أميرة
■ إخراج: محمد دياب
■ مصر، الأردن (2022)
■ النوع: دراما اجتماعية
بعد فيلميه «678» (2010) و«اشتباك» (2016)، يعود المخرج محمد دياب بفيلم يختلف جوهرياً عن عمليه السابقين إن لم يكن من زاوية اهتمامه بالمواضيع ذات الظلال السياسية، فمن حيث إن أحداثه تدور خارج مصر.
عرض دياب في فيلمه الأول قضية التحرّش في الحافلات العمومية لجانب وقائع اجتماعية تدفع ثلاث نساء لتشكيل جبهة صغيرة بغية تغيير الأوضاع. في «اشتباك» عرض لأحداث تقع في سنة 2013 عندما يجد صحافيان بريئان نفسيهما في السيارة العسكرية الكبيرة التي تضم منتمين إلى «الإخوان المسلمين» ومناهضين لهم.
هنا يلج الموضوع الفلسطيني من زاوية غير مطروقة لا في أفلام فلسطينية ولا في أفلام عربية عن فلسطينيين. يختلف في أنه يتعرّض لقضية مهمّة من زاوية جديدة أيضاً تلقي ظلالاً من الشك حول تهريب نطف المساجين الفلسطينيين إلى زوجاتهم بغية إنجاب أولاد حتى لو عاشوا بغياب آبائهم. ماذا -يطرح الفيلم- لو أن النطفة تعرّضت لعملية استبدال من الحارس الإسرائيلي الذي قام بتهريبها فإذا بالنطفة تعود إليه وبالتالي الابن أو الابنة التي وُلدت بسبب هذه النطفة؟
يحكي الفيلم قصّة عائلة من ثلاثة أفراد: سجين سياسي اسمه نوّار (علي سليمان) وزوجته وردة (صبا مبارك) وابنتهما أميرة (تارا عبّود). يتفق نوّار مع زوجته على تهريب نطفة جديدة ويتم ذلك بالفعل. لكن الطبيب الفلسطيني المسؤول يكتشف أن النطفة لا تحمل ما يكفي من منيٍّ للإنجاب. يصارحهما الطبيب بأن نوّار في الواقع عقيم. هنا يتبلور السؤال حول أميرة. إذا كان نوّار عقيماً كيف وُلدت أميرة إذاً؟ وإذا لم تكن ابنة أبيها، فمَن والدها؟
هذا السؤال يأخذ باقي الفيلم وشخصياته في مفارقات مثيرة للاهتمام. أميرة تريد أن تعرف هي ابنة من؟ أشقاء زوجها وأقارب آخرون يعتقدون أن أمها أنجبت أميرة من عشيقٍ ما والأم ترفض أن تكشف الحقيقة خوفاً على ابنتها إذا ما اكتشف الناس أنها إسرائيلية (حسب ولادتها) وليست فلسطينية.
يستخدم السيناريو هذا الطرح ليوفر تداعياته. مشاهد كثيرة لردّات الفعل والعلاقات المتردية ليس بين الزوجة ومحيطها العائلي المباشر فقط، بل بينها وبين ابنتها كذلك. ويقطع المخرج بين ما يحدث في هذا الإطار وبين وضع السجين الذي لا خيار أمامه سوى التشكيك بتحليل الطبيب قبل أن يبدأ بقبول احتمال أن تكون زوجته خانته. عندما يكتشف، بعد تحريات أميرة، أن منيّاته استُبدلت وباتت ابنته وليداً غير شرعي يسعى لدفع أميرة للهجرة مع والدتها إلى الإسكندرية حفاظاً على حياتهما. النهاية تختلف عن هذه الرغبة.
النهاية هي إحدى مشكلات الفيلم الصعبة. هي خيار السيناريو لحل الوضع القائم بطريقة الإلغاء التام. فأميرة تقرر أن تقتل جندياً إسرائيلياً ثم تتراجع لكنها تُفاجأ باكتشاف دورية إسرائيلية وجودها عبر ثغرة في الجدار العازل. يأمره الجنود بالتوقف، لكنها تركض في عمق الشاشة ما يدفع الجنود لإطلاق النار عليها وقتلها.
قبل ذلك، سعى الفيلم لتسليط ضوء على قسوة المجتمع مع احتمال أن تكون وردة خانت زوجها. في هذا المجال، ينتقل الفيلم من حلقة مفرغة إلى حلقة أخرى مفرغة. إخراج محمد دياب لا يترك للشخصيات أن ترتاح من عناء ما يرهقها في صمت أو أن تلجأ إلى الصمت لتفكّر في الخطوة التي ستتخذها. هذا المنوال واضح مع شخصية الفتاة أميرة التي تبدو كما لو كانت أبعد، سلوكياً وبيئياً، عن أن تعيش الوضع طبيعياً. وطبيعياً يعني أنها قد تبكي وقد تحتار وقد تناقش وتستمع وتفكر. كل ما تقوم به يشي بشخصية تمارس استقلالاً غريباً عن البيئة التي حولها.
مشاهد السجن تبدو كما لو كانت في سجون أوروبية: الزائرون يدخلون ممرات طويلة لكن من دون توقف وانتظار. لا معرفة لنا بكيف يستطيع السجين أن يحمل هاتفاً ولو أن هناك مشهداً يوحي بأن ذلك ممنوع عليه. وإذا كان ذلك ممنوعاً كيف يُتاح للسجين شحن هاتفه بالمال والبطارية؟
لن يتعثّر الفيلم بسبب مشاهد السجن التي تستدعي هذا التوقف، وهذه من حسنات الفيلم الذي يقبض جيداً على اختياراته من الأحداث ويمنحها الأهمية الدرامية المتوقعة منها. لدى المخرج قدرة على العمل بأسلوب يعرض فيه أكثر مما يقوله. تصوير جيد في العموم يناسب طريقة المخرج في سرد عمل يتوخّى منه وضع أكثر من إصبع على جرح واحد.
يدرك المخرج أهمية ما يطرحه، لذلك لا يحاول أن يُبحر في أخلاقياته. حتى من دون هذا الإبحار تعرّض الفيلم لما نعرفه جميعاً من متاعب توزيع وعرض واتُّهم بأنه معادٍ للقضية الفلسطينية لمجرد أنه طرح احتمالاً. لذلك هنا كلمات في النهاية تؤكد أن أكثر من 100 حالة تهريب نُطف تمّت في السنوات الأخيرة وأن «كلها تم التأكد من نسبهم».
يتحاشى المخرج أي ميل سياسي. لا وجود لظروف الاحتلال ولا لقسوة الحياة في ظله لا داخل السجن ولا خارجه. فصل النهاية وحده فيه قتل لكنه -أمنياً- مجاز. لا ذكر لحق الفلسطينيين بالعدالة ولا، بالطبع، لوم أو معاداة. لكن هذا التحاشي له وجهتان: واحدة تفيد فيلماً يريد فقط أن يحكي قصّة، والأخرى تبتعد عن توظيف المناسبة لعرض ولو موجز أو بسيط لواقع يتجاوز مشكلة واحدة.
شاشة الناقد
شاشة الناقد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة