فجرت جريمة قتل طالبة مصرية على يد زميلها طعناً بالسكين أمام بوابات جامعة المنصورة (دلتا مصر)، أول من أمس، موجة من الغضب والجدل الواسع في مصر، وفي خضم تلك الموجة الصاخبة على مواقع التواصل، تعرضت الدراما المصرية لانتقادات لافتة، واتهامات بـ«الترويج للعنف والبلطجة»، ما نتج عنه حدوث سجال بين فريق من المؤيدين لهذه النظرية وأخرى تعارضها، وسط دعوات بضرورة الاستعانة بالبحوث الاجتماعية والجنائية للحد من انتشار الجرائم بهذا الشكل في مصر.
وشهدت مصر جرائم قتل وُصفت بأنها «بشعة جداً» في الآونة الأخيرة في عدد من المحافظات، بعضها أحدث ضجة واسعة في الرأي العام المصري، على غرار حادث جامعة المنصورة، وواقعة ذبح أم لأطفالها الثلاثة بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر) قبل محاولتها الانتحار، وذبح شخص بمحافظة الشرقية لشقيقه، وقتل شاب زوجته ووالده وإصابة 3 آخرين بمحافظة قنا (جنوب مصر).
وأثارت بعض المسلسلات المصرية جدلاً واسعاً في السنوات الأخيرة، بسبب بعض مشاهدها العنيفة، وكان من بينها مسلسل «انحراف» بطولة الفنانة روجينا، ووصلت الأزمة إلى أروقة البرلمان المصري، حيث تقدم النائب محمد عبد الله زين الدين، بمذكرة عاجلة لرئيس المجلس المستشار حنفي جبالي، طالب فيها باتخاذ إجراءات ضد المسلسل بسبب قيام «حور» التي جسدتها روجينا، بقتل زوجها رجل الأعمال «طلعت الدقاق» (محمد لطفي)، بشكل وُصف بأنه «مروع».
وردت روجينا على حملة الانتقادات بأن «المسلسل عبارة عن قصص حقيقية من ملفات القضايا المصرية، وليس من خيال الكاتب، إذ يتحدث عن انحراف السلوك، وتلك اللحظة التي قد يعيشها أي شخص طبيعي حينما يتم وضعه تحت ضغوط معينة».
وفي عام 2018 أحدث مشهد قتل «حسن الوحش» الذي جسده الممثل محمد لطفي أيضا ضمن أحداث مسلسل «أيوب» في موسم دراما رمضان، ضجة واسعة في مصر، حيث تم قتل «الوحش»، على يد زوجتيه بعد خروجه من السجن، وتضمن المشهد اتفاق زوجتيه على تخديره، وهو يتناول معهما الطعام، ثم كتما أنفاسه أثناء نومه داخل غرفته حتى فارق الحياة، وتخلصتا من جثته بإغراقها في محلول، حللها بالكامل داخل حوض الاستحمام، إذ لم يبق منه سوى الهيكل العظمي، ووصف كثيرون المشهد وقتئذ بأنه «بشع وصادم للغاية».
ويؤيد الناقد الفني المصري، محمد رفعت، الرأي الذي يؤمن بأن الدراما تتحمل الجزء الرئيسي من المسؤولية عن ارتكاب الجرائم، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «إنه تم تقليد مشاهد فيلم (إبراهيم الأبيض) خلال أحداث ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 وما بعدها، بالإضافة إلى تقليد الكثير من الأطفال لبعض المشاهد التي تحتوي على مظاهر عنف».
وأشار رفعت إلى «تقليد الدراما المصرية لبعض مشاهد القتل والمطاردات الأميركية، من دون مبرر واقعي». مشيراً إلى «أن الجزء الأخطر في هذه المعادلة، هو الترويج لقسوة المشاعر والعواطف»، معتبراً أن «الأعمال الدرامية خلال السنوات الأخيرة تحض على الفساد والعنف».
ويستشهد رفعت برسائل وموضوعات الفن المصري خلال العقود الماضية، قائلاً: «بينما كان المسرح يقدم موضوعات نخبوية، كانت السينما جريئة نسبياً في تناولها للموضوعات الاجتماعية والسياسية، كما كانت المسلسلات التلفزيونية تدور في فلك الدراما الاجتماعية كالحب والطلاق والزواج، قبل أن تتغير الأمور أخيراً وتصبح المسلسلات المصدر الأول للترويج للعنف في مصر، بعد تراجع الدولة عن إنتاج الأعمال الفنية وترك الساحة خالية للإنتاج الخاص الذي يهتم بالقضايا المثيرة فقط على حساب القيم والرسائل الهادفة».
لكن الدكتورة سوسن فايد، أستاذ علم الاجتماع، بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، اعتبرت الدراما المصرية عاملاً مساعداً في انتشار الجريمة في البلاد، واعتبرت أن الأمراض النفسية، والإدمان بجميع أشكاله، وخصوصاً المخدرات المخلقة من العوامل الرئيسية لوقوع تلك الجرائم.
وتضيف فايد لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «يتعامل الكثير من المصريين مع المرض النفسي بشكل سيئ جداً يصل إلى حد الوصمة، وبوجود المرض النفسي، مع المخدرات، يدخل كثيرون في حالة هيستيرية، ويرتكبون جرائم مفجعة من دون وعي، ويقولون في التحقيقات (لا نعلم كيف ارتكبنا هذا الأمر، ويدخلون في نوبات بكاء)».
وتطالب فايد السلطات المصرية بضرورة الاستفادة من توصيات باحثي علم الاجتماع، قائلة: «إذا كانت الحكومة المصرية جادة في مكافحة تزايد معدلات الجريمة في الشارع، فعليها الاستعانة بخبرات علماء الاجتماع، والاستفادة من أبحاثهم المتعلقة بهذا الأمر، بالإضافة إلى إطلاق استراتيجية جديدة للحد من وقوع هذه الجرائم، بجانب تعزيز دور الإعلام والمؤسسات الدينية».
إلى ذلك، رفض سينمائيون تحميل الدراما مسؤولية تزايد معدلات الجريمة، وقال السيناريست المصري، أيمن سلامة، عبر حسابه على «فيسبوك»: «الجريمة فعل إنساني قديم يقوم به الإنسان عندما تصطدم رغباته مع وجود الآخرين، فيقرر إنهاء حياة الآخر لتحقيق رغبته، وليس الفن، أو الظروف الاقتصادية السبب»، وأضاف أن «الجماعات المتطرفة على سبيل المثال لا تشاهد الأعمال الفنية ومع ذلك تذبح وتقتل، كما أن الحروب تقوم بين دول لا بسبب أفلام ولا مسلسلات».
وشدد سلامة «على عدم تعليق مسؤولية الجرائم على (شماعة الفن)، وضرورة مواجهة الأزمة بالأحكام السريعة الرادعة».
الدراما المصرية في مرمى الانتقادات بعد وقوع «جرائم بشعة»
سجال بشأن مسؤوليتها... ودعوات لـ«دراسة الحالة» اجتماعياً
الدراما المصرية في مرمى الانتقادات بعد وقوع «جرائم بشعة»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة