«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا... والمأزق الصيني

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
TT

«العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا... والمأزق الصيني

الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين (رويترز)
الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين (رويترز)

يمكن بلا تردد وصف الحرب في أوكرانيا بأنها عالمية وإن كانت محصورة عسكرياً في الأراضي الأوكرانية، ذلك أن تداعياتها السياسية والاقتصادية تغطّي الكرة الأرضية برمّتها. والدليل أننا نرى اضطراباً في العلاقات الدولية لم نشهده منذ الحرب الباردة، ونواقيس خطر تدق في البلدان غنيّها وفقيرها تحذيراً من مشكلات اقتصادية ليس أقلها التضخّم والقلق من نقص في إمدادات الغذاء والطاقة...
وسط هذا المشهد لا بدّ من النظر إلى اللاعبين «الكبار»، فهؤلاء تأثيرهم وازن في «لعبة الحرب» وكذلك تأثّرهم. وتوضيحاً نقول إذا كانت جمهورية كيريباتي الصغيرة في المحيط الهادئ تتأثر بارتفاع أسعار الطاقة، فإن الصين بدورها تتأثر. لكن الفرق بين الإثنتين هو أن الأولى تتأثر وحدها، أما الثانية فيؤثر تأثرها في العالم أجمع. فإذا ارتفع سعر النفط أو الغاز، اضطرب – على سبيل المثال لا الحصر - عمل المصانع الصينية المنتجة للرقائق الإلكترونية، وتمتد تداعيات هذا الأمر إلى دول صناعية كثيرة وقطاعات إنتاجية حيوية، مثل صناعة السيارات...
*الصين والحرب في أوكرانيا
توثقت العلاقة بين الصين وروسيا على مدى السنوات الأخيرة، فبدل التنافس الشيوعي – الشيوعي الذي شهدته أيام الحرب الباردة بين الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي، برزت الحاجة إلى التعاون بين الدولتين في ميادين مختلفة، ليس أقلها حيويةً الساحة الآسيوية حيث الرهانات كبيرة وصراع النفوذ مع الولايات المتحدة خطير.
ومع الصعود الاقتصادي الصاروخي للصين وتعاظم الدور الحيوي لروسيا في إنتاج النفط والغاز، كبرت طموحات الدولتين لكسر الأحادية القطبية التي «نعمت» بها الولايات المتحدة لأكثر من عقدين منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. وفي مواجهة ذلك، كان الأميركيون يوسّعون دائرة نفوذهم في أوروبا عبر حلف شمال الأطلسي (ناتو)، ويعززون تحالفاتهم في منطقة آسيا – المحيط الهادئ («اتفاق أوكوس» مثالاً)، ويقفلون الأبواب في وجه أي رياح «معادية» قد تهبّ في الأميركتين الوسطى والجنوبية (فنزويلا مثالاً)، وينشطون في أفريقيا حيث نراهم – أو لا نراهم – يقلصون نفوذ الآخرين، بمن فيهم «الحلفاء».
لكن هل يمكن التحدث عن معسكر أميركي – غربي من جهة يقابله معسكر روسي – صيني من جهة أخرى؟
ليس الأمر بهذه البساطة لأن لعبة الشطرنج معقّدة فعلاً.

جزء من خط «باور أوف سيبيريا» في الجانب الروسي
*في الميزان الاقتصادي
يبلغ الناتج المحلي الإجمالي الأميركي نحو 21 تريليون دولار، مقابل نحو 15 تريليون دولار للصين و1.5 تريليون لروسيا. الولايات المتحدة هي الأولى والصين الثانية، أما روسيا فتحتل المرتبة الحادية عشرة عالمياً، وتسبقها دول مثل البرازيل وكندا وإيطاليا. يضاف إلى ذلك أن الناتجين الصيني والروسي مجتمعَين يتوزعان على مليار و500 مليون إنسان، في حين يخص الناتج الأميركي 330 مليون نسمة.
والأهم من هذا هو الآتي:
شكلت الصين حوالي 18٪ من مجموع التجارة الروسية عام 2021، اي قرابة 147 مليار دولار. وخلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى بكين في فبراير (شباط) الماضي لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، توافق مع الرئيس الصيني شي جينبينغ على رفع حجم التجارة بين البلدين إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2024.
بلغ حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة عام 2020 نحو 615.2 مليار دولار، مع عجز في الكفة الأميركية لمصلحة الكفة الصينية يبلغ 285.5 مليار دولار.
بطبيعة الحال، الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للصين، يليها الاتحاد الأوروبي بدوله الـ27، أما روسيا فلا تحتل إلا المرتبة الرابعة عشرة وفقاً لأرقام العام 2020.
في موازاة ذلك، تشكل الصين واحداً من أكبر أسواق الصادرات الروسية من النفط والغاز والفحم الحجري. وقبل أسبوع واحد فقط من غزو أوكرانيا، اتفق البلدان على صفقة فحم جديدة تزيد قيمتها على 20 مليار دولار.كما كشف بوتين وجودصفقات نفط وغاز جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار.
ويسعى البلدان أيضاً إلى بناء خط أنابيب غاز جديد هو «باور أوف سيبيريا 2»، لزيادة صادرات الغاز الروسي إلى الصين بعد نجاح الجزء الأول من المشروع الذي بدأ عمله عام 2019، بموجب عقد مدته 30 عامًا تبلغ قيمته أكثر من 400 مليار دولار.
وفي خضم عملية فرض العقوبات على روسيا أخيراً، قال بوتين إن بلاده ستعيد توجيه صادراتها من الطاقة إلى أسواق سريعة النمو في أماكن أخرى من العالم، خصوصاً أن أكبر سوق للغاز الروسي هي دول الاتحاد الأوروبي التي اصطفت إلى جانب أوكرانيا. فالغاز الروسي يغطي 40% من حاجة التكتل القارّي إلى هذه المادة و26% من نفطه. وكان قرار ألمانيا وقف العمل في مشروع «نورد ستريم 2» ضربة موجعة لروسيا وألمانيا في الوقت نفسه، خصوصاً أن مشروع نقل الغاز هذا كان في أتمّ الجهوزية لبدء ضخ الغاز من الأولى إلى الثانية.

إنزال حمولة من فول الصويا المستورد من روسيا في ميناء هايهي الصيني (رويترز)
*في ميزان الأولويات
وسط هذا المشهد المتشعّب المعطيات، يجدر بنا أن نسأل عن أولويات الصين...
تبدو بكين حائرة بين عدم تأييد الغزو الروسي وعدم إدانته، وجازمة في رفض سياسة العقوبات. وهي لا تستطيع تقديم عون مباشر لموسكو مخافة إغضاب شركائها التجاريين الأساسيين، غير أنها تقوم بخطوات «هادئة» في هذا السياق، منها رفع القيود التي كانت مفروضة على استيراد القمح والشعير من روسيا بسبب المخاوف من انتقال فيروس «كورونا»، في اليوم الذي بدأ فيه الهجوم الروسي على أوكرانيا.
الواقع أن الدعم الصيني لروسيا يبدو خجولاً، بل إن ثمة مراقبين غربيين يقولون إن روسيا تشكل «عبئاً» للصين في هذه النقطة من الزمن. وتوضيحاً، ثمة من يرى أن الحرب الروسية على أوكرانيا أتت في وقت مبكر بالنسبة إلى الصين التي لا تزال في مرحلة استكمال بنيانها العسكري والاقتصادي الذي سيسمح لها بمدّ نفوذها الاستراتيجي عبر مشروع «الحزام والطريق»، وهي تخشى بالتالي المجازفة بالتقدم الذي حققته إذا «تطرفت» في دعمها لروسيا.
أبعد من ذلك، يذهب محللون غربيون إلى القول إن مجريات المعركة على الأرض تُعتبر نقاطاً سلبية في الحسابات الصينية المتصلة بتايوان، فالحرب في أوكرانيا ليست نزهة للجيش الروسي، وردود فعل الدول من حيث فرض العقوبات أمر لا يستهان به على الإطلاق. وبالتالي لا بد للقيادة الصينية من أن ترى أن التفوق العسكري وحده لا يضمن الفوز في «مباراة الحرب»، وبالتالي عليها أن تستخلص الدروس والعبر من «العملية العسكرية الخاصة» التي تنفّذها روسيا في أوكرانيا إذا كانت تفكر جدياً في عبور قواتها مضيق تايوان «لتستعيد» هذا الجزء «المتمرد» من أرضها.

دبابة للقوات الانفصالية الموالية الروسية في مدينة ماريوبول الأوكرانية (رويترز)


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن إحباط مخططات أوكرانية لقتل ضباط كبار

أوروبا رجل شرطة روسي يرافق المواطن الأوزبكي أحمد كوربانوف خلال جلسة استماع في المحكمة للاشتباه في تورطه بقتل الفريق الروسي إيغور كيريلوف في موسكو 19 ديسمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تعلن إحباط مخططات أوكرانية لقتل ضباط كبار

قال جهاز الأمن الاتحادي الروسي، اليوم (الخميس)، إنه أحبط عدداً من مخططات أجهزة المخابرات الأوكرانية لقتل ضباط روس كبار وأفراد عائلاتهم في موسكو.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي) play-circle

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، «يصف العلاقات مع روسيا بأنها طويلة الأمد واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا جانب من الدمار الذي خلفه هجوم روسي على خاركيف في 25 ديسمبر (إ.ب.أ)

أوكرانيا تُدين الهجوم الروسي «غير الإنساني» على نظامها للطاقة

أدان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، هجوماً واسعاً شنته القوات الروسية على شبكة الطاقة، أمس (الأربعاء)، وعدَّه «غير إنساني» لأنه جاء صبيحة الاحتفالات بعيد.

«الشرق الأوسط» (كييف - لندن)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن (رويترز)

بايدن يندّد بالهجوم الروسي «الشائن» على أوكرانيا

قال الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، الأربعاء، إنه أصدر توجيهات لوزارة الدفاع لمواصلة زيادة تسليم الأسلحة إلى أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا اتهمت روسيا «الناتو» بالسعي إلى تحويل مولدوفا مركزاً لوجيستياً لدعم الجيش الأوكراني (إ.ب.أ)

روسيا تتهم «الناتو» بمحاولة تحويل مولدوفا «مركزاً لوجيستياً» لدعم أوكرانيا

اتهمت وزارة الخارجية الروسية، اليوم الأربعاء، «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» بالسعي إلى تحويل مولدوفا مركزاً لوجيستياً لدعم الجيش الأوكراني.

«الشرق الأوسط» (تشيسيناو)

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

TT

لافروف: العلاقات مع سوريا استراتيجية... ولا نريد «هدنة ضعيفة» في أوكرانيا

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (لقطة من بث حي للمؤتمر الصحافي)

قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الخميس، إن قائد الإدارة الجديدة في سوريا، أحمد الشرع، «يصف العلاقات مع روسيا بأنها طويلة الأمد واستراتيجية، ونحن نتفق معه في ذلك».

وأبدى وزير الخارجية الروسي، خلال مؤتمر صحافي، تفهّمه لـ«المخاوف المشروعة لتركيا بشأن أمن المنطقة الحدودية مع سوريا».

وأضاف لافروف: «نحن نتفهم المخاوف المشروعة للقيادة التركية وشعبها بشأن الأمن على الحدود مع سوريا؛ حيث كانت هناك بالفعل حوادث متكررة تتعلق بهياكل إرهابية كانت تُثير أعمال شغب هناك»، وفق ما ذكرت وكالة «تاس» الروسية للأنباء.

وأكد لافروف أن المصالح الأمنية المشروعة لتركيا «يجب ضمانها، ولكن بطريقة تُحافظ فيها سوريا على سيادتها وسلامة أراضيها ووحدتها».

وقال لافروف: «إن القيادة التركية تدعم ذلك علناً»، واختتم وزير الخارجية الروسي بالقول: «ونحن ندعم ذلك».

هدنة ضعيفة

وبشأن الحرب في أوكرانيا، قال لافروف إن روسيا لا ترى جدوى في وقف إطلاق نار ضعيف لتجميد الحرب في أوكرانيا، لكن «موسكو تريد اتفاقاً ملزماً قانونياً من أجل سلام دائم، يضمن أمن كل من روسيا وجيرانها».

وأضاف: «الهدنة هي طريق إلى لا شيء»، مشيراً إلى أن موسكو «تشك في أن مثل هذه الهدنة الضعيفة ستستخدم ببساطة من قِبَل الغرب لإعادة تسليح أوكرانيا».

وتابع: «نحتاج إلى اتفاقات قانونية نهائية تُحدد جميع الشروط لضمان أمن الاتحاد الروسي، وبالطبع، المصالح الأمنية المشروعة لجيراننا».

ولفت لافروف النظر إلى أن موسكو ترغب في صياغة الوثائق القانونية بطريقة تضمن «استحالة انتهاك هذه الاتفاقات».