كيف يتسبب تغير المناخ في الموجات الحارة وحرائق الغابات؟

جانب من حرائق الغابات في إسبانيا (إ.ب.أ)
جانب من حرائق الغابات في إسبانيا (إ.ب.أ)
TT

كيف يتسبب تغير المناخ في الموجات الحارة وحرائق الغابات؟

جانب من حرائق الغابات في إسبانيا (إ.ب.أ)
جانب من حرائق الغابات في إسبانيا (إ.ب.أ)

تجتاح موجات شديدة الحرارة كلاً من أوروبا والولايات المتحدة هذا الأسبوع، ومن المتوقع أن تجتاح معظم أنحاء الصين أيضا أواخر أغسطس (آب)، وفقاً لوكالة رويترز للأنباء.
وبالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة فوق 40 درجة مئوية، تستعر حرائق الغابات في جميع أنحاء جنوب أوروبا، مع عمليات إجلاء للسكان في مدن بإيطاليا واليونان.
وتلك الحرارة الحارقة هي جزء من نمط عالمي لارتفاع درجات الحرارة يرجعه العلماء إلى النشاط البشري. ودعا البابا فرنسيس، اليوم (الخميس)، زعماء العالم إلى الانتباه إلى «جوقة صرخات الألم» الناجمة عن تغير المناخ والطقس شديد السوء وفقدان التنوع البيولوجي.

* موجات حارة أكثر سخونة وتكراراً
تغيُّر المناخ يجعل الموجات الحارة أكثر سخونة وتكراراً. هذا هو الحال بالنسبة لمعظم مناطق الأرض، وقد أكدته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.
وأدت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الأنشطة البشرية إلى ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض بنحو 1.2 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة. وهذا الخط الأساسي الأعلى حرارة يعني أنه يمكن الوصول إلى درجات حرارة أعلى أثناء موجات الحر الشديدة.
قالت فريدريكه أوتو، عالمة المناخ في إمبريال كوليدج لندن، التي تشارك أيضاً في قيادة التعاون البحثي لمبادرة إسناد الأحوال الجوية العالمية: «كل موجة حارة نشهدها اليوم أصبحت أكثر سخونة وتكراراً بسبب تغير المناخ».
* بصمات تغير المناخ
لمعرفة مدى تأثير تغير المناخ على موجة حارة معينة، يجري العلماء «دراسات الإسناد». ومنذ عام 2004، أُجريت أكثر من 400 دراسة من هذا القبيل لظواهر الطقس المتطرفة، بما في ذلك الحرارة والفيضانات والجفاف لحساب الدور الذي يلعبه تغير المناخ في كل منها.
ويتضمن ذلك محاكاة المناخ الحديث مئات المرات ومقارنته بمحاكاة مناخ دون انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري التي يسببها الإنسان.
وعلى سبيل المثال، قرر العلماء الذين يستخدمون مبادرة إسناد الأحوال الجوية العالمية أن حدوث موجة حر حطمت الرقم القياسي في أوروبا الغربية في يونيو (حزيران) 2019، من المرجح أن تحدث الآن في فرنسا وهولندا بنسبة 100 مرة أكثر مما لو لم يتغير المناخ بفعل البشر.
* موجات الحرارة ستستمر في التفاقم
يبلغ متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية نحو 1.2 درجة مئوية أعلى مما كان عليه في أوقات ما قبل الثورة الصناعية. وهذا يؤدي بالفعل إلى موجات شديدة الحرارة.
وقالت سونيا سينيفيراتني، عالمة المناخ في المعهد الأوروبي للتكنولوجيا في زيوريخ :«في المتوسط على الأرض، الموجات شديدة الحرارة التي كانت ستحدث مرة كل 10 سنوات دون تأثير الإنسان على المناخ، أصبحت الآن أكثر تواتراً ثلاث مرات».

