نقلت الفنانة دوريس لي إلى مدرسة داخلية في مراهقتها عام 1920، «للتهيؤ للحياة الجامعية»، وقصت شعرها تمرداً على محيطها «الأقل مغامرة وإبداعا»، حيث لم يكن باستطاعتها ممارسة هواية الرسم. لكن تمردها قوبل بوعظ من المدرسة بأن «الفتيات اللطيفات يجب أن يكون لديهن شعر طويل».
واستناداً للعديد من الصور المتبقية من لي (1905 - 1983)، لم تقص شعرها مرة أخرى، لكنها واصلت شق طريقها على مدى العقود الأربعة المقبلة.
تعلمت «لي»، وهي الرسامة التصويرية البارعة خلال حقبة الكساد، والفنانة التجارية الناجحة خلال الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، في سن مبكرة، ومن أجل البقاء في اللعبة، كان عليها على الأقل التظاهر باللعب وفقاً للقواعد. فقد كانت تستدعي مناظر مزرعتها وتجمعاتها العائلية فيما يطلق عليه «العاطفة الروكويلية» أو «بركة الجدة موسيز»، لكن تحت غطائها الأميركي كان هناك حس نسوي متأجج.
تلعب النساء الجريئات والواثقات دور البطولة في غالبية أعمالها، ولا يقتصر الأمر على الأنشطة الأنثوية النمطية حيث نراهن يتبارين بالخيول ويطلقن السهام ويستمتعن، حتى أن فلاديمير نابوكوف امتدح إحدى لوحاتها التي تحمل اسم «لوليتا» على اعتبار أن صاحبته تعاملت مع العمل من منظور لم نره في أي مكان آخر في ذلك الوقت.
تعرض لوحات لي في صالات العرض الكبرى. وتباع أعمالها للمتاحف الكبرى، ناهيك عن ثلاث جداريات أبدعت بها لصالح «مشروع الفن الفيدرالي». أرسلتها مجلة «لايف» إلى جميع أنحاء العالم، مراسلة فنية، وأنتجت أعمالاً فنية حازت جوائز لحملات إعلانية كبيرة. ولكن شأن العديد من الرسامين التصويريين في ذلك العصر، خاصةً النساء، اتسمت أعمالها بغموض نسبي عندما استحوذت المدرسة التعبيرية التجريدية على اتجاه القرن العشرين. وفي هذا السياق، قال تاجر الأعمال الفنية ديدي ويغمور، الذي تعامل مع إنتاج دوريس لي منذ عام 1991، إن هؤلاء الفنانين الذين عملوا في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي كانوا ببساطة «مهمشين بسبب الموضة».
في محاولة لإعادة تقديم أعمال لي إلى الجمهور، من المقرر أن يجوب معرض فني جديد عنوانه «استمتع ببساطة: فن دوريس لي»، الولايات المتحدة حتى عام 2023، وذلك من خلال 70 نموذجا من أعمالها الفنية الرائعة والتجارية؛ وسيقدم عرض مصاحب بعنوان «عرض دي ميغور للفنون الجميلة في مانهاتن» نحو 40 عملاً فنياً آخر، يستمر حتى 28 يناير (كانون الثاني).
في السياق ذاته، قالت ميليسا وولف المسؤولة في متحف سانت لويس للفنون، التي نظمت المعرض التمهيدي الحالي بالتعاون مع باربرا جونز من متحف «ويستمورلاند للفن الأميركي» في غرينسبيرغ بولاية بنسلفانيا، «إنها تستمتع بهذا الترابط المثير بين الفن الشعبي والمشهد الأميركي والحداثة» المقرر أن يستمر حتى 9 يناير (كانون الثاني). وأضافت، «في الأساس، كان ينظر إلى لي على أنها ليست جادة. فأعمالها مجازية، ويمكن الوصول إليها، ويمكن أن تكون زخرفية. وكان ينظر إلى هذه الأشياء على أنها نسوية ولا تؤخذ على محمل الجد. أعلم أن مدرسة نيويورك لم تكن متجانسة، ولكن العمل كان ينظر إليه على أنه عمل ذكوري نشط، وكبير، وعدواني، ومضطرب، ومليء بالشكوك. وهذا ما أخذ على محمل الجد».
ولدت دوريس إمريك في مدينة «أليدو» بولاية «إلينوي» لأب يعمل مصرفيا وأم معلمة. ونشأت كـ«الفتاة المسترجلة» في مزارع أجدادها. وتخطت دروس العزف على البيانو لتعشق الرسم مستوحية أفكارها من شرفة جارها. تخرجت بدرجة بكالوريوس، وحصلت على درجة الدكتوراه في الفلسفة عام 1927. تزوجت من راسل لي، الذي أصبح مصوراً مشهوراً.
كان مهرجان «وودستوك» الفني مكاناً راقياً ومناسبا لها، قبل أن تنضم إلى «مجلس الفنانين الأميركيين» الذي هدف إلى مكافحة صعود الفاشية في أوروبا، حين عبرت عن آرائها بشأن اللامساواة. ففي حديث في عام 1951، بعنوان «النساء فنانات»، أشارت لي إلى ما وصفته بـ«الغباء» المتمثل في تعليم الفتيات كيفية العثور على أزواج. وقالت في كلمة للجمهور، «لا يمكننا تحمل إهمال أو تثبيط أي موهبة بسبب الحواجز المصطنعة، من العرق أو الطبقة أو الجنس».
لم يكن عملها سياسيا بشكل صريح، لكن بعض رسائلها تسللت من خلال بعض الأعمال، وغالبا ما نشرت بعض انتقاداتها الصريحة بحس اتسم بالدعابة والمرح الإنساني.
لم يكن عمل لي مناسباً للجميع. لكنها ذكرت أنها تلقت «الكثير من رسائل المعجبين من أشخاص في السجون والمصحات». وقد فاز عملها بعنوان «عيد الشكر» – جسد مشهد مطبخ مزدحم لنساء من مختلف الأجيال– بجائزة «لوغان بورتيشس» المرموقة البالغ قيمتها آنذاك 500 دولار أميركي في «معهد شيكاغو للفنون» في عام 1935. في الحقيقة كان تركيز لي على عمل المرأة أكثر صدقاً في الحياة الواقعية من رسوم العصر النموذجية لطاولة عيد الشكر الشاعرية.
وقد وصفت المتبرعة بالجائزة، جوزفين هانكوك لوغان، عمل لي علناً بأنه «شيء فظيع». من ثم أسست «حركة العقل في الفن» لتطهير الفن الأميركي من «المغريات الحداثية» للسريالية، واستجاب معهد شيكاغو للفنون بشراء العمل. في غضون ذلك، قالت لي لصحيفة «واشنطن بوست»، إن «رسم صور جميلة لم يكن هدفي» وأنه إذا بدت بعض الوجوه «كرسوم كاريكاتورية»، حسبما أوحت مجلة «تايم» وغيرها، «فإن هذا يعكس حقيقة بعض الناس الكاريكاتيرية».
ساعدت الميزة النسبية التي تمتعت بها لي، على بقائها فنانة خلال فترة الكساد، كما كان الحال بالنسبة لجيرترود فاندربيلت ويتني. وحسب المؤرخ الثقافي جون فاغ، الذي ساهم في إنتاج كتالوغ «مباهج خاصةً»، فقد أسست الوريثة المنشقة نادي «ويتني ستوديو كلوب» حيث يمكن لفنانين مثل لي عرض أعمالهم أو بيعها. وسرعان ما لفتت أعمال لي انتباه مديري ومحرري الفنون أيضاً، لتبدو أكثر بريقاً مع وجود مساحات كبيرة من الألوان، مما سهل من عملية إعادة إنتاج نسخ منها. (كانت لديها أيضاً نظرة على تفاصيل التصميم-الأثاث، والهندسة المعمارية، والحياة النباتية، والتكنولوجيا، والمجوهرات، وهو ما جعل أعملها أكثر وضوحا وقابلية للفهم).
في عام 1941 انضمت لي إلى اتحاد الفنانين الأميركيين، لتعرض لوحاتها في المعرض الصاخب لرائد الأعمال ريفز لوينثال، الذي كان يهدف إلى الربح من خلال جلب الفنون الجميلة إلى الجماهير.
ومع تفجر النزعة الاستهلاكية وعصر الإعلان، أعاد لوينثال إنتاج أعمالها، وحصل لها على وظائف في شركات مثل «أميركان توباكو»، و«جنرال ميلز»، كما صممت لي الأقمشة والسيراميك وكتب الرسوم التوضيحية، بما في ذلك كتاب الأغاني «روجرز وهارت». وقالت باربرا جونز، «لقد كانت عنيدة للغاية. لقد سعت وراء كل شيء. كانت غالباً المرأة الوحيدة التي تعمل مع هذه المجموعات من الرجال، وكان بإمكانها حقا الاحتفاظ بتفردها».
في عام 1968 أصيبت لي بمرض الزهايمر، وتوفيت عام 1983، في مدينة «كليرووتر» بولاية فلوريدا. لم يكن لديها أطفال وقد اشتكت عام 1951، من أن امرأة ما قالت لها، «إن أجمل شيء يمكن للمرأة أن تصنعه هو عائلتها ومنزلها ولن تعرف هذا الشعور أبدا»، وكان رد لي: «ولن تعرفي أبداً الشعور بأنك فنانة».
*خدمة {نيويورك تايمز}
دوريس لي تتلقى تقديراً متأخراً... إنما كبيراً
معرض فني لأعمالها يجوب الولايات المتحدة حتى عام 2023
دوريس لي تتلقى تقديراً متأخراً... إنما كبيراً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة