باسم مغنية لـ «الشرق الأوسط» : لكل منا مدرسته وأنا ممثل بالفطرة

بموازاة «للموت 2» يطل في دراما مصرية مع روجينا

يطل باسم مغنية أيضاً في مسلسل رمضاني مصري مع روجينا
يطل باسم مغنية أيضاً في مسلسل رمضاني مصري مع روجينا
TT

باسم مغنية لـ «الشرق الأوسط» : لكل منا مدرسته وأنا ممثل بالفطرة

يطل باسم مغنية أيضاً في مسلسل رمضاني مصري مع روجينا
يطل باسم مغنية أيضاً في مسلسل رمضاني مصري مع روجينا

يشكل مسلسل «للموت» في جزئه الثاني أحد أهم الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشات في موسم رمضان الحالي. نجحت خلطة الممثلين، إضافة إلى نص محبوك بالتشويق، وجاءت كاميرا المخرج فيليب أسمر، بمثابة حبة الكرز التي تتوج قالب الحلوى فتزيده توهجاً. وكان الجزء الأول من هذا الإنتاج اللبناني قد اختارته منصة «نتفليكس» لعرضه.
التناغم الذي يخيم على أداء أبطال العمل ماغي بو غصن ودانييلا رحمة وباسم مغنية ومحمد الأحمد، إضافة إلى بديع أبو شقرا، يولد عملاً درامياً جذاباً. فمشاهده لا يمل من متابعته، كون أحداثه سريعة تواكبها كاميرا رشيقة.
ومرة جديدة يطالعنا أحد أبطال المسلسل باسم مغنية بأداء لا يمكن أن يمر مرور الكرام. فهو يسير بين النقاط بتأني المحترف، ويطلق لتمثيله العنان، فيحلق نجماً درامياً، لا يشبه غيره. فباسم هو من الممثلين القلائل الذين لا خلافات حول محبتهم. الغالبية تقدره ومعجبة بأسلوبه في التمثيل، الذي يستوقفك من دون استئذان. فصاحب شخصية عمر في هذا المسلسل، حفر في ذاكرة الناس منذ الجزء الأول في رمضان الفائت. وها هو اليوم يدفعهم من جديد للتسمر أمام الشاشة الصغيرة، لمراقبته والاستمتاع بتمثيله الطبيعي. فهو ورغم تجسيده للمرة الثانية شخصية عمر، عرف كيف يلونها بأداء غير مكرر. فيا ترى ما هو سره؟ يرد باسم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا شك أنني محظوظ كي أحصد هذا الانطباع الذي تتحدثين عنه. ولكن دعيني أقول لك شيئاً، فأنا من الممثلين الذين لا يخططون للدور. الفطرة هي التي تقودني في أدائي. فمن يخطط يستنجد بأحاسيس أو حركات ولغة جسد أقدم عليها من قبل. ولكن وبما أني ممثل بالفطرة تخرج مني دائماً طاقات متجددة. لم أفكر يوماً كيف عليّ أن أتلقف هذا المشهد أو ذاك، أو ما هي الكلمة التي يجب أن ألفظها كي أنجح، فأترك لفطرتي القيادة وأتبع إحساسي».
ويشير مغنية المعروف بين المخرجين الذين يتعاون معهم بهذه الميزة، إلى أنه أحياناً، وبسبب أداء تلقائي يولد معه مباشرة في موقع التصوير، يمكن أن يكرر حركة أو كلمة ما معروفاً بهما. «ليس لأني حفظته، بل لأنه نابع من فطرتي وليس من مخزوني التمثيلي. بالتأكيد المخزون يلعب دوره وله علاقة بخبرة الممثل ودراسته، ولكن لكل منا مدرسته. وأنا شخصياً مدرستي هي ترك أحاسيسي تخرج مني بتلقائية. طيلة عمري اتبعت هذا الأسلوب في التمثيل، ومن تعاونت معهم من مخرجين يعرفون هذا الأمر. والخبرة بالتأكيد تدمغني وتتوج مع الوقت أدائي، فتكون بمثابة البوصلة التي توجهني كي أتصرف».

يقدم باسم مغنية أداءً محترفاً في «للموت 2»

عادة ما لا يتوقع كثيرون في الجزء الثاني لمسلسل ما، النجاح المطلوب. فيعتبرونه بمثابة خطوة محفوفة بالخطر وسيفاً بحدين. قد يجذب المتابع، ولكن الخوف من الوقوع بالرتابة ممكن كذلك. فما رأي باسم مغنية بذلك؟ «لا أعتقد ذلك أبداً، أعتبر نفسي أشارك في عمل يتألف من 60 حلقة بدلاً من 30، فلا خطورة يمكن أن يواجهها جزء ثان من عمل درامي في حال كان خطوة مدروسة. ونحن كفريق (للموت 2) نشعر بأننا نملك أدوارنا، وبمقدورنا أن نلعب في مساحاتها بشكل أكبر. فمرحلة التمرين وانتقادنا لأنفسنا تجاوزناها. والأهم أن عناصر النجاح حاضرة بدءاً من الإنتاج مروراً بحدوتة العمل وفريقه. فإذا ما تواجدت جميعها، فإني لا أتأخر عن تقديمها».
عبارة «انتقادنا لأنفسنا» فتحت باب حوار آخر. فهل الممثل ومهما بلغ من نجاحات يبقى ناقداً لنفسه؟ يرد: «طبعاً الانتقاد موجود ومع الوقت تتغير وتتبدل نظرتنا للأمور فتتطور أفكارنا. وأنا شخصياً لا أشعر بالاكتفاء من أدائي (دايما مش عاجبني حالي). هذا لا يعني أني ضعيف، ولكن أفكر دوماً أنه في استطاعتي تقديم الأفضل».
برأي باسم عندما يبلغ الممثل الإعجاب حد اعتبار نفسه نجماً وأستاذاً، فهو يقترف خطأ. ولذلك عليه دائماً الاجتهاد ومتابعة أدائه، كي يطور نفسه.
وفي الإجمال يعد مغنية أن ما يقوم به الممثل اللبناني اليوم يحسب له، في ظل أوضاع بلد غير مستقرة وظروف اجتماعية غير مؤاتية. «نبذل الجهد كمجموعة من أجل أن ننجح ونثبت خطواتنا في الدراما العربية. ظروفنا المادية والسياسية لا نحسد عليها. حتى ظروف التصوير مجهدة، إذ نمضي أحياناً أكثر من 15 ساعة تصوير في اليوم الواحد، ننفذ ما يناهز 12 أو 13 مشهداً. ولو كنا نقوم بهذا الجهد في هوليوود مثلاً لكانوا أعطونا الجوائز. فكيف لو كنا نعمل براحة وفي ظل ظروف إيجابية أكثر؟ في الخارج يتوفر للممثل كل عوامل الراحة، يكفي أن يحقق 4 مشاهد ناجحة حتى يحصل على الأوسكار. ورغم كل ذلك فإن الممثل اللبناني يعطي بكل طاقته وينجح، وهو برأيي إنجاز نسبة إلى ما يمر به من ظروف في البلد».
ويستشهد باسم في أدوار سبق وقدمها كـ«رامح» في «ثورة الفلاحين» و«أسود» في مسلسل يحمل الاسم نفسه. وكذلك بـ«تانغو» وحالياً بـ«للموت». «لو أن ممثلاً أجنبياً قام بهذه الأدوار لكان تم تقديره». وهل تعني أن الممثل في لبنان غير مقدر؟ «لا أبداً لا أعني ذلك. فنحن اليوم مقدرون بشكل جيد، ونعامل أفضل معاملة، وأجورنا كبرت، وسائرون نحو الأحسن. ولكن الوطن العربي برمته لا يعطي اهتماماً كبيراً إلا لناحية تنفيذ العمل في الوقت المحدد، من دون التفكير براحة الممثل. ففي البلدان الأجنبية، فإن عملية تصوير ساعة نصف من عمل فني قد يستغرق سنة كاملة. أما نحن فـ30 ساعة تصوير ننجزها في شهور قليلة. وهذا بالنسبة لي يؤثر على الممثل مقارنة بزميله في الخارج، واعتبر ما نقوم به إنجازاً بحد ذاته. وإذا ما قمت بالمقارنة اليوم بين مسلسل أجنبي يعرض على منصة (نتفليكس) ومسلسل (للموت) فستكتشفين أن المستوى واحد. فلا مشاكل لوجيستية عندنا، بل مشكلة وطن، إذا ما تحسنت أوضاعه يتنفس أبناؤه الصعداء، ويصبح بمقدورهم تقديم الأفضل».
مشاهد ومواقف عديدة يتضمنها مسلسل «للموت 2» يتم تداولها بكثافة على وسائل التواصل الاجتماعي. حتى أن بعضها تحول إلى «تراند»، لا سيما تلك التي تتضمنها مشاهد تجمع بين ماغي بو غصن (سحر) وباسم مغنية (عمر). فالكلمات الشوارعية المعتمدة في الحوار بين هاتين الشخصيتين، إضافة إلى حركات بينهما يخرجان فيها عن المألوف في الدراما العربية، أسهمت في انتشارها. أفلا يزعج صاحب شخصية عمر أن تناديه سحر باسم «أبو مخطة» وهو يلقبها بـ«أم لحسة»؟ وفي مرات أخرى تحمل سحر حذاءها كي توقظه من نومه؟ يرد: «لا يزعجني ها الموضوع بتاتاً ولا التعليقات التي ترافقه. فكل دور له شخصيته وخطوطه. وفي أدوار سابقة تلفظت بعبارات قاسية كما رامح في (ثورة الفلاحين). وليس من الضروري أن يتأثر الممثل بالدور ويمتنع عن لعبه لأنه يتضمن ألفاظاً غير لائقة. فهي من أدوات الشخصية التي يؤديها، خصوصاً أن سحر وعمر وريم هم أبناء شارع، وتربوا في حضنه فلا بد أن يتحدثوا بلغته. وعلى فكرة بعض هذه الحركات أنا من اقترحها. فعندما نجلس ماغي وأنا مع بعضنا نخرج بأمور عفوية تشبه شخصيتنا».
وهل باسم مغنية مستعد للدخول في جزء ثالث من «للموت» في حال تقرر إنتاجه؟ يقول في سياق حديثه: «بالتأكيد أقوم به في حال كان الدور يناسبني، وهناك أفكار جديدة كثيرة تلون بها الجزء الثاني، ويمكنها أن تتجدد في جزء ثالث».
ويطل باسم مغنية في شهر رمضان الحالي من خلال دراما مصرية، وهي من نوع الخماسية ضمن سلسلة «انحراف». ويلعب البطولة مع الممثلة روجينا مجسداً دور معالج نفسي. كما يصور حالياً مسلسل «التحدي»، وهو تكملة لدراما «سر» ضمن دور المفتش جاد حرب، مع باقة من الممثلين كبسام كوسى وستيفاني صليبا وفرح بيطار وكارمن لبس وجورج شلهوب.



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».