كمال عبد الحليم... شاعر «الفجر الجديد»

29 كاتباً وأديباً وسياسياً يوثقون لنضاله في الشعر والحياة

كمال عبد الحليم... شاعر «الفجر الجديد»
TT

كمال عبد الحليم... شاعر «الفجر الجديد»

كمال عبد الحليم... شاعر «الفجر الجديد»

صدر حديثاً كتاب «كمال عبد الحليم شاعراً ومناضلاً» إعداد الكاتب المصري محمد حسن، ويعد حسب مقدمة الناقد الراحل الدكتور عبد المنعم تليمة، وثيقة شاملة تحيي تراث واحد من أهم رواد التجديد في الشعر المصري الحديث، فضلاً عن دوره النضالي ضد الاستعمار والفساد، ودفاعه عن الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية والانحياز للفقراء.
تضمن الكتاب، الذي قام حسن بطباعته على نفقته الخاصة، 4 أقسام؛ خُصص القسمان الأولان لشهادات وحوارات زملاء ورفاق عرفوا كمال عبد الحليم وارتبطوا معه بعلاقات سياسية وفنية وإبداعية، ومنهم الناقد محمود أمين العالم، والكاتب الروائي شريف حتاتة، وأحمد حمروش أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار، ورئيس اللجنة المصرية لتضامن الأفرو آسيوية وأحد أبرز مؤرخي ثورة 23 يوليو (تموز)، ومحمد عودة، وجمال الغيطاني، والفنان محمود الهندي، فضلاً عن العديد من أفراد أسرته.
الحوارات والشهادات لـ29 كاتباً وأديباً وسياسياً، توثق، حسب رأي تليمة، للحياة الإبداعية والنضالية الفريدة التي عاشها كمال عبد الحليم منذ صدور ديوانه الأول «إصرار» في عام 1951، الذي تمت مصادرته بأمر النيابة والقضاء وقتها، حتى وفاته عام 2004 بعد حياة عانى فيها من السجون والمعتقلات والمطاردات، التي بدأت بواقعة شهيرة حدثت في مجلس النواب زمن الملكية، حين وقف رئيس الوزراء المصري إسماعيل صدقي، في يوليو عام 1946 يقرأ قصائده غاضباً ومحذراً من أن كمال عبد الحليم الذي لم يكن عمره آنذاك قد تجاوز 21 عاماً يسعى لتأجيج المصريين ضد القصر والقيام بثورة. كان كمال في تلك اللحظات رهن الاعتقال، وحين أطلقت الشرطة سراحه بعد شهرين من القبض عليه، خرج ومعه واحدة من قصائده الشهيرة «نحن في السجن» التي يحكي فيها عن السجن وظلامه، وقيوده، والتي يقول في أحد أبياتها «نحن في السجن وتحت الشمس أنصار الظلام»، وقد وضعها حسن ضمن الملحق الرابع والأخير الذي خصصه للقصائد الشهيرة التي كتبها كمال عبد الحليم، مثل «الفجر الجديد» و«إلى الشاعر التائه» و«عيد ميلاد» و«صلاح بشرى»، و«دع سمائي» التي قدمتها المطربة فايدة كامل عام 56 أثناء العدوان الثلاثي على مصر، وهذا النشيد له قصة رواها كمال عبد الحليم لي (كاتب هذه السطور) عندما كنت أعمل معه في «دار الغد»، التي أسسها في فترة الثمانينات من القرن الماضي، كانت هناك قصيدة كتبها عن كوريا، تتضمن سطراً يقول فيه «هذه أرضي أنا وأبي مات هنا»، وقد هاتفته ذات يوم المطربة فايدة كامل التي كانت قد غنت له من قبل قصيدتين عاطفيتين، وطلبت منه أن تغني القصيدة، فأخبرها أنه لا توجد قصيدة اسمها «هذه أرضي أنا»، إنهما مجرد بيتين في قصيدة كوريا، كانت الحرب على الأبواب، والصراع على أشده، ومع أزيز الطائرات التي هاجمت مدن القناة ولدت «دع سمائي فسمائي محرقة. دع قنالي فمياهي مغرقة. واحذر الأرض فأرضي صاعقة»، وحين انتهى عبد الحليم من كتابتها ذهبوا بها إلى الشاعر كامل الشناوي، وكان يكتب وقتها يومياته في صحيفة «الأهرام»، فاكتفى بها، وكتب أن «يومياتي هي هذه القصيدة»، وقد أخذتها عن «الأهرام» الإذاعة المصرية لتغنيها فايدة كامل بعد أن قام بتلحينها الموسيقار علي إسماعيل، لتصير علامة من علامات شعر وإبداع يُعرف بها عبد الحليم وتعرف به.
أما عن الحوارات والشهادات التي تضمنها القسمان الأول والثاني فقط انطبعت بخصوصية أصحابها، فقد سيطر مثلاً على جزء كبير من المقابلة مع محمود أمين العالم رأيه في رؤية كمال عبد الحليم للشعر، وكيف أنه جعله يغير تماماً موضوع رسالته للماجستير بعد أن كاد ينتهي منها تماماً، كان العالم قد تعرف بكمال عبد الحليم في بداية الأربعينيات، وكان موقفه كناقد أدبي آنذاك يكاد يكون مناقضاً تماماً لما صار عليه فيما بعد، كان يرى ديوان «إصرار» من الناحية الجمالية وبنظرة نقدية شعراً تحريضياً، وحين التقاه وتناقشا معاً في أمور الشعر اكتشف أن كمال عبد الحليم ينحاز كثيراً للتعبير الجمالي المرتبط بالآيدولوجيا الخاصة بقضاياه التي يدافع عنها.
أما الحوار مع الكاتب محمد سيد أحمد، فقد سادته الكثير من الآراء حول علاقة الثورة المصرية والضباط الأحرار بالأحزاب الشيوعية، ودور كمال عبد الحليم السياسي في ذلك، لكن أكثر ما جاء في هذا الحوار هو ما اتصل بكمال الشاعر، وقد وصفه سيد أحمد بأنه كان أعظم قادة اليسار وأعظم شعرائه، أما الكاتب الدكتور شريف حتاتة، فقد قال إن السياسة قضت على إبداع «كمال» كشاعر، فقد ولد حسب رأيه لكي يكون شاعراً، فقيمته كانت أكثر بروزاً في شعره وفنه عنها في أي شيء آخر، لكن طموحاته الشخصية في أن يكون زعيماً سياسياً عزلته كشاعر، وتحول إلى شخص شديد الانطواء بسبب حياته في التنظيم السري ما شكل عبئاً زائداً عليه، وجعله كشاعر يبتعد عن النشر والظهور بسبب ما كان يتعرض له من مطاردات واعتقالات، وأحياناً ما كان يقوم به من عمليات تخفٍ وتوارٍ عن الأنظار حتى لا يتم إلقاء القبض عليه واعتقاله، وهو ما لم يستطع تفاديه معظم الوقت فقد تم اعتقاله في عام 51، وفي 53 بعد قيام الثورة، حيث قضى ثلاث سنوات، كما جرى القبض عليه في بداية الستينات وفي أواخر السبعينات.
أما عن أهمية شعر كمال عبد الحليم، من وجهة نظر الكاتب محمد عودة، فتكمن في أنه كان من أوائل الشعراء الملهمين الذين تنبأوا بالثورة، وكان دوره فيها فاعلاً ورئيسياً، وتعبيره عنها ملهماً غير مسبوق، وهذا يظهر واضحاً في قصائد كثيرة منها ما كتبه عام 1945 في قصيدة «الفجر الجديد»، وهي متضمنة في الملحق الرابع حيث يقول:
«أيها المغمض المعذب بالليل تطلع لنور فجر جديدِ
أنا أشقى وأنت تشقى وهذا ما حفظناه من تراث الجدود
غير أني آليت أبذل نفسي كي ينال الحياة بعدي وليدي».
ظل كمال عبد الحليم مظلوماً شعرياً لا يعرف أحد من أشعاره غير ديوانه «إصرار»، الذي طبعه مرتين بعد مصادرته في 1951، كانت الأولى في عام 1955 عن «دار الفكر» التي أسسها شقيقه إبراهيم عبد الحليم، وفي فترة الثمانينات ضمن مطبوعات «دار الغد» التي أسسها كمال نفسه، لكن هذا الظلم انقشع بعد ذلك، حيث قام المجلس الأعلى للثقافة بمصر منذ سنوات قليلة بطبع أعماله الشعرية في مجلد كبير صدر في عام 2008 بمقدمة كتبها صديقه الشاعر السوداني محمد الفيتوري (1936 – 2015)، وقال فيها «هو الذي أعطى القصيدة العربية المعاصرة جوهرها الحقيقي، ووضع بذرة الفكر السياسي الواعي في الشعر المعاصر».


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.