأن تخرج لاحقا من كافة الأراضي الأوكرانية المحتلة بما فيها شبه جزيرة القرم.


مقالات ذات صلة

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ورئيس وزراء إستونيا كريستين ميشال لدى اجتماعهما في كييف الاثنين (أ.ب)

زيلينسكي: 800 ألف جندي روسي منتشرون في أوكرانيا

أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي انتشار مئات الآلاف من الجنود الروس حالياً في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال اجتماع في كييف بأوكرانيا 9 ديسمبر 2024 (أ.ب)

زيلينسكي منفتح على انتشار قوات غربية في أوكرانيا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إنه منفتح على الانتشار المحتمل لقوات غربية في كييف لضمان أمن البلاد في إطار جهود أوسع نطاقاً لإنهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (كييف)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
TT

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)
رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

ووفقاً للتقرير العالمي بشأن الاتجار بالأشخاص والصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإنه في عام 2022 -وهو أحدث عام تتوفر عنه بيانات على نطاق واسع- ارتفع عدد الضحايا المعروفين على مستوى العالم 25 في المائة فوق مستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19» في عام 2019. ولم يتكرر الانخفاض الحاد الذي شهده عام 2020 إلى حد بعيد في العام التالي، وفقاً لما ذكرته وكالة «رويترز» للأنباء.

وقال التقرير: «المجرمون يتاجرون بشكل متزايد بالبشر لاستخدامهم في العمل القسري، بما في ذلك إجبارهم على القيام بعمليات معقدة للاحتيال عبر الإنترنت والاحتيال الإلكتروني، في حين تواجه النساء والفتيات خطر الاستغلال الجنسي والعنف القائم على النوع»، مضيفاً أن الجريمة المنظمة هي المسؤولة الرئيسية عن ذلك.

وشكَّل الأطفال 38 في المائة من الضحايا الذين تمت معرفتهم، مقارنة مع 35 في المائة لأرقام عام 2020 التي شكَّلت أساس التقرير السابق.

وأظهر التقرير الأحدث أن النساء البالغات ما زلن يُشكِّلن أكبر مجموعة من الضحايا؛ إذ يُمثلن 39 في المائة من الحالات، يليهن الرجال بنسبة 23 في المائة، والفتيات بنسبة 22 في المائة، والأولاد بنسبة 16 في المائة.

وفي عام 2022؛ بلغ إجمالي عدد الضحايا 69 ألفاً و627 شخصاً.

وكان السبب الأكثر شيوعاً للاتجار بالنساء والفتيات هو الاستغلال الجنسي بنسبة 60 في المائة أو أكثر، يليه العمل القسري. وبالنسبة للرجال كان السبب العمل القسري، وللأولاد كان العمل القسري، و«أغراضاً أخرى» بالقدر نفسه تقريباً.

وتشمل تلك الأغراض الأخرى الإجرام القسري والتسول القسري. وذكر التقرير أن العدد المتزايد من الأولاد الذين تم تحديدهم كضحايا للاتجار يمكن أن يرتبط بازدياد أعداد القاصرين غير المصحوبين بذويهم الذين يصلون إلى أوروبا وأميركا الشمالية.

وكانت منطقة المنشأ التي شكلت أكبر عدد من الضحايا هي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 26 في المائة، رغم وجود كثير من طرق الاتجار المختلفة.

وبينما يمكن أن يفسر تحسين الاكتشاف الأعداد المتزايدة، أفاد التقرير بأن من المحتمل أن يكون مزيجاً من ذلك ومزيداً من الاتجار بالبشر بشكل عام.

وكانت أكبر الزيادات في الحالات المكتشفة في أفريقيا جنوب الصحراء وأميركا الشمالية ومنطقة غرب وجنوب أوروبا، وفقاً للتقرير؛ إذ كانت تدفقات الهجرة عاملاً مهماً في المنطقتين الأخيرتين.