سجلات «دي إن إيه» مغلوطة تزلزل القضاء الأميركي وتكشف حالات إعدام تعسفي

المتحدث باسم «إنوسينس» القضائي لـ«الشرق الأوسط»: حريصون على توكيل محامي دفاع للمتهمين ونحث على معايير جنائية موحدة

سجلات «دي إن إيه» مغلوطة تزلزل القضاء الأميركي وتكشف حالات إعدام تعسفي
TT

سجلات «دي إن إيه» مغلوطة تزلزل القضاء الأميركي وتكشف حالات إعدام تعسفي

سجلات «دي إن إيه» مغلوطة تزلزل القضاء الأميركي وتكشف حالات إعدام تعسفي

في فضيحة زلزلت القضاء الأميركي ورسمت علامات استفهام على تقنيات التحقيق الجنائية في البلاد، اضطرت محاكم في سائر الولايات إلى إعادة فتح سجلات حوالى ثلاثة آلاف قضية، بعدما جرى الكشف عن أخطاء ومغالطات في جمع الحمض النووي "دي.ان.إيه" عن طريق تحليل عينات الشعر تحت المجهر. إذ أعلن مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي "اف.بي.آي" في بيان مشترك مع وزارة العدل الاميركية ومشروع "إنوسينس" القضائي ورابطة محامو الدفاع الجنائي نشر على موقع "اف.بي.آي"، أنه تم اكتشاف أخطاء في قاعدة البيانات الخاصة بسجلات الحمض النووي "دي ان ايه"، التي يتم جمعها عن طريق عينات كانت شائعة في التحقيقات الجنائية قبل عام 2000 في الولايات المتحدة. ويدل ذلك على أن الاحتمالات بان العينة المأخوذة من مسرح أي جريمة تضاهي مشتبها به.
وقال بول كيتس المتحدث الإعلامي باسم مشروع "إنوسينس" القضائي في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط»، إنه "بدأ التشكيك في بيانات الوكالة بعد توجيه اتهامات ظالمة بناء على بيانات (دي.ان.ايه) غير دقيقة في محاكمة ثلاثة مواطنين هم سانتي تريبل ودونالد غيتز وكيرك أودوم".
وأضاف كيتس "في ظل القضايا الثلاث حث مشروع (إنوسينس) وزارة العدل الأميركية و"اف.بي.آي" على فتح تحقيق بقضايا مماثلة".
من جانبه، قال مكتب "اف.بي.آي" في بيان اطلعت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، ان "33 سجلا من عينة تشمل 1100 سجل من قاعدة بياناتها تضمنت معلومات متناقضة"، مشيرا إلى ضرورة "تصحيح هذه القيم غير الدقيقة على نحو يتسم بالشفافية". ويتم ذلك بإشراف كل من وزارة العدل و"أنوسينس" ورابطة محامي الدفاع الجنائي؛ لضمان محاكمة عادلة لكل من تمت محاكمتهم بأدلة خاطئة جراء بيانات الحمض النووي المغلوطة للتأكد بأن "العدالة تأخذ مجراها في كل حالة على حدة"، بحسب ما نص البيان.
وأكد البيان أن سبب معظم الأخطاء إما يتعلق بأخطاء كتابية واما بالاستعانة بتقنيات غير حديثة، لم تعد تستخدم منذ عام 2000، إذ يرجع عهد الأخطاء إلى أكثر من 15 عاما وعلى مدى أربعة عقود، وان مكتب التحقيقات الاتحادي يرى أن من غير المحتمل أن تكون هذه الأخطاء قد أثرت على حالات استخدمت قاعدة البيانات.
ويشيد مراقبون باعتراف "اف.بي.آي" ووزارة الدفاع الأميركية بالأخطاء القضائية، ولكنهم يتساءلون عن أسباب الإعلان الذي جاء متأخرا؛ بعد 15 عاما. ويدعو المراقبون واشنطن الى اتخاذ موقف صارم حول تلك الهفوات والمطالبة بتحقيقات وطنية تضمن عدم وقوع مختبرات التحاليل في الولايات بذات الفخ.
من جهة أخرى، وافقت كل من "اف.بي.آي" ووزارة الدفاع، على إعادة فتح ملفات التحقيق التي استخدمت فيها بيانات "دي.ان.ايه" مغلوطة تحت اشراف "انوسينس" ورابطة محامي الدفاع الجنائي. وتم التعرف إلى الآن على حوالى 3 آلاف حكم قضائي قد تكون صدرت استنادا الى بيانات أحماض نووية افتقرت للدقة.
وحول ذلك، يردف كيتس قائلا "يعمل مشروع إنوسينس مع رابطة محامي الدفاع على التأكد من أن جميع المتهمين الذين ستعاد فتح قضاياهم لهم محامي دفاع يمثلهم، ونعمل أيضا على حث الحكومة الأميركية على وضع معايير موحدة لجميع الولايات في مجال التحريات عن طريق الطب الشرعي".
ومنذ شهر مارس (آذار) المنصرم، راجعت "أف.بي.آي" حوالى 500 قضية، وتم الاستخلاص بأن 33 قضية على الأقل وجه لمتهميها حكم إعدام تعسفي، وكان طبق على تسعة متهمين على الأقل، بحسب البيان ذاته. مشيرا الى ان قضايا الإعدام في كل من ولايات إريزونا وكاليفورنيا وفلوريدا وإنديانا وميسوري وأوهايو وأوكلاهوما وبنسلفانيا وتينيسي وتكساس.
ومن المتوقع ضبط حالات احكام اعدام تعسفية مع مباشرة التحقيق بكل الملفات المشتبه؛ وذلك لاستخدام عينات الحمض النووي من الشعر وتحليلها تحت المجهر.
ويقول المتحدث الإعلام لمشروع "إنوسينس" إنه، "تم الكشف إلى الآن على بعض الأحكام الظالمة، ولذلك سيتم تعويض المحكومين في بعض الولايات، ولكن ولايات أخرى لا توفر حق التعويض، للأسف".
ووفقا لإحصائية نشرها مشروع "إنوسينس" مؤخرا، فإن 74 من أصل 329 من الأحكام الظالمة كان سببها بيانات "دي.أن.إيه" مغلوطة من خلال تفحص عينات الشعر تحت المجهر.
ومن المتوقع ان يستغرق التدقيق بالملفات القضائية التي أعيد فتحها شهورا عدة، وأن تستخلص العملية أحكاما قضائية غير عادلة. وسيستدعي ذلك إعادة فتح التحقيقات وتغريم جناة جدد وتبرئة بعض المظلومين قضوا في السجن سنوات بناء على أدلة غير دقيقة.
وتعليقا على ذلك، يدعو كيتس الحكومة الأميركية إلى إعادة النظر بمنظومتها القضائية بقوله "يتوجب على الحكومة الفيدرالية الأميركية أن تحرص على ان تتبع المحاكم الجنائية أساليب تحقيق على مستوى معين لتفادي أخطاء مشابهة في المستقبل".
يذكر أن "أف.بي.آي" قد تخلت عن جمع معلومات الحمض النووي عن طريق خصلات الشعر عام 2000 واستبدلتها بتقنية أكثر دقة تجمع معلومات الشيفرة الوراثية من جسيمات "مايتوكوندريا"، ولكن بعض الولايات ترى الطريقة الأحدث باهظة الثمن ولم تعتمدها بعد، ما يؤثر على دقة التحقيقات الجنائية إلى اليوم.



ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
TT

ما دلالة تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً»؟

محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)
محاكمة عناصر من «الإخوان» في القاهرة يوليو 2018 (أ.ف.ب)

دفع تصنيف باراغواي «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً» إلى تساؤلات حول تأثير القرار على مستقبل التنظيم وعناصره. يأتي هذا في ظل تصاعد الصراع بين «قيادات (الإخوان) في الخارج» حول قيادة التنظيم. وقال باحثون في الحركات المتطرفة والإرهاب إن «قرار باراغواي أشار إلى ارتباط (الإخوان) بـ(تنظيمات الإرهاب)، وقد يدفع القرار دولاً أخرى إلى أن تتخذ قرارات مماثلة ضد التنظيم».
ووافقت اللجنة الدائمة بكونغرس باراغواي على «اعتبار (الإخوان) (تنظيماً إرهابياً) يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويشكل انتهاكاً خطيراً لمقاصد ومبادئ الأمم المتحدة». جاء ذلك في مشروع قرار تقدمت به ليليان سامانيغو، رئيسة لجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس المكوّن من 45 عضواً. وقال البرلمان في بيان نشره عبر موقعه الإلكتروني (مساء الخميس) إن «تنظيم (الإخوان) الذي تأسس في مصر عام 1928، يقدم المساعدة الآيديولوجية لمن يستخدم (العنف) ويهدد الاستقرار والأمن في كل من الشرق والغرب». وأضاف البيان أن «باراغواي ترفض رفضاً قاطعاً جميع الأعمال والأساليب والممارسات (الإرهابية)».
ووفق تقارير محلية في باراغواي، فإن باراغواي رأت في وقت سابق أن «(حزب الله)، و(القاعدة)، و(داعش) وغيرها، منظمات (إرهابية)، في إطار مشاركتها في الحرب على (الإرهاب)». وقالت التقارير إن «تصنيف (الإخوان) من شأنه أن يحدّ من قدرة هذه الجماعات على التخطيط لهجمات (إرهابية) وزعزعة استقرار الدول». كما تحدثت التقارير عن دول أخرى أقرت خطوات مماثلة ضد «الإخوان» من بينها، روسيا، والمملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والبحرين.
وتصنف دول عربية عدة «الإخوان» تنظيماً «إرهابياً». وعدّت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية التنظيم «جماعة إرهابية منحرفة» لا تمثل منهج الإسلام. وذكرت الهيئة في بيان لها، نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020، أن «(الإخوان) جماعة إرهابية لا تمثل منهج الإسلام وإنما تتبع أهدافها الحزبية المخالفة لهدي ديننا الحنيف، وتتستر بالدين وتمارس ما يخالفه من الفُرقة، وإثارة الفتنة، والعنف، والإرهاب». وحذّرت حينها من «الانتماء إلى (الإخوان) أو التعاطف مع التنظيم».
كذلك أكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أن كل مجموعة أو تنظيم يسعى للفتنة أو يمارس العنف أو يحرّض عليه، هو تنظيم إرهابي مهما كان اسمه أو دعوته، معتبراً «(الإخوان) تنظيماً (إرهابياً)».
وتحظر الحكومة المصرية «الإخوان» منذ عام 2014، وقد عدّته «تنظيماً إرهابياً». ويخضع مئات من قادة وأنصار التنظيم حالياً، وعلى رأسهم المرشد العام محمد بديع، لمحاكمات في قضايا يتعلق معظمها بـ«التحريض على العنف»، صدرت في بعضها أحكام بالإعدام، والسجن «المشدد والمؤبد».
وحسب الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، منير أديب، فإن «تصنيف باراغواي (الإخوان) يؤكد الاتهامات التي توجَّه إلى التنظيم، بأن تنظيمات العنف خرجت من رحم (الإخوان)، أو أنها نهلت من أفكار التنظيم»، لافتاً إلى أن «قرار باراغواي أشار إلى أن (الإخوان) وفّر الحماية لتنظيمات التطرف التي نشأت في الشرق والغرب». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «قرار بعض الدول العربية في وقت سابق حظر (الإخوان) يعود إلى أمرين؛ الأول أن التنظيم مارس العنف، والآخر أن التنظيم وفّر الحماية لجماعات الإرهاب».
وفي وقت سابق أكدت وزارة الأوقاف المصرية «حُرمة الانضمام لـ(الإخوان)»، مشيرةً إلى أن التنظيم يمثل «الخطر الأكبر على الأمن القومي العربي». وفي فبراير (شباط) 2022 قالت دار الإفتاء المصرية إن «جميع الجماعات الإرهابية خرجت من عباءة (الإخوان)». وفي مايو (أيار) الماضي، قام مفتي مصر شوقي علام، بتوزيع تقرير «موثق» باللغة الإنجليزية على أعضاء البرلمان البريطاني يكشف منهج «الإخوان» منذ نشأة التنظيم وارتباطه بـ«التنظيمات الإرهابية». وقدم التقرير كثيراً من الأدلة على علاقة «الإخوان» بـ«داعش» و«القاعدة»، وانضمام عدد كبير من أعضاء «الإخوان» لصفوف «داعش» عقب عزل محمد مرسي عن السلطة في مصر عام 2013، كما لفت إلى أذرع «الإخوان» من الحركات المسلحة مثل «لواء الثورة» و«حسم».
وحول تأثير قرار تصنيف باراغواي «الإخوان» على «قيادات التنظيم في الخارج»، أكد الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي، أن «قرار باراغواي سوف يؤثر بالقطع على عناصر التنظيم في الخارج، لأن التنظيم يزعم أنه ينتشر في دول كثيرة حول العالم، ومثل هذا القرار يؤثر على عناصر (الإخوان) الموجودة في باراغواي وفي الدول المجاورة لها، كما أن القرار قد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ قرار مماثل ضد (الإخوان)».
يأتي قرار باراغواي في وقت يتواصل الصراع بين «قيادات الإخوان في الخارج» حول منصب القائم بأعمال مرشد التنظيم. ويرى مراقبون أن «محاولات الصلح بين جبهتي (لندن) و(إسطنبول) لحسم الخلافات لم تنجح لعدم وجود توافق حول ملامح مستقبل التنظيم». والصراع بين جبهتي «لندن» و«إسطنبول» على منصب القائم بأعمال المرشد، سبقته خلافات كثيرة خلال الأشهر الماضية، عقب قيام إبراهيم منير، القائم بأعمال مرشد «الإخوان» السابق، بحلّ المكتب الإداري لشؤون التنظيم في تركيا، وقيامه بتشكيل «هيئة عليا» بديلة عن «مكتب إرشاد الإخوان». وتبع ذلك تشكيل «جبهة لندن»، «مجلس شورى» جديداً، وإعفاء أعضاء «مجلس شورى إسطنبول» الستة، ومحمود حسين (الذي يقود «جبهة إسطنبول»)، من مناصبهم.