ولن تتوقف درجات الحرارة عن الارتفاع إلا إذا توقف البشر عن إضافة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى الغلاف الجوي. وحتى ذلك الحين، ستتفاقم موجات الحر. وسيؤدي الفشل في معالجة تغير المناخ إلى تصاعد درجات الحرارة الشديدة بشكل أكثر خطورة.
ووافقت الدول بموجب اتفاقية باريس العالمية لعام 2015 على خفض الانبعاثات بسرعة كافية لمنع ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض عن درجتين مئوية، مع السعي لإبقائها عند 1.5 درجة مئوية لتجنب أكثر التداعيات خطورة. ولن تخفض السياسات الحالية الانبعاثات بالسرعة الكافية لتحقيق أي من الهدفين.
وتقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إن موجة الحر التي تحدث مرة كل عشر سنوات في عصر ما قبل الصناعة ستحدث 4.1 مرة في العقد الواحد عند ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرة عند ارتفاعها درجتين مئويتين.
وقالت سنيفيراتني إن السماح بتجاوز ارتفاع درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية يعني أن معظم السنوات «ستتأثر بالموجات شديدة الحرارة في المستقبل».
* تغير المناخ يؤدي إلى حرائق الغابات
يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الظروف الحارة والجافة التي تساعد على انتشار الحرائق بشكل أسرع، وأيضاً إلى طول أمد الحريق وزيادة شدته.
وفي البحر الأبيض المتوسط، ساهم ذلك في بدء موسم الحرائق مبكراً واحتراق المزيد من الأراضي. وفي العام الماضي احترق أكثر من 24 ألف فدان في الاتحاد الأوروبي، مما جعله ثاني أسوأ موسم لحرائق الغابات في التكتل بعد عام 2017.
ويؤدي الطقس الحار أيضاً إلى استنزاف الرطوبة من الغطاء النباتي، وتحويلها إلى وقود جاف يساعد على انتشار الحرائق.
وتعاني بلدان مثل البرتغال واليونان من الحرائق في معظم فصول الصيف، ولديها بنية تحتية لمحاولة مواجهتها، رغم تلقي كليهما مساعدة طارئة من الاتحاد الأوروبي هذا الصيف. لكن درجات الحرارة المرتفعة تدفع أيضا بحرائق الغابات إلى مناطق غير معتادة، وبالتالي فهي أقل استعداداً للتعامل معها.

* تغير المناخ ليس العامل الوحيد في الحرائق
إدارة الغابات ومصادر الاشتعال هي أيضا عوامل مهمة. في أوروبا، تشتعل أكثر من تسعة من كل عشرة حرائق بسبب الأنشطة البشرية، مثل الحرائق المتعمدة أو حفلات الشواء أو خطوط الكهرباء أو الزجاج المتناثر، بحسب بيانات الاتحاد الأوروبي.
وتواجه البلدان، بما في ذلك إسبانيا، التحدي المتمثل في تقلص عدد السكان في المناطق الريفية، حيث ينتقل الناس إلى المدن، تاركين قوى عاملة أصغر لإزالة الغطاء النباتي وتجنب «الوقود» الذي يؤدي لتفاقم حرائق الغابات.
ويمكن أن تساعد بعض الإجراءات في الحد من الحرائق الشديدة، مثل إشعال الحرائق التي يتم التحكم فيها، والتي تحاكي الحرائق منخفضة الشدة في دورات النظام البيئي الطبيعي، أو فتح فجوات داخل الغابات لوقف انتشار الحرائق بسرعة على مساحات واسعة.
لكن العلماء يتفقون على أنه من دون الخفض الحاد في الغازات المسببة للاحتباس الحراري التي تسبب تغير المناخ، فإن موجات الحر وحرائق الغابات والفيضانات والجفاف ستزداد سوءاً بشكل كبير.


مقالات ذات صلة

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

يوميات الشرق اكتشاف عالم الغابات القديمة داخل حفرة على عمق 630 قدماً في الصين (يونيلاد نيوز)

حفر صينية عملاقة تحبس الزمن في باطنها... وتجذب السياح

على عمق يتخطى 100 متر تحت الأرض (328 قدماً) ثمة عالم مفقود من الغابات القديمة والنباتات والحيوانات، حيث كل ما يمكنك رؤيته هناك قمم الأشجار المورقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رجل يركب دراجة نارية وسط ضباب كثيف بالقرب من نيودلهي (إ.ب.أ)

استنشاق هواء نيودلهي يعادل تدخين 50 سيجارة يومياً

مع تفاقم الضباب الدخاني السام الذي يلف نيودلهي هذا الأسبوع، فرضت السلطات في العاصمة الهندية مجموعة من القيود الأكثر صرامة على حركة المركبات والسكان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
يوميات الشرق النسخة الأولى من المعرض والمنتدى الدولي لتقنيات التشجير أقيمت في 2022 (واس)

السعودية تنظِّم «المعرض والمنتدى الدّولي لتقنيات التّشجير»

يهدف المعرض إلى الاستفادة من التّقنيات الحديثة في تشجير البيئات الجافة وتدهور الأراضي، وإتاحة منبرٍ لمناقشة المشكلات البيئية الحالية، والبحث عن حلول لها.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق دجاج (أ.ف.ب)

