استياء أوروبي متصاعد من تداعيات العقوبات على روسيا

مخاوف من قطع موسكو إمدادات الغاز... وانتعاش الحركات اليمينية المتطرفة

رئيسا المجلس والمفوضية الأوروبيين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، 31 مايو (أ.ف.ب)
رئيسا المجلس والمفوضية الأوروبيين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، 31 مايو (أ.ف.ب)
TT

استياء أوروبي متصاعد من تداعيات العقوبات على روسيا

رئيسا المجلس والمفوضية الأوروبيين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، 31 مايو (أ.ف.ب)
رئيسا المجلس والمفوضية الأوروبيين خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، 31 مايو (أ.ف.ب)

لأول مرة منذ بداية العقوبات الأوروبية ضد روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، واجهت الدول الأعضاء في الاتحاد صعوبة بالغة في الاتفاق حول الحزمة الأخيرة التي ولدت هذا الأسبوع بعد عملية قيصرية استغرقت أكثر من شهر، وكشفت عمق التباين بين الشركاء عندما تمسّ هذه العقوبات مفاصل الإمدادات الحيوية للاقتصاد الأوروبي، الذي بدأت تظهر عليه بوادر الوهن والتراجع منذ أسابيع.
ولأول مرة أيضاً، ترصد المؤسسات الأوروبية اتساع دائرة الاستياء بين الأوساط الاقتصادية والاجتماعية من تداعيات هذه العقوبات التي تدفع إلى ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات قياسية لم تشهدها منطقة اليورو منذ تأسيسها.
يقوم المبدأ الأساسي الذي استندت إليه العقوبات الأوروبية منذ بداية الحرب على إلحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بالاقتصاد الروسي، والحدّ قدر الإمكان من الأضرار على الاقتصادات الأوروبية، التي يمكن أن تنشأ عنها. لكن الحزمة الأخيرة، التي من المفترض أن تضرب «الشريان الأبهر» لتدفق العملة الصعبة إلى الاقتصاد الروسي، مرشحة لتعقيدات كثيرة في مراحل تنفيذها التدريجية لقطع إمدادات الطاقة الروسية إلى بلدان الاتحاد التي تعتمد عليها بنسبة عالية، فضلاً عن أن تشعباتها السياسية مشفوعة بالتذمّر المتزايد من الاستمرار بتزويد أوكرانيا بالأسلحة، وإطالة أمد الحرب التي لا يلوح في الأفق القريب بصيص أمل في نهايتها.
اعترفت المفوضية الأوروبية، مطالع الشهر الماضي، عندما كانت الحزمة السادسة ما زالت مجرد أفكار مطروحة، بأن حظر النفط الروسي لن يكون سهلاً بالنسبة لكثير من الدول الأعضاء، وأنه سيؤدي إلى تراجع إجمالي الإنتاج القومي وارتفاع الأسعار بنسبة لا تقلّ عن 8 في المائة. يضاف إلى ذلك أن المشهد الاقتصادي يتلبّد بمزيد من الغيوم بعد إعلان البنك المركزي الأوروبي عزمه رفع أسعار الفائدة قريباً.
لكن إذا كانت تقديرات المفوضية تشير إلى أن الاقتصادات الأوروبية قادرة على استيعاب قرار الحظر الجزئي والتدريجي للنفط الروسي من غير أن تواجه خطر الانكماش، فإن السيناريو الذي تخشاه العواصم الأوروبية الكبرى هو أن تردّ موسكو بقطع إمدادات الغاز الذي من شأنه أن يدفع اقتصادات منطقة اليورو نحو منحدر انكماشي وخيم العواقب.
وكانت المفوضية أشارت في تقرير وضعته منذ أسبوعين إلى أنه في حال قطع الغاز الروسي عن بلدان الاتحاد، سيدخل الاقتصاد الأوروبي في مرحلة من الركود هذا العام، وقد لا ينمو أكثر من 1 في المائة، في أحسن الأحوال، خلال السنة المقبلة. لكن السيناريو الأسوأ هو الذي يمكن أن ينجم لاحقاً عن انكماش اقتصاد ألمانيا وإيطاليا، اللتين تعتمدان بنسبة عالية على الغاز الروسي، وتداعيات ذلك على بقية الاقتصادات الأوروبية. وكان المصرف المركزي الألماني توقع أن قطع الغاز الروسي سيؤدي إلى تراجع إجمالي الناتج القومي في ألمانيا بنسبة تتجاوز 3 في المائة.
ويرى بعض الخبراء أنه في حال تعويض إمدادات الغاز الروسي من مصادر أخرى، لن تتمكّن الاقتصادات الأوروبية من كبح جموح التضخّم، لأن ارتفاع الأسعار، الذي بدأ المستهلكون يعانون منه، يشمل بشكل أساسي جميع المنتوجات والخدمات الأساسية التي يصعب الاستغناء عنها. يضاف إلى ذلك أن أرباح الشركات سوف تتراجع أكثر من المتوقع، وفي حال طال الحظر ستكون التداعيات كارثية على سوق العمل ونسبة البطالة.
لكن القلق الأوروبي لا يقتصر على التداعيات الاقتصادية الناشئة عن العقوبات ضد روسيا فحسب، بل يتعدّاه إلى الارتدادات الاجتماعية والسياسية التي يمكن أن تعيد المشهد الأوروبي إلى حال من التوتر أخطر من تلك التي عقبت أزمة العام 2008 والسنوات التي تلتها. فالحرب الروسية في أوكرانيا كانت أضعفت خلال مراحلها الأولى الأحزاب والقوى الشعبوية واليمينية المتطرفة التي كان معظمها يقيم علاقات وثيقة مع موسكو، لكن الاستطلاعات في الأسابيع الأخيرة تشير إلى أن هذه الأحزاب بدأت تستعيد شعبيتها المفقودة ممتطية صهوة الاحتجاجات المتزايدة ضد تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة وإطالة أمد الحرب وتدفق اللاجئين وارتفاع معدلات التضخم.
ويلاحظ في الفترة الأخيرة أن بعض هذه الأحزاب بدأ يسترجع قنوات التواصل مع موسكو، متجاوزاً المواقف والقرارات الوطنية الرسمية، ومطالباً الحكومات بتغيير وجهة تعاملها مع الحرب الدائرة والتركيز على تسويتها بالطرق السلمية عوضاً عن مدّها بالوقود وتأجيجها. وكانت بعض أجهزة الاستخبارات الأوروبية نبّهت مؤخراً من أن بعض القوى والأحزاب اليمينية تستعدّ لحملات احتجاجية واسعة في الأسابيع المقبلة ضد السياسة والمواقف الأوروبية المشتركة من الحرب، والمطالبة بوقف تزويد أوكرانيا بالأسلحة ورفع العقوبات عن روسيا تمهيداً للتفاوض معها.


