يتضمن كتاب «أصوات من أفريقيا... نافذة على إبداع القارة السمراء» الصادر حديثاً ضمن مطبوعات هيئة الكتاب المصرية، مجموعة مختارة من القصائد لشاعرات وشعراء أفارقة من أجيال مختلفة، ترجمها وقدم لها المترجم والروائي المصري نصر عبد الرحمن. تتوزع المختارات بين شاعرات عاصر بعضهن فترة الاستعمار وناضلن في سبيل الاستقلال، وهو ما أثر على ما قدمن من أشعار، وجعلها تتسم بالحدة تجاه المستعمر، وقد تعرضن للاعتقال والسجن، بسبب ما تناولنه فيها من دعوات تندد بممارسات المستعمر وتدعو إلى طرده ومغادرته أوطانهن. أما شاعرات حقبة ما بعد الاستعمار، فجاءت إبداعاتهن على خلاف ذلك، فكثير منهن سعين للدراسة في أوروبا، وبعضهن اخترن العيش والإقامة هناك، وكتبن باللغة الفرنسية أو الإنجليزية في سعي واضح للتواصل مع المبدعين والنقاد والعالم، وتوصيل تجاربهن باللغات الأكثر انتشاراً، وحصد الجوائز أيضاً، وقد أثر كل ذلك على إبداعاتهن الشعرية، وجعلهن يتعاملن مع قضايا العالم على اتساعه دون أن يقصرنها فقط على ملامح أفريقية ضيقة، كما كان يحدث في السابق من الأجيال التي نشطت في زمن الاستعمار.
يتضمن الكتاب قصائد قصيرة مختارة لـ14 شاعرة، الأولى «آما آتا أيدو» من غانا وتعيش متنقلة بين وطنها والولايات المتحدة الأميركية، وهي إلى جانب الشعر تكتب الرواية أيضاً، وتتمحور أغلب أعمالها حول وضع المرأة، وما تتعرض له من انتهاكات واستغلال دائم يؤدي لاستهلاك طاقتها الروحية والجسدية.
أما أيو أيولا أميل من نيجيريا فتدخل إلى عالم الشعر متشحة برؤى ولغة إنسانية تسعى لمعالجة جراح البشرية، وتتميز قصائدها بأنها تهتم بالخطاب أكثر من الأسلوب، في سعي واضح منها لنقل رسالة للمتلقي تتسم بالبساطة والسلاسة، وتعتمد «أيو» على بنية تكرارية في أغلب قصائدها، التي ترتكز على البلاغة التقليدية في رسم صورها، ونادراً ما تلجأ للموروث الثقافي الأفريقي.
ومن جنوب أفريقيا تأتي الشاعرة «فويالوا مالولوكي»، وهي من جيل بدأ كتابة الشعر بعد مطلع الألفية الثانية بخمسة عشر عاماً، وقد أصدرت أول ديوان لها بعنوان «أشياء فقدناها في النار» عام 2015. وتمحورت قصائده حول التمييز العرقي الذي ترى أنه ما زال موجوداً، كما تظهر المرأة في أشعارها قوية قادرة على تحدي التمييز الاجتماعي والعنصري، وتتمتع فويالوا بشهرة عالمية رغم حداثة تجربتها، ويعود ذلك لقدرتها على توظيف اللغة والتعبير عن رؤيتها بوضوح، وتمكنها من رسم صور ممتدة تمزج بين المادي والمعنوي في رهافة تتسرب بسهولة إلى العقل والروح معاً، وربما يعود ذلك إلى اعتمادها على التطور الدرامي والاتكاء على الحوار الذاتي والمفارقة الساخرة، وقد أورد لها المترجم قصيدة واحدة بعنوان «فتاة سوداء»، وفيها تظهر تلك الملامح واضحة وبارزة، وتقول في مقطع منها:
«احملي وحدتك بين يديك
وابحثي عن بحر وتعلمي السباحة
غوصي إلى باطن البحر
واحفري حفرة لتدفني
تلك الوحدة»
وهناك أيضاً قصائد للشاعرات «عايدة توري» من الجابون، و«أبايل تشيسالا» من مالاوي و«امتثال محمود» من السودان و«كارولينا دي سوسا» من موزمبيق، و«أنا بولا ريبيرو تافاريز» من أنجولا.
وبالكتاب قصائد من إبداعات 11 شاعراً آخرين يعود معظمهم إلى نيجيريا ومنهم جون بيبر كلارك، وبن أوكري، وكريستوفر أوكيجينو، وشينوا اشيبي، وجابريل أوكارا،، وول سونيكا، وهو الشاعر الأشهر هناك، وقد كتب إلى جانب ذلك المسرحية والرواية وحصل على جائزة نوبل 1986. ومن أشهر مسرحياته «سكان المستنقع»، وتضمنت المختارات قصيدته «أبيكو» ويقول فيها:
«عبثاً يرسم خلخالك دوائرَ سحرية
حول قدمي
أنا أبيكو أنادي للمرة الأولى
التي سوف تتكرر.
أيجب أن أبكي متوسلاً للماعز والأبقار
ولزيت النخيل والرماد المتناثر
وإلى البطاطا التي لا تنمو في أرض التمائم
أتوسل إليهم أن يغطوا أطراف (أبيكو) بالتراب!»
«أصوات من أفريقيا»... شاعرات وشعراء من أجيال مختلفة
«أصوات من أفريقيا»... شاعرات وشعراء من أجيال مختلفة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة