الحكومة اللبنانية تفشل في معالجة تداعيات القرارات القضائية بحق المصارف

ميقاتي أكد ضمان أموال 90% من المودعين

الرئيس نجيب ميقاتي يراجع أحد الملفات في جلسة مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي يراجع أحد الملفات في جلسة مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
TT

الحكومة اللبنانية تفشل في معالجة تداعيات القرارات القضائية بحق المصارف

الرئيس نجيب ميقاتي يراجع أحد الملفات في جلسة مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)
الرئيس نجيب ميقاتي يراجع أحد الملفات في جلسة مجلس الوزراء أمس (دالاتي ونهرا)

لم يسفر اجتماع الحكومة اللبنانية لمعالجة تداعيات القرارات القضائية المتصلة بالقطاع المصرفي، عن أي نتائج حاسمة، وبقيت القرارات السابقة التي اتخذت في الأيام الماضية «قيد البحث مع المراجع القضائية»، فيما وضع الاجتماع أساساً لتصويب القرارات القضائية اللاحقة، لجهة مراجعة مدعي عام التمييز قبل اتخاذ النيابات العامة أي قرارات كبيرة، عملاً بقانون أصول المحاكمات الجزائية.
والتأمت الحكومة اللبنانية، أمس، في اجتماع استثنائي لمواكبة القرارات القضائية التي اتخذت في الأيام القليلة الماضية، ومنها وضع النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون إشارات حجز على أصول ستة مصارف لبنانية ورؤساء مجالس إدارتها، وقرارات التنفيذ بحق مصرفي «فرنسبك» و«لبنان والمهجر»، ما أثار أزمة بين القضاء والجهاز المصرفي الذي أعلن عن إضراب تحذيري يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين.
وأكد مصدر مواكب لاجتماع الحكومة، أمس، لـ«الشرق الأوسط»، أن الاجتماع «لم يخرج بنتائج إيجابية كما كان متوقعاً»، بل «بدا أنه محاولة لتنفيس الاحتقان حتى لا تذهب الأمور نحو واقع أسوأ». وأوضح المصدر أن الاجتماع «لم يجد معالجة حاسمة للقرارات التي اتخذتها القاضية غادة عون»، لافتاً إلى أن الملف «لا يزال يدور حول البحث عن حل مستدام للعلاقة بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية وموضوع الفصل والتعاون فيما بينهما»، مشيراً إلى أن القرارات السابقة التي اتخذت خلال الأيام الماضية «لا تزال قيد البحث مع المراجع بين وزير العدل والمرجعيات القضائية».
وبموازاة عدم حسم ما جرى في الأيام الماضية، ووجود «إرباك» لدى السلطة التنفيذية حول التطورات الأخيرة، وضعت الحكومة إطاراً للتفاهم حول المرحلة المقبلة، حسبما قال المصدر الذي أوضح أن «البحث يدور حول أن يقوم كل مدعٍ عام وفق صلاحياته بالتحقيقات المطلوبة منه، لكن عليه ألا يتخذ أي قرار على مستويات كبيرة من دون العودة إلى مدعي عام التمييز» الذي يرأس، بحسب قانون أصول المحاكمات الجزائية، كل النيابات العامة.
وأكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد الاجتماع، «أنني وجميع الوزراء لا نجتمع لحماية أي قطاع بذاته، بل هدفنا حفظ التوازنات التي تمنع أن نصل إلى مرحلة تصبح فيها كل القطاعات خاسرة»، مجدداً تأكيد حرصه والوزراء «على استقلالية السلطة القضائية وعدم التدخل في الشؤون القضائية احتراماً لمبدأ فصل السلطات». وقال: «بالتوازي، وانطلاقاً من مسؤولية الحكومة في رسم السياسة العامة في البلاد، وانطلاقاً من مبدأ التعاون بين السلطات وتوازنها وتكاملها وتعاونها، وحرصاً منا على استقرار الأوضاع من النواحي كافة، طلب المجلس أن يأخذ القانون مجراه من دون أي تمييز أو استنسابية، وأن تتخذ المبادرة لمعالجة الأوضاع القضائية وفقاً للأصول وبحسب الصلاحية التي نصت عليها القوانين المرعية الإجراء، وذلك من قبل أركان السلطة القضائية، كل بحسب اختصاصه، وبشكل يحفظ حقوق الجميع، وفي طليعتها حقوق المودعين».
وأوضح ميقاتي أنه «حصل تكامل في الآراء من قبل الوزراء القضاة داخل الجلسة، وإجماع على أن بعض الإجراءات القضائية المتخذة ليست في مكانها الصحيح، من هنا تحدثنا عن تصويب المسار القضائي». وأضاف: «القضاة الأربعة أجمعوا على ما يمكن للنيابة العامة أن تفعله أو لا تفعله، وعلى أن مصرف لبنان يجب أن تتم مراجعته في الحجز على أي مصرف، وضرورة اتباع قانون أصول المحاكمات الجزائية، خصوصاً في المواد 15 و16 و17 و19، لا سيما المادة 19 التي توجب على المدعي العام التمييزي أن يأخذ دوره. من هنا جاء كلامنا بأن يأخذ المعنيون دورهم، ونحن سنراقب هذا الموضوع وسنتابع. هدفنا انتظام العمل القضائي بكل معنى الكلمة ولسنا طرفاً مع أحد».
وشدد ميقاتي على أن «كل الحوار الذي جرى اليوم داخل مجلس الوزراء، لم يكن لحماية المصارف أو حاكم مصرف لبنان، بل نحن نحمي مؤسسات وبلداً». وقال: «الأمور يجب أن تسير وفق ما تقتضيه القوانين بكل معنى الكلمة. وعندما أتحدث عن حماية مصرف لبنان، فمن البديهي حماية الجسم القضائي والقضاة، وأغلبيتهم لهم خبرة ويصدرون قرارات وأحكاماً يشهد لها».
وأكدت الحكومة، أمس، القرار المتخذ في الجلسة السابقة لجهة تكليف وزير العدل وضع رؤية لمعالجة الأوضاع القضائية ومعالجة مكامن أي خلل قد يعتريها وعرضها على مجلس الوزراء قريباً. كما كلفت وزير المالية الطلب من مصرف لبنان اتخاذ الإجراءات اللازمة، وبشكل فوري، لعدم تحديد سقوف السحب للرواتب والمعاشات الموطنة لدى المصارف.
وقال ميقاتي: «تبلغنا خلال الجلسة من نائب رئيس مجلس الوزراء سرعة العمل على إنجاز مشروع خطة التعافي ومشاريع القوانين المرتبطة بها تمهيداً لعرضها وإقرارها من قبل مجلس الوزراء»، كما «شددنا وتمنينا على المجلس النيابي الكريم الإسراع في إقرار قانون الكابيتال كونترول». وشدد على «أولوية أن تبقى حقوق المودعين، لا سيما صغار المودعين، مصانة ومحفوظة».
وعن استعادة المودعين أموالهم من المصارف، قال ميقاتي: «ضمن خطة التعافي الاقتصادي التي تضعها اللجنة المكلفة بالتفاوض مع صندوق النقد الدولي برئاسة نائب رئيس الحكومة، تم طرح الموضوع، ونحو 90 في المائة من مجمل عدد المودعين في المصارف ستكون أموالهم مضمونة من قبل الدولة اللبنانية وستدفع لهم، وهؤلاء هم صغار المودعين». ودعا ميقاتي جمعية المصارف «لأن تكون على المستوى الوطني، كما عهدناها، ولا تذهب في المنحى السلبي، لكي نتعاون للخروج من الأزمة».
وبعد إعلان المصارف عن إضرابها التحذيري، الاثنين والثلاثاء، تقدمت رابطة المودعين أمس بطلب «أمر على عريضة أمام قاضي الأمور المستعجلة في بيروت، إصدار قرار معجل التنفيذ نافذ على أصله، بإلزام المصارف المجتمعة بما يسمى جمعية المصارف اللبنانية، بعدم الإقفال وفتح أبوابها أمام المودعين للاستفادة من الخدمات التي تعاقدوا معهم لتقديمها، لوقوع هذا الإضراب تحت خانة التعسف باستعمال الحق».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.