حرب أوكرانيا تضع هوية بلغاريا على المحكّ

TT

حرب أوكرانيا تضع هوية بلغاريا على المحكّ

تتساءل بلغاريا حول هويتها المنقسمة بين انتمائها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وقربها التاريخي من موسكو، فهل يصمد شعور «الأخوة» مع الروس المنتشر في دولة البلقان هذه في مواجهة الحرب في أوكرانيا؟
منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير (شباط)، يتواجه الموالون لروسيا والمعارضون لها كل أسبوع تقريباً في صوفيا حول نصب أقيم تمجيداً للجيش الأحمر، فيهاجمه البعض فيما يحميه البعض الآخر.
وتعتبر ماريا كوستادينوفا (23 عاماً) وهي طالبة دكتوراه التقت بها وكالة الصحافة الفرنسية في أحد هذه التجمعات، أن «الدفاع عن أوكرانيا هو خيار حضاري يربطنا بالدول المتقدمة». وفي الجهة المقابلة، تنفي المدرسة غالينا ستويانوفا (54 عاماً) صحة مشاهد الفظائع المرتكبة في أوكرانيا، معتبرة أنها «فبركات من هوليوود». وهي تشيد بـ«المحررين الروس» الذين ساعدوا بلغاريا مرتين بحسب ما أوضحت، إذ «ضحوا بأنفسهم في 1878» لإنهاء السيطرة العثمانية، ثم «حرروا بلغاريا من الفاشية في عام 1944». ويعم الخطاب نفسه مواقع التواصل الاجتماعي حيث يتابع عشرات الآلاف من رواد الإنترنت الحسابات الموالية للكرملين.
وكرس مكتب بلغاريا في خدمة تقصي صحة الأخبار في وكالة الصحافة الفرنسية 85 في المائة من مقالاته منذ بداية الهجوم على أوكرانيا لكشف أخبار كاذبة تُبرر الغزو الروسي أو تشوه سمعة اللاجئين الأوكرانيين. وبحسب استطلاع للرأي أجراه معهد «يوغوف» البريطاني في أبريل (نيسان) في 16 دولة من الاتحاد الأوروبي وفي المملكة المتحدة، يحمل 44 في المائة من البلغار مسؤولية الحرب في أوكرانيا لحلف شمال الأطلسي، وهي أعلى نسبة في نتائج التحقيق.
- «أسطورة الأخوة»
أوضح الخبير السياسي ديميتار بيشيف الخبير السياسي المتخصص في شؤون أوروبا الشرقية والذي يُدرس في جامعة أوكسفورد، أن «بلغاريا تختلف عن الدول الأخرى من الكتلة الشيوعية السابقة» حيث تركت الحقبة السوفياتية ذكريات مريرة.
وقال إن «كتب التاريخ تغذي أسطورة الأخوة» مع روسيا، مشيراً إلى «الروابط الثقافية والسياسية والمجتمعية» المنسوجة حتى سقوط النظام الشيوعي في 1989، ويفهم العديد من البلغار اللغة الروسية، ويطلع البعض بانتظام على وسائل الإعلام الروسية. وهذا التقارب مع روسيا موجود أيضاً داخل الطبقة السياسية، وهدد الحزب الاشتراكي بالانسحاب من التحالف الحكومي في حال أرسلت بلغاريا أسلحة لأوكرانيا. كما عارض الرئيس رومين راديف هذا القرار، فيما ينظم القوميون الموالون لروسيا من تنظيم «فازراجدان» الصغير الذي دخل مؤخراً إلى البرلمان تظاهرات تدعو «إلى السلام». وترى المؤرخة إيفيلينا كيلبيتشفيا أن «تشعبات الشيوعية لا تزال في الأذهان»، وهي تسعى منذ سنوات لتفكيك «أساطير راسخة» لدى البلغار وتناضل من أجل إصلاح المناهج الدراسية.
- «تفسير مغلوط للتاريخ»
بدأ البلغار يغيرون مواقفهم مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. وتلفت كيلبيتشفيا التي كتبت سيناريو فيلم وثائقي حول الاحتلال السوفياتي بعد الحرب العالمية الثانية، إلى الشعبية المفاجئة التي حصل عليها الفيلم. وبعدما خرج الفيلم إلى الصالات في أواخر 2021 عرضه التلفزيون البلغاري بعد بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا، وشاهده مذاك الحين عشرات الآلاف من مستخدمي الإنترنت. ويسلط الفيلم الضوء من خلال أرشيفات حصرية على ارتكابات الجيش الأحمر من أعمال اغتصاب وجرائم قتل وحشية وسوء إدارة مالية، كما تشير كاتبة السيناريو إلى حجم الإنفاق على هذا الجيش الذي «استنفد موارد» بلغاريا. ويقول الأستاذ الجامعي تودور غوبارف: «يفتح هذا الفيلم الوثائقي أعين الكثيرين الذين يؤمنون بتفسير رومانسي مغلوط للتاريخ».
- «اجتثاث تأثير بوتين»
يشير معهد «ألفا ريسرتش» للأبحاث إلى أن الحرب في أوكرانيا «تزعزع توازنات عميقة» و«الكثير من الذين ما زالوا يحبون روسيا يُظهرون الآن مواقف سلبية تجاه الرئيس فلاديمير بوتين». وتراجعت شعبية بوتين في بلغاريا من 58 في المائة في مارس (آذار) 2020 إلى 32 في المائة في أواخر فبراير2022، ثم إلى 25 في المائة في أبريل.
وتشدد «بلغاريا الديمقراطية»، أحد التشكيلات السياسية في الحكم، على أن الوقت حان لـ«اجتثاث تأثير بوتين» في بلغاريا التي لطالما طالتها استراتيجية «الاختراق» التي ينتهجها الكرملين من خلال «الدعاية على الإنترنت والتبعية الاقتصادية وفساد النخبة الحاكمة». وفي السياق نفسه، يدعو رئيس وزراء بلغاريا المؤيد بشدة لأوروبا كيريل بيتكوف إلى الحد من «النفوذ الروسي» على بلغاريا، داعياً إلى اغتنام قطع الغاز الروسي عن البلاد للتحرر أخيراً من موسكو. ويقول ستانيمير غانيف (43 عاماً) مبرمج الكومبيوتر وهو يتظاهر في 9 مايو (أيار) في شوارع صوفيا حاملاً العلم الأوكراني: «نحن هنا لنبرهن أنه ليس هناك فقط محبون لبوتين» في هذا البلد.


مقالات ذات صلة

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

الولايات المتحدة​ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (د.ب.أ)

روسيا: تصرفات بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب

نقلت وكالة «سبوتنيك» للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قوله (الجمعة) إن تصرفات إدارة الرئيس بايدن بشأن أوكرانيا محاولة لـ«إفساد» عمل إدارة ترمب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا قبة مبنى مجلس الشيوخ في الكرملين خلف برج سباسكايا وسط موسكو 4 مايو 2023 (رويترز)

روسيا: قصف أوكرانيا بصاروخ فرط صوتي تحذير للغرب

قال الكرملين، الجمعة، إن الضربة التي وُجّهت لأوكرانيا باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي تم تطويره حديثاً تهدف إلى تحذير الغرب.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (د.ب.أ)

زيلينسكي: الضربة الروسية بصاروخ جديد تمثل تصعيداً واضحاً

ذكر الرئيس الأوكراني، الخميس، أن الهجوم الروسي على أوكرانيا بنوع جديد من الصواريخ الباليستية يمثّل «تصعيدا واضحا وخطيرا» في الحرب، ودعا إلى إدانة عالمية قوية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في الكرملين 21 نوفمبر 2024 (أ.ب) play-circle 00:21

بوتين يهدد باستهداف الدول التي تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لقصف روسيا

حذّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده يمكن أن تستخدم صواريخها الجديدة ضد الدول التي تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها على روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ كلمة «عقوبات» أمام ألوان علمي الولايات المتحدة وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 28 فبراير 2022 (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات على 50 مصرفاً روسياً بسبب الحرب في أوكرانيا

أعلنت أميركا حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية للحد من وصولها إلى النظام المالي الدولي وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».