كيف تتطوّر إمكانات الأطفال الفكرية؟

الأغذية في السنوات الثلاث الأولى من عمرهم مهمّة جداً للذكاء

كيف تتطوّر إمكانات الأطفال الفكرية؟
TT
20

كيف تتطوّر إمكانات الأطفال الفكرية؟

كيف تتطوّر إمكانات الأطفال الفكرية؟

قليلةٌ هي الأشياء التي تُشعر الإنسان بالفرحة الاستثنائية، مثل تلك التي يجلبها المولود الجديد. ويثير أولادنا فينا أعمق الأحلام، ويحملون أرفع ما لدينا من الآمال. لذلك يجب أن نعرف أن تطور الإمكانات في الطفولة يحصل غالباً في مراحل النمو المبكّرة، وهذا الأمر ينطبق على الدماغ البشري خصوصاً.

دماغ الأطفال
يولد الأطفال مع مجموعة متكاملة من خلايا الدماغ، تتألّف من نحو 100 مليار خلية عصبية (عصبون). ينمو حجم الدماغ بمعدّل 4 أضعاف، من الولادة حتّى مرحلة البلوغ، ويحصل معظم هذا النموّ في السنوات الأولى من حياة الطفل، إذ يتضاعف حجم الدماغ في السنة الأولى، ثم يصل في سنّ الخامسة إلى 90 في المائة من حجمه الكامل عند البلوغ.
لكن إذا كانت الخلايا العصبية جميعها موجودة أصلاً في الدماغ، فما تفسير هذا النموّ الهائل؟ يعود السبب غالباً إلى الشبكة التي تصل هذه الخلايا العصبية بعضها ببعض، لتتيح للإشارات العصبية الانتقال من خليّة إلى أخرى مجاورة، ومن المشابك العصبية إلى الدوائر. عند الولادة، يبلغ عدد المشابك العصبية synapses 2500 في الخلية الواحدة، ويرتفع إلى 15 ألفاً في السنة الثانية أو الثالثة. ويعتمد النمو المهول للمفاصل الشبكية بين الخلايا العصبية على الانتشار المتسارع للتغصّنات (التشعبات أو الزائدة الشجرية) dendrites، أي المحلاق tendril العصبي الذي يستقبل الموجات من محور خلية عصبية أخرى.
يبدأ تكوّن الخلايا العصبية في الأسبوع السابع من الحمل، وبعد اكتمالها، تهاجر الخلية إلى مكانها في الدماغ، حيث ينمو لها تغصّنات وألياف تبرز من هيكلها الخلوي. يكتمل تكوّن الأعصاب تقريباً عند الولادة، بينما ينشط نمو التغصّنات والألياف بعدها.
وفي طريقة معقّدة لا تزال قيد الدراسة، تشكّل مجموعات من الخلايا العصبية ممرّات ودوائر، مهمّتها تأدية عمل الدماغ. تعتمد هذه المعالجة بشكلٍ كبير على الطاقة التي يتزوّد بها الطفل من محيطه، أي تجاربه المبكرة، ويعدّ التفاعل البشري واحداً من أبرز مصادر هذه الطاقة، ما يعني أنّ العناية الداعمة والتحفيز في السنوات الأولى من حياة الصغار يساهمان حرفياً في تكوين شبكات الدماغ، ويتحمّلان جزءاً كبيراً من مسؤولية نمو التشعّب التغصّني، شرط توفّر الأغذية الضرورية طبعاً.

العناية المبكرة
يُعدّ الأساس الهيكلي والوظيفي الذي تبنيه العناية المبكّرة؛ خصوصاً العلاقة بين الطفل والمسؤول عن العناية به، واحداً من أسباب التأثير طويل الأمد الذي تتركه التجارب على السلوك، وهكذا تمهّد التفاعلات المبكرة الطريق للتفاعلات المستقبلية. ويعجّ النموّ المبكّر للدماغ بالإمكانات، إذ تتكوّن المشابك العصبية بأعداد هائلة، ويُصار إلى التخلّص من غير النشطة منها لاحقاً، فضلاً عن أنّ الدماغ يتخلّص من نصف خلاياه خلال الطفولة والمراهقة.
هذا ما يُعرف بالتخلّق الشبكي Synaptogenesis (خلق المشابك بين الخلايا العصبية)، لكن توجد عملية مبكرة أخرى كامنة خلف القدرات الدماغية اللاحقة، وهي إفراز الميالين (النخاعين) Myelin، المادّة الدهنية التي تغطّي الألياف العصبية وتؤدّي دور المادّة العازلة التي تسرّع انتقال الموجات، وتمنح المادّة البيضاء في الدماغ (التي تتكوّن بجزءٍ كبيرٍ منها من المقذوفات العصبية) شكلها الخارجي.
يولد البشر بنظام عصبي مركزي خالٍ من الميالين. وتحصل عملية فرز هذه المادّة بالتزامن مع نموّ الدوائر الدماغية، وتكون في أوجّ قوّتها في السنوات الأولى من حياة الإنسان. وتبدأ عملية فرز الميالين في الفصوص الجبهية في عمر 6 أشهر، وتستمرّ حتّى المراهقة، وترتبط بشكلٍ مباشر بنموّ المعالجات الإدراكية وسرعات المعالجة الدماغية في الطفولة.

أغذية تعزز الدماغ
في البداية، يوفّر حليب الأمّ المكوّنات الغذائية والهرمونية الضرورية للنموّ، وتحضّر عملية الرضاعة الطبيعية الأرضية للانخراط الاجتماعي والتحفيز. * حليب الأم الطبيعي. يعرف بغناه بالأغذية التي تدخل في إنتاج الميالين، إلّا أنّ الأمهات المرضعات قد يفتقرن إلى بعض أنواع الأغذية، في ظلّ تطوّر الحاجات الغذائية المرتبطة بالأعصاب بسرعة عند الأطفال.
* فيتامينات «بي». في البداية، حتّى قبل تكوّن الخلايا العصبية، ينشأ الدماغ على شكل أنبوب عصبي جنيني، ويعدّ «فيتامين بي» غذاءً مهماً جداً لتكوّن هذا الأنبوب، وتحديداً النوعين «بي 9» (حمض الفوليك) و«بي 12» (الكوبالامين). ويمكن للنقص الحاد في «فيتامين بي» على أنواعه خلال الحمل أن يؤدّي إلى تعطّل نمو الدماغ الناشئ، وهذا ما دفع إلى إنتاج حبوبٍ مقوّاة بالفولات. ويُعتقد أيضاً أنّ نقص الأغذية في مرحلة مبكّرة من حياة الإنسان يمكن أن يؤثّر على تشكّل التغصّنات وعملية إنتاج الميالين.
تنطوي التغذية عامةً على أهميّة كبيرة بالنسبة لنمو الدماغ، كما الجسم، لأنّ النموّ غير الصحيح يمكن أن يؤدّي إلى ولادة أطفال بدماغ أصغر، وبمحتوى أقلّ من الحمض النووي والحمض النووي الريبي، وعددٍ أقلّ من الخلايا العصبية والشجيرات الغصنية، ومستويات منخفضة من الناقلات العصبية وعوامل النمو الدماغي.
* أحماض دهنية. يحتاج الدماغ لنموّه لأحماض دهنية متعددة غير مشبعة طويلة السلسلة، وأبرزها حمض الدوكوساهكساينويك وحمض الأراكيدونيك، اللذان يُنشّطان النمو العصبي وتطوّر المادّة البيضاء، ويساهمان بشكلٍ بنيوي في إنتاج الميالين، ويحفّزان نضوج الشبكات العصبية والنقل العصبي بينها.
تتميّز الفصوص الجبهية الأمامية (قواعد النشاطات الإدراكية المهمّة والتنظيم العاطفي) بغناها بحمض الدوكوساهكساينويك، أي أحد أبرز مكوّنات أغشية الخلايا العصبية، والمسهّل بدوره هذا لوظائف الخلايا، وحامي أنسجة الدماغ من الإجهاد التأكسدي. لكن تجدر الإشارة إلى أنّ استهلاك حمض الدوكوساهكساينويك - المتوفّر في الأسماك الدهنية - منخفض لدى الأطفال الصغار، وتبيّن في عددٍ من الدراسات أنّ تناوله على شكل مكمّلات غذائية يحسّن بعض الجوانب الإدراكية والأداء المدرسي.