مقالات ذات صلة

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يدعو إلى  تحرك غربي ضد روسيا بعد الهجمات الأخيرة

دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الغرب إلى التحرك في أعقاب هجوم صاروخي جديد وهجوم بالمسيرات شنتهما روسيا على بلاده

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
TT

حالة تأهب مع وصول الإعصار «شيدو» إلى أرخبيل مايوت الفرنسي

بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)
بلدة ساحلية في مايوت تترقب وصول الإعصار (أ.ف.ب)

ضرب الإعصار «شيدو» صباح اليوم السبت أرخبيل مايوت الفرنسي في المحيط الهندي حيث أُعلنت حالة التأهب القصوى مع توقع اشتداد الرياح المصاحبة له والتي تجاوزت سرعتها 180 كيلومترا في الساعة.

وضرب الإعصار جزيرة بوتيت تير في شرق الأرخبيل حيث يخشى أن تصل سرعة الرياح «إلى 200 و230 كلم/ساعة»، بحسب آخر نشرة للأرصاد الجوية الفرنسية، متوقعة رياحا مدمرة أشد من تلك التي صاحبت الإعصار «كاميسي» عام 1984.

وتسببت الرياح بانقطاع الكهرباء مع سقوط أعمدة كهرباء واقتلاع أشجار وتطاير أسقف منازل مصنوعة من الصفيح.

غيوم في سماء مايوت (أ.ف.ب)

وفي مدينة أوانغاني، قال رئيس البلدية يوسف أمبدي إنه يخشى «الأسوأ... لا يمكننا الخروج ولكن ما نشاهده يفوق الوصف».

ومنذ الصباح الباكر، أصدرت السلطات تحذيرا أرجوانيا وهو ما يعني لزوم جميع السكان منازلهم وعدم الخروج بما يشمل أجهزة الطوارئ والأمن وجميع عناصر الإنقاذ.

وقالت فاطمة التي تعيش في ماجيكافو-كوروبا وما زالت تذكر الإعصار الذي ضرب جزر القمر المجاورة عندما كانت طفلة «نحن خائفون جدا».

وتوقعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية أمطارا شديدة الغزارة مع خطر تشكل السيول والفيضانات وارتفاع أمواج البحر التي يمكن أن يكون لها آثار كبيرة على الساحل.

وحُظرت حركة المرور على الطرق العامة في جزيرتي غراند تير وبوتيت تير، وأغلق مطار دزاوودزي منذ مساء الجمعة.

ويتوقع خبراء الأرصاد الجوية الفرنسية تحسنا في الأحوال الجوية خلال اليوم، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.