مَن الإنسان الأخلاقي فعلاً؟

القرآن الكريم سبق كانط إلى تأسيس الأخلاق الكونية

إيمانويل كانط
إيمانويل كانط
TT

مَن الإنسان الأخلاقي فعلاً؟

إيمانويل كانط
إيمانويل كانط

بدايةً دعونا نطرح هذا السؤال الساذج: ما الأخلاق؟ قد يبدو الجواب سهلاً أو تحصيل حاصل أو معروفاً للجميع. الأخلاق هي ألا تسرق، ألا تكذب، ألا تقتل، إلخ... الوصايا العشر، أو مكارم الأخلاق الإسلامية. ولكن هل حقاً الأمور بدهية إلى مثل هذا الحد؟ فأنت قد لا تسرق لأنك تخشى أن يمسكوك بالجرم المشهود. ولا تغش ولا تكذب لذات السبب. لولا الخوف لمارست كل هذه الموبقات. لنفترض أنك تمتلك طاقية الإخفاء التي تمكّنك من التواري عن الأنظار ما إن تضعها على رأسك هل ستظل أخلاقياً بعدها؟ ألن تسرق المجوهرات الثمينة من ساحة الفاندوم في باريس لكي تهديها إلى حبيبتك الغالية؟ شوفي حبيبتي: هذا خاتم قيمته مليون دولار اشتريته إكراماً لعينيك! شكراً، شكراً حبيبي، من أين لك هذا؟ هذا من فضل ربي. تريدين قتل الناطور أم قطف العنب؟ العمى ما أغلظك!
لكن بما أننا تجاوزنا مرحلة المراهقة بسنوات ضوئية فالرجاء اسمحوا لنا أن نعود إلى صلب الموضوع لكي نطرح هذا السؤال: لو كنت أمتلك مثل هذه الطاقية السحرية أما كنت سأسرق أغلى الثياب وأحلى القمصان من شارع الشانزليزيه الشهير دون أن أدفع قرشاً واحداً؟ ولربما نهبت كل مكتبات الحي اللاتيني. أدخل بحقائب فارغة وأخرج بحقائب ملآنة أمام أنظار الجميع دون أن يراني أحد. ما أسهل الحياة! ما أحلى الحياة! هناك مئات الكتب الفلسفية والسياسية التي لم أقرأها بعد كما قال محمد عابد الجابري متحسراً قُبيل الرحيل. ولربما ضربت هذا الشخص في الشارع كفاً أو كفين فقط لأن شكله لم يعجبني. ولربما انتقمت من صديقتي السابقة وصفعتها صفعة مدوية لأنها خانتني وذهبت مع شخص آخر. ولربما، ولربما... هكذا تلاحظون أن مسألة الأخلاق أكثر تعقيداً مما نظن. فنحن نظل أخلاقيين بسبب الحذر والحيطة ومخافة أن ننكشف أمام الآخرين ونفقد هيبتنا وتتشوه سمعتنا أمام الجميع. هذا ناهيك بالحساب والعقاب والاعتقال والسجن. هذه ليست أخلاق. الأخلاق هي أن تمارس الفضيلة حباً بها لا خوفاً من الآخرين ولا رجاء لثواب ولا رعباً من عقاب. في العالم المتقدم لا يسرقون ولا يكذبون ولا يُخلفون في المواعيد لأن ضميرهم يقف فوق رأسهم رقيباً عليهم.
ليسوا بحاجة إلى شرطة بوليسية تقف فوق رأسهم لكي يقوموا بواجبهم. ضميرهم يكفي. هو الشرطة وهو البوليس. هكذا توصلت أخيراً إلى تعريف الأخلاق. الإنسان الأخلاقي هو الإنسان الذي يكون ضميره هو الشرطي الوحيد الذي يقف فوق رأسه. هذا بالإضافة إلى الصورة الراقية والمحترمة التي يشكّلها عن نفسه. هل يمكن أن تحترم نفسك بعد أن تسرق وتصبح لصاً؟ في البلدان المتقدمة لا أحد يقطع الشارع والإشارة حمراء. وذلك لأن احترام القانون والنظام من صميم الأخلاق الحضارية. هذا ما لاحظته في بلدان الشمال الأوروبي المتطورة جداً.
عندما حاولت أن أفعل ذلك مرة في مدينة ميونيخ نظروا إليَّ نظرة مرعبة فتراجعت فوراً إلى الوراء. عندئذ فهمت سبب تقدم البلدان الأوروبية وتخلف البلدان الشرقية. والشيء الذي حيّرني أكثر هو التالي: على الرغم من أنهم غير متدينين في أغلبيتهم ولا يمارسون الطقوس والشعائر فإنهم لا يغشّون ولا يكذبون ولا يُخلّون بواجبهم في عملهم. جميعهم يعدّون العمل شيئاً مقدساً ينبغي أن يؤديه المواطن على أفضل وجه ممكن. العامل أو الفلاح أو الزبّال أو رئيس الجمهورية أو المعلّم أو الطبيب... إلخ، كلهم يعدّون الإخلال بالواجب والمواعيد عاراً أو نقيصة شنيعة. كيف يمكن أن تخشى على شعوب من هذا النوع؟
بعد أن وصلنا بالحديث إلى هذه النقطة دعونا نرَ كيف ناقش كبار فلاسفة الغرب مسألة الأخلاق. فمن الواضح أنهم هم المربّون الكبار للشعوب الأوروبية. الفلاسفة هم قادة الشعوب بعد الأنبياء. ولولاهم لما حصل كل هذا التطور والتقدم. من المتفق عليه أن أكبر فيلسوف أخلاقي في الغرب هو إيمانويل كانط. ومن المعلوم أيضاً أنه كان يضع على مكتبه صورة واحدة هي صورة جان جاك روسو الذي كان يعدّه بمثابة أستاذه وقدوته من الناحية الأخلاقية. وكان معجباً جداً به وبإسحاق نيوتن. لماذا؟ لأن «نيوتن اكتشف قوانين العالم الطبيعي وجان جاك روسو اكتشف قوانين العالم الأخلاقي» أو الإنساني. ومعلوم أن روسو كان يحاسب نفسه محاسبة شديدة بل ويقرّعها «ويمسح بها الأرض» إذا لزم الأمر. ضميره الأخلاقي كان قوياً جداً. اقرأوا «الاعترافات» الشهيرة. كان كانط طيلة حياته يقوم بنزهة طويلة خارج البيت في ساعة معينة بعد الظهر. ولم يكن يخلّ بهذا الموعد على الإطلاق إلى درجة أن الناس كانوا يعيرون ساعتهم على مجرد ظهوره على عتبة الباب.

جان جاك روسو

لم يُخلّ بهذا الموعد إلا مرتين طيلة حياته المديدة كلها: المرة الأولى عندما ظهر كتاب روسو عن التربية (إميل) عام 1762، والمرة الثانية عندما اندلعت الثورة الفرنسية عام 1789. في كلتا الحالتين ذهب فوراً إلى المكتبة وبيت الجرائد لتسقط الأخبار وشراء هذا الكتاب الثمين للفيلسوف السويسري الشهير. هل يعني ذلك أن صدور كتاب عبقري يعادل من حيث الأهمية حدثاً سياسياً ضخماً أو حتى زلزالاً سياسياً كالثورة الفرنسية؟ لمَ لا؟ على أي حال هذه من ذاك. لولا أفكار روسو لما كانت الثورة الفرنسية.
لذلك رُفعت صوره على رؤوس الأشهاد في شوارع باريس. لا ثورة تحريرية من دون ثورة تنويرية تسبقها وتحتضنها وتمهد لها الطريق. الربيع الفكري قبل الربيع السياسي وليس العكس! لماذا فشلت الثورات المضادة لحركة التاريخ وروح الأزمنة الحديثة؟ هذا ما شرحته مطولاً في كتابي الصادر عن «دار المدى» بعنوان: لماذا يشتعل العالم العربي؟
يقول كانط إنه قبل الاطلاع على فكر روسو كان يولي للمظاهر الخارجية أهمية كبرى. وكان يعتقد أن المثقفين والمتعلمين وأصحاب الوجاهات هم أفضل بطبيعة الحال من الناس العاديين أو البسطاء الأميين. ولكنه اكتشف لاحقاً أن الفلاح أو الإنسان البسيط قد يكون أفضل أخلاقياً من حَمَلة أرفع الشهادات العليا. وعندئذ عرف أن هناك فرقاً بين العلم والأخلاق. لا توجد علاقة أتوماتيكية بينهما على عكس ما نظن. وبالفعل فقد تكون خريج السوربون وأوكسفورد وهارفارد ومع ذلك تظل وصولياً انتهازياً على المستوى الشخصي. تظل شخصاً رديئاً فعلاً من الناحية الأخلاقية والإنسانية. هناك أشخاص كلما زاد علمهم زاد خبثهم ومكرهم. وقد حذّرنا رابليه من ذلك قبل كانط عندما قال عبارته الشهيرة: «علم بلا ضمير خراب للروح». وبالتالي فالأخلاق أو النزاهة الشخصية أولاً وقبل كل شيء. وقد تكون الخادمة البسيطة في المنزل أفضل من أكبر مثقف من الناحية الأخلاقية والإنسانية. لهذا السبب عدّ كانط الإرادة الطيبة والخيّرة أهم شيء في الوجود. هناك أناس إرادتهم طيبة ونيتهم صادقة وهناك أناس أشرار بالمعنى الحرفي للكلمة. وكلما زادت معرفتهم وشهاداتهم زاد شرهم. البشر ليسوا من طينة واحدة.
يقول الفيلسوف المعاصر أندريه كونت سبونفيل هذه الكلمات الجوهرية: «عندما نستهجن التصرفات العدوانية الفظّة ونرفض ازدراء الآخر لأسباب طائفية أو عنصرية فإننا نفعل ذلك حفاظاً على المجتمع والحضارة والكرامة الإنسانية». كل إنسان له كرامة سواء أكان أقلية أو أكثرية وينبغي أن تُحترم كرامته بصفته تلك وبخاصة إذا كان إنساناً طيباً صادقاً. وبالتالي فالطيبة الداخلية قبل كل شيء. إنها المعيار الأساسي. فقد يكون هناك شخص أجنبي غريب عنّا كلياً ولكنه طيب فاعل للخير، وقد يكون هناك شخص من عقيدتنا ومذهبنا ولحمنا ودمنا ولكنه شرير، فهل نضعهما على ذات المستوى؟ هل نستسلم للتعصب والعصبية؟ وهذا ما علّمنا إياه كانط أيضاً. فهو المبلور الأساسي للأخلاق الكونية. فالأخلاق إما أن تنطبق على الجميع وإما أنها ليست أخلاقاً.
فمثلاً لو كان جميع الناس يكذبون فلن يعود أحد يصدّق أحداً وعندئذ تختلّ العلاقات في المجتمع ويصبح التعامل بين البشر مستحيلاً أو عبثياً. ولو كان جميع الناس لصوصاً يسرقون فعندئذ لن تعود هناك ملكية خاصة، ولا ازدهار لأي شخص، ولا ثروة لكي تُسرق أصلاً. وعندئذ تصبح الحياة الاجتماعية جحيماً لا يطاق. وإذا كان الجميع يقتلون فلن يعود هناك أمان لأحد وسوف تنهار الحضارة البشرية كلها. وإذا كان كل الناس يبصقون في الشوارع ويوسخونها فسوف تصبح المدينة مليئة بالقاذورات. فيلسوف التنوير الأكبر يقول لنا ما معناه: افعل الخير من أجل الخير حباً بالفضيلة والخير، وشغفاً بالاستقامة والصدق. ولكن القرآن الكريم سبق كانط إلى تأسيس الأخلاق الكونية عندما قال هاتين الآيتين الكريمتين: «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره». هنا تكمن الأخلاق القويمة المستقيمة والعدالة الإلهية كلها. وعلى هذا المنوال سار أمير الشعراء أحمد شوقي في بيته الشهير:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت
فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا


مقالات ذات صلة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

يوميات الشرق «تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر  في تشجيع الشباب على القراءة

«تيك توك» أكثر جدوى من دور النشر في تشجيع الشباب على القراءة

كشفت تقارير وأرقام صدرت في الآونة الأخيرة إسهام تطبيق «تيك توك» في إعادة فئات الشباب للقراءة، عبر ترويجه للكتب أكثر من دون النشر. فقد نشرت مؤثرة شابة، مثلاً، مقاطع لها من رواية «أغنية أخيل»، حصدت أكثر من 20 مليون مشاهدة، وزادت مبيعاتها 9 أضعاف في أميركا و6 أضعاف في فرنسا. وأظهر منظمو معرض الكتاب الذي أُقيم في باريس أواخر أبريل (نيسان) الماضي، أن من بين مائة ألف شخص زاروا أروقة معرض الكتاب، كان 50 ألفاً من الشباب دون الخامسة والعشرين.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق «تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

«تيك توك» يقلب موازين النشر... ويعيد الشباب إلى القراءة

كل التقارير التي صدرت في الآونة الأخيرة أكدت هذا التوجه: هناك أزمة قراءة حقيقية عند الشباب، باستثناء الكتب التي تدخل ضمن المقرّرات الدراسية، وحتى هذه لم تعد تثير اهتمام شبابنا اليوم، وهي ليست ظاهرة محلية أو إقليمية فحسب، بل عالمية تطال كل مجتمعات العالم. في فرنسا مثلاً دراسة حديثة لمعهد «إبسوس» كشفت أن شاباً من بين خمسة لا يقرأ إطلاقاً. لتفسير هذه الأزمة وُجّهت أصابع الاتهام لجهات عدة، أهمها شبكات التواصل والكم الهائل من المضامين التي خلقت لدى هذه الفئة حالةً من اللهو والتكاسل.

أنيسة مخالدي (باريس)
يوميات الشرق آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

آنية جزيرة تاروت ونقوشها الغرائبية

من جزيرة تاروت، خرج كم هائل من الآنية الأثرية، منها مجموعة كبيرة صنعت من مادة الكلوريت، أي الحجر الصابوني الداكن.

يوميات الشرق خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

خليل الشيخ: وجوه ثلاثة لعاصمة النور عند الكتاب العرب

صدور كتاب مثل «باريس في الأدب العربي الحديث» عن «مركز أبوظبي للغة العربية»، له أهمية كبيرة في توثيق تاريخ استقبال العاصمة الفرنسية نخبةً من الكتّاب والأدباء والفنانين العرب من خلال تركيز مؤلف الكتاب د. خليل الشيخ على هذا التوثيق لوجودهم في العاصمة الفرنسية، وانعكاسات ذلك على نتاجاتهم. والمؤلف باحث وناقد ومترجم، حصل على الدكتوراه في الدراسات النقدية المقارنة من جامعة بون في ألمانيا عام 1986، عمل أستاذاً في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة اليرموك وجامعات أخرى. وهو يتولى الآن إدارة التعليم وبحوث اللغة العربية في «مركز أبوظبي للغة العربية». أصدر ما يزيد على 30 دراسة محكمة.

يوميات الشرق عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

عمارة القاهرة... قصة المجد والغدر

على مدار العقود الثلاثة الأخيرة حافظ الاستثمار العقاري في القاهرة على قوته دون أن يتأثر بأي أحداث سياسية أو اضطرابات، كما شهد في السنوات الأخيرة تسارعاً لم تشهده القاهرة في تاريخها، لا يوازيه سوى حجم التخلي عن التقاليد المعمارية للمدينة العريقة. ووسط هذا المناخ تحاول قلة من الباحثين التذكير بتراث المدينة وتقاليدها المعمارية، من هؤلاء الدكتور محمد الشاهد، الذي يمكن وصفه بـ«الناشط المعماري والعمراني»، حيث أسس موقع «مشاهد القاهرة»، الذي يقدم من خلاله ملاحظاته على عمارة المدينة وحالتها المعمارية.

عزت القمحاوي

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
TT

غناء اليودلية والطبخ الإيطالي مرشحان للانضمام إلى تراث «اليونيسكو» الثقافي

أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)
أعضاء نادي اليودلينغ السويسري يؤدّون عرضاً في كنيسة بلومّيس بالتزامن مع بحث إدراج هذا الفن على قائمة التراث غير المادي لـ«اليونيسكو» (إ.ب.أ)

من المقرر أن يبدأ خبراء في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) مداولاتهم في الهند، اليوم (الاثنين)، بشأن الممارسات والتقاليد التي يجب إعلانها كتراث ثقافي غير مادي، مع ترشح فن الغناء السويسري اليودلية والطبخ الإيطالي ضمن الترشيحات هذا العام.

وتم ترشيح ما مجموعه 66 عادة وحرفة من جميع أنحاء العالم لإدراجها في إحدى قوائم التراث الثقافي الثلاث للهيئة الثقافية والتعليمية التابعة للأمم المتحدة.

وتشمل الترشيحات أيضاً ثقافة حمامات السباحة في آيسلندا، و«ديبافالي» وهو مهرجان الأضواء الهندوسي المعروف باسم «ديوالي».

كما تم ترشيح تقليد العرائس الخشبية «رود ماريونيت» في بروكسل، وكذلك مهرجان جيفاتا، وهو مهرجان رأس السنة الجديدة الذي يحتفل به شعب ولايتا في إثيوبيا.

ولكي يجري الإعلان رسمياً عن ممارسة أو حرفة كتراث ثقافي غير مادي، يجب تناقلها من جيل إلى جيل والحفاظ عليها حية من مجتمع ما، من بين معايير أخرى.

وقال كريستوف وولف، نائب رئيس اللجنة الألمانية للمنظمة: «يمثل التراث الثقافي غير المادي المشاركة الثقافية والتنوع والحيوية».

وتُعقد الدورة العشرون للجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي في نيودلهي في الفترة من الاثنين إلى السبت.

وفي هذا العام، سيفحص الخبراء 11 ترشيحاً لقائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل، و54 ترشيحاً للإدراج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، بالإضافة إلى اقتراح واحد لسجل ممارسات الصون الجيدة.


مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.