لبنان: تصفية حسابات بين «صقور» الموارنة في دائرة «الشمال الثالثة»

TT

لبنان: تصفية حسابات بين «صقور» الموارنة في دائرة «الشمال الثالثة»

لن يؤثر تسجيل اللوائح الانتخابية في مهلة أقصاها الرابع من أبريل (نيسان) المقبل على المسار العام للمنافسة في دائرة الشمال الثالثة التي تضم أقضية زغرتا - بشري - الكورة - البترون، بمقدار ما تؤدي إلى تصفية من لم يحالفهم الحظ للترشُّح على اللوائح أكانت مكتملة أو ناقصة، وبالتالي إلى إخراجهم من المبارزة الانتخابية في دائرة تُعد الأكبر مسيحياً لملء المقاعد النيابية العشرة المخصصة لها، والتي تدور بين ثلاثة مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية هم: رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، وزعيم تيار «المردة» سليمان فرنجية، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل.
وتبقى المنافسة في هذه الدائرة موضع اهتمام محلي وخارجي وتدور بين أربعة لوائح تضم مرشحين ينتمون إلى القوى السياسية التقليدية في مواجهة لوائح تتشكّل من قوى التغيير، وإن كانت تقتصر حتى الساعة على اللائحة المدعومة من تحالف «شمالنا» وتتمتع بحضور سياسي على مساحة الأقضية الأربعة التي تتألف منها الدائرة الانتخابية.
وتتصدر المنازلة الانتخابية اللوائح المدعومة من فرنجية وحزب «القوات» و«التيار الوطني» وتحالف «الكتائب» والنائب المستقيل ميشال معوض، من دون التقليل من الآمال المعقودة على تحالف «شمالنا» الممثل الوحيد حتى الساعة لمجموعات الحراك المدني، أو إدارة الظهر للانقسام الحاصل داخل الحزب «السوري القومي الاجتماعي» بين «جناح الروشة» برئاسة ربيع بنات، وبين الآخر بقيادة النائب أسعد حردان، لما سيكون له من ارتدادات تهدّد وحدة الحزب بعد إخفاق الجهود لإعادة توحيده سواء تلك التي تولاّها مسؤول ملف الانتخابات في «حزب الله» نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم، أو التي قام بها السفير السوري لدى لبنان علي عبد الكريم علي بإيعاز من نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك.
فالانقسام داخل هذا الحزب لا يقتصر على دائرة الشمال الثالثة، وإنما ينسحب على الدوائر الانتخابية الأخرى بعد أن تقدّم بنات بلائحة بأسماء مرشحيه في مواجهة لائحة المرشحين التي أعلنها حردان، فيما تعرّض حزب الكتائب إلى انتكاسة باستقالة النائب السابق سامر جورج سعادة احتجاجاً على تسمية القيادة الكتائبية لمجد بطرس حرب كمرشح عن المقعد الماروني في البترون بدلاً من سعادة.
وفي سياق الاستعدادات لتركيب اللوائح تمهيداً لتسجيلها في وزارة الداخلية، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للمشاورات الجارية لوضع اللمسات الأخيرة لاختيار المرشحين أن تيار «المردة» و«التيار الوطني» وتحالف الكتائب – معوّض، هم الآن في سباق لضم المرشحين عن بشرّي ملحم (ويليام) جبران طوق وروي عيسى الخوري، للوائحهم في مواجهة مرشحي «القوات»: ستريدا جعجع وجوزف إسحق.
ورغم أنه تردّد في الساعات الأخيرة أن فرنجية الأب تمكّن من إقناعهما بالانضمام للائحة التي يرأسها نجله طوني فرنجية، فإن المعلومات تؤكد أن لا شيء نهائياً في هذا الخصوص حتى الساعة، وإن كانا لم ينقطعا عن التواصل معه.
وبات بحكم المؤكد أن لائحة «المردة» أصبحت شبه مكتملة، وهي في حاجة إلى وضع بعض التعديلات لإعلانها بصورة نهائية في ضوء ما ستؤدي إليه مفاوضات فرنجية الأب مع ويليام طوق، فيما حسم أمره بالتحالف مع النائب سليم سعادة المدعوم من حردان، وفادي غصن شقيق النائب الراحل فايز غصن، عن الكورة، وجوزف نجم عن البترون.
وبالنسبة إلى «القوات» فإن العمود الفقري للائحة يتشكّل من جعجع وإسحق عن بشرّي، وفادي كرم عن الكورة، وغياث يزبك عن البترون، إضافةً إلى مرشحيه عن زغرتا، وتُبدي مصادره ارتياحه لسير الاستعدادات التي تُشرف عليها ماكينته الانتخابية في موازاة ماكيناته الانتخابية في بلاد الاغتراب التي تُسجّل من وجهة نظرها تقدُّماً ملموساً في كسب تأييد المقيمين فيها ممن بادروا إلى تسجيل أسمائهم للاقتراع من أماكن سكنهم في الخارج.
وفي المقابل، فإن «التيار الوطني» اختار المرشحين الذين يشكّلون رأس حربة لخوض الانتخابات والذين يتزعّمهم باسيل، وهو يتواصل حالياً لضم وليد حرب الرئيس السابق لمستشفى تنورين الحكومي إلى لائحته للترشُّح عن المقعد الماروني الثاني في البترون، خصوصاً أنه ضمّ إلى لائحته المرشحين عن الكورة النائب جورج عطا الله ووليد عازار، والأخير رشحه الحزب «السوري القومي الاجتماعي» - قيادة الروشة، في مواجهة سعادة المدعوم من حردان، ويواصل باسيل مشاوراته لاستكمال تشكيل لائحته، وهو يقوم الآن بغربلة المرشحين عن زغرتا ليقرّر إمكانية ضم مرشح آخر عنها إلى جانب مرشح «التيار الوطني» الوزير السابق بيار رفّول، لأنه ليس في وارد التعاون مع العميد السابق في الجيش فايز كرم الذي كان قد حوكم بتهمة التعامل مع إسرائيل لئلا يستفز حليفه «القومي» والآخر الاستراتيجي أي «حزب الله»، على أن يترك الباب مفتوحاً للتفاوض مع ويليام طوق.
وعلى صعيد تحالف الكتائب - معوض، فإنه أنجز العيّنة الأولى من تحالفاته بدءاً بمجد حرب عن البترون وأديب عبد المسيح وإميل فياض عن الكورة، بينما -مثل سواه من منافسيه- يتطلع للتعاون مع ويليام طوق الذي كان قد التقى معوّض الذي يتشاور مع رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل، بأسماء مرشحين آخرين لضمّهم إلى تحالفه، وإن كان يراهن على التعاون مع شخصيات منخرطة في الحراك المدني من خارج تحالف «شمالنا».
وبيّن السؤال موقف نائب رئيس المجلس النيابي السابق فريد مكاري الذي لم يترشّح على غرار عزوفه عن خوض الانتخابات في الدورة السابقة، وعلمت «الشرق الأوسط» أنه تواصل مع جعجع وفرنجية الأب واتخذ قراره بالوقوف على الحياد، مع أن نجله نبيل مكاري على علاقة جيدة بفرنجية الابن. فقرار مكاري بوقوفه على الحياد بين فرنجية الأب وجعجع لا يعني أنه يقف بينهما في منتصف الطريق من دون أن يلتفت إلى مؤيديه تاركاً لهم حرية الاقتراع، خصوصاً أنه يتمتع بحضور انتخابي في الكورة، وهو على تواصل مع محازبي وجمهور تيار «المستقبل» بعد عزوف رئيسه سعد الحريري عن الترشّح.
واللافت على هذا الصعيد أن الجمهور المنتمي إلى التيار الأزرق يمر بحالة من الإرباك بعد عزوف رئيسه لأنه يتمتع بثقل انتخابي في الدائرة الثالثة وتحديداً في أقضية الكورة والبترون وزغرتا، رغم أن مقاعدها النيابية هي من حصة المسيحيين، فيما يتمتع الشيعة بحضور رمزي لا يوازي الحضور السنّي، وقد تتوزّع الأصوات بين باسيل في البترون بإيعاز من «حزب الله» وفرنجية في الكورة بطلب من رئيس المجلس النيابي نبيه بري.
لذلك، تشهد الدائرة الثالثة واحدة من كبرى المواجهات في الساحة المسيحية، ويتعامل معها البعض على أنها «أم المعارك» الانتخابية كونها تدور بين ثلاثة مرشحين محتملين لرئاسة الجمهورية، هم، إضافةً إلى جعجع، فرنجية وباسيل المتخاصمين ضمن الحلف السياسي الواحد الذي يرعاه «حزب الله».
وعليه يواصل فريق «الصقور» برؤوسه الثلاثة جعجع وباسيل وفرنجية في الطائفة المارونية استعداداته لخوض أشرس المعارك الانتخابية التي تتّسم بتصفية الحسابات من دون أن يتمكن أحدهم من السيطرة على الشارع المسيحي بحصده منفرداً للمقاعد النيابية في هذه الدائرة ما يتيح له إلغاء الآخرين، مع أن جعجع يواجه حليفين «لدودوين» هما باسيل وفرنجية من موقع انعدام الكيمياء السياسية بينهما منذ أن افترقا بعد انتخابات عام 2009.
فالمقاعد النيابية لن تكون من حصتهم وحدهم، وإنما يحسبون الحساب لتحالف «معوض - الكتائب» ولقوى التغيير في خوضها المعركة الانتخابية للمرة الأولى، وبالتالي يبقى السباق بين «الصقور» محصوراً بمن يحل في المرتبة الأولى بحصوله على الحصة الوازنة من هذه المقاعد، شرط عدم تغييب «الصقر» الماروني الرابع، أي رئيس الكتائب سامي الجميل الذي يخوض المعركة بنفحة تغييرية شكّلت انقلاباً من الداخل على «الحرس القديم» في حزبه.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.