انضمام السويد وفنلندا للناتو يحيي ذكريات دموية

من جبهة صراع مع روسيا إلى حياد تام ثم السعي لعضوية حلف شمال الأطلسي

جندي يحمل علم حلف شمال الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
جندي يحمل علم حلف شمال الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
TT

انضمام السويد وفنلندا للناتو يحيي ذكريات دموية

جندي يحمل علم حلف شمال الأطلسي (أرشيفية - رويترز)
جندي يحمل علم حلف شمال الأطلسي (أرشيفية - رويترز)

شكّل طلب السويد وفنلندا الرسمي الانضمام إلى حلف الناتو، في 18 مايو (أيار) الفائت، منعطفاً تاريخياً في السياسة الخارجيّة للدولتين.
فعلى وقع الضربات العسكريّة الروسيّة في أوكرانيا، أنهت السويد بخطوتها هذه سياسة حياد طبعت علاقاتها الخارجيّة منذ سنة 1814، فيما شكّلت الخطوة الفنلندية باتجاه الناتو نهاية حياد الدولة المجاورة لروسيا، الذي استمرّ طوال مرحلة الحرب الباردة حتى الأشهر الأولى من العام الحالي.
المنعطف التاريخي الذي نشهده حالياً يعيد للأذهان ماضي العلاقة العدائية بين السويد وفنلندا من جهة، وروسيا من جهة أخرى.

سقوط إمبراطوريّة وصعود أخرى
السويد خاضت ضد روسيا حروباً كثيرة على مدى قرون سابقة، لكنّ حربين كبريين حاسمتين في هذا الصّراع، لا تزال انعكاساتهما مستمرة حتّى يومنا هذا. إنّهما حرب الشّمال الكبرى (1700 – 1721) والحرب الفنلنديّة (1808 – 1809). فالحرب الأولى سطّرت نهاية الإمبراطوريّة السّويديّة وصعود القوّة الرّوسيّة، والثّانية كانت من العوامل الرئيسة الّتي جعلت السويد تعتمد سياسة الحياد في علاقاتها الخارجيّة.
عرفت السويد في عصر الملك غوستافوس أدولفوس، الّذي صعد إلى العرش سنة 1611، عصراً ذهبيّاً، واعتبرت الإمبراطوريّة السّويديّة طوال القرن السابع عشر حتّى بدايات القرن الثامن عشر دولة أوروبيّة كبرى. وبلغت مساحتها ضعفي مساحتها الحاليّة تقريباً، إذ ضمّت فنلندا وأستونيا ولاتفيا وكلّ المناطق المطلّة على بحر البلطيق، التي هي جزء من روسيا حالياً، إضافة إلى مناطق أخرى في شمال أوروبا. فشكّل عددٌ من الدّول الأوروبيّة المجاورة للإمبراطوريّة السّويديّة، ومن بينها روسيا، وكانت آنذاك قوّة إقليميّة، تحالفاً لكسر نفوذ السويد في حوض البلطيق، والتوسّع على حسابها. وهكذا اندلعت حرب الشمال الكبرى، الّتي أسفرت عن خسارة السويد لأراضيها في شرق البلطيق وشمال أوروبا، وحصلت روسيا بالمقابل على جزء كبير من الأراضي السويدية المطلّة على البلطيق، فنتجت عن هذه الحرب نهاية الإمبراطوريّة السويدية وصعود روسيا في المقابل إلى مصاف الدول الكبرى، وكان ذلك في عهد القيصر الروسي بطرس الأكبر.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (أ.ب)
هذه الصفحة التاريخية استدعاها فلاديمير بوتين، حينما صرح مؤخراً: «بطرس الأكبر خاض حرب الشمال الكبرى طوال 21 عاماً. وبدا أنه في حربه مع السويد قد أخذ شيئاً منها. هو لم يأخذ أي شيء منها، بل أعاد ما كان ملكاً خاصاً لروسيا... وعندما أسس العاصمة الجديدة (في سانت بطرسبرغ)، لم تعترف أي من الدول الأوروبية بأنها أرض روسية، بل اعتبروها جزءاً من السويد. ومع ذلك، فإنه من قديم الأزل كان السلافيون يعيشون مع الشعوب الفنلندية الأوغرية، وكانت هذه الأرض تحت سيطرة روسيا». وأضاف بوتين: «من الواضح أنه من قدرنا أن نعود ونقوى أيضاً. وإذا عملنا على أساس أن هذه القيم تمثل أساس وجودنا، فإنه من المؤكد أننا سوف ننجح في تحقيق أهدافنا».

