يفتح متحف عبد الرؤوف خليل، اليوم (الخميس)، أبوابه أمام الجمهور بمزيج من الفعاليات التراثية والفنية، ليأخذهم إلى فضاء مفتوح من العراقة والأصالة والمتعة والفن، في أقدم خمس حارات بمدينة جدة، من خلال مهرجان «ليالي جدة الرمضانية»، الذي نُظم في الشهر الفضيل ويستمر حتى نهاية عيد الفطر.
«ليالي جدة الرمضانية»، هو إحدى الفعاليات التي يقيمها أبناء مدينة جدة لإحياء ذكرى الماضي، وتذكير الأجيال الناشئة بحياة الأجداد، والتراث العمراني، والموروث الاجتماعي والديني، تحت إشراف وزارة الثقافة والهيئة العامة للترفيه، حيث تُنظم الفعاليات، والمسابقات، وحفلات السمر، والألعاب المحفوفة بالمتعة والإثارة، في أجواء تعمّها روح الإخاء، مع بيع بعض المنتوجات الخاصة برمضان وتنظيم بعض العروض والأزياء.
جانب من فعاليات مهرجان ليالي جدة الرمضانية
يحاكي المهرجان، الذي يستضيفه متحف عبد الرؤوف خليل (أهم وأجمل المتاحف والمعالم السياحية في السعودية)، مظاهر حياة أقدم خمس حارات في جدة، باب مكة، وحارة المظلوم، وحارة البحر، وحارة الشام، وحارة اليمن، وأبرز العادات والتقاليد الاجتماعية في تلك الأماكن.
عند دخولك من بوابة ساحة المتحف، تبدأ رحلة الاستمتاع بأجواء التاريخ، بدءاً من باب مكة، حيث يستقبلك وليد دياب أحد سكان البلدة، متأهلاً بك بالقهوة السعودية، وبأشهر العبارات الترحيبية الحجازية. وفي هذه الحارة تجد العديد من الهدايا التذكارية، التي قد ترغب في شرائها. وتأخذك أزقتها لحارتي الشام والمظلوم، حيث ستجد الكثير من الأسر المنتجة، التي تقدم المشغولات اليدوية، وتصل بك الطريق إلى حارتي البحر واليمن، بكل ما توفرانه من المأكولات الشهيرة، والمشروبات الحجازية.
يتعرف الزائر في هذه المنطقة على المسحراتي، الذي كان يتجول سابقاً، في الحارات بطبلته ليوقظ النائمين في ليالي رمضان، لتذكيرهم بموعد السحور، وكان يُعينه عمدة الحي إلى جانب الحكواتي، الذي يجسده أحمد الصياد، والذي يقول لـ«الشرق الأوسط» عنه «هو ذلك الرجل الموهوب، الذي يجيد فن سرد القصص، والحكايات، والأساطير، التي تتوارثها الأجيال؛ وكان الناس يتجمعون من حوله بعد قضاء أشغالهم، ليقص عليهم قصصه، وبعد ظهور جهاز التلفاز بدأ الناس يستغنون عنه شيئاً فشيئاً، إلى أن اختفت تلك الظاهرة الاجتماعية».
ومن «الحكواتي» إلى «فَرّقنا» الرجل الذي يبيع الملابس، والكحل، والأمشاط، وأدوات الزينة، وأحياناً الحلوى للأطفال، و«العسّا»، وهو رجل الأمن والعين الساهرة في الحارة، الذي يراقب حركة الحي أثناء سكون الليل، ويحمل الفوانيس ويغذيها بالكاز، ويعلقها لتنير الحارة أمام المارة في الليل، وكان يجمعها في النهار، من ثَم «السّقا» وهو ساقي الماء، الذي ينقل الماء إلى البيوت، أو يدور في الحواري والأسواق بجرة من طين، يسقي بها عابري السبيل مقابل مبلغ زهيد.
ويشاهد الزائر في مهرجان «ليالي جدة الرمضانية»، بعض المهن التي اشتهرت في هذه المنطقة، ونماذج مصورة، وفولكلورات شعبية تحكي واقع أهلها، منها النحاسون، وصيادو السمك، وأيضاً الصيادون الذين كانوا يستخرجون اللؤلؤ من أعماق البحار، في رحلات كانت تستغرق أربعة إلى ستة أيام، وكانوا يذهبون باحتفالية، ويعودون باحتفالية يستقبلهم فيها الأهل، ما لم يكن هناك من ضحايا أو مفقودين.