الدجاجة أم البيضة؟ علماء يتوصلون أخيراً إلى إجابة لغز «من الذي جاء أولاً»

قالت صحيفة إندبندنت البريطانية إن علماء من جامعة جنيف قدموا، في دراسة، إجابة للغز الشائع «مَن الذي جاء أولاً الدجاج أم البيضة؟» استندت إلى اكتشاف كائن حي متحجر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من التحضيرات للجلسة الافتتاحية لقمة «مجموعة العشرين» في ريو دي جانيرو الاثنين (أ.ف.ب)

وزير البيئة السعودي: المملكة تركز على أهمية معالجة تحديات الأمن الغذائي

نوّه وزير البيئة والمياه والزراعة السعودي المهندس عبد الرحمن الفضلي، بريادة المملكة في دعم جهود «مجموعة العشرين»، لتحقيق أهداف تحديات الأمن الغذائي.

«الشرق الأوسط» (ريو دي جانيرو)

أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
TT

أكثر من 800 مجموعة مالية أوروبية تتعامل مع شركات مرتبطة بمستوطنات إسرائيلية

وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)
وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل (رويترز)

أظهرت دراسة أجرتها منظمات للمجتمع المدني، اليوم الثلاثاء، أن أكثر من 800 مؤسسة مالية أوروبية لها علاقات تجارية بشركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية.

ووفقاً لـ«رويترز»، وسعت إسرائيل نشاطها الاستيطاني بوتيرة لم يسبق لها مثيل، ويأمل بعض المستوطنين أن يساعدهم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في تحقيق حلم فرض السيادة على الضفة الغربية التي يعدها الفلسطينيون محور دولة لهم في المستقبل.

وأدى العنف المتزايد للمستوطنين إلى فرض عقوبات أميركية، وقالت بعض الشركات إنها ستوقف أعمالها في الضفة الغربية المحتلة.

وأفاد تقرير تحالف منظمات «لا تشتري من الاحتلال» بأن 822 مؤسسة مالية في المجمل أقامت علاقات هذا العام مع 58 شركة «ضالعة بنشاط» في المستوطنات الإسرائيلية ارتفاعاً من 776 مؤسسة في 2023.

ودعت منظمات المجتمع المدني إلى تشديد التدقيق وسحب الاستثمارات إذا لزم الأمر.

وقال أندرو بريستون، من منظمة المساعدات الشعبية النرويجية، وهي واحدة من 25 منظمة مجتمع مدني أوروبية وفلسطينية أجرت البحث: «المؤشر هو أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ».

وقال لنادي جنيف للصحافة حيث قُدم التقرير: «نرى أنه يجب على المؤسسات المالية الأوروبية معاودة تقييم نهجها بشكل عاجل تجاه الشركات الضالعة في الاحتلال غير القانوني».

ولم ترد وزارة المالية الإسرائيلية بعد على طلب للتعليق.

ويبلغ طول الضفة الغربية نحو 100 كيلومتر وعرضها 50، وتقع في لب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ استيلاء إسرائيل عليها في حرب عام 1967.

وتعد معظم الدول الضفة الغربية أرضاً محتلة، وأن المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو الموقف الذي أيدته أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة في يوليو (تموز).

وأفاد التقرير بأن بنوكاً كبرى منها «بي إن بي باريبا» و«إتش إس بي سي» من بين الشركات الأوروبية المدرجة على القائمة. ولم ترد البنوك بعد على طلب للتعليق.

وأفاد التقرير بأن الشركات الضالعة بنشاط في المستوطنات وعددها 58 تشمل شركة كاتربيلر لصناعة الآلات الثقيلة، بالإضافة إلى موقعي السفر «بوكينغ» و«إكسبيديا». ولم ترد أي من هذه الشركات بعد على طلب للتعليق.

وقالت «بوكينغ» في وقت سابق إنها حدثت إرشاداتها لمنح العملاء مزيداً من المعلومات لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المناطق المتنازع عليها والمتأثرة بالصراع. وقالت «إكسبيديا» إن أماكن الإقامة الخاصة بها محددة بوضوح على أنها مستوطنات إسرائيلية تقع في الأراضي الفلسطينية.

وكثير من الشركات المذكورة في التقرير، ولكن ليس كلها، مدرج أيضاً في قاعدة بيانات الأمم المتحدة للشركات التي تتعامل مع المستوطنات الإسرائيلية.

وذكر التقرير أن بعض المؤسسات المالية سحبت استثماراتها من شركات مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في السنوات القليلة الماضية، بما في ذلك صندوق التقاعد النرويجي (كيه إل بي).