الحياد السويدي وانعكاساته
بقيت السويد لاعباً مهماً على الساحة الأوروبيّة في القرن الثامن عشر، واستمرّ الصّراع الروسي - السويدي قائماً، كما اندلعت حربان بين الدولتين في تلك الحقبة، لكنّ حرباً جديدة بينهما في مطلع القرن التالي، هي الحرب الفنلندية، التي نتجت عنها خسارة السويد فنلندا لمصلحة روسيا سنة 1809، وكذلك اندلاع الحرب النرويجيّة - السويديّة سنة 1814، جعلتا من السويد تعتمد سياسة الحياد في علاقاتها الخارجيّة.
وقد أثبتت هذه السياسة نجاحها، إذ إنّها جنّبت البلاد أهوال الحروب التي دارت على أراضي القارّة الأوروبيّة، وأبرزها الحربان العالميّتان، وجنّبتها كذلك استقطابات الحرب الباردة.

استقلال فنلندا وحربها مع السوفيات
إذا كان تاريخ السويد المتوتر مع روسيا لافتاً فإن وضع فنلندا لا يقل أهمية، كما أنّ موقع فنلندا الجيوسياسي هو أكثر حساسية من السّويد، إذ تجاور روسيا الفيدراليّة (وسابقاً الاتّحاد السوفياتي) مباشرة فتمتلك حدوداً مشتركة معها، يصل طولها إلى نحو 1300 كيلومتر. وقد شهدت فنلندا بُعيد استقلالها حرباً أهليّة وجيزة (سنة 1918)، واتّسمت علاقتها مع الاتّحاد السّوفياتي في مرحلة ما بعد الحرب العالميّة الأولى بالتّوتّر. ثمّ جاءت الحرب العالميّة الثّانية، فوجد ستالين الظّرف ملائماً للتّوسّع على حسابها، فشنّ عليها حرباً عُرفت باسم حرب الشّتاء (1939 – 1940) الّتي أظهر فيها الفنلنديّون، رغم التّفوّق العسكري الروسي الكبير في العديد والعتاد، مقاومة كبيرة أدهشت المراقبين، وأظهرت مكامن الضّعف في الجيش السوفياتي. لكنّ الأخير تمكّن من الانتصار بعد أشهر من القتال، وأُرغمت فنلندا في معاهدة موسكو على التنازل عن حوالي 10 في المائة من مساحتها للاتحاد السوفياتي.

تحوّلات جذريّة في سياسة فنلندا الخارجيّة
خسارة فنلندا لجزء من أراضيها في حرب الشتاء دفعتها إلى التحالف مع ألمانيا النازيّة بهدف استعادة الأراضي الّتي خسرتها لصالح الاتحاد السوفياتي. لكنّ هزيمة الألمان في الحرب جعلتها تتكبّد خسائر إضافيّة في الأراضي لصالح السوفيات، وفُرضت عليها تعويضات ماليّة باهظة. وبفعل موقعها الجغرافي المجاور للاتّحاد السّوفياتي وخطر اندلاع حرب جديدة بينهما، اعتمدت فنلندا منذ بدء الحرب الباردة، سياسة حياد عن الأحلاف العسكريّة، ووقّعت اتّفاقيّات صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفياتي حماية لأمنها، مع حفاظها على هذا الحياد.
ومع سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التّسعينات، بات بإمكان فنلندا التّوجّه نحو الغرب، فانضمّت وجارتها السويد إلى الاتحاد الأوروبي مطلع العام 1995. وحافظت كالسويد على جيش قويّ مجهّز ومدرّب على أعلى المستويات، تعزيزاً لأمنها القومي، وحرصت على امتلاك ترسانة عسكريّة حديثة، ونسّقت بشكل وثيق مع الناتو قبل طلب انضمامها إلى الحلف في مايو (أيّار) الماضي.
طائرة «سو - 25» روسية تطلق صاروخاً على هدف في أوكرانيا، تحميها طائرة أخرى (أ.ب)

