مقتل شاب في الذكرى الثالثة لفض اعتصام «قيادة الجيش» السوداني

عشرات الآلاف تظاهروا وسط إجراءات أمنية مشددة وإغلاق للجسور

جانب من مسيرات أمس إحياءً لذكرى فض اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم (إ.ب.أ)
جانب من مسيرات أمس إحياءً لذكرى فض اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم (إ.ب.أ)
TT

مقتل شاب في الذكرى الثالثة لفض اعتصام «قيادة الجيش» السوداني

جانب من مسيرات أمس إحياءً لذكرى فض اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم (إ.ب.أ)
جانب من مسيرات أمس إحياءً لذكرى فض اعتصام قيادة الجيش في الخرطوم (إ.ب.أ)

أعاد السودانيون، أمس، إحياء الذكرى الثالثة لحادثة «فض الاعتصام» أمام مقر القيادة العامة للجيش السوداني في الخرطوم في 3 يونيو (حزيران) 2019، التي بلغ ضحاياها مئات القتلى والجرحى والمفقودين، والتي لم تصل التحقيقات بشأنها إلى تحديد الجناة، على الرغم من مرور ثلاث سنوات على الحدث الذي هز الضمير السوداني، وظل يعكر صفو المناخ السياسي في البلاد، خصوصاً بين المدنيين والعسكريين.
ونظم عشرات الآلاف مسيرات سلمية في الخرطوم ومدن أخرى بالبلاد تلبية لدعوة «لجان المقاومة الشعبية» والقوى السياسية، للمطالبة بمحاسبة الجناة في فض الاعتصام، فضلاً عن المطالبة بالحكم المدني، فيما اتخذت السلطات العسكرية إجراءات أمنية فوق العادة، وأغلقت غالبية الجسور والمداخل الرئيسية المؤدية إلى وسط العاصمة، ونشرت أعداداً كبيرة من قوات الجيش والشرطة.
وأعلنت «لجنة أطباء السودان المركزية»، غير الحكومية، مقتل متظاهر يبلغ من العمر عشرين عاماً إثر إصابته بالرصاص الحي في التجمع الرئيسي بمنطقة الصحافة جنوب الخرطوم، ليرتفع العدد الكلى للقتلى إلى 99 منذ أن تولى الجيش السلطة في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وقالت اللجنة في بيان على صفحتها الرسمية في «فيسبوك»، إن قوات الأمن «تتعمد استخدام العنف المميت، وكل أنواع الأسلحة ضد المتظاهرين السلميين».
- غلق الجسور
بسبب غلق الجسور الرابطة بين مدن الخرطوم الثلاثة، تحول وسط العاصمة المكتظ إلى «خلاء فسيح» بدون سكان، تسير فيه السيارات العسكرية بسرعات عالية، فيما أغلقت المحال التجارية أبوابها، وكادت السيارات والمدنيون ينعدمون من وسط الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري، وتحول إلى ما يشبه «الثكنة العسكرية».
وفي 3 يونيو 2019 الذي وافق 29 من رمضان، هاجمت قوات كبيرة بأزياء نظامية على متن مئات السيارات والمدرعات، ساحة الاعتصام في محيط القيادة العامة للجيش بالخرطوم، واستخدمت الرصاص الحي والهراوات لتفريق المعتصمين. وتجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في مواكب لامركزية بضاحية الصحافة جنوب الخرطوم، وفي منطقة «المؤسسة» بمدينة بحري، وفي العديد من الأحياء بالعاصمة، يرددون شعارات مناوئة للحكم العسكري ويطالبون بعودة مسار الحكم المدني الانتقالي.
ووثق نشطاء عبر «فيسبوك» اللحظات الأولى لاقتحام تلك القوات ساحة الاعتصام قبل وقت قصير من حجب الاتصالات والإنترنت، والمشاهد المروعة والصادمة لعملية فض الاعتصام بالرصاص الحي، وإلقاء بعض الجثث في نهر النيل.
وبدأ الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني في 6 أبريل (نيسان) 2019، بعد أشهر من الاحتجاجات المستمرة ضد نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وشكل الاعتصام الذي استمر لقرابة الشهرين مصدر ضغط كبير على قادة الجيش، ما اضطرهم لعزل البشير وتكوين مجلس عسكري انتقالي تولى زمام الحكم، ولاحقاً شارك تحالف «الحرية والتغيير» عبر تفاوض مارثوني أدى لتكوين حكومة انتقالية برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك.
- مطالب بالمحاسبة
طالب تحالف المعارضة الرئيسي «الحرية والتغيير»، في بيان، أمس، بالقصاص في قضايا العدالة والمحاسبة، مندداً بالعنف المفرط المستمر من قبل السلطة الانقلابية، الذي تمارسه تجاه المواكب السلمية. وأكد التحالف المعارض على أهمية معالجة قضايا العدالة كأولوية ضمن قضايا التأسيس الجديد للمسار المدني الديمقراطي بعد إسقاط الحكم العسكري الحالي. من جانبها، قالت السفارة الأميركية في الخرطوم على صفحتها الرسمية بـ«فيسبوك» قبل ثلاث سنوات، خلال فترة حكم المجلس العسكري، «استهدفت قوات الأمن السودانية احتجاجات سلمية خارج المقرات العسكرية بالخرطوم، ما أسفر عن مقتل أكثر من مائة شخص».
وأعلنت دول الترويكا (أميركا، بريطانيا، والنرويج) تضامنها مع الناجين والضحايا، داعية إلى حل سريع للتحقيق الذي عينته الحكومة في المذبحة والكشف عن النتائج للجمهور.
وحثت الترويكا السلطات العسكرية على محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم البشعة ضد المتظاهرين المدنيين السلميين إلى العدالة. ودعت السلطات إلى اتخاذ المزيد من تدابير بناء الثقة، ودعم العملية السياسية الميسرة بين البعثة الأممية في السودان (يونيتامس) والاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيقاد»، وتعزيز سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، وقيام قوات الأمن بالامتناع عن الإفراط في العنف ضد المتظاهرين السلميين.
- الاحتجاج السلمي
وقالت الطالبة نسرين علي، إنها خرجت للقول للسلطات إن المحتجين لن ينسوا الشهداء، وإنهم سيواصلون الضغط الشعبي والاحتجاج السلمي حتى استعادة الحكم المدني، وتحقيق مطالب الحرية والعدالة والمساواة التي ينادي بها المحتجون. ووصف المواطن عبد الله آدم ذكرى فض الاعتصام بأنها أكبر جريمة حدثت في تاريخ السودان، قائلاً «لكن للأسف رغم مرور ثلاث سنوات على تلك الجريمة، وعلى الرغم من أن القاتل معروف ومعترف، لم يتم تقديمه للمحاكمة».
وشكل رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك، في أكتوبر 2019، لجنة للتحقيق في فض الاعتصام، لتحديد المسؤولين بالتحريض أو المشاركة أو الاتفاق الجنائي أو ارتكاب أي انتهاكات أخرى، وحصر الضحايا من الشهداء والمصابين والجرحى والمفقودين. وقالت اللجنة إنها استمعت اللجنة إلى شهادة أكثر من 3 آلاف، من بينهم كبار القادة العسكريين في الجيش و«قوات الدعم السريع»، وواجهت اللجنة التي يترأسها المحامي نبيل أديب، ضغوطاً شعبية متزايدة لتسريع إعلان نتائج تحقيقاتها، بيد أن لجنة أديب أعلنت التوقف عن العمل عقب إجراءات 25 أكتوبر الماضي، التي حل بموجبها قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، الحكومة وحكومات الولايات، وحل مجلس السيادة المشترك، وأعلن حالة الطوارئ في البلاد.
- منظمة حقوقية
واتهمت منظمة مراقبة حقوق الإنسان «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية العالمية أجهزة الأمن السودانية، بارتكاب انتهاكات في فض الاعتصام، وفي التعامل مع المتظاهرين في الخرطوم ومدن أخرى، في الوقت الذي تنفي فيه تلك الأجهزة صلتها بالعملية، وتنسبها إلى «طرف ثالث» قالت إنه استغل عملية تفريق مجموعة متفلتة اتخذت من مكان قرب الاعتصام مقراً لها، ونفذت عمليات القتل في ميدان الاعتصام. ووقتها قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي الفريق شمس الدين كباشي، إن القوة كانت تستهدف تفريق المتجمعين في منطقة «كولومبيا» المتاخمة لمكان الاعتصام، لكنها انحرفت إلى مكان الاعتصام و«حدث ما حدث».


مقالات ذات صلة

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

شمال افريقيا الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

الرياض تكثف اتصالاتها لوقف التصعيد في السودان

كثَّفت المملكة العربية السعودية، جهودَها الدبلوماسية لوقف التصعيد في السودان، إلى جانب مساعداتها لإجلاء آلاف الرعايا من أكثر من مائة دولة عبر ميناء بورتسودان. وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أمس، اتصالات هاتفية، مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ووزير الخارجية الجيبوتي محمود علي يوسف، بحث خلالها الجهود المبذولة لوقف التصعيد العسكري بين الأطراف السودانية، وإنهاء العنف، وتوفير الحماية اللازمة للمدنيين، بما يضمن أمنَ واستقرار ورفاه السودان وشعبه.

شمال افريقيا «أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

«أمانة» السعودية تجلي 1765 شخصاً لـ32 دولة من السودان

نقلت سفينة «أمانة» السعودية، اليوم (الخميس)، نحو 1765 شخصاً ينتمون لـ32 دولة، إلى جدة، ضمن عمليات الإجلاء التي تقوم بها المملكة لمواطنيها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، إنفاذاً لتوجيهات القيادة. ووصل على متن السفينة، مساء اليوم، مواطن سعودي و1765 شخصاً من رعايا «مصر، والعراق، وتونس، وسوريا، والأردن، واليمن، وإريتريا، والصومال، وأفغانستان، وباكستان، وأفغانستان، وجزر القمر، ونيجيريا، وبنغلاديش، وسيريلانكا، والفلبين، وأذربيجان، وماليزيا، وكينيا، وتنزانيا، والولايات المتحدة، وتشيك، والبرازيل، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والسويد، وكندا، والكاميرون، وسويسرا، والدنمارك، وألمانيا». و

«الشرق الأوسط» (جدة)
شمال افريقيا مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

مصريون يسهمون في إغاثة النازحين عند المعابر الحدودية

بعد 3 أيام عصيبة قضتها المسنة السودانية زينب عمر، بمعبر «أشكيت» من دون مياه نظيفة أو وجبات مُشبعة، فوجئت لدى وصولها إلى معبر «قسطل» المصري بوجود متطوعين مصريين يقدمون مياهاً وعصائر ووجبات جافة مكونة من «علب فول وتونة وحلاوة وجبن بجانب أكياس الشيبسي»، قبل الدخول إلى المكاتب المصرية وإنهاء إجراءات الدخول المكونة من عدة مراحل؛ من بينها «التفتيش، والجمارك، والجوازات، والحجر الصحي، والكشف الطبي»، والتي تستغرق عادة نحو 3 ساعات. ويسعى المتطوعون المصريون لتخفيف مُعاناة النازحين من السودان، وخصوصاً أبناء الخرطوم الفارين من الحرب والسيدات والأطفال والمسنات، بالتعاون مع جمعيات ومؤسسات أهلية مصرية، على غر

شمال افريقيا الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

الأمم المتحدة تطلب 445 مليون دولار لمساعدة الفارين من السودان

أعلنت الأمم المتحدة، الخميس، أنها تحتاج إلى 445 مليون دولار لمساعدة 860 ألف شخص توقعت أن يفروا بحلول أكتوبر (تشرين الأول) المقبل من القتال الدامي في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع. وأطلقت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين هذا النداء لجمع الأموال من الدول المانحة، مضيفة أن مصر وجنوب السودان سيسجّلان أكبر عدد من الوافدين. وستتطلب الاستجابة للأزمة السودانية 445 مليون دولار حتى أكتوبر؛ لمواجهة ارتفاع عدد الفارين من السودان، بحسب المفوضية. وحتى قبل هذه الأزمة، كانت معظم العمليات الإنسانية في البلدان المجاورة للسودان، التي تستضيف حالياً الأشخاص الفارين من البلاد، تعاني نقصاً في التمو

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

الصراع في الخرطوم يوجّه ضربة جديدة للاقتصاد

وجّه الصراع المحتدم الذي يعصف بالسودان ضربة قاصمة للمركز الرئيسي لاقتصاد البلاد في العاصمة الخرطوم. كما عطّل طرق التجارة الداخلية، مما يهدد الواردات ويتسبب في أزمة سيولة. وفي أنحاء مساحات مترامية من العاصمة، تعرضت مصانع كبرى ومصارف ومتاجر وأسواق للنهب أو التخريب أو لحقت بها أضرار بالغة وتعطلت إمدادات الكهرباء والمياه، وتحدث سكان عن ارتفاع حاد في الأسعار ونقص في السلع الأساسية. حتى قبل اندلاع القتال بين طرفي الصراع في 15 أبريل، عانى الاقتصاد السوداني من ركود عميق بسبب أزمة تعود للسنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عمر البشير واضطرابات تلت الإطاحة به في عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
TT

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)
بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا، وأنها تعكس «الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في القارة السمراء».

تصريحات وزير الخارجية جاءت خلال زيارته للكتيبة المصرية ضمن قوات حفظ السلام في الكونغو الديمقراطية، التي تأتي أيضاً قبيل أسابيع من مشاركة جديدة مرتقبة مطلع العام المقبل في الصومال ضمن قوات حفظ سلام أفريقية، وسط تحفظات إثيوبية التي أعلنت مقديشو استبعاد قواتها رسمياً، وأرجعت ذلك إلى «انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الزيارة المصرية للقوات التي يمر على وجودها نحو 25 عاماً، تعد بحسب خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، تأكيداً على «الحضور المتنامي للقاهرة، وتعزيزاً لمشاركاتها بالقارة السمراء»، مستبعدين أن تتحول أي تحفظات إثيوبية تجاه الوجود المصري بمقديشو لمواجهات أو تصعيد عسكري.

وبحسب ما كشفته «الخارجية المصرية» في أواخر مايو (أيار) 2024، «فمنذ عام 1960، عندما أرسلت مصر قواتها إلى عمليات الأمم المتحدة في الكونغو، خدم ما يزيد على 30 ألفاً من حفظة السلام المصريين في 37 بعثة لحفظ السلام في 24 دولة، وبصفتها واحدة من كبريات الدول التي تسهم بقوات نظامية في عمليات حفظ السلام، تنشُر مصر حالياً 1602 من حفظة السلام من النساء والرجال المصريين في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الكونغو الديمقراطية والسودان وجنوب السودان والصحراء الغربية».

ووفق تقديرات نقلتها «هيئة الاستعلامات» المصرية الرسمية، منتصف يونيو (حزيران) 2022، تسترشد مصر في عمليات حفظ السلام بثلاثة مبادئ أممية أساسية، وهي «موافقة الأطراف والحياد، وعدم استعمال القوة إلا دفاعاً عن النفس، ودفاعاً عن الولاية».

بدر عبد العاطي يصافح كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

وتاريخياً، شاركت مصر في قوات حفظ السلام بأفريقيا في «الكونغو أثناء فترة الحرب الأهلية من 1960 إلى 1961، ثم من نوفمبر (تشرين الثاني) 1999، وكوت ديفوار لمساعدة الأطراف الإيفوارية على تنفيذ اتفاق السلام الموقع بينهما في يناير (كانون الثاني) 2003، والصومال في الفترة من ديسمبر (كانون الأول) 1992 إلى فبراير (شباط) 1995، وأفريقيا الوسطى من يونيو 1998 إلى مارس (آذار) 2000، وأنغولا من 1991 وحتى 1999، وموزمبيق من فبراير 1993 إلى يونيو 1995، وجزر القمر من 1997 وحتى 1999، وبوروندي منذ سبتمبر (أيلول) 2004، وإقليم دارفور بالسودان منذ أغسطس (آب) 2004».

وضمن متابعة مصرية لقواتها، التقى بدر عبد العاطي، الجمعة، مع أعضاء كتيبة الشرطة المصرية المُشاركة في مهام حفظ السلام ضمن بعثة الأمم المتحدة لحفظ الاستقرار في الكونغو الديمقراطية خلال زيارته التي بدأت الخميس، واستمرت ليومين إلى العاصمة كينشاسا، لتعزيز التعاون بكل المجالات، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وقال عبد العاطي إن «مصر إحدى كبرى الدول المساهمة في قوات حفظ السلام الأممية»، مؤكداً أن «وجود الكتيبة المصرية في الكونغو الديمقراطية يعكس عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وأهمية الشراكة الاستراتيجية مع دول حوض النيل الجنوبي». كما نقل وزير الخارجية، رسالة إلى رئيس الكونغو الديمقراطية، فيليكس تشيسيكيدي، من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، تتضمن سبل تعزيز العلاقات، وإحاطة بما تم توقيعه من اتفاقيات تعاون خلال زيارته وتدشين «مجلس أعمال مشترك».

ووفق الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، فإن كلمة السر في مشاركة مصر بشكل معتاد ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا بشكل عام هي «طبيعة القوات المصرية حيث تتجلى الإمكانات العالية والخبرات التاريخية المتراكمة، ما جعل مصر دائمة المشاركة والحضور ضمن قوات حفظ السلام منذ أزمان بعيدة»، مؤكداً أن لمصر تجارب عدة في العمل ضمن بعثات حفظ السلام في كثير من دول أفريقيا التي شهدت نزاعات وأوضاع أمنية بالغة التعقيد، مثل ساحل العاج، والكونغو، وأفريقيا الوسطى، وأنغولا، وموزمبيق، وليبيريا، ورواندا، وجزر القمر، ومالي وغيرها.

جانب من كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في مهام حفظ السلام بالكونغو الديمقراطية (الخارجية المصرية)

الحاج أشار إلى أنه رغم أن الاضطرابات السياسية التي تشهدها كثير من دول أفريقيا «تزيد من تعقيد» عمل بعثات الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلام في أفريقيا، وعدم قدرة هذه البعثات على إحراز أي تقدم في ظل نقص المؤسسات الديمقراطية الفعالة في عدد من البلدان الأفريقية؛ فإن مصر تدرك جيداً مدى أهمية تكثيف حضورها الأمني في القارة السمراء، باعتبار أن «العدول عن المشاركة المصرية ضمن بعثات حفظ السلام، سوف يترك فراغاً عريضاً» ربما تستغله دول أخرى تنافس مصر في خارطة التمركز الفاعل في أفريقيا.

الخبير الاستراتيجي المصري، اللواء سمير فرج، أوضح أن هناك قوات لحفظ السلام تتبع الأمم المتحدة، وأخرى تتبع الاتحاد الأفريقي، وكل له ميزانية منفصلة؛ لكن يتعاونان في هذا المسار الأمني لحفظ الاستقرار بالدول التي تشهد اضطرابات ومصر لها حضور واسع بالاثنين، مؤكداً أن مشاركة القاهرة بتلك القوات يتنامى ويتعزز في القارة الأفريقية بهدف استعادة الحضور الذي عرف في الستينات بقوته، وكان دافعاً ومساهماً لتأسيس الاتحاد الأفريقي والحفاظ على استقرار واستقلال دوله.

وهو ما أكده وزير الخارجية المصري خلال زيارته للكتيبة المصرية بالكونغو الديمقراطية بالقول إن «المشاركة في بعثات حفظ السلام تعكس الالتزام المصري التاريخي بدعم الاستقرار في أفريقيا، والمساهمة الفاعلة في صون السلم والأمن الدوليين».

هذا التأكيد المصري يأتي قبل نحو شهر من المشاركة المصرية في قوات حفظ السلام الأفريقية، بالصومال، حيث أكد سفير مقديشو لدى مصر، علي عبدي أواري، في إفادة، أغسطس الماضي، أن «القاهرة في إطار اتفاقية الدفاع المشترك مع الصومال ستكون أولى الدول التي تنشر قوات لدعم الجيش الصومالي من يناير 2025 وتستمر حتى عام 2029. بعد انسحاب قوات الاتحاد الأفريقي الحالية»، قبل أن تعلن مقديشو، أخيراً «استبعاد القوات الإثيوبية رسمياً من المشاركة في عمليات البعثة الجديدة؛ بسبب انتهاكها الصارخ لسيادة واستقلال الصومال».

الرئيس الصومالي خلال توقيعه قانوناً في يناير الماضي يُبطل مذكرة تفاهم «أرض الصومال» وإثيوبيا (حساب الرئيس الصومالي على «إكس»)

ولم تعلق أديس أبابا رسمياً على هذا الاستبعاد، لكن تحدّث وزير الخارجية الإثيوبي السابق، تاي أصقي سيلاسي، في أغسطس الماضي، عن الموقف الإثيوبي بشأن البعثة الجديدة لقوات حفظ السلام في الصومال، حيث طالب بـ«ألا تشكّل تهديداً لأمننا القومي، هذا ليس خوفاً، لكنه تجنّب لإشعال صراعات أخرى بالمنطقة»، مؤكداً أن بلاده «أصبحت قوة كبرى قادرة على حماية مصالحها».

وعدَّ الخبير الاستراتيجي المصري أن استمرار الوجود المصري في قوات حفظ السلام على مدار السنوات الماضية والمقبلة، لاسيما بالصومال له دلالة على قوة مصر وقدرتها على الدعم الأمني والعسكري وتقديم كل الإمكانات، لاسيما التدريب وتحقيق الاستقرار، مستبعداً حدوث أي تحرك إثيوبي ضد الوجود المصري في الصومال العام المقبل.

فيما يرى الخبير في الشؤون الأفريقية أن الاستعداد القوي الذي أظهرته مصر للمشاركة ضمن بعثة حفظ السلام في الصومال، يأتي من واقع الحرص المصري على استتباب الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية في القرن الأفريقي؛ لأن استتباب الأمن في الصومال يعني تلقائياً تأمين حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، ومن ثم ضمان انسياب الحركة التجارية الدولية عبر قناة السويس. فضلاً عن أن مصر لن تنزوي بعيداً وتترك الصومال ملعباً مميزاً للقوات الإثيوبية، خصوصاً بعدما أبرمت إثيوبيا اتفاقاً مطلع العام مع إقليم «أرض الصومال» لاستغلال منفذ «بربرة» البحري المطل على ساحل البحر الأحمر.

وفي تقدير عبد الناصر الحاج فإن نجاح مصر في أي مشاركة فاعلة ضمن قوات حفظ السلام في أفريقيا، يتوقف في المقام الأول، على مدى قدرة مصر في انتزاع تفويضات واسعة من مجلس السلم والأمن الأفريقي لطبيعة عمل هذه البعثات، بحسبان أن إحدى المشكلات التي ظلت تسهم في إعاقة عمل بعثات حفظ السلام، هي نوعية التفويض الممنوح لها؛ وهو الذي ما يكون دائماً تفويضاً محدوداً وقاصراً يضع هذه البعثات وكأنها مُقيدة بـ«سلاسل».

وأوضح أنه ينبغي على مصر الاجتهاد في تقديم نماذج استثنائية في أساليب عمل قواتها ضمن بعثات حفظ السلام، بحيث يصبح الرهان على مشاركة القوات المصرية، هو خط الدفاع الأول لمدى جدواها في تحقيق غاية حفظ السلام.