أهمية الحديد
يُعدّ الحديد من العناصر الغذائية الضرورية أيضاً، ويجب الحصول عليه في الأوقات الصحيحة، لأنّه على قدرٍ بالغٍ من الأهميّة للإنزيم الذي ينظّم انقسام وتكاثر الخلايا في الجهاز العصبي المركزي، ويؤثّر بشكلٍ خاص على نمو الحصين الذي يلعب دوراً بارزاً في التعلّم والذاكرة. ويؤدّي النقص المبكّر في الحديد إلى تقزيم نموّ التغصّنات، واضطراب إنتاج الميالين، وتقليل فاعلية الحصين. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا النقص غير قابل للتعويض لاحقاً. بدورها، تحتاج عملية تكوين الدوبامين وغيره من الناقلات العصبية إلى نسبة محدّدة من الحديد.
يعدّ نقص الحديد المشكلة الغذائية الكبرى في العالم، إذ تشير الإحصاءات إلى أنّه يصيب 30 في المائة من الأطفال في عمر السنة والسنتين. ويحتوي حليب الرضاعة على كمية ضئيلة من الحديد، ما يعرّض الأطفال الذين يتغذّون بالرضاعة الطبيعية لخطر أكبر من غيرهم بالمعاناة من نقص الحديد بعد شهرهم الرابع.
يسير النمو البشري وفقاً لجدولٍ طَبَعي، حيث توجد فترات زمنية دقيقة وحسّاسة لنموّ بُنًى أساسية في الدماغ. ويعتمد النشاط الإدراكي على توفر المستويات الكافية والمناسبة من الأغذية، في وقتها الصحيح من السنوات الأولى لحياة الإنسان.
* «سايكولوجي توداي»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل
TT
20

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

حيّ باريسي بيئي قد يكون نموذجاً لمدن أفضل

بني أحدث أحياء باريس على مدى العقدين الماضيين فوق ساحة لسكة حديد سابقة، وقرب محطة جديدة على خط مترو باريس رقم 14، كما كتبت ليز ستينسون(*).

ينقسم حي كليشي-باتينيول، الواقع في الدائرة السابعة عشرة، إلى ثلاثة أحياء تقريباً، تحتضن منطقتان متطورتان منه حديقة مارتن لوثر كينغ الضخمة والرائعة.

تطل شوارع الحي الهادئة، الخالية في معظمها من السيارات، على متاجر ومقاهٍ ومدارس. وتشغل الشركات والمؤسسات الطوابق الأرضية من مباني الشقق والمكاتب المصممة بمجموعة مذهلة من الأشكال والمواد. إذ تجد بعض الهياكل منحنية بشكل خفيف، والبعض الآخر ذا زوايا حادة؛ بعضها مغطى بالجص، والبعض الآخر بالخيزران. وكل مبنى فريد من نوعه ضيق ومتناسق، وجيرانه متنوعون... على مقربة منه.

سمات خفية لحي بيئي

وتعتمد المباني في الحي على مصدر طاقة حرارية أرضية للتدفئة، وألواح شمسية للكهرباء. ويتم جمع القمامة وإعادة تدويرها عبر نظام أنابيب هوائية. و50 في المائة من منازل كليشي-باتينيول Clichy-Batignolles، البالغ عددها 3400 منزل، هي مساكن اجتماعية لأفراد مختلطي الدخل، و20 في المائة إيجارات خاضعة للرقابة، و30 في المائة شقق سكنية بأسعار السوق.

ويختلف هذا المكان تماماً عن أي مشروع تنمية حضرية معاصر في الولايات المتحدة. إنه أحد أفضل الأمثلة على مجموعة ناشئة من أفضل ممارسات التخطيط الحضري التي تنتشر في أوروبا. يمكنك تسمية هذه الأحياء «المناطق البيئية».

وفي كتاب جديد بعنوان «البناء من أجل الناس» Building for People، يُعرّف المهندس المعماري مايكل إلياسون الأميركيين على المبادئ التي يقوم عليها هذا النموذج الجديد للتنمية الحضرية. ويُقرّ بعدم ملاءمة مصطلح «المناطق البيئية ecodistricts»، تماماً كما هو الحال مع مصطلح «العمران الموجَّه نحو التنقل العام» transit-oriented development (أحياء يتاح فيها للسكان الانتقال بسرعة دون الحاجة إلى المواصلات - المحرر) قبله، وبصعوبة إيصال الصورة الحقيقية لهذه الأحياء للجمهور الأميركي.

يكتب إلياسون في الكتاب: «الكثير من جوانب التنمية الحضرية الحديثة، وخاصةً التنمية على مستوى المناطق، في بلدان أخرى مجهول تماماً حتى للمهنيين الممارسين».

ما هي المنطقة البيئية حقاً؟

تُعدّ محاولة إلياسون للتعريف بهذه الرؤية الجديدة لبناء المدن خطوةً منطقيةً تاليةً من مناصرته لـ«العمارة ذات الدرج الواحد single-stair architecture»، وهو مفهومٌ آخر يصعب شرحه وله آثارٌ عميقة على البيئة العمرانية (عادة لمبانٍ من 4 إلى 6 طوابق بسلم واحد وآخر للحريق- المحرر).

ولسنوات، دأب إلياسون على إقناع كل من يستمع إليه بأن المباني ذات الدرج الواحد، بدلاً من المباني ذات الدرجين التي تفرضها قوانين البناء الأميركية، يمكن أن تجعل الشقق أرخص وأكثر اتساعاً وراحة. والآن، تم إنجاز جزء كبير من هذه المهمة المتمثلة في رفع مستوى الوعي، فقد أقنع إلياسون وعدد من المناصرين المتفانين الآخرين عشرات المدن والولايات في جميع أنحاء البلاد باعتماد قوانين بناء جديدة تُقنن هذا النوع من المساكن، وكان آخرها لوس أنجليس وأوستن. وأصبح مصطلح «عمارة الدرج الواحد» شائعاً بين فئة معينة من المهتمين بالسياسات.

أحياء بيئية بمبان اقتصادية وبلا سيارات

في كتابه الجديد، يُوسّع إلياسون نطاق دعوته ليشمل ليس فقط المباني، بل الأحياء أيضاً. تُجسّد الأحياء البيئية مثل كليشي-باتينيول مفاهيم التصميم الحضري التي تتيحها عمارة الدرج الواحد، لا سيما عند دمجها مع شوارع خالية من السيارات، ومساحات خضراء واسعة، ومجتمعات متنوعة اقتصادياً. لطالما انبهرتُ بهذه المشروعات التنموية واسعة النطاق التي تُبنى في الصين أو أوروبا، وكيف تختلف اختلافاً كبيراً عن مشروعات التطوير الموجهة نحو النقل التي نُنفذها في الولايات المتحدة، يقول إلياسون لشركة فاست كومباني: «أحاول الآن استكشاف بعض الأسباب».

مدن الـ«15 دقيقة»

إحدى طرق فهم الحي البيئي هي اعتباره مدينةً بُنيت من الصفر، على بُعد 15 دقيقة. يقول كارلوس مورينو، وهو مُخطط حضري في باريس ساهم في وضع نظريات لكلا المفهومين. وبينما يُمكن وصف مدن الـ15 دقيقة بالأحياء التقليدية أو الحديثة، «فعندما نستحضر مفهوم الحي البيئي، فإننا نتحدث عن مشروعات عمرانية جديدة»، كما يقول: «في الوقت نفسه، فإن الحي البيئي، بهذه العناصر الثلاثة - الحي، والاستدامة، والتنوع - يتماشى تماماً مع مفهوم مدينة الـ15 دقيقة».