حياد تبدّده الحرب في أوكرانيا
رغم نجاح حياد السويد وفنلندا، فإنّ الاجتياح الروسي لأوكرانيا وأهوال المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام، والدّمار الشّامل الّذي لحق بأوكرانيا، إضافة إلى عامل أساس، هو القرب الجغرافي لفنلندا والسويد من روسيا، ما جعلهما تخشيان أن تكونا الوجهة التالية لطموحات بوتين التّوسعيّة، أحدثت تغييراً جذرياً لدى الرّأي العام السّويدي والفنلندي، من معارض للدّخول في أيّ تحالفات عسكريّة إلى مؤيّد متحمّس للانضواء في حلف الناتو، لما يشكّله هذا التحالف من ضمانة لأمن البلدين، ولا سيّما أنّه يُلزم الأعضاء المنتمين إليه، بموجب البند الخامس من اتّفاقيّته، اعتبار أيّ هجوم ضدّ أي دولة من الدول الأعضاء هجوماً على كلّ دول الحلف.
فقد أشارت استطلاعات الرّأي وأبرزها استطلاعات عدّة لشركة «ديموسكوب» السويدية أجرتها منذ مارس (آذار) الفائت، إلى أن أغلبيّة واضحة من السويديين مؤيّدة للانضمام إلى الحلف. ولعلّ أفضل تعبير عن هذا التّبدّل الكبير في توجّه السويد على صعيد العلاقات الخارجيّة، هو تأييد الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي، بجلسة له في 15 مايو الماضي، تقديم طلب انتساب السويد إلى الناتو، علماً أنّ هذا الحزب اليساريّ العريق الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء ماغدالينا أندرسون، لطالما كان مؤيّداً للحياد ورافضاً الانضمام إلى الحلف. وكذلك أظهرت استطلاعات الرّأي في فنلندا تبدّلاً جذريّاً بموقف الفنلنديين الّذي كان مؤيّداً للحياد، وتأييدهم الانضمام إلى الناتو بأغلبيّة ساحقة فاقت 75 في المائة، وفق استطلاع نشرته محطّة البثّ العامة الفنلنديّة في 9 مايو الماضي.



تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
TT

تبادل إطلاق النار بين سفينة وزوارق صغيرة قبالة اليمن

صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر سفينة الشحن «روبيمار» المملوكة لبريطانيا والتي تعرضت لهجوم من قبل الحوثيين في اليمن قبل غرقها في البحر الأحمر... 1 مارس 2024 (رويترز)

ذكرت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية، اليوم (الجمعة)، أن سفينة على بعد 15 ميلاً بحرياً غربي اليمن أبلغت عن تبادل لإطلاق النار بعد رصدها نحو 15 قارباً صغيراً على مقربة منها.

وأضافت السفينة أنها لا تزال في حالة تأهب قصوى وأن القوارب غادرت الموقع.

وأفاد ربان السفينة بأن الطاقم بخير، وأنها تواصل رحلتها إلى ميناء التوقف التالي.

وتشن جماعة الحوثي في اليمن هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، وذلك منذ اندلاع الحرب في غزة بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على جنوب إسرائيل. وقالت الجماعة إن هجماتها للتضامن مع الفلسطينيين.


بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
TT

بوتين: المقترح الأميركي بشأن أوكرانيا يتضمّن نقاطاً «لا يمكن الموافقة عليها»

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مشاركته بفعالية في موسكو بروسيا يوم 3 ديسمبر 2025 (رويترز)

قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن بعض المقترحات في خطة أميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، غير مقبولة للكرملين، مشيراً في تصريحات نُشرت اليوم (الخميس) إلى أن الطريق لا يزال طويلاً أمام أي اتفاق، لكنه شدد على ضرورة «التعاون» مع واشنطن لإنجاح مساعيها بدلاً من «عرقلتها».

وقال بوتين في التصريحات: «هذه مهمّة معقّدة وصعبة أخذها الرئيس (الأميركي دونالد) ترمب على عاتقه».

وأضاف أن «تحقيق توافق بين أطراف متنافسة ليس بالمهمة بالسهلة، لكن الرئيس ترمب يحاول حقاً، باعتقادي، القيام بذلك»، متابعاً: «أعتقد أن علينا التعاون مع هذه المساعي بدلاً من عرقلتها».

وأطلق الرئيس الأميركي دونالد ترمب أقوى دفعة دبلوماسية لوقف القتال منذ شنت روسيا الغزو الشامل على جارتها قبل نحو أربع سنوات. ولكن الجهود اصطدمت مجدداً بمطالب يصعب تنفيذها، خاصة بشأن ما إذا كان يجب على أوكرانيا التخلي عن الأراضي لروسيا، وكيف يمكن أن تبقى أوكرانيا في مأمن من أي عدوان مستقبلي من جانب موسكو.

وتأتي تصريحات الرئيس الروسي في الوقت الذي يلتقي فيه المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب، جاريد كوشنر، بكبير المفاوضين الأوكرانيين رستم أوميروف، اليوم، في ميامي لإجراء مزيد من المحادثات، بحسب مسؤول أميركي بارز اشترط عدم الكشف عن هويته؛ لأنه غير مخوّل له التعليق علانية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وشخصيات روسية سياسية واقتصادية يحضرون محادثات مع المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قصر مجلس الشيوخ بالكرملين في موسكو بروسيا يوم 2 ديسمبر 2025 (أ.ب)

محادثات «ضرورية»

وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن محادثاته التي استمرت خمس ساعات، الثلاثاء، في الكرملين مع ويتكوف وكوشنر كانت «ضرورية» و«مفيدة»، ولكنها كانت أيضاً «عملاً صعباً» في ظل بعض المقترحات التي لم يقبلها الكرملين، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وتحدث بوتين لقناة «إنديا توداي تي في» قبل زيارته لنيودلهي، اليوم. وبينما لم تُبث المقابلة بأكملها بعد، اقتبست وكالتا الأنباء الروسيتان الرسميتان «تاس» و«ريا نوفوستي» بعض تصريحات بوتين.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول في المقابلة، إن محادثات الثلاثاء في الكرملين تحتّم على الجانبين «الاطلاع على كل نقطة» من مقترح السلام الأميركي «وهذا هو السبب في استغراق الأمر مدة طويلة للغاية».

وأضاف بوتين: «كان هذا حواراً ضرورياً وملموساً»، وكانت هناك بنود، موسكو مستعدة لمناقشتها، في حين «لا يمكننا الموافقة» على بنود أخرى.

ورفض بوتين الإسهاب بشأن ما الذي يمكن أن تقبله أو ترفضه روسيا، ولم يقدّم أي من المسؤولين الآخرين المشاركين تفاصيل عن المحادثات.

ونقلت وكالة «تاس» عن بوتين القول: «أعتقد أنه من المبكر للغاية؛ لأنها يمكن أن تعرقل ببساطة نظام العمل» لجهود السلام.


القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
TT

القمة الروسية - الهندية تعزز «الشراكة الاستراتيجية» وتتحدى ضغوط واشنطن

لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)
لافتة ترحيبية ببوتين في أحد شوارع نيودلهي يوم 4 ديسمبر (رويترز)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الخميس، زيارة رسمية إلى الهند تستغرق يومين. وتعد واحدة من الزيارات الخارجية النادرة له منذ اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير (شباط) 2022. ومثلما حظيت زيارته إلى الصين قبل ثلاثة أشهر، وقبلها إلى كوريا الشمالية العام الماضي، بأهمية كبرى في إطار رسم ملامح استراتيجية الكرملين في السياسة الخارجية، تُشكل الزيارة الحالية لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين، خصوصاً على خلفية الضغوط الأميركية المتزايدة على الهند لتقليص تعاونها مع موسكو.

وفي أول زيارة له إلى العاصمة الهندية منذ أربع سنوات، يرافق بوتين وزير الدفاع أندريه بيلووسوف، ووفد واسع النطاق من قطاعي الأعمال، والصناعة. ومن أبرز الوجوه المرافقة لبوتين رئيسا شركتي الطاقة «روسنفت» و«غازبروم» اللتين تخضعان لعقوبات غربية، إلى جانب مسؤولي المجمع الصناعي العسكري، ومؤسسة «روس أبورون أكسبورت» المسؤولة عن الصادرات العسكرية. بالإضافة إلى رؤساء القطاع المصرفي الروسي الذي يخضع بدوره لعقوبات غربية. وتعكس تشكيلة الوفد المرافق أولويات أجندة الطرفين، وطبيعة النقاشات التي تم التحضير لها في موسكو، ونيودلهي.

برنامج حافل

على مدار يومي القمة، سيبحث الطرفان التعاون في مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والهيدروكربونات، والفضاء، والتكنولوجيا، والتجارة.

تُشكل زيارة بوتين لنيودلهي منعطفاً حاسماً جديداً في مسار تعزيز تحالفات موسكو مع الشركاء التقليديين (أ.ف.ب)

واستبق الناطق الرئاسي الروسي ديمتري بيسكوف الزيارة بإشارة إلى أن بوتين سوف يناقش مع رئيس الوزراء ناريندرا مودي «القضايا الدولية، والإقليمية»، مشدداً على اهتمام الكرملين بتطوير التعاون الثنائي، وفتح مجالات جديدة للتعاون، وأشار إلى موقف واشنطن السلبي تجاه الزيارة، وتلويحها بمضاعفة التعريفات الجمركية في حال استمرت نيودلهي في تعزيز تعاونها مع موسكو، وخصوصاً في مجال الطاقة، موضحاً أنه «لا ينبغي أن تخضع العلاقات التجارية بين موسكو ونيودلهي لتأثير دول ثالثة»، وأعرب عن قناعته بأن «مسألة التعريفات الجمركية الأميركية تظل قضية ثنائية بين الولايات المتحدة والهند». ووصف بيسكوف الإجراءات المفروضة على قطاع النفط الروسي بأنها غير قانونية، مؤكداً أن روسيا تبذل كافة الجهود الممكنة لضمان استمرار تجارة الطاقة، وتدفقها دون انقطاع رغم التحديات. وأشار إلى أن الزيارة ستشهد توقيع حزمة مهمة من الوثائق الثنائية، دون الإفصاح عن تفاصيل محددة.

تعزيز التعاون في مجال الطاقة

قبل زيارة بوتين، أجرى مسؤولون من الجانبين محادثات في مجالات واسعة من الدفاع، إلى الشحن، والزراعة، وفي أغسطس (آب) الماضي، اتفق الطرفان على بدء محادثات بشأن اتفاقية تجارة حرة بين الهند والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، بقيادة روسيا.

وكرست هذه الخطوات مسار تعزيز العلاقة رغم بروز بعض المخاوف لدى مسؤولين في الهند أعربوا عن قلق من أن أي صفقات طاقة ودفاع جديدة مع روسيا قد تُثير رد فعل من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي ضاعف الرسوم الجمركية إلى 50 في المائة في أغسطس على السلع الهندية، عقاباً على مشتريات نيودلهي من النفط الخام الروسي.

بوتين يتحدّث خلال مؤتمر في موسكو يوم 3 ديسمبر (رويترز)

ويُشكّل ملف تعزيز التعاون في مجال الطاقة إحدى أولويات الكرملين، الذي أكد أن الهند سوف تواصل الحصول على معاملة تفضيلية.

زادت واردات النفط الروسية على مدار سنوات اتفاقية التجارة الحرة بنسبة 600 في المائة، مما جعل الهند المشتري الرئيس لصادرات النفط الروسية (38 في المائة). كما تشتري الهند الأسمدة، والزيوت النباتية، والفحم، والمعادن.

تُنقل هذه الشحنات عبر الممر البحري الشرقي الذي افتُتح مؤخراً بين فلاديفوستوك وميناء تشيناي الهندي، وهو طريق بطول 10300 كيلومتر يربط بين موانٍ استراتيجية في المحيطين الهادئ والهندي. كما يعمل ممر النقل بين الشمال والجنوب فإن هذا الممر يتيح الاستقلال عن اللوجستيات الغربية، والتسويات بالعملات الوطنية تجاوزاً للعقوبات الغربية بنسبة تصل إلى 90 في المائة. وأكد الطرفان مجدداً هدفهما المتمثل في زيادة حجم التبادل التجاري إلى 100 مليار دولار بحلول عام 2030 (من 67 مليار دولار حالياً). وتطلب الهند دعماً لصادراتها إلى روسيا، لا سيما في مجالات الأدوية، والهندسة، والمنتجات الزراعية، ولتوفير فرص عمل للعمال الهنود المهاجرين، ويأتي ذلك تقديراً لإنجازات الهند في الالتفاف على العقوبات الغربية، خصوصاً في مجال تجارة النفط.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يحضران اجتماعاً على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون في سمرقند - أوزبكستان يوم 16 سبتمبر 2022 (رويترز)

في المقابل، تسعى موسكو إلى الحصول على مساعدة الهند للحصول على قطع غيار، ومعدات تقنية لأصولها النفطية، حيث عرقلت العقوبات الوصول إلى الموردين الرئيسين.

ووفقاً لمصدر حكومي في الهند، فإن نيودلهي تسعى على الأرجح إلى استعادة حصة 20 في المائة لشركة التنقيب عن الغاز الحكومية في مشروع «سخالين-1» في أقصى شرق روسيا.

وتسعى موسكو أيضاً إلى تطوير تعاملها في القطاع المالي والمصرفي مع الهند، وصرح نائب وزير الخارجية الروسي، أندريه رودينكو، بأنه ستتم خلال الزيارة مناقشة إمكانية إطلاق نظام الدفع الروسي «مير» في الهند، والذي من شأنه أن يُسهم في زيادة السياحة الروسية. ووفقاً له، فقد طُرحت هذه المسألة سابقاً خلال اجتماع بوتين مع وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار. وستُناقش الآن على أعلى مستوى في نيودلهي.

الصفقات العسكرية

ورغم الضغوط الأميركية، لا تخطط الهند لتجميد علاقاتها الدفاعية مع موسكو، لأنها تحتاج إلى دعم مستمر للعديد من الأنظمة الروسية التي تشغّلها.

وقال مسؤولان هنديان مطلعان على الأمر لـ«رويترز» إن طائرات «سوخوي-30» الروسية تشكل غالبية أسراب المقاتلات الهندية البالغ عددها 29 سرباً، وعرضت موسكو مقاتلتها الأكثر تطوراً «سوخوي-57» والتي من المرجح أن تكون جزءاً من المحادثات.

بوتين يلتقي المتطوعين المشاركين في جائزة #WeAreTogether الدولية في مركز التجارة العالمي في موسكو يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ولم تتخذ الهند قراراً بعد بشأن النسخة المحدثة من «سوخوي»، لكن الكرملين أعلن أن هذا الموضوع سيكون مطروحاً للنقاش. ومن المرجح أن تناقش نيودلهي شراء المزيد من وحدات نظام الدفاع الجوي «إس-400» وفق تصريحات لوزير الدفاع الهندي راجيش كومار سينغ، الأسبوع الماضي. وتمتلك الهند الآن ثلاث وحدات، مع انتظار تسليم وحدتين إضافيتين بموجب صفقة عام 2018.

لكن الحديث عن تعاون دفاعي لا يقتصر على بيع الأسلحة، والمعدات، إذ قطعت موسكو ونيودلهي شوطاً مهماً لتوطين صناعات دفاعية في الهند لتصبح أبرز شريك عسكري لروسيا. وأفاد ديمتري شوغاييف مدير الهيئة الروسية للتعاون العسكري التقني بأن القمة الحالية سوف تبحث مشاريع عسكرية تقنية جديدة، وتوسيع العقود القائمة بين البلدين.

وتشير مصادر إلى أنه يمكن توطين إنتاج ما يقرب من نصف نظام «إس-400» في إطار سياسة نقل التكنولوجيا التي توليها الهند أولوية قصوى. وفي حال تم الاتفاق على شراء طائرات «سوخوي-57» المقاتلة، فسينتقل طيارو القوات الجوية الهندية بسهولة إلى الطائرات الروسية من الجيل الجديد، مع تأكيد أن شركة «هندوستان» للملاحة الجوية المحدودة المملوكة للدولة قادرة على صيانة الترسانة الروسية.

وأفادت تقارير بأن اتفاقيات قيد التطوير -أو وُقِّعت بالفعل- لإنتاج مشترك لنظام الدفاع الجوي «بانتسير»، واحتمال شراء الهند لنظام رادار الإنذار المبكر «فورونيج»، الذي يتجاوز مداه 6000 كيلومتر.

وأكد شوغاييف أن العلاقات العسكرية التقنية بين روسيا والهند تشهد تطوراً ملحوظاً رغم التحديات الدولية الراهنة، مشيراً إلى أنه لم يغلق أي مشروع عسكري تقني خلال عام 2025.

بوتين خلال تقديمه جائزة #WeAreTogether الدولية في موسكو، يوم 3 ديسمبر (إ.ب.أ)

ووفقاً للمسؤول الروسي ينتظر أن ينصب الاهتمام بشكل أساسي على الطائرات، وأنظمة الدفاع الجوي، والتعاون في تقنيات الطائرات المسيرة، والمساعدة في بناء سفن جديدة في أحواض بناء السفن الهندية. وأضاف: «تبدو آفاق الصادرات العسكرية إلى الهند في عام 2026 إيجابية للغاية، وأعتقد أن حجمها في العام المقبل سيتجاوز مستوى عام 2025»، مؤكداً أنه تم حل المشكلات المتعلقة بالجوانب اللوجستية، وتوريد المكونات للمشاريع المشتركة، بما في ذلك صيانة المعدات الموردة سابقاً.

وأشار شوغاييف إلى أن روسيا تسعى إلى تعاون عسكري تقني واسع النطاق مع الهند في مجال التقنيات الجديدة، حيث تتزايد حصة المشاريع المشتركة، والتقنيات التكنولوجية المتقدمة عاماً بعد عام.

وتنفذ روسيا والهند حالياً عشرات المشاريع العسكرية التقنية واسعة النطاق، ومن أهمها إنتاج الهند المرخص لطائرات «سوخوي-30»، ومحركات الطائرات، ودبابات «تي-90 إس»، والتعاون في إطار مشروع «براهموس» المشترك للصواريخ، وتحديث المعدات العسكرية التي سبق توريدها، والعمل المشترك في مجال تكنولوجيا الدفاع.

جانب من لقاء بوتين ومودي على هامش أعمال مجموعة «بريكس» في كازان شهر أكتوبر 2024 (د.ب.أ)

وأشارت مصادر إلى أن الطرفين يُعدّان «بيانات مهمة» ستحدد التوجهات الرئيسة للمرحلة المقبلة من شراكتهما. ومن المتوقع أن تُمهّد الاتفاقيات الجديدة للتعاون العسكري الصناعي الطريق لمرحلة جديدة من التعاون الدفاعي بين البلدين، ما يتيح للهند الوصول إلى أحدث تقنيات التخفي، والدفاع الصاروخي. وتتوقع المصادر أن يُعزز هذا مكانة الهند في المنطقة الآسيوية.

من المتوقع توقيع عقود عسكرية لتوريد وإنتاج أنظمة دفاع جوي من الجيل الجديد، بما في ذلك نظام الدفاع الجوي إس-500. وقد لاقى نظام إس-400 الروسي استحساناً من الجيش الهندي خلال عملية سيندور، حيث أُشير إلى سرعة نشره في أقل من خمس دقائق لتكون ميزة كبيرة. ويُعتبر دمج نظام إس-400 في نظام الدفاع الجوي متعدد الطبقات الهندي على طول الحدود مع الصين وباكستان تعزيزاً أمنياً.

توازن بين الهند والصين

وتواجه موسكو -التي طورت علاقاتها مع الصين بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، وغدت بكين حليفاً رئيساً لها- تحدياً جدياً في إقامة توازن دقيق في العلاقة مع البلدين الخصمين.

الرئيسان الصيني شي جينبينغ (يمين) والروسي فلاديمير بوتين وبينهما رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في لقائهم بمدينة تيانجين الصينية في سبتمبر (أ.ب)

وأكد الكرملين أن موسكو تنطلق من أهمية المحافظة على علاقات مع «الشركاء التقليديين»، مشيراً إلى «تقدير خاص لاستعداد نيودلهي للمساهمة في البحث عن تسوية سلمية للنزاع في أوكرانيا».

وفي إشارة مهمة، قال الناطق الرئاسي الروسي: «نحن مستعدون لتطوير علاقاتنا مع الهند في جميع المجالات الممكنة، إلى الحد الذي تكون فيه الهند مستعدة لذلك»، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن روسيا «تواصل تطوير علاقاتها مع الهند، والصين».

وتابع: «نحن نحترم العلاقات الثنائية بين الهند والصين، وليس لدينا شك في أن أقدم دولتين، الدولتين الأكثر حكمة في هذا العالم، ستكونان حكيمتين بما يكفي لتسوية جميع المشكلات من أجل الحفاظ على الاستقرار العالمي».

تحدي الضغوط الأميركية

رأت تعليقات في وسائل إعلام حكومية روسية عشية الزيارة أن نيودلهي سارت خطوات لتحدي الضغوط الأميركية المفروضة عليها بسبب علاقاتها مع موسكو. ومن ذلك، ألغت الهند مناقشات اتفاقية التجارة الهندية-الأميركية، وقالت الصحافة الروسية إن تلك الاتفاقية «تراجعت أهميتها الاستراتيجية مقارنة بالنتائج المتوقعة بعد زيارة بوتين». وزادت أن «الهند ردت عملياً على الهجوم على سيادتها».

ترمب ومودي في مؤتمر صحافي مشترك في البيت الأبيض في فبراير الماضي (رويترز)

كانت الحكومة الأميركية حملت نيودلهي مسؤولية تعزيز الجيش الروسي في أوكرانيا، واصفةً تصرفات الهند لاستيراد النفط الروسي بأنها «مزعزعة للاستقرار». ووصف الرئيس دونالد ترمب الهند بأنها «مغسلة للكرملين»، وهدد بفرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المائة على الواردات الهندية إذا واصلت نيودلهي هذا المسار.

بدوره عارض الاتحاد الأوروبي مشاركة الهند في مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، بحجة أن صداقة نيودلهي مع موسكو تُشكل عقبة أمام تعميق التعاون الاستراتيجي مع أوروبا.

ورأت التعليقات الروسية أن «الهجوم السافر على السيادة الهندية من قبل الغرب فقد أثره. لقد اتُخذ القرار: التعاون مع روسيا أهم للهند منه مع الغرب، كما يتضح من زيارة بوتين. وقد اكتسبت روسيا والهند خبرة واسعة في العمل معاً ضمن مجموعة (بريكس)، ومنظمة شنغهاي للتعاون».