يبدأ الإعلامي الإماراتي نور الدين اليوسف حلقة برنامجه «من القلب» بالطلب من ضيفته خبيرة التجميل وسيدة الأعمال اللبنانية جويل مردينيان التنفس عميقاً مرات ثلاثاً. يعلم أنها نار تغلي من الداخل، يسكنها فوران دائم وتخبط طويل. تلتقط أنفاسها وهي تطل عبر تلفزيون «أبوظبي»، مصطحبة معها نسختين عن ذاتها، تتصارعان فيها. على الوجه ابتسامة تتعمد نحتها بعناية، وفي العين دمعة تختبئ بخجل، كأنها تخشى رد فعل تلك الـ«جويل» القوية إنْ أفلتت وتساقطت. تتحدث عن شخصيتَيْها بأسى لا يفارق مَن تبدو طوال الوقت سعيدة.
يؤرجحها مُحاورها بين الماضي والمستقبل، ويحط بها في أماكنها العزيزة. الاستوديو أشبه بمساحة إذاعية مؤلفة من كرسيين وميكروفونَيْن يتخذان حجماً لافتاً. تحمل جويل اسمها وتعبها وأمومتها، لتسير بها إلى جانب الأناقة والجمال نحو اللقاء. مُحاورها يقظ، يتفادى رتابة الأسئلة، ويسعى إلى تحريك الأعماق. يعيدها إلى يوم وضعت فيه ابنها البكر وطعم الأمومة في لحظاتها الأولى. لا تزال تذكر الثياب التي ارتدت وعذاب المخاض لساعات. بجرأة تقول إن الخذلان يسلب البهجة، فإرجاء الولادة من يوم إلى يوم، بعد التحمل، يجعل الخيبة تزيح الفرحة.
لم يكن اضطراب الولادة فاتحة العلاقة مع الخذلان. سبقه الزواج الأول. يصغي نور الدين اليوسف إلى سيدة ناجحة تخبره عن الإخفاق في الحب. كانت في فترة طيش، فظنت أن الزواج سيجعلها «سندريلا». تُشبه المسألة بالبطيخة: «أحد لا يعلم النتيجة من الداخل!». تبلغ ما هي عليه بالتعلم والدروس، بعد 17 عاماً في عالم الإعلام والأضواء وفقدان الثقة.
لا تعني لجويل مردينيان الأحكام المتسرعة، كإشارة إلى تعليقات متفرقة تصفها بـ«السطحية». تنظر إلى ما سيأتي وتصوب على الأفكار المزدحمة. أمام اليوسف امرأة تطل بصورة «المحصنة» من الشر الخارجي، قوتها أحلامها ومساعيها. تخبره أنها أمضت سنوات تعمل بلا استراحة، حد أنها فوتت مراراً ليالي «الكريسماس» وأعياد أولادها، وأفرطت في البكاء لإحساس قاسٍ بالوحدة. حين تعترف نجمة «السوشيال ميديا» بأنها وحيدة، فذلك يعني أن بعض الأضواء مخادع والصورة أحياناً غشاشة. تُبقي الأسى الإنساني لنفسها، كعواقب القلق على الروح والجسد.
لا تروج للمعاناة، بل تصحح جانباً من انطباعات الناس حيال المشاهير ومتصدرات الـ«إنستغرام». جويل مردينيان تُشارك تجربتها. كان مُحاورها أميناً في تبني الحس النقدي وفق دوره كإعلامي، وإن جمعتهما معرفة قديمة؛ فيسألها عن أي قدوة للناس تتحدث، وهي خبيرة تجميل تهتم بشكلها؟ ترد له «اللكمة»: «القدوة في أنني لا أعرف الاستسلام وأرفض البقاء حيث إنا. أتعب للمزيد ولا سقف يحد أحلامي».
حين زارت نجمة برنامج «بلا فلتر» (شاهد) مُساعدتها للعلاج النفسي، طرحت عليها أصعب الأسئلة البشرية: «مَن أنا؟». لمحت أمامها امرأتين: الأولى كانت تصحو على مهل، تتناول قهوتها مع والدتها، تشاهد مسلسلاً عند الجيران وتتشوق للغداء. حياة «سهلة». الثانية عنيدة، جلادة ذاتها، صارمة مع نفسها، يظن جسدها أنها في حرب كبرى. في المقابل، لا تحضر في مناسبات، لا تجتمع بأصدقائها في منزلها، ولديها أمنية: «ليتني من دون طموح! ليت الحياة تمضي بإعداد الطعام لعائلتي والذهاب يومياً لساعتين إلى السوبرماركت فأبتاع الخضر والفاكهة، لكنتُ أكثر سعادة من جويل القوية التي تقبض علي».
قبل أن يسألها مُحاورها عن نسبة صدق إجاباتها، اعترف بنفسه: «هذه أصدق حلقة سجلتها». يُحضر لها مرآة لترى أبعد من الصورة «المثالية» التي تطل بها على الناس. «كيف تجدين جويل من الداخل؟»، يسألها، فتجيب كمن يترقب السؤال ليُخرج عبئاً يُثقله: «أحبها حين أنساها وتقفز إلى الواجهة جويل الصغيرة التي أعرفها جيداً. تفاجئني جويل المديرة وأكاد لا أعرفها. أرى نفسي بخلاف ما يراني الآخرون، فمَن منا على حق؟».
تُشبه قسوتها على نفسها بمزايا الجندي حين يستدعيه الواجب، فيُقدِم بصرامة. لم ترفع نبرتها في الحلقة إلا حين مس سؤالٌ استحالة الانتماء داخلها. غادرت لبنان قبل سنوات، وأصبحت لندن أو فرنسا أو دبي مكاناً يحتوي تبعثُر أجزائها. تستغرب تعليقات غايتها الإساءة ممن هم وراء أجهزتهم يحاكمون البشر ويحطمون الناجحين. تتحسر لذكريات الطفولة وهي تغادر مسرحها اللبناني إلى مسارح أخرى تعبق بغير رائحة. وتغضب لاجتياح المُصرين على المضايقات والأذية. ثم تستدرك: «لدي ما هو أهم؛ التركيز على نجاحي».
لذا، هي مُلهمة. تقضم أظفارها تحت وَقْع التوتر، وتستحضر مثلاً شعبياً يقول: «باب النجار مخلوع». تشرحه بأنها تشعر بالذنب إن استراحت أو تفرغت لنفسها. ولهذه النفس عتب عليها، فهي تُرهقها وتُنهكها، ولا تمنحها الوقت. الحياة عند جويل مردينيان أولويتان: العمل والعائلة. ما بينهما، خواء ووحدة، «كجرة مكتوب عليها (Candies) لكنها في داخلها فارغة».
مؤلم الذنب وهو ينهش. معادلة جويل: «كيف أستريح والعالم يجري؟ لا يمكن». يسألها نور الدين نصيحة لشابة في بدايات السطوع، جوابها لكل امرأة على الأرض: «الأصعب أن ترتبطي برجل لا يحيطكِ بالدعم. لا توقفي حلمكِ من أجل أحد».
جويل ماردينيان... شخصيتان وراء الصورة
استضافها الإعلامي نور الدين اليوسف في برنامجه «من القلب»
جويل ماردينيان... شخصيتان وراء الصورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة