في عام 1992، خسر نيولز أولد بويز بقيادة المدير الفني الأرجنتيني مارسيلو بيلسا بسداسية نظيفة أمام سان لورينزو في دور المجموعات من كأس كوبا ليبرتادوريس، وهو الأمر الذي جعل المدرب يشعر باليأس. كان بيلسا في ذلك الوقت مديراً فنياً شاباً طموحاً ومثالياً، وكان قد فاز بلقب الدوري الأرجنتيني في موسم 1990 – 1991، لكن بعد ذلك لم يحقق فريقه الفوز إلا في تسع مباريات فقط في عام 1991 بأكمله. فهل كانت أساليبه في التدريب غير فعالة؟ أم هل كانت رؤيته الكاملة لكرة القدم تنطوي على بعض العيوب؟
حبس بيلسا نفسه لمدة يومين في غرفته بفندق كونكويستادور بمقاطعة سانتا في الأرجنتينية، وظل يبكي. اتصل بزوجته لورا واعترف بأنه يعتقد أن مسيرته التدريبية قد تنتهي. وفي النهاية، جمع اللاعبين سوياً وسألهم عما إذا كانوا لا يزالون يؤمنون به. وسألهم عما إذا كان يجب تغيير طريقة اللعب، أم لا يزال يتعين عليهم أن يلعبوا بنفس الطريقة، مع الضغط على الخصم بشكل أكثر قوة وشراسة. وأكد اللاعبون أنهم ما زالوا يثقون به، وهو الأمر الذي شجع بيلسا كثيراً.
وانتهت المباراة التالية بالتعادل السلبي أمام أونيون دي سانتا. صحيح أن الفريق لم يقدم عرضاً جيداً في تلك المباراة، لكنها كانت مجرد بداية نحو تصحيح المسار، حيث لم يخسر الفريق سوى مباراة واحدة بعد ذلك وفاز بلقب الدوري الأرجنتيني ووصل إلى المباراة النهائية لكأس كوبا ليبرتادوريس، وخسر بركلات الترجيح أمام نادي ساو باولو، الذي كان يتولى تدريبه البرازيلي الشهير تيلي سانتانا، ويقوده النجم الرائع راي. وأصبح يُنظر إلى الهزيمة المذلة بسداسية نظيفة أمام سان لورينزو على أنها جزء من أسطورة بيلسا باعتبارها لحظة الشك الكبرى قبل بزوغ فجر جديد.
وإذا كان هناك أمل في أن تكون الهزيمة المذلة أمام مانشستر سيتي بسباعية نظيفة الأسبوع الماضي لها تأثير مماثل، فقد تبدد ذلك الأمل بسرعة كبيرة في المباراة التالية أمام آرسنال، حيث سدد لاعبو المدفعجية أربع تسديدات على مرمى ليدز يونايتد خلال الدقائق الخمس الأولى، وتقدموا بهدفين دون رد خلال نصف الساعة الأولى (وحتى تلك اللحظة كان عدد تسديدات لاعبي آرسنال في تلك المباراة فقط هو نفس عدد تسديدات لاعبي توتنهام على مرمى الفرق المنافسة طوال شهر سبتمبر (أيلول). وبنهاية الشوط الأول، كان آرسنال قد أحرز هدفاً ثالثاً لتصبح النتيجة ثلاثة أهداف مقابل لا شيء. ولو كان هناك أي شك من قبل، فقد تلاشت تلك الشكوك تماماً، حيث أصبح ليدز يونايتد يواجه شبح الهبوط لدوري الدرجة الأولى، وهي المعركة التي يبدو – على الأقل في الوقت الحالي – أنه لا يملك الأدوات والأسلحة التي تمكنه من خوضها.
من المؤكد أن بيلسا ارتكب الكثير من الأخطاء، لكن يجب الإشارة إلى أن العامل الأساسي في تلك الخسائر هو الإصابات التي عصفت بالفريق والتي أدت لغياب العديد من العناصر الأساسية، وهو الأمر الذي كان له تأثير هائل، خصوصاً في ناد لديه قائمة صغيرة نسبياً من اللاعبين، وثاني أقل فاتورة رواتب في الدوري الإنجليزي الممتاز بأكمله.
هناك شيء غير مريح إلى حد ما في حقيقة أن ليدز يونايتد، رغم كل الإصابات التي يعاني منها، ربما يرحب بتأجيل المباريات إذا تم استبعاد عدد قليل من اللاعبين الذين يثبت أنهم كانوا على اتصال وثيق بشخص ثبتت إصابته بفيروس «كورونا». ورغم ذلك، فإن ليدز يونايتد يعد أحد الأندية الثلاثة التي لديها أعلى معدل تطعيمات بلقاحات «كورونا» في الدوري الإنجليزي الممتاز، ومن الصعب تجنب الشعور بأن كفاءة النادي في هذا الأمر قد جاءت بنتيجة عكسية.
حتى بدون أي غيابات متعلقة بفيروس «كورونا»، فقد ليدز يونايتد 11 لاعباً في مباراة السبت الماضي أمام آرسنال، من بينهم تسعة على الأقل يشاركون بشكل شبه منتظم، وسبعة لاعبين في خط الدفاع وحده! كان هذا يعني أن لوك أيلينغ، الذي كان يعاني من المرض مضطراً للدخول في قائمة الفريق، كما أجبر ليدز على إعادة روبن كوتش في وقت مبكر عما كان يرغب بعد خضوع اللاعب لعملية جراحية في الفخذ. وزاد الأمر سوءاً بخروج جاك هاريسون وهو يعرج خلال الشوط الأول.
لقد قيل إن الطريقة التي يلعب بها بيلسا هي التي أدت إلى هذا العدد الكبير من الإصابات. صحيح أن المدرب الأرجنتيني يطلب من لاعبيه القيام بالعديد من المهام، لكن إذا كانت طريقة تدريبه هي السبب في تلك الإصابات، فلماذا لم نر هذا العدد الكبير من الإصابات من قبل؟ ثم مرة أخرى، يجب التأكيد على أن هذه هي المرة الأولى التي يواصل فيها بيلسا العمل مع أي نادٍ للموسم الرابع، وهو ما يعني أننا في منطقة مجهولة من حيث التأثير المستمر لأساليبه وطرق تدريبه.
يتمثل النقد الأساسي لبيلسا في أنه يبالغ في الهجوم على حساب النواحي الدفاعية، وأن الضغط العالي الذي يمارسه لاعبو فريقه على المنافس يؤدي إلى ظهور مساحات كبيرة في الخط الخلفي. ومن الواضح أن هذه المشكلة كانت واضحة للغاية هذا الموسم، لا سيما خلال الهزيمة أمام مانشستر يونايتد بخمسة أهداف مقابل هدف، وأمام مانشستر سيتي بسباعية نظيفة. لكن إذا استبعدنا نتائج المباريات أمام الأندية الأربعة الأوائل في جدول ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، فسنكتشف أن سجل ليدز يونايتد الدفاعي معقول إلى حد ما، حيث اهتزت شباكه 14 مرة في 13 مباراة قبل يوم السبت. لكن المشكلة الحقيقة تكمن في خط الهجوم، خصوصاً في ظل غياب المهاجم الأول للفريق باتريك بامفورد عن معظم المباريات بسبب الإصابة، حيث لم يسجل ليدز يونايتد سوى 17 هدفاً فقط في 17 مباراة.
وعلاوة على ذلك، أوضحت المباريات الأخيرة أن الفريق يعاني من مشكلة دفاعية كبيرة، نظراً لأن لاعبي هذا الخط يشتتون الكرة في منتصف ملعبهم، في ظل اختفاء لاعبي خط الوسط تماماً وعدم قيامهم بالدور الدفاعي كما ينبغي وعدم الربط مع خط الهجوم بمجرد استخلاص الكرة. لقد كان لاعبو آرسنال يتجولون في الملعب بدون أي رقابة أو ضغط قوي من لاعبي ليدز يونايتد. إن طريقة بيلسا، التي تعتمد على المخاطرة والضغط العالي، تنطوي على نقطة سلبية خطيرة وهي أن الأمور يمكن أن تسوء كثيراً في حال لم يطبق اللاعبون ما هو مطلوب منهم على النحو الأمثل، وهو الأمر الذي رأيناه جميعاً في الشوط الأول أمام آرسنال. وحتى عندما تماسك الفريق بعض الشيء في الشوط الثاني، لم يكن ذلك كافياً للعودة في نتيجة المباراة.
لقد بدأ بيلسا، وللمرة الأولى، يتعرض للاستجواب. فهل بدأ مشروعه يخرج عن المسار الصحيح، أم أنه وبكل بساطة لا يمكن لأي مدير فني أن يتأقلم مع غياب نصف فريقه الأساسي؟
ورفض بيلسا ما تردد عن نيته تقديم الاستقالة، لكنه أقر في الوقت ذاته بأنه قد لا يكون في مأمن من الإقالة على خلفية تردي النتائج، وتراجع ليدز للمركز السادس عشر برصيد 16 نقطة، متقدماً بفارق خمس نقاط عن أول المهددين بالهبوط (بيرنلي). لقد استعرت الحرب الكلامية بعد أكبر هزيمة في الدوري في تاريخ ليدز، وزاد الحديث عن أن بيلسا قد يغادر ملعب «إيلاند رود» قبل أن تتم إقالته، على خلفية عدم فوز فريقه إلا بثلاث مباريات فقط في الدوري هذا الموسم، مقابل 7 تعادلات و8 هزائم، في تناقض صارخ مع المركز التاسع الذي احتله في الموسم الماضي 2020 - 2021 عقب عودته إلى الدوري الممتاز.
ورداً على سؤال عما إذا كان يخشى إقالته، قال بيلسا: «هل تعتقد أن هناك مدرباً لا يمكن إقالته، أو غير قابل للإقالة؟ هل تعتقد أنني ساذج لدرجة أنني أعتقد أنه لا يمكن إقالتي؟ هل تعتقد أنه بعد الخسارة صفر - 7 ثم 1 - 4 يمكنني التخلص من حالة عدم الاستقرار؟ بالطبع وظيفة المدرب ليست مستقرة. ليس لدي أي شيء يجعلني محصناً من هذه الخاصية».
غير أن مدرب منتخب الأرجنتين السابق، البالغ 66 عاماً والذي كان العقل المدبر خلف عودة ليدز إلى الدوري الممتاز بعد غياب دام 16 عاماً، ليس لديه أي نية للرحيل في خضم معركة النادي لتجنب الهبوط. وأوضح «بالطبع سأواصل القتال حتى نهاية الموسم. أعتقد دائماً أنه في الشدائد يجب أن تقاتل وسأقاتل حتى نهاية الموسم دون أي شك. أتمنى ألا يحدث شيء لا يسمح لي بالتصرف بناءً على ما قلته».
ورغم الانتقادات التي تطال بيلسا، فإنه يتمتع بشعبية كبيرة لدى معظم جماهير النادي، لكن المدير الفني الأرجنتيني أقر بأنه يمر بأصعب فترة له في ليدز.
هل فقد بيلسا سحره وباتت أيامه معدودة مع ليدز؟
الهزيمتان القاسيتان أمام سيتي وآرسنال هزتا عرش المدرب الأرجنتيني... لكنه وعد بالقتال من أجل إبقاء الفريق في الدوري الممتاز
هل فقد بيلسا سحره وباتت أيامه معدودة مع ليدز؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة