آفاق التقنيات الجديدة تسرّع التحوّل الجذري في المشهد الرقمي

الميتافيرس ومنصات الرموز غير القابلة للاستبدال والبلوك تشين

آفاق التقنيات الجديدة تسرّع التحوّل الجذري في المشهد الرقمي
TT

آفاق التقنيات الجديدة تسرّع التحوّل الجذري في المشهد الرقمي

آفاق التقنيات الجديدة تسرّع التحوّل الجذري في المشهد الرقمي

عند النظر إلى عام 2022 وما ينتظرنا خلاله، نرى أنّ الميتافيرس هو الاتجاه البارز الذي سيغيّر شكل نشاط التواصل الاجتماعي والأعمال، وأنّ تقنيتي «الرموز غير القابلة للاستبدال» و«سلسلة الكتل» الشهيرة باسم «بلوك تشين» تشهدان بدورهما تطوّراً ثورياً سريع الوتيرة. نقدّم لكم فيما يلي لمحة عن أحدث التطوّرات وبعض النماذج عن شركات ناشئة من حول العالم تلعب دوراً رئيسياً في رسملة هذه التغييرات.

تألّق الميتافيرس
يتصدّر الميتافيرس عناوين الأخبار ونتوقّع أن يشهد نمواً سريعاً في السنوات المقبلة. ويُعرّف الميتافيرس على أنّه واقعٌ رقمي يمزج التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية والواقعين المعزّز والافتراضي والعملات المشفّرة ليتيح لمستخدميه التفاعل افتراضياً. يمكن وصف الميتافيرس بالفضاء الافتراضي للمستقبل الذي سيتيح للمستخدمين الحصول على جميع أنواع الترفيه والمشاريع بالإضافة إلى فرص العمل.
كشفت وكالة «بلومبرغ» أنّ فرصة عائدات الميتافيرس ستقارب 800 مليار دولار بحلول 2024 مقارنةً بـ500 مليار في 2020، وستسيطر على الحصة الأكبر منها سوق الألعاب الإلكترونية وأجهزتها بقيمة تتخطّى 400 مليار دولار في 2024، بينما تذهب الفرص المتبقية للترفيه الحي والتواصل الاجتماعي. ويعدّ الميتافيرس المنصة التقنية الكبرى المقبلة بجذبه لصانعي الألعاب الإلكترونية والشبكات الاجتماعية والقادة التقنيين الذين يسعون للاستفادة من هذه السوق المتنامية. وسيكون هذا الميتافيرس انغماسياً وواسع الانتشار ومجّانياً.

رموز غير قابلة للاستبدال
«الرمز غير القابل للاستبدال» non - fungible token (NFT) هو شيءٌ رقمي: إنّه رمز كومبيوتر وبيانات تُثبت ملكية قد تكون إلكترونية، كعقار افتراضي في العالم الرقمي أو معدّات مميّزة في لعبة إلكترونية؛ ويمكن أن يكون شيئاً حقيقياً أيضاً كعقار ولوحة أو بطاقة لحضور حفلة؛ وفي بعض الأحيان، يكون الرمز القابل للاستبدال هجيناً كحقّ أحدهم في اختيار من يستأجر غرفة في مساحة سكنية مشتركة.
مع استمرار اندماج العالمين الرقمي والحقيقي، وسّع بنك الاستثمار «جيفريز» توقعاته بشأن الرموز غير القابلة للاستبدال إلى أكثر من 35 ملياراً في 2022، وإلى 80 ملياراً في 2025، ويَعدّ هذا المصرف الأصول الرقمية تقنية ناشئة وينصح زبائنه بالقيام باستثمارات متنوعة تشمل ألعاب الفيديو والألعاب وشركات التواصل الاجتماعي وغيرها.
نتوقّع أن نرى الرموز القابلة للاستبدال في كلّ مكان في 2022: في الأفلام والعروض التلفزيونية والكتب. وتشكّل هذه الرموز جزءاً من الاقتصاد الرقمي وستصبح شائعة ومتداولة لأنّها تتيح للنّاس امتلاك شيء يمثّل شيئاً أكبر منهم كقطعة فنية أو شخصية افتراضية.
يتألّف الاقتصاد الرقمي من مجموعة متنوعة من الأسواق الإلكترونية –كاقتصادات الألعاب والعقارات الافتراضية وحتّى منصات التواصل الاجتماعي كـ«فيسبوك». تشهد الرموز القابلة للاستبدال زخماً غير مسبوق في جميع أنحاء العالم ويبدو أنّ سنة مميزة تنتظرها.

سيطرة سلسلة الكتل
سلسلة الكتل (Blockchain) أو البلوك تشين هي جيل مبتكر من السجلّات الموزّعة التي تتيح للشركات تعقّب التحويلات وإنشاء الأعمال مع جهات غير رسمية –وحتّى دون مساعدة المؤسسات المالية. تسهم هذه الإمكانية الجديدة في تقليل النزاعات التجارية وتضفي مكاسب أخرى كهيكلة البيانات الرقمية والشفافية والأمن والثبات واللامركزية.
تملك سلسلة الكتل دوراً أساسياً في أنظمة العملات المشفّرة مثل «بتكوين» للحفاظ على سجل تحويلات آمنة وغير مركزية. ويكمن الابتكار في تقنية «البلوك تشين» في ضمانتها لدقّة وأمان سجل البيانات، وفي بناء الثقة دون وجود طرف ثالث موثوق.
شهدت تقنية البلوك تشين تبنياً واسعاً ولا تزال مستمرّة في إحداث تحوّلات في صناعات عدّة من الألعاب الإلكترونية إلى الحوكمة المالية. فقد أشارت شركة البيانات الدولية إلى أنّ الشركات أنفقت ما يقارب 6.6 مليار على حلول سلاسل الكتل في عام 2021، مسجلة نموّ بمعدّل 50% عن العام الذي سبقه، ومن المتوقّع أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 15 ملياراً في 2024، في وسط هذا التصاعد الذي تعيشه الرموز غير القابلة للاستبدال والميتافيرس، ستزداد أهمية البلوك تشين خلال العام الجاري.
وفي ظلّ ضعف الشكوك بقدرة البلوك تشين على خلق فرص تجارية كبيرة، توقّعت شركة «ستاتيستا» أنّ تحقّق التقنية أرباحاً تفوق 23.3 مليار دولار بحلول 2023. حصلت سلسلة الكتل على توظيف مهم في تطبيق قاعدة بيانات سلسلة التوريد الشهيرة «وول مارت»، فأتاحت مراقبة المنتجات الفردية مباشرة من مصدرها، ما أسهم في رفع معايير توريد المواد الغذائية.
في المقابل، نتوقع أن نشهد جهوداً متزايدة لزيادة صداقة تقنية البلوك تشين للبيئة عبر تقليل بصمتها الكربونية. ومن المرجّح أن يسعى المزيد من الحكومات إلى اعتماد سلسلة الكتل وأن يزداد عدد الدول التي تعترف بالعملات المشفّرة كعملات قانونية.
وأخيراً فإننا لا نكاد نبدأ بفهم اتجاهات اليوم حتّى تبدأ بالتغيّر بالتزامن مع تطوّر التقنية وتكيّف الأعمال: هذه هي طبيعة وادي السيليكون، وهذا ما يجب على الخبراء ورجال الأعمال فهمه.

* «مانسويتو فنترز» - خدمات «تريبيون ميديا»



الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
TT

الذكاء الاصطناعي يزدهر بمجال التعليم وسط شكوك في منافعه

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)
بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم (رويترز)

بعد ازدهار التعلّم عبر الإنترنت الذي فرضته جائحة «كوفيد»، يحاول قطاع التكنولوجيا إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم، رغم الشكوك في منافعه.

وبدأت بلدان عدة توفير أدوات مساعَدة رقمية معززة بالذكاء الاصطناعي للمعلّمين في الفصول الدراسية. ففي المملكة المتحدة، بات الأطفال وأولياء الأمور معتادين على تطبيق «سباركس ماث» (Sparx Maths) الذي أُنشئ لمواكبة تقدُّم التلاميذ بواسطة خوارزميات، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية». لكنّ الحكومة تريد الذهاب إلى أبعد من ذلك. وفي أغسطس (آب)، أعلنت استثمار أربعة ملايين جنيه إسترليني (نحو خمسة ملايين دولار) لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي للمعلمين، لمساعدتهم في إعداد المحتوى الذي يدرّسونه.

وهذا التوجّه آخذ في الانتشار من ولاية كارولاينا الشمالية الأميركية إلى كوريا الجنوبية. ففي فرنسا، كان من المفترض اعتماد تطبيق «ميا سوكوند» (Mia Seconde) المعزز بالذكاء الاصطناعي، مطلع العام الدراسي 2024، لإتاحة تمارين خاصة بكل تلميذ في اللغة الفرنسية والرياضيات، لكنّ التغييرات الحكومية أدت إلى استبعاد هذه الخطة راهناً.

وتوسعت أعمال الشركة الفرنسية الناشئة «إيفيدانس بي» التي فازت بالعقد مع وزارة التعليم الوطني لتشمل أيضاً إسبانيا وإيطاليا. ويشكّل هذا التوسع نموذجاً يعكس التحوّل الذي تشهده «تكنولوجيا التعليم» المعروفة بـ«إدتِك» (edtech).

«حصان طروادة»

يبدو أن شركات التكنولوجيا العملاقة التي تستثمر بكثافة في الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، ترى أيضاً في التعليم قطاعاً واعداً. وتعمل شركات «مايكروسوفت» و«ميتا» و«أوبن إيه آي» الأميركية على الترويج لأدواتها لدى المؤسسات التعليمية، وتعقد شراكات مع شركات ناشئة.

وقال مدير تقرير الرصد العالمي للتعليم في «اليونيسكو»، مانوس أنتونينيس، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أعتقد أن المؤسف هو أن التعليم يُستخدم كنوع من حصان طروادة للوصول إلى المستهلكين في المستقبل».

وأعرب كذلك عن قلقه من كون الشركات تستخدم لأغراض تجارية البيانات التي تستحصل عليها، وتنشر خوارزميات متحيزة، وتبدي عموماً اهتماماً بنتائجها المالية أكثر مما تكترث للنتائج التعليمية. إلاّ أن انتقادات المشككين في فاعلية الابتكارات التكنولوجية تعليمياً بدأت قبل ازدهار الذكاء الاصطناعي. ففي المملكة المتحدة، خيّب تطبيق «سباركس ماث» آمال كثير من أولياء أمور التلاميذ.

وكتب أحد المشاركين في منتدى «مامِز نِت» على الإنترنت تعليقاً جاء فيه: «لا أعرف طفلاً واحداً يحب» هذا التطبيق، في حين لاحظ مستخدم آخر أن التطبيق «يدمر أي اهتمام بالموضوع». ولا تبدو الابتكارات الجديدة أكثر إقناعاً.

«أشبه بالعزلة»

وفقاً للنتائج التي نشرها مركز «بيو ريسيرتش سنتر» للأبحاث في مايو (أيار) الماضي، يعتقد 6 في المائة فقط من معلمي المدارس الثانوية الأميركية أن استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم يعود بنتائج إيجابية تَفوق العواقب السلبية. وثمة شكوك أيضاً لدى بعض الخبراء.

وتَعِد غالبية حلول «تكنولوجيا التعليم» بالتعلّم «الشخصي»، وخصوصاً بفضل المتابعة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي. وهذه الحجة تحظى بقبول من المسؤولين السياسيين في المملكة المتحدة والصين. ولكن وفقاً لمانوس أنتونينيس، فإن هذه الحجة لا تأخذ في الاعتبار أن «التعلّم في جانب كبير منه هو مسألة اجتماعية، وأن الأطفال يتعلمون من خلال تفاعل بعضهم مع بعض».

وثمة قلق أيضاً لدى ليون فورز، المدرّس السابق المقيم في أستراليا، وهو راهناً مستشار متخصص في الذكاء الاصطناعي التوليدي المطبّق على التعليم. وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «يُروَّج للذكاء الاصطناعي كحل يوفّر التعلّم الشخصي، لكنه (...) يبدو لي أشبه بالعزلة».

ومع أن التكنولوجيا يمكن أن تكون في رأيه مفيدة في حالات محددة، فإنها لا تستطيع محو العمل البشري الضروري.

وشدّد فورز على أن «الحلول التكنولوجية لن تحل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الكبرى التي تواجه المعلمين والطلاب».