مطالب بتفكيك كتيبة «خلود اليهود» العسكرية

واشنطن تدعو إلى تحقيق جنائي في مقتل مسنّ فلسطيني

زوجة المسنّ عمر أسعد ضحية كتيبة {خلود اليهود} قرب ملصق نعيه في منزلها برام الله (رويترز)
زوجة المسنّ عمر أسعد ضحية كتيبة {خلود اليهود} قرب ملصق نعيه في منزلها برام الله (رويترز)
TT

مطالب بتفكيك كتيبة «خلود اليهود» العسكرية

زوجة المسنّ عمر أسعد ضحية كتيبة {خلود اليهود} قرب ملصق نعيه في منزلها برام الله (رويترز)
زوجة المسنّ عمر أسعد ضحية كتيبة {خلود اليهود} قرب ملصق نعيه في منزلها برام الله (رويترز)

في الوقت الذي توجهت فيه الإدارة الأميركية، إلى الحكومة الإسرائيلية، رافضة الاكتفاء بالعقوبات الخفيفة بحق منفذي جريمة قتل المواطن الأميركي الفلسطيني المسنّ، عمر أسعد (80 عاماً)، مطالبة بإجراء تحقيق جنائي يفضي إلى حساب وعقاب رادعين، ارتفعت في إسرائيل مطالب بتفكيك الكتيبة العسكرية الدينية التي نفّذ جنودها الجريمة.
وقالت مصادر مطلعة على تاريخ الكتيبة، إن «الحدث الخطير في كتيبة نيتسح يهودا (خلود اليهود)، الذي انتهى بموت المسنّ الفلسطيني، يجب أن يتحول إلى نداء صحوة يستوجب فحص استمرار طريق الكتيبة في صيغتها الحالية. صيغة تكون أفضل للكتيبة والجيش والمجتمع، دون المس بمشروع تجنيد الحريدين (المتدينين المتزمتين) للجيش».
وأوضحت، أن هذه الكتيبة الحريدية، تأسست في العام 1999، سرية في كتيبة 903 التابعة لـ«الناحل» (شبيبة طليعية مقاتلة). ولاحقاً تحولت لتصبح كتيبة مستقلة، إلى أن ألحقت بلواء كفير الذي تتركز أعماله في المناطق. ويتضح من تاريخها، أن لها مزايا شاذة عدة، فهي تخضع لرقابة وسطوة حاخامين (رجال دين يهود)، ويفضل أعضاؤها أوامرهما على أوامر الجيش. ويوجد بين رؤسائهم الروحيين، من يكنّون عداءً أعمى للعرب ويجيزون التصرف معهم من خلال هذا العداء. وطالب عدد من هؤلاء الخبراء بتفكيك الكتيبة.
وكان قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، يهودا فوكس، قد صرح بأن إبقاء الكتيبة في جبهة احتكاك مع الفلسطينيين، كان قراراً خاطئاً، وأن القيادة تعتزم إخراجها من رام الله. ووصف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، نتائج التحقيق الذي أجراه الجيش في واقعة قتل المسنّ أسعد، بأنها «واقعة أخلاقية خطيرة للغاية»، وأن مغادرة القوات للمكان وترك أسعد فيه من دون التيقن من وضعه، يدل على بلادة مشاعر، وهو خطير وغير قيمي.
مشدداً على أنه «لا تضارب بين المهام والحفاظ على قيم الجيش». وقرر الجيش إقالة قائدي السرية والفرقة التي أوقف جنودها أسعد، من الوحدة العسكرية لمدة سنتين، و«توبيخ» قائد الكتيبة.
لكن هذا الحساب «الرقيق» أثار غضباً في الولايات المتحدة، باعتبار أن أسعد هو أيضاً مواطن أميركي. وقال الناطق بلسان الخارجية في واشنطن، نيد فرايس، إن بلاده تعتبر التحقيق في الشرطة العسكرية مستمراً، وتطالب بتحقيق جنائي، وأعرب عن قلقه من «ظروف مقتل المواطن الأميركي، عمر أسعد».
وقال، إن إسرائيل «أبلغتنا أن الموت جاء بسبب خطأ إنساني وفشل في الدفاع عن حياة مواطن، ونحن ننتظر تحقيقاً على المستوى الجنائي».
الجدير ذكره، أن هناك قوى في إسرائيل ترى أن الهجوم على هذه الكتيبة بالذات، يأتي ليغطي على عمليات القتل والقمع والتنكيل التي تقوم بها وحدات عسكرية أخرى للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلين. وقد خرج عضو الكنيست السابق، الباحث والكاتب عوفر شلح، بمقال تحت عنوان «المشكلة ليست نتساح يهودا. لا تتهربوا من النقاش الحقيقي». وقال فيه «الغضب على هذه القضية المخجلة واضح. ولكن النتيجة التي تظهر من المواقف خاطئة ومن شأنها أن تمكن الجيش والمجتمع في إسرائيل من الاختباء تحت الذريعة المعروفة بـ(تفاحة فاسدة) والتهرب من النقاش الحقيقي المطلوب في الوقت الذي توجهت فيه الإدارة الأميركية، إلى الحكومة الإسرائيلية، للمطالبة بعدم الاكتفاء بالعقوبات الخفيفة بحق منفذي جريمة قتل المواطن الأميركي الفلسطيني المسنّ، ارتفعت في إسرائيل مطالب بتفكيك الكتيبة العسكرية الدينية. «نتساح يهودا» هي كتيبة فريدة في تشكيلها وفي مسار خدمتها، لكن ليس في دورها. فهنالك قوات أخرى لا تقل بشاعة.
وكتب محرر الشؤون العربية في «هآرتس»، د. تسفي برئيل «إن هناك ثقافة تنمّر وقتل في وحدات عدة أخرى، في الشرطة أو في الشباك». وضرب مثلاً على عمليات قتل كتيبة أخرى وكتب قائلاً «أنا أجد صعوبة في فهم كيف لم تتمكن عيونهم من رؤية ضائقة الإنسان الذي خلق على هيئة الله، وتركوه في وضعه في الليل في شارع مظلم وكأنه اداة لم نعد في حاجة إليها، رغم أنهم كانوا يدركون وضعه الجسدي والنفسي»، هذا ليس اقتباساً من التحقيق الذي أجراه الجيش حول موت عمر عبد المجيد أسعد ابن الـ80، الذي توفي في ظروف مشابهة جداً. هذه هي الأقوال التي تثير القشعريرة للقاضي حاييم ليرن، الذي حكم على الشرطي باروخ بيرتس والشرطي آساف يكوتئيلي، اللذان تركا المعتقل عمر أبو غريبان على الطريق وهو يرتدي ملابس المستشفى وكيس البول معلق على جسده. وأبو غريبان توفي في تلك الليلة بسبب الجفاف. قرار الحكم صدر في العام 2012، بعد مرور أربع سنوات على الحادثة. رجال الشرطة لم يكونوا جنوداً في كتيبة نتساح يهودا ولم يكونوا منتمين إلى شبيبة التلال والمتدينين الذين تسربوا من المدارس الدينية. بعد أربع سنوات انفجرت أمام العالم قضية اليئور ازاريا، الجندي في لواء كفير والذي تأكد من قتل عبد الفتاح الشريف. هو أيضاً لم يكن جزءاً لا يتجزأ من نتساح يهودا، وأفعاله أيضاً اعتبرت تجاوزاً خطيراً لـ«قيم الجيش الإسرائيلي». ومرة أخرى مرت أربع سنوات، ومثلما في الدورات الكونية فقد حان وقت الضحية القادمة لخيانة القيم. في هذه المرة كان إياد الحلاق، الشاب المتوحد والذي هرب بذعر من جنود حرس الحدود وتم إطلاق النار عليه سبع مرات. عن هذه الحادثة قال في حينه بنيامين نتنياهو «ما حدث مع إياد الحلاق هو مأساة. هو إنسان معاق ولديه توحد، وتم الاشتباه به - نحن نعرف أن ذلك من دون وجه حق – بأنه مخرّب في مكان حساس جداً». هنا، هذا من عمل الشيطان، أيضاً حرس الحدود ليس جزء من نتساح يهودا.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.