قبل 27 عاماً، فُجع السعوديون برؤية أول مشهد إرهابي يحدث في بلادهم، وما أعقبه من انعطافة كبيرة لدى الذهنية السعودية تجاه الجماعات المتطرفة، في حادث أليم فتح صفحاته مسلسل «العاصوف 3»، الذي ودّع مشاهديه في الحلقة الأخيرة، عبر تجسيد واقعة تفجير مقر البعثة الأميركية المتعاقدة مع الحرس الوطني السعودي، في حي العليا بالرياض عام 1995.
واستناداً إلى ما أعلنته الداخلية السعودية آنذاك، فإن تفاصيل الحادثة في المسلسل اختلفت عما جاء على أرض الواقع، خصوصاً أن هذا التفجير شكّل نواة النشاط العسكري الإرهابي لتنظيم القاعدة، الذي استهدف البلاد، وتبعه إعلان الأجهزة الأمنية السعودية عن هوية أول قائمة إرهابية، وبُثت حينها اعترافات المجرمين عبر التلفزيون السعودي، وأفردت لها الصحف مساحات واسعة، ووثقها الإعلام باستفاضة. ورغم ذلك، فإن تفاصيل كثيرة غابت عن السياق الدرامي؛ إذ ظهر «سامي الطيان» الشاب المتطرف في المسلسل، برفقة أصحابه الأربعة، وهم يخرجون بسرعة من سيارة مفخخة «كابريس» حمراء اللون، في حين أن الحادثة الحقيقية نُفّذت بسيارة «ونيت ميتسوبيشي» موديل 1981، أحضرها المجرمون الحقيقيون قبل أسبوع من الحادثة، وأخفوها في مكان خاص لدى أحدهم.
الأمر الآخر، فور أن ترك الطيان ورفاقه في المسلسل السيارة المفخخة، ضغطوا على زر التحكم للتفجير، إلا أن اعترافات المتورطين الحقيقيين كشفت أن الانفجار دوى بعد 20 دقيقة من ركنهم السيارة في موقف السيارات الملاصق لمقر البعثة العسكرية الأميركية، وسمعوا الانفجار وهم هاربون إلى منازلهم من شوارع خلفية قريبة من الحي. كما ظهر الممثلون الأربعة في المسلسل ملتحين، في حين أنه في الصور الحقيقية للمجرمين الأربعة، كان أحدهم حليق اللحية. وعن نقاط التشابه بين الحادثة الحقيقية والتي عرضها المسلسل، فقد تضمنت الزي الذي ارتداه ممثلو «العاصوف» حين تنفيذ العملية، وهي الملابس الباكستانية التي ارتداها المجرمون الحقيقيون، وفق ما أعلنته معلومات وزارة الداخلية آنذاك.
نسخة قديمة من جريدة «الشرق الأوسط» تُظهر المجرمين الحقيقيين
جريمة التفجير التي وقعت في حي العليا بمدينة الرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1995، أدّت إلى وفاة سبعة أشخاص، وأدلى المعتقلون الأربعة، باعترافات كاملة مثيرة عُرضت حينها بالصوت والصورة على التلفزيون السعودي، وأقرّوا فيها بأنهم انتهجوا الفكر التكفيري، وتدربوا وقاتلوا في أفغانستان، وتأثروا بنشرات قادة الجماعات المتطرفة.
والمعتقلون الأربعة جميعهم سعوديون، تراوحت أعمارهم بين 24 و28 سنة، وهم: عبد العزيز المعثم، ورياض الهاجري، ومصلح الشمراني، وخالد السعيد. واعترف الأربعة حينها بأنهم كانوا يفكرون في تنفيذ عمليات اختطاف واغتيالات، لكنهم خشوا أن يُلقى القبض عليهم، لذلك اتجهوا لتنفيذ عملية التفجير، واستقرت آراؤهم على مقر البعثة الأميركية في مبنى الحرس الوطني بالرياض.
وعودة لنهاية «العاصوف»، فالمسلسل وهو من بطولة الفنان ناصر القصبي، وحشد كبير من الممثلين السعوديين، اختتم حلقته الأخيرة بمواجهة الابن المجرم مع والديه اللذين غلبتهما دموع الألم والحسرة، حين رفض الاعتراف بفظاعة ما اقترفته يداه تجاه الأبرياء قائلاً: «لو رجع بي الزمن لفجرتهم مرّة ثانية»، في إشارة لتغلغل الفكر المتطرف في عقول أولئك المجرمين.
جدير بالذكر أن أحداث مسلسل «العاصوف 3»، حملت العديد من الملفات الساخنة التي وقفت على محطات أليمة عايشها السعوديون في حقبة التسعينات من القرن الماضي، من تمدد تيار الصحوة وما رافقه من تعبئة فكرية وآيديولوجية، استناداً إلى أشرطة الكاسيت، ومنابر الخطب، ومذكرات المناصحة، وخطابات المفاكسة (خطابات مرسلة عبر جهاز الفاكس)، مروراً بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها جهاز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تلك الحقبة، في توثيق درامي لمرحلة التشدد الفكري والاجتماعي، يصل في نهايته إلى ساحة الدماء والتفجير.