تصدر مفتي سوريا الشيخ أحمد بدر الدين حسون المشهد الديني السوري في الأيام الأخيرة، على ضوء اتهامه بالتحريض ضد المدنيين، وذلك في مداخلة هاتفية أدلى بها للتلفزيون السوري، طالب فيها القوات النظامية بقصف أحياء المدنيين في حلب، بُعيد استهداف الأحياء المسيحية في المدينة الخاضعة لسيطرة قوات النظام عشية عيد الفصح. وكانت دعوته، بمثابة كلمة السر للقوات الجوية التي أطلقت أعنف هجوم جوي منذ عام 2014، ضد أحياء المعارضة، تسببت بمقتل العشرات وجرح المئات.
يسخر الناشطون من دعوة مفتي سوريا التي «منحت النظام غطاء دينيًا لإلقاء البراميل المتفجرة على أحياء الآمنين»، علمًا بأن البراميل المتفجرة كان قبر والده المتصوف الشيخ أديب حسون، أول ضحاياها. ويقول ناشطون، إن أول البراميل التي استهدفت أحياء حلب القديمة، دمرت قبر والده ومجموعة بور عائدة لمشايخ متصوفين في جامع كان يؤمّ فيه والده المصلين قبل وفاته، ويحتضن الجامع قبورهم. لكن ذلك، لا يهم، برأي الناشطين، كون حسون «رجل الأمن الأول في حلب».
ويقول أمين سر المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية حسان النعناع الذي عرف حسون عن قرب في حلب، إن هذا الشيخ «يحمل تاريخًا أسود بعلاقاته مع المخابرات منذ شبابه»، مشيرًا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن صلاته بأجهزة الاستخبارات «صنعت موقعه، وأوصلته إلى منصب الإفتاء».
وحسون، من مواليد حلب عام 1949، يحمل شهادة في الأدب العربي، ودكتوراه في الفقه الشافعي من جامعة الأزهر، وعين مفتيًا لحلب عام 2002، قبل أن يخلف المفتي أحمد كفتارو في موقع مفتي الجمهورية السورية.
وينقسم سكان حلب حول المفتي أحمد بدر الدين حسون، منذ ثمانينات القرن الماضي، رغم الاحترام الذي كان يكنّه السكان لوالده الشيخ المتصوف أديب حسون، إمام جامع أسامة بن زيد في منطقة حلب القديمة، الذي كان مقبولاً من الجميع. فالشكوك حول ابنه أحمد، بدأت منذ الثمانينات حول علاقته بأجهزة الأمن، كما يقول ياسر النجار لـ«الشرق الأوسط»، مشيرًا إلى أنه «كان يزور فروع الأمن أثناء شبابه».
والانقسام حوله، خففته محبة الناس لوالده. ويقول النجار إن قسمًا من عامة المجتمع كانوا يريدون والده ويحبونه، لكن مجتمع النخبة «لا ينظرون الشيخ أحمد حسون نظرة إيجابية بوصفه عميلاً للأمن وتأكد ذلك من خلال سلسلة تجارب خضع لها منذ الثمانينات حتى الوقت الحالي». فقبل عام 2003 «كان معروفا عن حسون علاقته باللواء علي مملوك، لكن بدا استثماره في ملف الإرهاب بعد عام 2003، وبات مرتبطا باللواء آصف شوكت، صهر الرئيس السوري بشار الأسد، وبات متهما بدور بتجنيد إرهابيين وإرسالهم للقتال ضد الأميركيين في العراق»، كما يقول النجار.
ويوضح أن علاقته بالأمن منذ الثمانينات «زكته لتسلم إمامة جامع الروضة بحلب، الذي يتمتع برمزية كونه احتضن انتفاضة الإخوان المسلمين في الثمانينات»، مشيرًا إلى أنه «كان حريصًا على فرض نفسه في ذلك الجامع، علمًا بأنه كان نائبًا لمفتي الجمهورية في ذلك الوقت الشيخ أحمد كفتارو».
منذ انطلاقته، وضع حسون نصب عينيه محاربة تنظيم الإخوان المسلمين الذين أقصاهم نظام الأسد الأب في الثمانينات، ولاحق أتباعهم في وقت لاحق. هذا التماهي بالسلطة، عزز عنده فكرة الرفض لإنشاء أحزاب دينية في سوريا، وعبر عنها في تصريحات سابقة، تعود إلى عشر سنوات تقريبًا، إذ طالب الإسلاميين «الذين يريدون الاشتراك في السلطة أن يدخلوا في أحزاب سياسية وليس في أحزاب تحمل أسماء دينية».
غير أن تلك الدعوة، التي تحمل خلفيات سياسية، كما يقول معارضون سوريون، تهدف إلى إلغاء كيانات سياسية تتمتع بجماهيرية كبيرة في سوريا، يبررها حسون بإسقاط على عملية ديمقراطية لطالما غابت شفافيتها عن المشهد السياسي السوري، بتذرعه بأن «سقوط هذا الحزب الإسلامي في الانتخابات سيعتبره الناس سقوطا للإسلام»، علمًا بأن «الأمة كلها مسلمة، وعليهم أن يعرفوا أن الدين هو الرقابة على الأخلاق والقيم والإنسان وليس هو السلم الذي نستثمره لنجعل الناس في طاعة أهدافنا السياسية أو الاقتصادية أو الأهواء الشخصية».
والتماهي بالسلطة، ينطلق من موقعه القريب من المخابرات. يشرح النجار لـ«الشرق الأوسط»، إن زراعته في الإفتاء «هي زراعة أمنية بامتياز، كونه كان مقربًا من الشخصيات الأمنية وأهمها اللواء علي المملوك قبل عام 2003، وآصف شوكت بعد تلك الفترة، وشخصيات أخرى في الأمن العسكري والمخابرات الجوية»، مشيرًا إلى أن تلك العلاقة نفسها «نصبته مفتيًا لمدينة حلب». ويشرح: «نشبت مشكلة بين الشيخ حسون ومدير الأوقاف بحلب صهيب الشامي، المرتبط بالقصر الجمهوري، انتهت في عام 2007 لصالح حسون، بعد تفاقم مشكلة الفساد لدى الشيخ الشامي، وهو شقيق عضو مجلس الشعب الحالي المدافع عن النظام أنس الشامي».
ويشير النجار إلى أنه في عام 2007 «استطاع حسون أن يجمع منصب مفتي حلب، إضافة إلى منصب مدير الأوقاف فيها خلفًا للشامي بعد عزله، وفرض سيطرته الدينية والسياسية على حلب فبات مقربًا من طبقة التجار التي يحميها، ومنبوذًا من طبقة الناس الفقراء بسبب علاقاته الأمنية، حتى بات يقال في بداية الثورة في عام 2011 إنه عميل النظام». ويقول إن دوره في موضوع تجنيد الإرهابيين للقتال في العراق «زاد من حجته، ومكنته من التغلب على الشامي، حتى أقصاه في عام 2007».
منذ تسلمه إمامة مسجد الروضة في حلب «واظب حسون على إنشاء حلقات دينية يجمع فيها السوريين من سكان المدينة». ويقول النعناع لـ«الشرق الأوسط»، إنه «في البدايات كان يحاول جذب الناس من حملة الشهادات والعائلات الكبرى عبر جلسات دينية في جامع الروضة، لإيجاد قاعدة شعبية له»، لكنه «كشف عن وجهه الحقيقي بعد تنصيبه مفتيًا للجمهورية». ويقول: «تبين أن الدعم أزلي يتلقاه، من الإيرانيين، لأنه أحد الذين غطوا على عملية التشيّع في سوريا، رغم نفيه لها، لأنه يظهر نفسه كرجل دين سني معتدل». ويضيف النعناع: «كان يسهل عملية التشيع، عن طريق تسهيل وجود حسينات وعدم صدّ دعوات التشيع، ومنع الآخرين في وزارة الأوقاف من مواجهة ذلك التمدد الشيعي إلى سوريا».
وكان حسون نفى ظهور دعوات تشيع بين أهل السنة بدعم من إيران وموافقة من الحكومة السورية، مستدلاً إلى إنشاء أكثر من 35 مدرسة شرعية تدرس الفقه الشافعي والحنفي فقط منذ عام 1990، نافيًا فكرة تشييع أهل السنة. كما كرر دحض هذه الفكرة، بدليل «التسهيلات التي قدمها لدراسة المذاهب السنية في سوريا وافتتاح كليات الشريعة»، علمًا بأن سوريا تدرس فيها ثلاثة مذاهب إسلامية هي الحنفية والشافعية والجعفرية.
غير أن مواقفه المثنية على أدوار إيران، رسمت حوله هالة من الشكوك. فقد أكد مطلع هذا العام في تصريح على هامش مؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران، أن «إيران كانت على الدوام داعمة للإسلام الأصيل، وأن الله شمل هذا النظام المقدس بنصره وعونه، وضمن النصر لأنصار دينه»، مشيدًا بوقوف إيران دائمًا إلى جانب الشعب والحكومة السورية.
وعادة ما كان حسون يقدم نفسه على أنه قادر على جمع المذاهب، ويرفض فكرة الصراع السني - الشيعي، بوصفه صراعًا سياسيًا، فنسج علاقات واسعة مع ممثلي الطوائف الدينية والمذاهب الإسلامية في سوريا المقربة من النظام السوري. وساهم حسون في تشكيل «الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة». وقال في أولى اجتماعات الهيئة التأسيسية، إن «هذا الاتحاد يحتضنه مجمع التقريب الذي بذل من الجهد سنوات عدة لجمع العلماء على مائدة واحدة، وعنوان الإسلام لا إكراه في الدين، وانطلقنا منذ سنوات في إيران ومن ثمار ذلك مواقف»، مضيفًا «نقاوم لحماية دمشق وطرابلس واليمن وتم إنشاء حروب فيها لا علاقة للعلماء فيها والدين ليس له علاقة بما يحصل».
خلال فترة الاحتجاجات 2011، ظهر حسون في الإعلام عدة مرات قائلا إن ما يحدث في البلاد (وتحديدًا درعا) تقف وراءه «أياد خارجية» من دون تحديد جهة بعينها، في مطابقة لتصريحات النظام السوري.
وفي فترة الأزمة، عرف عن حسون نشاطه للتقريب بين الناس، وعقد المصالحات في المناطق السورية. فقد ظهر عدة مرات في محاولة «لتهدئة الأمور وتبييض وجه النظام»، كما يقول النعناع، وكان ذلك قبل مقتل ابنه سارية في عام 2012، حيث تعرض لاغتيال على طريق سراقب، لم تتبنه فصائل المعارضة، رغم اتهامها بالوقوف وراءه، علمًا بأن بعض المعارضين اتهموا النظام بالوقوف وراء العملية. وكان النظام زعم أنه تم إلقاء على الجناة الذين اعترفوا بتنفيذهم للعملية مقابل 700 جنيه إسترليني.
وبقيت توجهات حسون على هذا النحو في محاولات التقريب والدعوة إلى الحوار، حتى الأسبوع الماضي، حين دعا مفتي الجمهورية حسون المسؤولين في حلب إلى «الهجوم على المناطق التي تقصف المدنيين»، مطالبا «المدنيين إن وجدوا» فيها، بالمغادرة لأن «كل منطقة يخرج منها الإرهاب ستكون هدفًا وعلى المدنيين مغادرتها». وفي اتصال هاتفي مع التلفزيون السوري تعليقًا على استهداف أحياء بحلب بقذائف محلية الصنع، هدد حسون من أطلق القذائف على أحياء بحلب قائلاً: «أعداء الله والإنسانية نقول لهم دماؤنا لن تنسى وأطفالنا لن تذهب أرواحهم هدرا، ومساجدنا وكنائسنا سيبقى لها دورها». وقال: «أقول للمسؤولين بحلب كفانا موقفًا دفاعيًا، فلنبدأ بالهجوم علی المناطق التي تقصف المدنيين، وأقول للمدنيين إن وجدوا غادروا هذه المناطق، فكل منطقة يخرج منها الإرهاب ستكون هدفًا».
وتحرك الائتلاف الوطني السوري على خط إدانة تصريحات حسون، معتبرًا أنه «سعى لتبرير جرائم النظام منذ اللحظة الأولى»، وأن دعواته «توضح الطبيعة الأمنية الإجرامية لمؤسسات النظام، وآلية القتل والتدمير والتجييش الطائفي التي يتبعها بشكل منظم وعبر فتاوى رسمية تدعو للقتل باسم الدين، بأسلوب متماهٍ مع تنظيم داعش الإرهابي».
وسبقت تلك الفتوى، مجموعة فتاوى مثيرة للجدل، بحسب النعناع الذي أكد أن حسون «كان هدد الغرب بأنه سيطلق انتحاريين في أوروبا ليهتز استقرار تلك المنطقة»، مشيرًا إلى أن الفتوى الأخيرة عقب استهداف أحياء مسيحية عشية عيد الفصح «كانت دموية، لا تختلف تفكيرا عن تنظيم داعش الذي يعد وليد النظام». وقال إن المناطق السورية تظهر وجهين للتشدد، هي «وجه (داعش)، ووجه حسون المؤيد للنظام، وكلاهما يفتي بقتل الشعب السوري»، متسائلاً: «كيف يدين النظام الغربي عمليات (داعش)، ويصمت على فتوى حسون بقتل أهل حلب؟».
ولطالما تماهى حسون بمواقف النظام السوري، إذ هاجم قبل أسبوعين مواقف الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، مؤكدًا أن «حلب ستكون النموذج الأمثل للانتصار، وأن التاريخ سيسجل أن إردوغان ومن معه من مسلحين هم من دمروا سوريا».