الأفراح الأفغانية.. مدعوون من جانب العروس والعريس و600 غريب

البرلمان يتدخل بمشروع قرار لتحديد عدد الضيوف وعبء التكاليف

نظرًا للفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف بوجه عام لا تعد تلك الحفلات فرصة للالتقاء بالنساء بل تكون فرصة لتناول لحم الضأن
نظرًا للفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف بوجه عام لا تعد تلك الحفلات فرصة للالتقاء بالنساء بل تكون فرصة لتناول لحم الضأن
TT

الأفراح الأفغانية.. مدعوون من جانب العروس والعريس و600 غريب

نظرًا للفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف بوجه عام لا تعد تلك الحفلات فرصة للالتقاء بالنساء بل تكون فرصة لتناول لحم الضأن
نظرًا للفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف بوجه عام لا تعد تلك الحفلات فرصة للالتقاء بالنساء بل تكون فرصة لتناول لحم الضأن

عندما دخل شفيق الله حفل زفافه فوجئ بـ600 فرد لا يعلم عنهم شيئا، ولم يستطع التعرف على أي منهم، مع ذلك كان يدرك أن الترحيب بهم واجب عليه. وأوضح شفيق الله، وهو شاب يبلغ من العمر (31 عاما)، ويعمل في مبيعات السيارات: «سيكون من العار ألا أرحب بهم، وسوف يبدد هذا كل السعادة التي أشعر بها في يوم زفافي». لذا أخبر القائمين على خدمة الضيوف في القاعة المقام بها حفل الزفاف أنه دفع مالا إضافيا من أجل طلب المزيد من الطعام، وهو ما يجعل إجمالي تكاليف حفل الزفاف نحو 30 ألف دولار، وهو مبلغ كبير في هذا البلد الفقير.
تلك القصة من القصص المألوفة هنا في أفغانستان حيث تسيطر قيمتان على حفلات الزفاف هما الالتزام بواجب الضيافة، والولاء للأسرة والمجتمع. مع ذلك الضغط الناجم عن إقامة حفل بحجم قرية صغيرة، أو ربما قريتين في حال حضور الغرباء كما يحدث عادة، يضر كثيرا بالشباب الأفغاني الذي يجد نفسه مكبلا من أجل الزواج بقروض سيحتاج سنوات طويلة لسدادها. وسن البرلمان الأفغاني مؤخرًا قرارات تصب في صناعة الزواج في كابل، والتي تتسم بقاعات الزفاف الضخمة والفخمة التي غزت العاصمة بأضوائها النيون على مدى العقد الماضي. ومع الدعم القوي المقدم من سكان كابل الشباب، قدم المشرعون مشروع قانون لتحديد عدد من يحضرون حفلات الزفاف بـ500، لكن لم يتم إقرار هذا القانون بعد.
وربما لا يجد الشباب في الكثير من الدول 500 شخص يدعونهم للاحتفال معهم بحفل الزفاف، لكن الأفغان لا يعانون من هذه المشكلة. وفي حالة شفيق الله كانت قائمة المدعوين لحفل زفافه الذي أقيم منذ 6 أشهر تضم 700 شخص. وإضافة إلى المدعوين من جانب العروس، دعا شفيق الله أبناء عمومته، وأبناء عمومة أبناء عمومته، وجيرانه، وكذا الأشخاص الذين يقطنون في المنطقة نفسها، وبطبيعة الحال سكان القرية، التي هي مسقط رأسه، وعدد يتراوح بين 100 إلى 150 زميلا له في العمل. مع ذلك من بين الـ1300 شخص، الذين اجتمعوا في حفل زفافه، كان من الصعب عليه تمييز من يعرفهم عن الغرباء. وقال: «لم أتمكن من التعرف على أكثر من نصف الحاضرين في القسم المخصص للرجال. لقد كان الأمر مذهلا، لكنه مزعج في الوقت ذاته، فأنا لم أر هؤلاء الأشخاص في حياتي من قبل». ورغم ذلك أشار خلال الشهر الحالي قائلا: «لا يزال هناك بعض الأصدقاء، الذين يشكون من عدم دعوتي لهم إلى حفل الزفاف».
ومنح الازدحام في قاعات الزفاف في كابل الفرصة للمتسللين غير المدعوين، وهم عادة ما يجوبون المناطق المحيطة بطريق المطار، الذي أطلق عليه اسم لاس فيغاس نظرًا للأضواء الساطعة التي تنعكس على قاعات حفلات الزفاف. وهم يظهرون بأعداد كبيرة في شوارع تحمل أسماء شهرة مثل «كريستال» أو «إيفينيغ أوف باريس»، والتي تكتمل بنموذج مصغر لبرج إيفل وقاعة «سيتي ستار»، مع نموذج لهلال يتألق على ارتفاع عدة طوابق.
ونظرًا للفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف بوجه عام، لا تعد تلك الحفلات فرصة للالتقاء بالنساء، بل تكون فرصة لتناول لحم الضأن، والدجاج، والزبادي والفواكه، والـ«كابلي بيلاو» والحلويات بأنواعها.
ويبدو أن أكثر الشباب في كابل يعرفون جيدا العبارة القائلة: «في ظل وجود حفل زفاف كل ليلة، لا يوجد جوع». ولا يزال الناس في مختلف أنحاء العالم يتحدثون عن حفل زفاف أقيم منذ عدة سنوات لأصغر أبناء نائب الرئيس. وتم استئجار اثنين من أضخم قاعات زفاف في العاصمة، وكذا اثنين من أفضل الفنادق، لاستضافة من 4 إلى 7 آلاف شخص بحسب ما قال مالكو قاعات الزفاف. ويعد الشباب، الذين ليس لهم آباء في مناصب مثل منصب نائب الرئيس، من أكثر الداعمين تحمسًا لمشروع القانون الجديد.
وقال جود (24 عاما) وهو بائع قماش في كشك صغير في مركز تجاري: «أطالب الرئيس بإقرار هذا القانون. وأرجوه أن يوقع على هذا القانون في أقرب وقت ممكن بحيث يستطيع الناس الزواج قريبًا».
في بعض الحالات، تؤدي التكلفة المرتفعة لحفلات الزفاف إلى تأجيل الزواج لسنوات. وقال أحمد وليد سلطاني، صاحب متجر للأدوات المكتبية، إنه يأمل أن يطبع يوما ما دعوات لزفافه لا دعوات زفاف خاصة بعملاء. وقام سلطاني بخطبة فتاة لمدة 7 سنوات، حيث كان يحاول ادخار المال اللازم لترتيبات حفل الزفاف ذات التكاليف الباهظة. ومثل الكثير من الشباب في كابل، يشعر بالقلق من توقع أسرة خطيبته، التي طبقا للتقاليد لا تساهم ماليا في حفل الزفاف، إقامة حفل زفاف هائل وفخم يفوق قدرته المالية. وهذا الخوف له ما يبرره، حيث تزوجت ابنة عم خطيبته مؤخرًا وقام عريسها بدعوة 1.500 شخص إلى حفل الزفاف. وقال: «أعلم أن أسرة خطيبتي سوف تحملني عبأ كبيرا في حفل الزفاف». وفي الوقت الذي تمكن فيه سلطاني من خطبة فتاة، يشعر الكثير من الشباب بالقلق من العثور على طريقة لدفع تكاليف الزواج قبل فترة طويلة من بدء البحث عن عروس. وقال فياض (19 عاما) بائع أسطوانات «دي في دي» مقلدة في أحد الميادين: «يجب أن أجتهد في العمل لفترة طويلة حتى أتمكن من توفير المال اللازم للزواج من فتاة». وبحسب تقديره، تبلغ تكاليف الزفاف نحو 8.500 دولار. ولدفع تكاليف حفلات الزفاف، يسعى الشباب في كابل إلى الحصول على قروض من المصارف، والأشقاء، والأقارب. ويروون لبعضهم قصصا عن فشل الزواج حيث يسافر البعض بعد فترة قصيرة من إقامة حفل الزفاف إلى إيران أو دبي كعمال مهاجرين من أجل تسديد ديونهم. وأشهر قصة هي لأزواج يعودون بعد سنوات وهم مدمنون للمخدرات، أو لا يعودون إطلاقا. وتعد تكلفة استئجار قاعة لإقامة حفل زفاف، وإطعام الضيوف، جزء صغير من إجمالي تكلفة ترتيبات الزواج. كذلك يجب على العريس شراء مشغولات ذهبية للعروس، ويجب أن يدفع ما يعرف بالمهر، وهو مبلغ من المال يدفع إلى أهل العروس ليكون في حوزتها بعض الممتلكات.
وتمت مناقشة مشروع القانون في البرلمان الأفغاني بغرفتيه رغم الاختلافات في المقترحين، حيث تم تحديد عدد المدعوين إلى حفل الزفاف في مشروع القانون المقدم إلى الغرفة الصغرى بـ400، في حين أن العدد المحدد في مشروع القانون المقدم في الغرفة العليا هو 500، ويجب الاتفاق على عدد واحد قبل عرض مشروع القانون على الرئيس. ويواجه هذا التشريع معارضة من شخصيات بارزة في مجال حقوق المرأة، وأصحاب قاعات الزفاف، واتحاد العاملين في الفنادق، الذين يعتزمون حثّ الرئيس أشرف غني على رفضه.
وأعربت شكرية بركزاي، عضو في البرلمان، عن اعتراضها على بنود مشروع القانون، الذي يشمل الفصل بين الجنسين في حفلات الزفاف، والتأكد من حشمة ملابس العروس. وقالت: إن «هذا يدخل ضمن الخصوصية والحقوق الأساسية للمواطنين».
على الجانب الآخر، قال أصحاب قاعات حفلات الزفاف إن «إجبار العائلات على حذف أسماء من قائمة المدعوين لا يمثل فقط تحديًا للقيم الأفغانية، بل أيضا سيثير الخلافات بين العائلات، ويضعف العلاقات والروابط الاجتماعية والقبلية التي تميز الحياة في أفغانستان». وقال حاجي غلام صادق، صاحب قاعة «أورانوس» لحفلات الزفاف: «سيقول الكثير من الأفغان ردا على عدم دعوتهم إلى حفلات الزفاف إنه إذا لم تدعونا إلى حفل زفافك لا تنتظر منا أن نحمل كفنك».
أما في قاعة أفراح «سلطان سيتي»، فيقول أحد المديرين يرتدي قميصا أسود وبزة بنية اللون، إن «القانون الجديد سوف يؤثر سلبا على عمل قاعات حفلات الزفاف، والتي تعد واحدة من مجالات العمل المزدهرة في دولة اقتصادها متداع». وتساءل المدير سيد ياقوت قائلا: «ماذا سيفعلون إذا خسروا وظائفهم؟ هل ينضمون إلى حركة طالبان؟» في إشارة إلى آلاف من الندل والعمال في قاعات الأفراح.

* خدمة «نيويورك تايمز»



«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.


رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».


ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».