سباق سياسي ـ قضائي يفرمل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

دعاوى تقيّد المحقق العدلي مع انتهاء الدورة العادية للبرلمان

TT

سباق سياسي ـ قضائي يفرمل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت

مع سقوط التسوية السياسية التي أراد منها الثنائي الشيعي الإطاحة بالمحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، التي تردد أن مقابلها سيحصل رئيس التيار النائب جبران باسيل وفريقه على مكاسب في قانون الانتخاب، يتجه السياسيون المتضررون من تحقيقات المرفأ إلى تعطيل هذه التحقيقات بأي ثمن، وقطع الطريق على ملاحقتهم، وهذا ما يترجم بالدعاوى التي تقدم ضد البيطار في محاولة لكف يده عن الملف، أو أقله تجميد إجراءاته في الفترة الفاصلة ما بين انتهاء الدورة العادية للبرلمان اللبناني الممتدة في الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وعودة انعقادها في منتصف شهر مارس (آذار) المقبل.
ويلاحق في ملف المرفأ ثلاثة نواب حاليين هم غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق، إضافة إلى رئيس الحكومة السابق حسان دياب ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، بجرائم «الإهمال وعدم القيام بواجبهم عبر التغاضي عن تخزين آلاف نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت لمدة سبع سنوات، والقصد الاحتمالي الذي نجم عنه قتل 220 شخصاً جراء الانفجار وإصابة أكثر من 6000 شخص بجروح مختلفة».
وتتضارب الآراء القانونية حول صوابية استدعاء النواب الذين يتمتعون بالحصانة البرلمانية. وتنص المادة 97 من نظام البرلمان اللبناني على أنه «إذا لوحق النائب بالجرم المشهود، أو خارج دورة الانعقاد، أو قبل انتخابه نائباً تستمر الملاحقة في دورات الانعقاد اللاحقة، من دون الحاجة إلى طلب إذن المجلس، ولكن على وزير العدل أن يحيط المجلس علماً بالأمر في أي جلسة يعقدها، وللمجلس الحق عند الاقتضاء، وقف الملاحقة بحق النائب وإخلاء سبيله مؤقتاً أثناء الدورة إذا كان موقوفاً وذلك إلى ما بعد دورة الانعقاد».
ويواجه المحقق العدلي حتى الآن 18 دعوى قدمت ضده لكف يده عن الملف، جرى رفض معظمها في حين لم تبت المحاكم بما تبقى منها، ويعترف رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق القاضي غالب غانم، بأنه «لم يسبق أن شهد هذا الكم من الدعاوى بحق قاضٍ طيلة مسيرته القضائية التي دامت 45 عاماً». وأوضح القاضي غانم لـ«الشرق الأوسط»، أن «دعاوى الرد ضد القضاة هي حق يكفله القانون للمتهمين أو المدعى عليهم، لضمان حقوقهم والدفاع عن أنفسهم، ولكن ضمن المنطق». ورأى أنه «من واجب المحاكم النظر بصوابية هذه الدعاوى من عدمها وأن تعالج أي خلل إذا ما وجد».
وتثير الدعاوى المشار إليها غضب وكلاء المتضررين من انفجار المرفأ بسبب عرقلة التحقيق، والتأخر في صدور القرار الاتهامي، ويبحث هذا الفريق عن مخارج قانونية تطلق يد المحقق العدلي مجدداً، واعتبر المحامي مازن حطيط، أحد وكلاء الادعاء المتطوعين الذين يمثلون الضحايا المهمشين (الأجانب الذين لا يستطيعون دفع تكاليف توكيل محامين)، أن هذه الدعاوى «تخطت الحق القانوني للدفاع». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أصبحنا في إطار التعطيل المقصود لوقف التحقيقات، وأمام تعدٍ مقصود على التحقيق دخل فيه للأسف بعض القضاة، بينها ارتكابات القاضي حبيب مزهر، الذي جمد التحقيق لأسابيع عدة». ورأى أنه «ما دام يتردد القضاء ولا سيما مجلس القضاء الأعلى وهيئة التفتيش القضائي في المعالجة، ولا يضع حداً لهذه الارتكابات فسنمضي بالتعسف».
وفي غياب النصوص القانونية التي تحد من هذه الدعاوى، دعا المحامي حطيط محاكم التمييز إلى «وضع حد لهذا التعسف، وأن تعطي الحق للمتضررين بالمطالبة بتعويضات عند رد الدعاوى المقدمة من المدعى عليهم والتي تعرقل مسار التحقيق، لتكون بمثابة إجراءات ردعية». وشدد على أن فريق الدفاع عن المتضررين «يدرس الوسائل القانونية التي تحمي حقوق الموكلين، منها تقديم دعاوى ضد قضاة المنظومة السياسية الذين يسهمون بعرقلة التحقيق»، لافتاً إلى أن «هذه الخطوات القضائية ستبدأ مطلع السنة المقبلة، مع استشراس المنظومة في مواجهة التحقيق بعد سقوط الصفقة المزعومة، وعزمها على حماية أزلامها الملاحقين بملف المرفأ».
من جهته، اعتبر أحد وكلاء الدفاع عن النائبين علي حسن خليل وغازي زعيتر، أن «الدعوى التي قدمت قبل أيام قليلة أمام محكمة التمييز برئاسة القاضي ناجي فيها، تتضمن كل أسباب رد القاضي طارق البيطار، وفيها ما يكفي من عناصر الارتياب في أدائه». ولا يتخوف المحامي الذي رفض ذكر اسمه، من نتائج رفض هذه الدعوى إذا حصل ذلك، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هي ليست نهاية المطاف وقد نتقدم بدعاوى جديدة مماثلة». وعما إذا كانت إجراءات المحقق العدلي تحرج النواب المدعى عليهما بملف المرفأ، خصوصاً بعد أن وضعت النيابة العامة التمييزية مذكرة التوقيف الغيابية بحق النائب خليل موضع التنفيذ بعد انتهاء الدورة العادية للبرلمان، شدد المحامي المذكور على أن «الفريق القانوني للنائبين خليل وزعيتر لا يخوض سباقاً مع الوقت خلال انعقاد الدورة العادية للمجلس النيابي أو بعدها». وتابع: «لا نخشى انتهاء الدورة العادية للمجلس ولن نتوقف عند هذا الأمر، أما بخصوص مذكرة التوقيف بحق النائب علي حسن خليل فهي لا تعنينا لأنها غير قانونية».



​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
TT

​تأثيرات كارثية للصقيع في اليمن على السكان والزراعة

مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)
مزارعان يمنيان يتحسران على تلف مزروعاتهما بسبب شدة الصقيع (إكس)

يتكبد المزارعون اليمنيون خسائر كبيرة بسبب موجة الصقيع التي تشهدها البلاد بفعل الموجة الباردة التي تمر بها منطقة شبه الجزيرة العربية تزامناً مع عبور منخفض جوي قطبي، فيما يحذر خبراء الأرصاد من اشتدادها خلال الأيام المقبلة، ومضاعفة تأثيراتها على السكان والمحاصيل الزراعية.

واشتكى مئات المزارعين اليمنيين في مختلف المحافظات، خصوصاً في المرتفعات الغربية والوسطى من تضرر محاصيلهم بسبب الصقيع، وتلف المزروعات والثمار، ما تسبب في خسائر كبيرة لحقت بهم، في ظل شحة الموارد وانعدام وسائل مواجهة الموجة، مع اتباعهم طرقاً متعددة لمحاولة تدفئة مزارعهم خلال الليالي التي يُتوقع فيها زيادة تأثيرات البرد.

وشهد عدد من المحافظات تشكّل طبقات رقيقة من الثلج الناتجة عن تجمد قطرات الندى، خصوصاً فوق المزروعات والثمار، وقال مزارعون إن ذلك الثلج، رغم هشاشته وسرعة ذوبانه، فإنه أسهم في إتلاف أجزاء وكميات من محاصيلهم.

وذكر مزارعون في محافظة البيضاء (270 كيلومتراً جنوب شرقي صنعاء) أن موجة الصقيع فاجأتهم في عدد من الليالي وأتلفت مزروعاتهم من الخضراوات، ما دفعهم إلى محاولات بيع ما تبقى منها قبل اكتمال نضوجها، أو تقديمها علفاً للمواشي.

خضراوات في محافظة عمران أصابها التلف قبل اكتمال نضجها (فيسبوك)

وفي مديرية السدة التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء)، اشتكى مزارعو البطاطس من تلف الثمار خلال الأيام الماضية، بينما كانوا ينتظرون اكتمال نضوجها للبدء في تسويقها ونقلها إلى منافذ البيع.

ويعتزم غالبية المزارعين التوقف عن الزراعة خلال الأسابيع المقبلة حتى تنتهي موجة الصقيع، مشيرين إلى أن تأثير الموجة يكون أشد على المزروعات في بداية نموها، بينما يمكن للمزروعات التي نمت بشكل كافٍ أن تنجو وتكمل نموها، إلا أنها لن تصل إلى مستوى عالٍ من الجودة.

أسبوع من الخطر

في غضون ذلك حذّر مركز الإنذار المبكر في محافظة حضرموت السكان من موجة برد شديدة، وتشكّل الصقيع على مناطق الداخل، خلال الأيام المقبلة، داعياً إلى اتخاذ أقصى التدابير، واتباع الإرشادات الصحية للوقاية من ضربات البرد القارس، واستخدام وسائل التدفئة الآمنة مع رعاية كبار السن والأطفال من تأثيراتها.

طفلة يمنية بمحافظة تعز تساعد عائلتها في أعمال الزراعة (فيسبوك)

ونبّه المركز المزارعين لضرورة اتباع إرشادات السلامة لحماية محاصيلهم من آثار تشكل الصقيع المتوقع تحديداً على المرتفعات والأرياف الجبلية في مختلف المحافظات.

وخصّ بتحذيراته الصيادين والمسافرين بحراً من اضطراب الأمواج، واشتداد الرياح في مجرى المياه الإقليمية وخليج عدن وحول أرخبيل سقطرى في المحيط الهندي، وسائقي المركبات في الطرق الطويلة من الغبار وانتشار العوالق الترابية نتيجة هبوب رياح نشطة السرعة، وانخفاض مستوى الرؤية الأفقية.

وطالب المركز باتخاذ الاحتياطات لتجنيب مرضى الصدر والجهاز التنفسي مخاطر التعرض للغبار خاصة في المناطق المفتوحة والصحراوية.

وتتضاعف خسائر المزارعين في شمال اليمن بسبب الجبايات التي تفرضها الجماعة الحوثية عليهم، فعلى الرغم من تلف محاصيلهم بسبب الصقيع، فإن الجماعة لم تعفهم من دفع المبالغ المقررة عليهم، خصوصاً أنها - كما يقولون - لجأت إلى فرض إتاوات على محاصيلهم قبل تسويقها وبيعها.

طبقة من الثلج تغطي خيمة نصبها مزارع يمني لحماية مزروعاته من الصقيع (إكس)

ومن جهتهم، حذّر عدد من خبراء الأرصاد من خلال حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي من موجة برد شديدة تستمر حتى مطلع الأسبوع المقبل، على مختلف المناطق والمحافظات، بما فيها الصحارى، وتصل فيها درجة الحرارة إلى ما دون الصفر، مع احتمالات كبيرة لإتلاف مختلف المزروعات والمحاصيل.

صقيع وجراد

وتؤثر موجات الصقيع على أسعار الخضراوات والفواكه بسبب تراجع الإنتاج وارتفاع تكلفته، وإلى جانب ذلك تقل جودة عدد من المنتجات.

وأوضح خبير أرصاد في مركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية أن كتلة هوائية قطبية بدأت، أخيراً، التقدم باتجاه المناطق الشمالية والصحراوية، مع هبوب الرياح الشمالية الجافة، متوقعاً أن تسهم في إثارة ونقل كميات كبيرة من الغبار يمتد تأثيرها إلى خارج البلاد.

يمني في محافظة ذمار يتجول على دراجته ملتحفاً بطانية (فيسبوك)

ووفق الخبير الذي طلب التحفظ على بياناته، بسبب مخاوفه من أي عقوبات توقعها الجماعة الحوثية عليه بسبب حديثه لوسائل إعلام غير تابعة لها، فمن المحتمل أن تكون هذه الكتلة الهوائية القطبية هي الأشد على البلاد منذ سنوات طويلة، وأن تمتد حتى السبت، مع وصول تأثيراتها إلى كامل المحافظات.

وبيّن أن التعرض للهواء خلال هذه الفترة قد يتسبب في كثير من المخاطر على الأفراد خصوصاً الأطفال وكبار السن، في حين سيتعرض كثير من المزروعات للتلف، خصوصاً في المرتفعات والسهول المفتوحة، مع احتمالية أن تنخفض هذه المخاطر على المزارع في الأودية والمناطق المحاطة بالمرتفعات.

ووفقاً للخبراء الزراعيين، فإن الصقيع يتسبب في تجمد العصارة النباتية في أوراق النباتات وسيقانها الطرية، وبمجرد شروق الشمس، وتغيّر درجات الحرارة، تتشقق مواضع التجمد أو تذبل، تبعاً لعوامل أخرى.

تحذيرات أممية من عودة الجراد إلى اليمن خلال الأسابيع المقبلة (الأمم المتحدة)

وطبقاً لعدد من الخبراء استطلعت «الشرق الأوسط» آراءهم، فإن تأثيرات الصقيع تختلف بحسب تعرض المزارع للرياح الباردة، إلا أن تعرض المزروعات للرياح الباردة في المرتفعات لا يختلف كثيراً عن وقوع نظيرتها في الأودية والسهول تحت تأثير الهواء الساكن شديد البرودة.

وفي سياق آخر، أطلقت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) تحذيراً من غزو الجراد في اليمن، بعد انتشار مجموعات قليلة منه على سواحل عدة دول مطلة على البحر الأحمر، بما فيها السواحل اليمنية.

وتوقعت المنظمة في تقرير لها أن تزداد أعداد الجراد وتتكاثر في اليمن خلال فصل الشتاء، وأن تتجه الأسراب إلى سواحل البحر الأحمر للتكاثر، ما سيؤدي إلى زيادة كبيرة في أعداد الجراد في المنطقة، بما يشمل اليمن.

ويعدّ الجراد من أكثر التهديدات التي تواجهها الزراعة في اليمن، ويخشى أن يؤثر وصول أسرابه إلى البلاد على الأمن الغذائي.