المبادرة الأممية في السودان تنطلق بمشاورات فردية

مجلس الأمن يعقد جلسة خاصة لبحث الوضع غداً

مبعوث الأمم المتحدة في السودان أثناء مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة في السودان أثناء مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

المبادرة الأممية في السودان تنطلق بمشاورات فردية

مبعوث الأمم المتحدة في السودان أثناء مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
مبعوث الأمم المتحدة في السودان أثناء مؤتمر صحافي في الخرطوم أمس (أ.ف.ب)

أعلن مبعوث الأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرتس، أن بعثة «يونيتامس» لم تطرح أي مشروع مسبق أو مسودة لحل الأزمة في السودان، وستجري في هذه المرحلة الأولية مشاورات مع كل الأطراف السودانية لتحديد الأجندة والقضايا، قبل الجلوس إلى طاولة المفاوضات لبدء الحوار المباشر، مؤكداً أنه لا يوجد اعتراض من المؤسسة العسكرية والأمنية على هذه المبادرة.
وأضاف، في مؤتمر صحافي بمقر البعثة في الخرطوم أمس، أن المشاورات ستكون غير مباشرة لمعرفة رؤية كل طرف حول المرحلة الانتقالية، «ولن نفرض على أي طرف الانضمام إلى طاولة المفاوضات، وإذا سارت الأمور بشكل جيد قد نصل إلى توافق ونقاط تلاقٍ للانتقال إلى مرحلة المائدة المستديرة» التي سبق أن طرحها رئيس الوزراء المستقيل، عبد الله حمدوك.
وأشار إلى أن بعثة الأمم المتحدة في السودان «يونتامس» قدمت الدعوة للأحزاب السياسية والحركات المسلحة والمجتمع المدني ولجان المقاومة والمجموعات النسوية للمشاركة في المشاورات الأولية، مشدداً في الوقت نفسه على أن «استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين يجب أن يتوقف فوراً، مع ضرورة إجراء تحقيق صارم مع من تسبب في العنف». وأضاف: «أتمنى أن تؤدي هذه المشاورات لبناء الثقة وتساعد على الأقل في وقف أعمال العنف من جانب العسكريين. لا يمكنني أن أعطي وعداً بإنهاء قتل الناس على الطرقات، ومن الأفضل أن نبدأ في المشاورات بأسرع وقت ممكن، وقد لا يتوقف العنف لمجرد الدخول في المحادثات».
وقال فولكر إن كل المبادرات السودانية للخروج من الأزمة الحالية عبر حلول توافقية وعلاج للوضع المتأزم والعودة إلى المسار الديمقراطي للأسف لم تنجح في سد الفجوات. وأشار إلى أن جميع السودانيين متفقين على أن الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي يمثل أكبر النكسات، وأدى إلى انعدام الثقة والتوافق وإطالة أمد الجمود السياسي، وأثر بشكل كبير على حياة السودانيين وعلى التنمية والاقتصاد. وأضاف: «حان الوقت لإنهاء العنف والدخول في عملية تشاورية واسعة لحل الأزمة».
وأشار بيرتس إلى أن بعثة «يونتامس» ستقوم في المرحلة الأولى بالتشاور بشكل فردي مع كل الفاعلين السودانيين لمعرفة الأولويات قبل الجلوس على طاولة واحدة للتفاوض في المستقبل القريب. وأوضح أن لجان المقاومة الشعبية تقود الحراك الجماهيري في الشارع، لكنها ترفض الجلوس مع العسكريين وترفع شعار «لا تفاوض ولاشرعية ولا مساومة»، مع الجيش، مؤكداً أن اللجان ليس لديهم «أي مشكلة في التشاور مع البعثة الأممية».
وأوضح المبعوث الأممي أن المشاورات المباشرة وغير المباشرة مع الأطراف السودانية مرحلة أولى تقود إلى مرحلة التفاوض على القضايا التي يتم التوافق عليها من قبل الجميع، قائلاً: «نحن نستمع ونستشير كل الجهات، بما في ذلك النظر في إمكانية أن تفي الوثيقة الدستورية بما تبقى من المرحلة الانتقالية، خاصة أن هنالك من يعتقدون أن الوثيقة قد انتهت، وهناك آخرون يرونها الأساس لأي مرحلة مقبلة».
وأوضح أن الحزب الشيوعي والمؤتمر الوطني «المنحل» رفضا المشاركة في مبادرة الأمم المتحدة لحل الأزمة في البلاد، مضيفاً أن الوثيقة الدستورية لعام 2019 كانت من الإنجازات العظيمة في ذلك الوقت. وقال فولكر إنه سيشاور رئيس الوزراء المستقيل عبد الله حمدوك في هذه المبادرة، قائلاً: «لا أرى ما يمنع من استشارة أي شخص يود أن يشارك في المائدة المستديرة». وأضاف: «سأقدم بإحاطة لمجلس الأمن الدولي عن تطورات الأوضاع في السودان، وخلال الأسبوع المقبل ستعقد دول أصدقاء السودان والمانحين اجتماعاً لبحث الدعم السياسي للمشاورات بين الأطراف السودانية». وأكد رئيس البعثة الأممية في السودان، في ختام المؤتمر الصحافي أمس، التزام الأمم المتحدة القاطع بدعم تطلعات الشعب السوداني في الحكم الديمقراطي المدني في السودان.
ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي غداً (الأربعاء) جلسة خاصة مغلقة وغير رسمية، للبحث في آخر تطورات الوضع في السودان. وأعلنت مصادر دبلوماسية أن 6 من أصل 15 دولة عضواً في المجلس، طلبت عقد هذه الجلسة. وتجد جهود بعثة «يونيتامس» في السودان ترحيباً إقليمياً ودولياً واسعاً، إذ أيّدتها كل من السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي. وفي غضون ذلك، أبلغ مصدر مطلع «الشرق الأوسط» أن المجلس المركزي لتحالف «قوى الحرية والتغيير» تسلم دعوة من الأمم المتحدة للمشاركة في المشاورات، ينتظر أن يبتّ فيها المكتب التنفيذي لتقييم الموقف. وأعلنت الأمم المتحدة، أول من أمس، إطلاق المبادرة الرسمية بين جميع الأطراف السودانية للخروج من الأزمة السياسية الحالية، من خلال اتفاق يؤدي إلى عودة مسار التحول الديمقراطي في البلاد.
واستقال رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك من منصبه بعد أكثر من شهر على توقيعه اتفاقاً سياسياً مع قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان، بعد أن وجد الاتفاق رفضاً واسعاً من الشارع والقوى السياسية.
ومنذ انقلاب 25 أكتوبر، تعطل مسار المرحلة الانتقالية في السودان، التي كان تم الاتفاق عليها بين العسكريين والقوى المدنية في أغسطس (آب) 2019 بعد بضعة أشهر من إسقاط الرئيس السابق عمر البشير في العام نفسه، عقب احتجاجات شعبية استمرت 4 أشهر. وخرج السودانيون بعشرات الآلاف إلى الشوارع بشكل متكرر منذ الانقلاب مطالبين بإبعاد العسكريين عن السلطة، وبحكم مدني خالص. وأسفر قمع قوات الأمن للمظاهرات الاحتجاجية عن مقتل 63 شخصاً، معظمهم بالرصاص الحي وإصابة مئات، وفق حصيلة جديدة أعلنتها لجنة الأطباء المركزية، وهي هيئة نقابية مستقلة. كما قتل بعض المتظاهرين بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع مباشرة على أجسادهم بدلاً من إطلاقها في الهواء.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.