فرنسا تعيد النظر باستراتيجية حضورها في أفريقيا بعد خروجها العسكري من مالي

ماكرون يريد لقواته أن تكون في «المواقع الخلفية»

جنود من مجموعة «تاكوبا» الأوروبية في قاعدة ميناكا شمال مالي يونيو الماضي (أ.ف.ب)
جنود من مجموعة «تاكوبا» الأوروبية في قاعدة ميناكا شمال مالي يونيو الماضي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا تعيد النظر باستراتيجية حضورها في أفريقيا بعد خروجها العسكري من مالي

جنود من مجموعة «تاكوبا» الأوروبية في قاعدة ميناكا شمال مالي يونيو الماضي (أ.ف.ب)
جنود من مجموعة «تاكوبا» الأوروبية في قاعدة ميناكا شمال مالي يونيو الماضي (أ.ف.ب)

مع نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل، تكون قوة «برخان» الفرنسية قد أنهت مهماتها ويكون آخر جندي فرنسي قد خرج من مالي. وبذلك، تكون باريس قد وضعت حداً لحضورها العسكري في هذا البلد، مستعمرتها السابقة، بعد ثمانية أعوام من التواجد المتواصل لمحاربة التنظيمات الجهادية والإرهابية التي كادت تسيطر عليه لولا تدخل القوات الفرنسية بداية العام 2013. ولكن التغيرات السياسية التي شهدتها البلاد ووصول الجيش إلى السلطة بعد انقلابين عسكريين (عام 2020 و2021) قلبا العلاقة مع فرنسا من النقيض إلى النقيض. فرنسا التي كانت حامية البلاد والتي تجاوز عديد قواتها في مالي الخمسة آلاف رجل بكلفة تقترب من مليار يورو سنوياً، وجدت نفسها مجبرة على الخروج بطلب من السلطات العسكرية التي استعانت بميليشيا «فاغنر» الروسية بديلاً عن «برخان» وعن قوة «تاكوبا» الأوروبية التي تشكلت، بطلب فرنسي، من مجموعات كوماندوس من تسعة بلدان أوروبية. «تاكوبا» لم يعد لها وجود في مالي وقد حُلّت، و«برخان» سينتهي وجودها هناك بعد أسابيع قليلة، وبالتالي، حان الوقت للسلطات الفرنسية أن تعيد النظر في وجودها وأن ترسم استراتيجية جديدة ليس فقط في بلدان الساحل بل في مجمل القارة الأفريقية. وفي هذا الإطار، فإن وزيري الدفاع والخارجية، سيباستيان لوكورنو وكاترين كولونا يقومان بزيارة مشتركة للنيجر، وتتبعها منفردة زيارة للأول إلى ساحل العاج. ووفق المعلومات المتداولة في باريس، فإن الرئيس إيمانويل ماكرون سيقوم بجولة أفريقية نهاية الشهر الحالي للتشاور مع القادة الأفارقة الذين سيلتقيهم بشأن مستقبل الحضور الفرنسي العسكري وغير العسكري في القارة السوداء. وتجدر الإشارة إلى أن لباريس حضوراً عسكرياً متعدد الأشكال في سبعة بلدان أفريقية (النيجر، تشاد، ساحل العاج، السنغال، الغابون، جيبوتي، بوركينا فاسو)، إضافة إلى حضور بعثة عسكرية بحرية في خليج غينيا تدار مباشرة من مدينة بريست الواقعة في أقصى الغرب الفرنسي.
ثمة ثابتة أكد عليها ماكرون في خطابه الموجه للقوات المسلحة الذي ألقاه مساء أول من أمس، في حديقة وزارة الدفاع بمناسبة العيد الوطني، حيث أكد أن حضور بلاده في أفريقيا سيتواصل، ولكنه سيتغير، وبالتالي فإن الخروج من مالي سيُعدّ فرصة لباريس من أجل إعادة النظر بوجودها وبالمهمات التي كانت تضطلع بها وعلى رأسها محاربة التنظيمات الجهادية والإرهابية ومنعها من التمدد في بلدان الساحل. والمؤكد، أن محاربة الإرهاب لن تتوقف. لكن باريس تنظر اليوم إلى أبعد من ذلك؛ لأنها تريد تعزيز حضورها في منطقة خليج غينيا الذي يشمل، إضافة إلى غينيا، الغابون وكاميرون ونيجيريا وغانا وساحل العاج. ويبدو واضحاً، أن الخلاصة التي توصلت إليها باريس على ضوء التجربة في مالي، أن الاستمرار على النهج السابق لم يعد مفيداً أو فاعلاً. من هنا، فإن الرئيس الفرنسي، في خطابه، لم يذهب إلى رسم استراتيجية متكاملة تعمل على صياغتها حالياً وزارتا الدفاع والخارجية وقيادة الأركان، بل اكتفى بإعطاء بعض ملامحها. وأشار في كلمته، إلى أنه طلب من قيادة الأركان «أن تعيد النظر، حتى الخريف (المقبل) بمجمل الحضور الفرنسي (العسكري) على القارة الأفريقية».
يرى ماكرون، أن إعادة رسم خريطة الحضور الفرنسي العسكري في أفريقيا تعدّ بمثابة «ضرورة استراتيجية» تدفع إليها التحولات الجارية في العلاقات الدولية، وعلى رأسها الحرب الروسية على أوكرانيا من جانب والتنافس المتصاعد على النفوذ في أفريقيا التي كان لفرنسا فيها سابقاً حضور متميز بفعل العلاقات التاريخية والترابط الاقتصادي والمالي والمصالح الاستراتيجية المتنوعة. وثمة ثلاث دول رئيسية إضافية تسعى لاقتطاع حصة من الكعكة الأفريقية، وهي الصين وروسيا وتركيا، وبالتالي ترى باريس، أنه يتعين الدفاع عن مصالحها، ولكن وفق مقاربة مختلفة. والفكرة الرئيسية في «الخطة» المنتظرة لخّصها ماكرون بقوله، إنه يتعين أن تكون القوات الفرنسية في «الخط الثاني» بمعنى ألا تكون في الواجهة؛ ما من شأنه إثارة مشاعر معادية كما الحال في مالي أو بوركينا فاسو وغيرها وتحميلها مسؤولية فشل الحكومات القائمة على أكثر من صعيد. ولذا؛ يرى ماكرون أنه يتعين اعتماد «قوات أصغر حجماً وأقل عرضة للخطر» بالتوازي مع السعي لـ«بناء علاقة حميمة أقوى مع الجيوش الأفريقية على الأمد الطويل» بالتركيز على تأهيل وتدريب القوات الأفريقية إن في أفريقيا أو على الأراضي الفرنسية. بيد أن قناعة ماكرون عنوانها، أن الحضور العسكري وحده غير كافٍ، وهي لازمة تتكرر في كل مناسبة. لذا؛ أكد الرئيس الفرنسي مجدداً على الحاجة إلى «الاستمرارية بين عرضنا الدبلوماسي وتحركاتنا المتجددة للشراكة الأفريقية وإجراءاتنا التنموية»، معتبراً أنها ستشكل «نقلة نوعية عميقة». وفي هذا الخصوص، اعتبر ريمي لورو، مدير عام الوكالة الفرنسية للتنمية المناطة بها تنفيذ مشاريع التنمية في البلدان النامية وعلى رأسها الأفريقية، أن التنمية «يمكن ويجب أن تساهم بقوة في إيجاد الحلول بالتركيز على الشباب وإيجاد فرص العمل والتنمية المستديمة». ومع انتهاء مهمة قواتها في مالي، يكون فرنسا قد خفضت قواتها بنسبة النصف بحيث لا يتبقى لها في الساحل سوى 2500، وهي حالياً بصدد إعادة انتشارها. والتركيز في المرحلة الراهنة على النيجر، حيث لباريس قاعدة كبيرة في العاصمة نيامي. وبحسب الأرقام التي كشفت عنها وزارة الدفاع بداية الأسبوع الحالي، فإنه سيكون لباريس نحو ألف جندي في النيجر في إطار «شراكة قتالية»، منهم 250 عنصراً منتشرين على الحدود بين النيجر ومالي للمساعدة في عمليات محاربة الإرهاب. لكن السؤال التي لم تتركه السلطات الفرنسية في الظل يتناول مستقبل الحرب على التنظيمات الجهادية والإرهابية في مالي: فهل أخذت باريس تعتبر أنها لم تعد معنية بما يجري على المقلب الآخر من الحدود النيجيرية – المالية، أم أن مهامها السابقة تتكفل بها ميليشيا «فاغنر» الروسية بالتعاون مع الوقفات المالية، علماً بأن باريس جعلت من تواجد «فاغنر» أحد الأسباب الرئيسية التي دفعتها لتغيير سياستها في مالي؟.


مقالات ذات صلة

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

شؤون إقليمية فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

فرنسا تدين احتجاز إيران ناقلة نفط في مياه الخليج

ندّدت فرنسا باحتجاز البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني ناقلة النفط «نيوفي» التي ترفع عَلَم بنما، في مضيق هرمز الاستراتيجي، وذلك صبيحة الثالث من مايو (أيار)، وفق المعلومات التي أذاعها الأسطول الخامس، التابع لـ«البحرية» الأميركية، وأكدها الادعاء الإيراني. وأعربت آن كلير لوجندر، الناطقة باسم «الخارجية» الفرنسية، في مؤتمرها الصحافي، أمس، أن فرنسا «تعرب عن قلقها العميق لقيام إيران باحتجاز ناقلة نفطية» في مياه الخليج، داعية طهران إلى «الإفراج عن الناقلات المحتجَزة لديها في أسرع وقت».

ميشال أبونجم (باريس)
العالم باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

باريس «تأمل» بتحديد موعد قريب لزيارة وزير الخارجية الإيطالي

قالت وزارة الخارجية الفرنسية إنها تأمل في أن يُحدَّد موعد جديد لزيارة وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني بعدما ألغيت بسبب تصريحات لوزير الداخلية الفرنسي حول سياسية الهجرة الإيطالية اعتُبرت «غير مقبولة». وكان من المقرر أن يعقد تاياني اجتماعا مع وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا مساء اليوم الخميس. وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان قد اعتبر أن رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني «عاجزة عن حل مشاكل الهجرة» في بلادها. وكتب تاياني على «تويتر»: «لن أذهب إلى باريس للمشاركة في الاجتماع الذي كان مقررا مع الوزيرة كولونا»، مشيرا إلى أن «إهانات وزير الداخلية جيرالد دارمانان بحق الحكومة وإي

«الشرق الأوسط» (باريس)
طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي»  بالألعاب النارية

طرد الطيور في مطار «أورلي الفرنسي» بالألعاب النارية

يستخدم فريق أساليب جديدة بينها الألعاب النارية ومجموعة أصوات لطرد الطيور من مطار أورلي الفرنسي لمنعها من التسبب بمشاكل وأعطال في الطائرات، حسب وكالة الصحافة الفرنسية. وتطلق كولين بليسي وهي تضع خوذة مانعة للضجيج ونظارات واقية وتحمل مسدساً، النار في الهواء، فيصدر صوت صفير ثم فرقعة، مما يؤدي إلى فرار الطيور الجارحة بعيداً عن المدرج. وتوضح "إنها ألعاب نارية. لم تُصنّع بهدف قتل الطيور بل لإحداث ضجيج" وإخافتها. وتعمل بليسي كطاردة للطيور، وهي مهنة غير معروفة كثيراً لكنّها ضرورية في المطارات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

فرنسا: المجلس الدستوري يصدر عصراً قراره بشأن قبول إجراء استفتاء على قانون العمل الجديد

تتجه الأنظار اليوم إلى فرنسا لمعرفة مصير طلب الموافقة على «الاستفتاء بمبادرة مشتركة» الذي تقدمت به مجموعة من نواب اليسار والخضر إلى المجلس الدستوري الذي سيصدر فتواه عصر اليوم. وثمة مخاوف من أن رفضه سيفضي إلى تجمعات ومظاهرات كما حصل لدى رفض طلب مماثل أواسط الشهر الماضي. وتداعت النقابات للتجمع أمام مقر المجلس الواقع وسط العاصمة وقريباً من مبنى الأوبرا نحو الخامسة بعد الظهر «مسلحين» بقرع الطناجر لإسماع رفضهم السير بقانون تعديل نظام التقاعد الجديد. ويتيح تعديل دستوري أُقرّ في العام 2008، في عهد الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي، طلب إجراء استفتاء صادر عن خمسة أعضاء مجلس النواب والشيوخ.

ميشال أبونجم (باريس)
«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

«يوم العمال» يعيد الزخم لاحتجاجات فرنسا

عناصر أمن أمام محطة للدراجات في باريس اشتعلت فيها النيران خلال تجدد المظاهرات أمس. وأعادت مناسبة «يوم العمال» الزخم للاحتجاجات الرافضة إصلاح نظام التقاعد الذي أقرّه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)


14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

سقط ما لا يقل عن 14 قتيلاً في أرخبيل مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي الذي ضربه السبت إعصار شيدو القوي جداً، على ما أظهرت حصيلة مؤقتة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الأحد) من مصدر أمني.

صور التقطتها الأقمار الصناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار شيدو فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وقال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن 9 أشخاص أصيبوا بجروح خطرة جداً، ونقلوا إلى مركز مايوت الاستشفائي، في حين أن 246 إصابتهم متوسطة.

الأضرار التي سبَّبها الإعصار شيدو في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

وترافق الإعصار مع رياح زادت سرعتها على 220 كيلومتراً في الساعة. وكان شيدو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً؛ حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرنس- ميتيو).

آثار الدمار التي خلفها الإعصار (أ.ف.ب)

وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، ما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل. ويقيم ثلث سكان الأرخبيل في مساكن هشة.