إذن، انتهت، مساء يوم أول من أمس (الأحد)، أيام مهرجان «كان» السينمائي الفريد بحفلة اختتام تم توزيع جوائزها، وبعضها كان متوقعًا لكن معظمها جاء مفاجئًا، خصوصًا ذلك الفيلم الذي تربّع على عرش هذه الجوائز بمنحه السعفة الذهبية، الجائزة الأكبر التي تنافس المخرجون فيما بينهم للفوز بها.
وفي حفل أريد له أن يكون نسخة صغيرة من الأوسكار، وأفضل منه إذا استطاع، حصد الفيلم الفرنسي «ديبان» للمخرج جاك أوديار، السعفة الذهبية وبذلك انضم إلى قافلة الأفلام التي سبق لها، وعبر 68 دورة استحواذ هذه الجائزة الأكبر بين مهرجانات الدنيا.
بذلك الفوز، فإن خطّة المهرجان نجحت. لقد حشد خمسة أفلام في المسابقة الرئيسة بغية أن يفوز أحدها بالسعفة ولا مانع إذا ما فاز اثنان منها، واحد بالسعفة وآخر في عداد الجوائز الأخرى. وهذا ما حدث فعلاً، فبالإضافة إلى فوز «ديبان» بتلك السعفة، نال الممثل الفرنسي فنسنت ليندون بجائزة أفضل ممثل عن فيلم قام ببطولته تحت عنوان «معيار رجل» أخرجه ستيفان بريز حول ذلك الرجل الذي يعاني من بطالة مفاجئة تعبث باقتصادات حياته. عندما يجد عملاً يكتشف أن عليه أن يغض النظر عن فساد مستشر وهو لم يتعود أن يفعل ذلك.
هذا الوضع المحوري هو ما جعل من أداء ليندون بلورة صحيحة لشخصية رجل كل يوم في كل مدينة أو بلد، ولاءم أسلوب المخرج ستيفان بريز ذي اللمسة التسجيلية على الرغم من اعتماد الفيلم على سيل من الحوارات والقليل من فن السينما.
هذا يلتقي مع فيلم السعفة الذهبية، «ديبان» من حيث لم يقصد أحد في الأساس. ففيلم الفرنسي جاك أوديار يدور حول عائلة (أب وأم وطفلة) من التاميل تلجأ من عنف الحرب الدائرة في سريلانكا إلى فرنسا. حين تحط العائلة في واحد من تلك المشاريع الإسكانية تكتشف وجهًا جديدًا للعنف هو عنف المجتمعات الغربية الضاربة حياة المهاجرين والفقراء.
فيلمان عن أحوال الناس المعيشية صاغت فوزهما لجنة التحكيم التي ترأسها الأخوان إيتان وجووَل كووَن وتطبّعت برأييهما حتى وإن شهد الفيلمان معارضة ما. لكن «ديبان» لم يكن أحد الأفلام التي توقع معظمنا هنا لها الفوز. طغى عليه حفنة من الأفلام التي بدت كما لو كان أحدها آيلا إلى الفوز وسط نسبة مرتفعة من الأفلام التي لا تستحق، ومنها «شباب» للإيطالي باولو سورينتينو و«كارول» للأميركي تود هاينز. كلاهما، بوضوح، ليس النوع الذي يستهوي الأخوين كووَن. لا الأول في أبعاده التي ترثي غياب الفن ولا الثاني في عودته الحميمة إلى الماضي لطرح موضوع شائك حول حب مثلي بين امرأتين. لكن إخراج أولهما، «شباب» من ناحية تنفيذية - فنية بحتة هي أفضل من الفيلم الفائز ولو أن هذا السبب لم يقرر مصيره.
جائزة الإخراج بدورها ابتعدت عن وجهة هاينز أو سورنتينو أو حتى الإيطالي الآخر نينو موريتي، عن فيلمه «أمي»، وتم منحها للمخرج التايلاندي هاو سياو سيين عن «القاتل» أو «ناي يينيانغ» كما عنوانه الصيني. لفتة في مكانها، علما بأن المخرج جاور بنجاح ما بين عمل يحمل فنه وفيلم قتال في قرون صينية غابرة.
اللبناني البارع
في هذا الوقت، كان الفيلم المجري «ابن شاوول» للازلو نيميش يخطف الجائزة الثانية من حيث الأهمية وهي المسماة بـ«الجائزة الكبرى». الفيلم عن الهولوكوست، لكن مثل «إيدا» في العام الماضي، الذي أنجزه البولندي بافل بافيلوكوفسكي، يقدّم الواقعة بطريقة مختلفة. في «إيدا» (الذي تم ترشيحه وفوزه بأوسكار أفضل فيلم أجنبي هذا العام) بحث في ناجية من الموت عندما تركها والداها وهي طفلة رضيعة عند باب دير فنشأت فيه كمسيحية. «ابن شاوول» هو عن أحد اليهود الكثر الذين تم تشغيلهم في معسكرات الاعتقال الجماعي. شهد الموت واكتشف أن وحيده بين الموتى فبحث بين المعتقلين عن حاخام يصلّي عليه. لكن بقدر ما الفيلم السابق كان هادئًا ومتأملاً، بقدر ما جاء هذا الفيلم مضجّرًا ومفتعلاً… لكنه أيضا مؤثرًا في منحاه مما أزلف إليه تلك الجائزة.
من اللافت أن أول من اعتلى المنصّة الواسعة والمصممة بجمالية مناسبة من الفائزين كان اللبناني الشاب إيلي داغر الذي فاز بسعفة أفضل فيلم قصير عن «الموجة 98» وهي بداية جيّدة لمخرج جديد. نادرة هي المرّات اللبنانية التي دخلت فيها تلك السينما المسابقة، وهذا هو الفوز الأول الذي يفوز بالسعفة الذهبية. الآن يستطيع داغر تحقيق فيلم روائي طويل وإرساله إلى «كان» للاشتراك به في المسابقة أو سواها. غيره ممن فازوا بأفلامهم القصيرة فعلها.
بعده اعتلت المخرجة أغنيس فاردا المنصّة، حيث تسلمت جائزة شرف عن مجمل أعمالها وكابدت دموعها ثم تجاوزتها وهي تتحدث - بإسهاب - عن نفسها وجيلها ورفاق طريقها وتنعطف قليلاً على السينما اليوم.
ثم تلتها الممثلة الفرنسية إيمانويل بيركو التي بكت أيضا من تأثرها. وهي فازت عن دورها في فيلم «ملكي» لزميلتها مايوان لكنها لم تنفرد بهذه الجائزة إذ تناصفتها مع الممثلة الأميركية روني مارا عن دورها في فيلم «كارول» وتسلم عنها الجائزة مخرج الفيلم تود هاينز. هنا تكمن مفاجأة صغيرة أخرى، معظم التوقعات حامت حول هذا التناصف، لكن بين روني مارا وشريكتها في بطولة «كارول» كايت بلانشيت، لكن الأخيرة مضت من دون ذكر.
جائزة السيناريو نالها ميشيل فرانكو الذي قدّم فيلمًا معتدل المزايا عنوانه «مزمن» بينما خرج السينمائي الشاب يورغوس لانتيموس بجائزة «لجنة التحكيم» عن فيلمه الجيد «ذا لوبستر».
إذا كانت خطّة المهرجان تشجيع السينما الفرنسية أو الترويج لها أو الافتخار بها، فإن النجاح كان حليفها. لكن حقيقة أن غالبية ما يتم تقديمه هنا إن لم يكن فرنسيًا نقيًا فهو فرنسي بالشراكة يشكل خطرًا في تحويل المهرجان إلى دعاية فرنسية وهذا لا تجده في المهرجانات الأساسية الأخرى.
حفل الختام كان، تصميمًا وتنفيذًا، أفضل حفل ختام حظي به المهرجان منذ سنوات بعيدة. ما يعيبها هو ما يعيب حفل الأوسكار ذاته: قبل منح جوائز في الاختصاصات الفنية، التمثيل، السيناريو، الإخراج إلخ.. على المقدّم أن يتحدّث عن الاختصاص الذي سيمنح جائزته وعلى نحو تعريفي مفرط في سذاجته، خصوصًا وإننا اليوم جميعًا نعرف ما هو التمثيل وما هو السيناريو وما هو الإخراج.
(«الشرق الأوسط») في مهرجان «كان» السينمائي (13 ): لماذا ربح الفيلم الفرنسي «ديبان» للمخرج جاك أوديار السعفة الذهبية وكيف خرج الأفضل بلا جائزة؟
اللبناني إيلي داغر يفوز بجائزة أفضل فيلم قصير عن «الموجة 98»
(«الشرق الأوسط») في مهرجان «كان» السينمائي (13 ): لماذا ربح الفيلم الفرنسي «ديبان» للمخرج جاك أوديار السعفة الذهبية وكيف خرج الأفضل بلا جائزة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة