تراجع نسبة المشاركين في الجولة الأولى من رئاسيات فرنسا

الرئيس المرشح ايماونيل ماكرون بعد الادلاء بصوته أمس (د ب أ)
الرئيس المرشح ايماونيل ماكرون بعد الادلاء بصوته أمس (د ب أ)
TT

تراجع نسبة المشاركين في الجولة الأولى من رئاسيات فرنسا

الرئيس المرشح ايماونيل ماكرون بعد الادلاء بصوته أمس (د ب أ)
الرئيس المرشح ايماونيل ماكرون بعد الادلاء بصوته أمس (د ب أ)

تراجع نسبة المشاركين في الجولة الأولى من رئاسيات فرنساتقيم كاترين (44 عاماً)، وهي أستاذة تاريخ في مدرسة ثانوية رسمية في مدينة «أنتوني» الواقعة على بعد 10 كيلومترات جنوب العاصمة باريس. ومنذ سنوات، تحولت «أنتوني»، في جزء كبير منها، إلى مدينة بورجوازية، فارتفعت فيها قيمة الشقق والمنازل الفردية وزادت الحركة العمرانية وأصبحت قبلة للراغبين في الخروج من ازدحام العاصمة. ولأن قيمة هذه المدينة ارتفعت، فإن مستوى المعيشة فيها ارتفع أيضاً، ما يعني أن الشرائح الاجتماعية المتواضعة أخذت تخرج منها شيئاً فشيئاً. ولكن بقيت فيها مجموعة من المساكن الشعبية ذات الإيجارات المنخفضة والموجودة جنوبها، ما حوّل المدينة إلى مدينتين: واحدة بورجوازية، غرب وشمال المدينة وتضم الأحياء الراقية حيث تتواصل المنازل الفردية التي تنعم بالهدوء والأخرى؛ والأخرى جنوب المدينة، شعبية وكثيفة السكان وتوجد فيها نسبة غير قليلة من المهاجرين الأجانب غالبيتهم من المغرب العربي وأفريقيا.
وتقيم كاترين وعائلتها في مسكن فردي، وقد التقت بها «الشرق الأوسط» بعد أن قامت بواجبها المدني وأدلت بصوتها في إحدى صالات مدرسة قريبة. بداية، لم تشأ كاترين أن تكشف عن جهة تصويتها. ولكنها قبلت بعد أن تأكدت أن هويتها لن تكشف وأن المهم ليس شخصها بل الأسباب التي حفّزتها لاختيار مرشحها وهو إيمانويل ماكرون، الرئيس المنتهية ولايته والراغب بعهدة جديدة من خمس سنوات.
تقول كاترين إن هناك أسباباً رئيسية أملت عليها اختيار ماكرون، أولها أن الرئيس الحالي أثبت، أنه «رجل دولة» يعرف كيف يتعاطى مع الأزمات الداخلية منها والخارجية. وتضيف أن المرحلة الراهنة تتطلب رئيساً يتمتع بالخبرة والتجربة، وأن تكون له رؤية، الأمر الذي ينطبق على ماكرون الذي «أثبت في الحرب الروسية على أوكرانيا أنه يعرف كيف يتعامل مع كبار هذا العالم رغم أن وساطته في أوكرانيا لم تفض إلى نتيجة، لكنه تحرك وحاول وجعل فرنسا في قلب الحراك السياسي والدبلوماسي وكان ذلك على حساب مصلحته الانتخابية». ثم إن ماكرون، وفق كاترين، «عانى من حراك السترات الصفراء في عامي 2019 و2020 ولكنه، رغم ذلك، واصل جهوده لإدخال إصلاحات إضافية». والأهم من ذلك كله أن ماكرون نجح في خفض أعداد العاطلين من العمل.
وترفض كاترين الانتقادات الموجهة للرئيس الفرنسي بأنه «رئيس الأغنياء» وأنه يتعاطى مع الناس «بفوقية» وأن برنامجه لا يتضمن ما يغريهم بالتصويت له لا بل في إبعادهم عنه مثل رغبته في رفع سن التقاعد إلى 65 عاماً... ورد كاترين على ذلك أن ماكرون «أفضل الموجود» وأنها لا تريد مارين لوبن، مرشحة اليمين المتطرف، رئيسة لفرنسا لأن برنامجها الانتخابي «عصي على التنفيذ» فضلاً عن أن «اعتدالها» ليس سوى «تكتيك سياسي».
هذه وجهة نظر تقابلها وجهات نظر أخرى مخالفة إما جذرياً أو جزئياً. بعضهم يرى في لوبن «الرئيس المنقذ» خصوصاً للفئة الكادحة من المواطنين، لأنها وعدت بالتركيز على القوة الشرائية ومحاربة التضخم وخفض الضرائب، إضافة إلى لجم الهجرات واعتماد سياسة تفضيلية لصالح المواطنين الفرنسيين وليس المهاجرين، وتشديد القبضة الأمنية والقضائية، والحزم في التعامل مع المخلّين بالأمن والمتجاوزين للقانون. ويذهب أنصار لوبن إلى تأكيد أنها «تغيرت حقيقة» وأنها «تعلمت من خسارتها» الانتخابات الماضية وهي تؤكد أنها أصبحت «جاهزة» لتحمل مسؤولية الحكم في فرنسا.
ثمة ثلاث ظواهر رئيسية فرضت نفسها في انتخابات الجولة الأولى أمس، وأولها النسبة المرتفعة لمقاطعة صناديق الاقتراع. فقد بينت الأرقام التي أذاعتها وزارة الداخلية في الخامسة بعد ظهر أمس أن نسبة المشاركة وصلت إلى 65 في المائة بتراجع 4.4 نقطة عما كانت عليه في عام 2017. وتبين المقارنة أن نسبة المشاركة في 2017 كانت 69.42 في المائة و70.59 في المائة في عام 2012.
وتؤكد هذه النسب إرهاصات استطلاعات الرأي المتلاحقة منذ أشهر التي توقعت كلها تراجع نسبة المشاركة التي تفسرها إلى حد بعيد، طبيعة المعركة الانتخابية في 2022 التي هيمنت عليها أخبار الحرب الروسية على أوكرانيا ودخول ماكرون المتأخر غمارها وغياب المقارعة المباشرة بين المرشحين الـ12، علماً بأن ماكرون رفض أي نقاش قبل الجولة الأولى والتخوف الذي ما زال قائماً من تبعات متحورات كوفيد - 19 التي ما زالت تصيب يومياً حوالي 150 ألف شخص.
وأظهرت دراسة أعدها معهد «أيبسوس ــ سوبرا ــ ستيريا» لصالح مجموعة كبيرة من الوسائل الإعلامية ونشرت أمس، أن نسبة المقاطعة قد تصل إلى 26.5 في المائة، إلا أنها ستبقى دون النسبة الأكبر التي شهدتها انتخابات 2002 التي وصلت إلى 28.4 في المائة والتي شهدت منافسة بين الرئيس جاك شيراك وجان ماري لوبن، والد مرشحة اليمين المتطرف الحالية. وفي أي حال، فإن أول الأرقام الخارجة من صناديق الاقتراع تعرف الساعة الثامنة، أي في الوقت نفسه لإعلان أولى النتائج.
وفي بادرة جديدة، منعت هيئة الإشراف على الانتخابات إذاعة أي معلومات يمكن أن تستقيها معاهد استطلاع الرأي، حول نسب التصويت للمرشحين تحت طائلة فرض غرامات كبيرة مخافة أن تؤثر المعلومات على قرار الناخبين.
كما في كل مناسبة لانتخابات رئاسة الجمهورية، يتسمر المواطنون أمام شاشات التلفزة ليروا صورة المتنافسين للجولة الحاسمة. لكن في الانتخابات الراهنة، سينصب الاهتمام أيضاً على ما يعلنه المرشحون العشرة الخارجون من السباق الانتخابي. والسبب في ذلك أن الجولة الثانية التي ستجرى يوم 24 أبريل (نيسان) الجاري ستكون بالغة الصعوبة بسبب التقارب الكبير بين ماكرون ولوبن، إذا كانا هما المؤهلان. فمن جهة، لا شك أن ما سيقوله أريك زيمور، مرشح اليمين الشعبوي الأكثر تطرفاً ومنافس لوبن، بالغ الأهمية لمعرفة ما إذا كان سيدعو إلى تجيير الأصوات التي حصل عليها لصالح لوبن أم أنه سيترك حرية التصويت لناخبيه. وفي المقابل، فإن ما سيقوله جان لوك ميلونشون لن يشكل مفاجأة. فحتى اليوم، كان الأخير يؤكد أنه سيتأهل للمرة الأولى (بعد تجربتين فاشلتين) للجولة الحاسمة. أما إذا أخفق في ذلك، فإنه لن يدعو للتصويت لهذا المرشح أو ذاك، باعتبار أن الاثنين هما من اليمين الذي يحاربه. ولا يقل ما سيصدر عن فاليري بيكريس، مرشحة حزب «الجمهوريون» اليميني الكلاسيكي أهمية. وسبق لها أن أعلنت أنها شخصياً ستقول لمن ستقترع لكنها لن تفرض خيارها على ناخبيها، ما يعني أنها حريصة على إحداث انشقاق داخل صفوف حزبها، حيث ثمة من يدعو للوقوف إلى جانب ماكرون، فيما يرغب الآخرون في دعم لوبن، ومنهم شخصيات من الصف الحزبي الأول كالنائب إريك سيوتي الذي لن يتردد في الدعوة للتصويت لمرشحة اليمين المتطرف.
يبقى عامل ثالث عنوانه قدرة المتأهلَين لتعبئة أنصارهما من جهة واجتذاب ناخبين إضافيين من جهة أخرى. وتبين الأرقام أن اليمين المتطرف يشكل اليوم في فرنسا قوة لا يستهان بها. فممثلو هذا اليمين في الانتخابات الحالية ثلاثة: مارين لوبن وأريك زيمور ونيكولا دوبون دينيان، رئيس حزب «فرنسا الناهضة». وإذا جمعت النسب التي حصل عليها الثلاثة، فإن كتلة اليمين المتطرف تعد ما يزيد على ثلث الناخبين.
وتعني هذه النسبة أمرين: الأول، أن فرنسا تميل يميناً فيما اليسار التقليدي المتمثل بالحزب الاشتراكي ويسار الوسط أصبح متهالكاً ولم يعد يُحسب له حساب بعد أن كان حزباً مهيمناً طيلة أربعة عقود. والدليل على ذلك انهيار مرشحته آن هيدالغو بشكل غير مسبوق. وبالمقابل، فإن اليسار المتشدد الذي رشح ميلونشون وحزبه «فرنسا المتمردة» تحول إلى البوصلة الحقيقية لليسار.
والأمر الثاني أن اليمين التقليدي انهار لصالح اليمين المتطرف، بحيث تصح المقارنة بين ما حصل على جانبي الخريطة السياسية الفرنسية.
يبقى أن ماكرون الذي وصل إلى الرئاسة في عام 2017 «متخطياً» اليمين واليسار، جعل من نفسه واسطة العقد مع ميل ملموس لليمين. ويحتاج لأصوات اليمين المعتدل واليسار المعتدل ليوفر نسبة أصوات في الجولة الثانية تزيد على 50 في المائة، وهو أمر لا يمكن الجزم به منذ اليوم. ولذا فإن التنافس سيكون على أشده بعد أسبوعين من الآن.



إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

إردوغان يتحدث عن «اتفاق تاريخي» بين إثيوبيا والصومال لإنهاء التوترات

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

أعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أنّ الصومال وإثيوبيا توصلتا، أمس الأربعاء، في ختام مفاوضات جرت بوساطته في أنقرة إلى اتفاق "تاريخي" ينهي التوترات بين البلدين الجارين في القرن الأفريقي.

وخلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد في أنقرة، قال إردوغان إنّه يأمل أن يكون هذا "الاتفاق التاريخي الخطوة الأولى نحو بداية جديدة مبنية على السلام والتعاون" بين مقديشو وأديس أبابا.

وبحسب نص الاتفاق الذي نشرته تركيا، فقد اتّفق الطرفان على "التخلّي عن الخلافات في الرأي والقضايا الخلافية، والتقدّم بحزم في التعاون نحو رخاء مشترك". واتّفق البلدان أيضا، وفقا للنص، على العمل باتجاه إقرار ابرام اتفاقيات تجارية وثنائية من شأنها أن تضمن لإثيوبيا وصولا إلى البحر "موثوقا به وآمنا ومستداما (...) تحت السلطة السيادية لجمهورية الصومال الفدرالية". وتحقيقا لهذه الغاية، سيبدأ البلدان قبل نهاية فبراير (شباط) محادثات فنية تستغرق على الأكثر أربعة أشهر، بهدف حلّ الخلافات بينهما "من خلال الحوار، وإذا لزم الأمر بدعم من تركيا".

وتوجّه الرئيس الصومالي ورئيس الوزراء الإثيوبي إلى أنقرة الأربعاء لعقد جولة جديدة من المفاوضات نظمتها تركيا، بعد محاولتين أوليين لم تسفرا عن تقدم ملحوظ. وخلال المناقشات السابقة التي جرت في يونيو (حزيران) وأغسطس (آب) في أنقرة، أجرى وزير الخارجية التركي هاكان فيدان زيارات مكوكية بين نظيريه، من دون أن يتحدثا بشكل مباشر. وتوسّطت تركيا في هذه القضية بهدف حل الخلاف القائم بين إثيوبيا والصومال بطريقة تضمن لأديس أبابا وصولا إلى المياه الدولية عبر الصومال، لكن من دون المساس بسيادة مقديشو.

وأعرب إردوغان عن قناعته بأنّ الاتفاق الذي تم التوصل إليه الأربعاء، بعد ثماني ساعات من المفاوضات، سيضمن وصول إثيوبيا إلى البحر. وقال "أعتقد أنّه من خلال الاجتماع الذي عقدناه اليوم (...) سيقدّم أخي شيخ محمود الدعم اللازم للوصول إلى البحر" لإثيوبيا.

من جهته، قال رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه "لقد قمنا بتسوية سوء التفاهم الذي حدث في العام الماضي... إثيوبيا تريد وصولا آمنا وموثوقا به إلى البحر. هذا الأمر سيفيد جيراننا بنفس القدر". وأضاف أنّ المفاوضات التي أجراها مع الرئيس الصومالي يمكن أن تسمح للبلدين "بأن يدخلا العام الجديد بروح من التعاون والصداقة والرغبة في العمل معا".

بدوره، قال الرئيس الصومالي، وفقا لترجمة فورية إلى اللغة التركية لكلامه إنّ اتفاق أنقرة "وضع حدا للخلاف" بين مقديشو وأديس أبابا، مشدّدا على أنّ بلاده "مستعدّة للعمل مع السلطات الإثيوبية والشعب الإثيوبي". وإثيوبيا هي أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان لا منفذ بحريا له وذلك منذ انفصلت عنها إريتريا في 1991.