ما وراء العمران الموجَّه نحو التنقل العام؟

لم أدرك تماماً آثار هذا النموذج من التنمية الحضرية إلا بعد أن أتيحت لي فرصة زيارة كليشي باتينيول شخصياً. ومن الناحية النوعية، يبدو الحي مختلفاً عن أي مكان زرته في الولايات المتحدة، وخاصةً أي حي حديث البناء.

تُسهّل الشوارع الخالية من السيارات وذات حركة المرور المنخفضة الوصول إلى الحديقة، ومحطة المترو، والمتاجر، ومباني المكاتب، أو المدارس ودور الحضانة المنتشرة في الحي، بكل سهولة وأمان. وعلى الرغم من أن جميع المباني شُيّدت أخيراً، فإن تنوعها المعماري، ومساحتها الضيقة نسبياً، تُضفي على مشهد المدينة طابعاً بصرياً مُحفزاً.

كانت هناك سمات تصميمية أخرى غير عادية، بنظري الأميركي. لاحظتُ انتشار الشرفات في هذه المباني السكنية ذات الدرج الواحد. بدلاً من أن تكون هذه المساحات الخارجية الخاصة مُدمجة في الواجهة، كما تبدو غالباً في المباني السكنية الأميركية، فإنها مُدمجة في غلاف المبنى كعنصر واعٍ في التصميم العام.

يوضح مورينو أن جزءاً مما يجعل كليشي باتينيول، حياً مُنعشاً معمارياً هو وقوعه بين الأحياء التقليدية في وسط باريس، وأحياء الضاحية التاريخية التي تُحيط بالمدينة. ويضيف: «هذه هي سمة الحي البيئي، إنها هندسة معمارية حديثة للاستدامة».

انتشار عالمي للأحياء البيئية

يصف كتاب إلياسون أماكن مُماثلة في ألمانيا والنمسا والسويد، إلى جانب عدد قليل من الأحياء البيئية قيد الإنشاء في كندا. وقد بدأت بعض المشروعات في الولايات المتحدة في الاقتراب من هذا النموذج المثالي.

يُسلّط إلياسون الضوء على كولديساك، المجتمع الخالي من السيارات في تيمبي، أريزونا، لإظهاره أن الشوارع الداخلية المخصصة للمشاة يمكن أن تنجح في الولايات المتحدة. يستخدم مشروع تطوير ميشين روك الذي اكتمل مؤخراً في سان فرانسيسكو شوارع خالية من السيارات على نطاق أوسع، ويقوم بعمل أفضل في دمج الهندسة المعمارية الجذابة ومساحات الحدائق ومزيج متنوع من استخدامات الأراضي والسكان.

التحضّر... من دون سيارات

لكن هذه الأمثلة قليلة ثمينة، وهي تتضاءل مقارنة بكليشي باتينيول. يقول إلياسون: «لدينا هذه الفكرة حول التحضر في الولايات المتحدة بأن السيارات يجب أن تذهب إلى كل مكان». بعد التحرر من هذه الفكرة، تزداد كمية المساحات المفتوحة والعامة المتاحة للعمل بشكل كبير.

ويأسف إلياسون على أن مفهوم «مدينة الـ 15 دقيقة» في الولايات المتحدة يُفهم عموماً على أنه مجرد مسافة سير على الأقدام من المتاجر والمقاهي. وكما هو الحال مع العمران الموجَّه نحو النقل العام، فقد تمكنا من استيعاب أفضل ممارسات التخطيط الحضري هذه بشكل سطحي للغاية. ويضيف: «نحن منخرطون بشدة في الجانب الاستهلاكي لمدن الـ15 دقيقة لدرجة أننا لا نستطيع حتى التحدث عن تلك الأمور الأخرى».

* مجلة «فاست كومباني»، خدمات «تريبيون ميديا».