أميركا تحاول رسم دور إيران الإقليمي «المقبول»... وإسرائيل لضمان خلوه من «أسنان نووية»

استبعاد «اختراق» في محادثات فيينا... وتشكيك برغبة طهران في التوصل إلى اتفاق

أميركا تحاول رسم دور إيران الإقليمي «المقبول»... وإسرائيل لضمان خلوه من «أسنان نووية»
TT

أميركا تحاول رسم دور إيران الإقليمي «المقبول»... وإسرائيل لضمان خلوه من «أسنان نووية»

أميركا تحاول رسم دور إيران الإقليمي «المقبول»... وإسرائيل لضمان خلوه من «أسنان نووية»

لا توحي تسريبات المشاركين في جولة المفاوضات النووية السابعة التي انطلقت يوم الاثنين الماضي في العاصمة النمساوية فيينا، حتى اللحظة، بإمكانية تحقيق «اختراقات» سريعة، تعيد الطرفين الأميركي والإيراني المعنيين الأساسيين، إلى التزاماتهما في الاتفاق النووي الموقّع عام 2015.
المفاوضون الأوروبيون تحدثوا عن «مهلة» غير مفتوحة، إلا أنهم خفّفوا لاحقاً من ضغط المهل، مشيرين إلى «جولة مفتوحة» بشكل معقول، إلى حين حلّ كل الخلافات. بيد أن عوامل عدة تقف في وجه التفاؤل بإمكانية حصول هذا الاختراق. فمن ناحية، هناك التقدم الحاصل في البرنامج النووي الإيراني نفسه، منذ خرق طهران التزاماتها في الاتفاق، ومن ناحية مقابلة، الشروط الأميركية، التي يعود بعضها إلى معوقات دستورية لا يمكن لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاوزها.
ثمة شبه إجماع على أن العودة إلى طاولة المفاوضات النووية في جولتها السابعة الحالية، ما كانت لتحصل، لو لم تقدم واشنطن تنازلاً لا يستهان به. وهذا، مع أنه لم يكُن من «كيسها»، وتعتقد بمحدوديته في نهاية المطاف، وتمثّل في قبولها باستبعاد البحث في برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، وبسياسات طهران المزعزعة في المنطقة.
البعض يتحدث عن قبول أميركي بدور «إقليمي ما» لإيران، مقابل تخلي الأخيرة عن طموحاتها الكبيرة في المنطقة، في حين تتعاون أطراف إقليمية ودولية - ولو بشكل غير مباشر مع واشنطن - على «تقليم أظافر» إيران، في ظل الضربات المتتالية التي تتلقاها، سواء من إسرائيل أو من الحراك السياسي والشعبي في دول «الهلال الشيعي»، وانتكاسات حربها في اليمن. ثم هناك أيضاً موقف الصين وروسيا، إذ على رغم دورهما المزدوج، في استخدام إيران في صراعهما مع واشنطن، فهما لن تهضما وجود «لاعب نووي» جديد على حدودهما.
لقد كان لافتاً على سبيل المثال، طرح مجموعة من النواب الديمقراطيين والجمهوريين الأميركيين يوم الأربعاء، مشروع قانون يدعو إلى فرض عقوبات على برنامج الطائرات الإيرانية المسيّرة وعلى المزوّدين، بصفتها «أكبر مصدر للإرهاب في العالم». بيد أن تمرير مجلس النواب للمشروع، كما هو متوقع، يرسل من ناحية، إشارة واضحة عن «حدود» الدور المقبول لإيران، وعن الأدوات التي تمتلكها واشنطن، لإجبار قادتها على «التواضع» في طموحاتهم، وتطمين دول المنطقة من ناحية أخرى.
- تشدّد طهران
من ناحية أخرى، تبدي إيران موقفاً متشدداً، عبر تمسكها برفع العقوبات التي أصابت اقتصادها بالشلل، والحصول على ضمانات بألا تلغي أي إدارة أميركية مقبلة الاتفاق الجديد، وبأن «مسوّدات التفاوض تخضع للتفاوض، وما لم يتم الاتفاق على كل شيء فإنه لن يتم الاتفاق على أي شيء»، بحسب كبير مفاوضيها علي باقري كني. لكن مراقبين يعتقدون أن تشددها هذا موجّه للداخل الإيراني فقط. والسبب أن تحقيق هذين الشرطين مرفوض من واشنطن، بل إن إيران تدرك ذلك.
ذلك أن العقوبات لن تُرفع قبل تعهّد طهران بالتراجع عن خطواتها بزيادة مستوى تخصيب اليورانيوم، الذي تواصله في منشآتها النووية، واحدة تلو أخرى. وهو ما تعتبره واشنطن مكافأة لسياسات التحدّي التي تمارسها القيادة الإيرانية، وتخشى أن تتحول نموذجاً لأطراف أخرى، وممارسة سياسات شبيهة، للحصول على تنازلات منها في ملفاتهم الخلافية معها.
إيران عادت إلى المفاوضات، متخلية عن الشروط المُسبقة لرئيسها الجديد إبراهيم رئيسي، وقبلت بمخرجات الجولات الست السابقة كأساس يبنى عليه، على ما أكده المنسق الأوروبي في المفاوضات، إنريكي مورا، وهذا في ظل تحذيرات إسرائيل من إمكانية «اتخاذ إجراء فردي» في حال جرى «تخفيف العقوبات من دون ضمانات بشأن البرنامج النووي الإيراني».
- إسرائيل لن تقف ساكنة
في هذه الأثناء، كان السيناتور الأميركي الجمهوري البارز جيم ريش، قد حذّر من أن إسرائيل «لن تقف ساكنة في حال اقتربت إيران من امتلاك سلاح نووي». وأردف: «أنا لا أتخوّف من إقدام إسرائيل على ضرب إيران، بل أنا واثق من أنها ستفعل». وتابع ريش، أنه تحدث مع إدارة الرئيس بايدن، ونصح البيت الأبيض بأن يكون مستعداً عندما يتلقى «الاتصال»، لإبلاغ الإدارة بأن إسرائيل ضربت إيران. ثم استطرد: «سألتهم ماذا ستفعلون عند تلقي الاتصال؟ هل ستقفون وراء إسرائيل متفرّجين؟ أم ستدعمونها في المعركة؟». ومن ثم، أكد السيناتور الجمهوري أن الكونغرس بحزبيه ملتزم بدعم إسرائيل.
وعليه، يرى البعض في واشنطن أن إسرائيل أوصلت رسالة واضحة، وجولات مسؤوليها على فرنسا وبريطانيا، قبيل بدء المفاوضات وخلالها، هي جزء من سياسة «رسم الخطوط» المقبولة من قبلها للدور الإيراني الإقليمي الذي يمكنها «التعايش» معه، شرط نزع «أسنانها النووية».
غنيٌّ عن القول، إن إدارة بايدن أعلنت منذ اليوم الأول لتسلّمها مفاتيح البيت الأبيض، أن العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، هو جزء من جهودها لإلغاء سياسات إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب، وتجديد تجربة الرئيس السابق باراك أوباما في «الشراكة الاقتصادية الإيجابية» معها، علّها تتحوّل إلى عنصر استقرار في المنطقة. غير أن هذه الإدارة تدرك، في المقابل، أن الطريق في واشنطن ليست معبّدة، في ظل اعتراضات الجمهوريين وبعض الديمقراطيين على حد سواء، وخلافاتهم مع الرئيس بايدن. وبايدن نفسه يدرك أن استثمار أي «إنجاز» في هذا المجال، لا يمكن توظيفه داخلياً مع توالي انتكاسات الديمقراطيين قبل أقل من سنة من موعد انتخابات التجديد النصفية، والتراجع الكبير في تأييد الأميركيين له في استطلاعات الرأي.
لقد حرصت إدارة بايدن على تقديم رسالة اطمئنان للأميركيين، بأنها «لن تفرّط» في تحقيق هدفها الرئيس، بمنع إيران «من امتلاك سلاح نووي وتقييد برنامجها والتصدّي لسلوكها المزعزع للاستقرار»، على حد قول المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي.
ورغم وصف وزارة الخارجية الأميركية الاختراقات النووية الأخيرة - وخصوصاً الكلام عن اقتراب طهران من تخصيب اليورانيوم بنسبة 90 في المائة من النقاء - بأنها «شائعات»، قالت الوزارة إن ذلك سيكون عملاً «استفزازياً». وحذّرت من أن مواصلة إيران التصعيد النووي «غير بناء»، فضلاً عن تعارضه مع هدف العودة إلى الامتثال للاتفاق النووي، ولا يوفر لها أي نفوذ تفاوضي. كذلك نبّهت غالينا بورتر، نائبة الناطق باسم الخارجية، أنه «إذا طلبت إيران أكثر من مجرد العودة المتبادلة إلى الاتفاق أو عرضت أقل من ذلك، فلن تنجح المفاوضات». وهو ما دفع مسؤولين أميركيين للتأكيد على أن «توقعاتهم منخفضة للغاية» من جولة المفاوضات الجارية، وأن الإيرانيين «ليسوا جاهزين بعد للتفاوض بجدية»، وأن «الخيارات» الأخرى ما زالت مطروحة على الطاولة.
- اعتراضات جمهورية تهدد أي اتفاق
في سياق متصل، رفع الجمهوريون من لهجتهم، وهدّدوا إدارة بايدن وإيران معاً، بأن حظوظ تمرير أي اتفاق جديد لا يستوفي شروطهم، ويدفع على الأقل بمدة الاتفاق الأول التي شارفت على الانتهاء، لن يمرّ في مجلسي الشيوخ والنواب. وقالوا إنهم سيعودون عنه، بمجرد تسلمهم مقاليد الحكم، سواء بعد انتخابات 2022 النصفية، أو بعد انتخابات الرئاسة عام 2024 خصوصاً، التي يثقون بأنها ستعيدهم إلى البيت الأبيض. وعلى الرغم من أنه لن تصدر مواقف «ديمقراطية» جديدة، باستثناء موقف السيناتور الديمقراطي بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، المعارض، مع بعض الديمقراطيين، فإن معارضته هذه تحمل مغزىً كبيراً. فهي تذكّر بايدن بالتوازن «الدقيق» في الكونغرس - حيث تتساوى مقاعد الديمقراطيين تماماً مع الجمهوريين - ناهيك عن غالبية «هشة» في مجلس النواب؛ حيث الولاء لصندوق الاقتراع ومزاج الناخبين.
وهنا، صبّ الجمهوريون جام غضبهم على بايدن، محذّرين من أنه استعاض عن سياسة «الضغوط القصوى» على إيران بسياسة «التنازلات القصوى». ودعا السيناتور الجمهوري بيل هاغرتي مجلس الشيوخ إلى التصويت على مشروع قانون طرحه لإلزام الإدارة الأميركية بالحصول على موافقة الكونغرس قبل أي رفع للعقوبات. وقال هاغرتي إنه تمكن من حشد الدعم لمشروعه هذا ليصل عدد الداعمين إلى 34 سيناتوراً. وهذا عدد كافٍ لعرقلة أي طرح للاتفاق النووي كمعاهدة في مجلس الشيوخ، لأن المعاهدات تتطلب غالبية ثلثي الأصوات من أصل 100 لإقرارها رسمياً.
وأضاف هاغرتي: «من المثير للغضب أن روب (روبرت) مالي، مفاوض بايدن، يريد أن يزايد على الاتفاق النووي، وأن يقدّم رشوة للنظام الإيراني من خلال رفع تام للعقوبات». وبالمناسبة، يحمّل الجمهوريون مالي، ومستشار بايدن لشؤون الأمن القومي الحالي جايك سوليفان، المسؤولية عن «هندسة» مسار المفاوضات مع إيران والنتائج التي ترتّبت عنها، منذ إدارة الرئيس السابق باراك أوباما. وهم يعتقدون أن خلفيات مالي «اليسارية»، ومواقفه السلبية من دول المنطقة، بما فيها إسرائيل، جعلته يتعامل مع إيران على أنها دولة يحكمها نظام «تحرّر وطني». ولقد حذّر السيناتور الجمهوري ماركو روبيو من أي رفع للعقوبات عن طهران قبل «أن يتخلى النظام الإيراني عن هدفه بتطوير أسلحة نووية لتهديد المنطقة وإسرائيل». وغرّد روبيو على «تويتر» قائلاً: «حملة الضغط القصوى كانت ناجحة».
أما في مجلس النواب، فقد وجّه 20 نائباً جمهورياً رسالة إلى البيت الأبيض لإبلاغ الرئيس بايدن بأنهم مستعدون لعرقلة أي مساعٍ لمساعدة إيران على إعادة مليارات الدولارات من الأموال التي سبق تجميدها في ظل حملة الضغط التي نفذتها إدارة ترمب. واتهمت الرسالة إدارة بايدن بتجنب وضع الكونغرس في صورة ما يجري بشأن العقوبات وترك النواب «في الظلام» فيما يتعلق بخططها لإضعاف إنفاذ العقوبات وتخفيفها عن إيران، على حد تعبيرهم.
- الصين لاعب أساسي
غير أن رفع العقوبات ليس التخوف الوحيد الذي يعبّر عنه الجمهوريون في واشنطن. فهم يتهمون إدارة بايدن بالتغاضي عن تطبيق العقوبات الموجودة، التي لم ترفع بعد، وبأن وزارتي الخزانة والخارجية تتجاهلان فرض العقوبات على كل من إيران والصين، رغم تجارتهما غير الشرعية بالنفط. ولقد كتب النواب الجمهوريون: «على الرغم من أن كثيراً من العقوبات التي فرضها الرئيس ترمب لا تزال موجودة تقنياً، لكن إدارتك امتنعت عمداً عن فرض هذه العقوبات على إيران ووكلائها. وبشكل خاص، فإن الصين تواصل بصورة غير قانونية استيراد النفط من إيران، من دون أي عقوبات على البلدين». وغرّد النائب الجمهوري بات فالون عن فحوى الرسالة التي كتبها مع زملائه قائلاً: «يجب ألا نكافئ إيران على اعتداءاتها الأخيرة من خلال استئناف المباحثات النووية. ولذا أنا فخور بكتابة هذه الرسالة مع 20 من زملائي لتسليط الضوء على قلقنا من تجديد المفاوضات». وقال النائب الجمهوري جيم بانكس، أحد موقّعي الرسالة: «إن تنازلات بايدن القصوى جعلت إيران أكثر عدائية. وعندما يستعيد الجمهوريون سيطرتهم على الأغلبية في الكونغرس سنحرص على أن يكون أي إعفاء للعقوبات عن إيران من قبل إدارة بايدن مؤقتاً».
ويشير الجمهوريون إلى أنه منذ بدء المفاوضات مع النظام الإيراني، فإن دعمه للإرهاب تزايد وتخصيبه لليورانيوم وصل إلى أعلى درجاته. وذكرت الرسالة: «على الرغم من الضعف في فرض العقوبات ورفع العقوبات عن عدد من المجموعات الإيرانية ووكلائها كالحوثيين في اليمن ونظام الأسد في سوريا، فإن النظام الإيراني لم يعدّل من تصرفاته، بل أصبح وكلاؤه أكثر عدائية».
لكن هناك من يقول إن المفاوضات لن تثمر عن أي تقدم فقط، بل إن السياسات التي اتبعتها كل الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت قاصرة عن إجبار إيران على تغيير سلوكها وحساباتها. ويقول تقرير لـ«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، المحسوبة على الجمهوريين، إنه بغضّ النظر عن مقدار الأموال التي ستطلقها واشنطن أو «الضغوط القصوى» التي فرضت عليها، فإن إيران «ستواصل إذلال الأميركيين، طالما أن الولايات المتحدة وإسرائيل استبعدتا مراراً وتكراراً عدم تعطيل البرنامج النووي الإيراني بالقوة. وهو ما قوّض خوف النظام من التعرض لهجوم، وسمح للمرشد الأعلى، علي خامنئي، بمزيد من المناورة».
ويضيف التقرير؛ لقد أرادت جميع الإدارات الأميركية بصدق، وفي بعض الأحيان بشدة، التوصل إلى اتفاق، لكن طهران التي تتظاهر بأنها مهتمة بالدبلوماسية، تدرك أن واشنطن، التي تخشى حرباً أخرى في الشرق الأوسط، ستقدم مزيداً من التنازلات.
ويشدد البعض على أن توجيه الولايات المتحدة لمواردها السياسية والاقتصادية والعسكرية «لمنافسة» الصين، قد يجعل من الأخيرة، طرفاً حاسماً في المساومات الجارية معها، لضبط سلوك إيران، مقابل حصولها على أثمان في ملفات أخرى من واشنطن. إذ إن الصين اليوم هي أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، بعدما ارتفعت مبيعاتها منه إلى نحو 1.2 مليون برميل، من 200 ألف برميل في العام الماضي.
ومع اختيار إدارة بايدن، غير المشكوك فيه، التغاضي عن هذا الارتفاع، على أمل أن تلعب الصين دوراً في إقناع إيران بالعودة إلى الاتفاق النووي، تحولت بكين إلى الشريان المالي الأساسي لطهران... وهو ما يمنحها القدرة على الضغط عليها، في حال قررت ذلك. لكن الرهان على هذه المقايضة قد لا يوحي بالضرورة على أن المنافسة مع الصين قد تأخذ مسارات إيجابية، في ظل تمسّك إدارة بايدن بسياسات ترمب تجاهها.
- إيران ولعبة الوقت لامتلاك القنبلة النووية
> منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عهد الرئيس السابق دونالد ترمب في مايو (أيار) 2018 وفرضها عقوبات شاملة على طهران، وسّعت إيران تدريجياً نطاق أنشطتها النووية، واتخذت سلسلة من الخطوات الفنية الكبيرة، خلال هذا العام وحده، بما يمكّنها من استخدامها في برنامج أسلحة نووية، على الرغم من زعمها أن برنامجها النووي «مخصص للأغراض السلمية والمدنية فقط»! لقد راكمت إيران الآن مخزوناً من اليورانيوم المخصب أكثر من 11 ضعفاً للحدود التي حددها الاتفاق النووي عام 2015. واعتباراً من 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أنتجت 17.7 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للطاقة الذرية.
وفي 6 جولات من المفاوضات بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) في ظل الحكومة الإيرانية السابقة، حققت المباحثات حول كيفية عودة الولايات المتحدة وإيران إلى الامتثال للاتفاق تقدماً كبيراً، بحسب مسؤولين أوروبيين وأمميين. وتحدث هؤلاء عن صياغة الجانبين مسوّدة نص يغطي نحو 70 في المائة من نقاط الخلاف، على الرغم من وجود خلافات حول القضايا الرئيسة، مثل مدى تخفيف العقوبات الأميركية، وكمية أجهزة الطرد المركزي الإيرانية الأكثر تقدماً التي سيسمح لها بالعمل.
من جانبهم، الأوروبيون والروس والصينيون يدركون صعوبة رفع كل العقوبات الأميركية، وخصوصاً تلك المتعلقة بالإرهاب، التي لا يمكن إزالتها، إلا من قبل الكونغرس التي أقرها. وإذا كان الإيرانيون يراهنون على تقطيع الوقت، من أجل تحقيقهم اختراقاً لا يمكن ردّه في الحصول على القنبلة النووية، تصبح التساؤلات عن أسباب تعذر التوصل إلى اتفاق مشروعة. وبالذات، حول جدية إيران في التخلي أصلاً عن طموحاتها النووية، بما يؤمّن لها تحقيق هدفين رئيسيين؛ حماية النظام وديمومته، وحماية سياساتها التوسعية وتدخلاتها في المنطقة على حساب الدول العربية بالدرجة الأولى.



أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
TT

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)
Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

على خلفية ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الهندية بذلت جهداً استثنائياً للتواصل مع الدول الأفريقية عبر زيارات رفيعة المستوى من القيادة العليا، أي الرئيس ونائب الرئيس ورئيس الوزراء، إلى ما مجموعه 40 بلداً في أفريقيا بين عامي 2014 و2019. ولا شك أن هذا هو أكبر عدد من الزيارات قبل تلك الفترة المحددة أو بعدها.

من ثم، فإن الزيارة التي قام بها مؤخراً رئيس الوزراء الهندي مودي إلى نيجيريا قبل سفره إلى البرازيل لحضور قمة مجموعة العشرين، تدل على أن زيارة أبوجا (في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي) ليست مجرد زيارة ودية، وإنما خطوة استراتيجية لتعزيز القوة. مما يؤكد على التزام الهند ببناء علاقات أعمق مع أفريقيا، والبناء على الروابط التاريخية، والخبرات المشتركة، والمنافع المتبادلة.

صرح إتش. إس. فيسواناثان، الزميل البارز في مؤسسة «أوبزرفر» للأبحاث وعضو السلك الدبلوماسي الهندي لمدة 34 عاماً، بأنه «من خلال تعزيز الشراكات الاقتصادية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتعزيز التبادل الثقافي، تُظهِر الهند نفسها بصفتها لاعباً رئيسياً في مستقبل أفريقيا، في الوقت الذي تقدم فيه بديلاً لنهج الصين الذي غالباً ما يتعرض للانتقاد. إن تواصل الهند في أفريقيا هو جزء من أهدافها الجيوسياسية الأوسع نطاقاً للحد من نفوذ الصين».

سافر مودي إلى 14 دولة أفريقية خلال السنوات العشر الماضية من حكمه بالمقارنة مع عشر زيارات لنظيره الصيني شي جينبينغ. بيد أن زيارته الجديدة إلى نيجيريا تعد أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي لهذه الدولة منذ 17 عاماً. كانت الأهمية التي توليها نيجيريا للهند واضحة من حقيقة أن رئيس الوزراء الهندي مُنح أعلى وسام وطني في البلاد، وسام القائد الأكبر، وهو ثاني شخصية أجنبية فقط تحصل على هذا التميز منذ عام 1969، بعد الملكة إليزابيث الثانية؛ مما يؤكد على المكانة التي توليها نيجيريا للهند.

نجاح الهند في ضم الاتحاد الأفريقي إلى قمة مجموعة العشرين

كان الإنجاز الكبير الذي حققته الهند هو جهدها لضمان إدراج الاتحاد الأفريقي عضواً دائماً في مجموعة العشرين، وهي منصة عالمية للنخبة تؤثر قراراتها الاقتصادية على ملايين الأفارقة. وقد تم الإشادة برئيس الوزراء مودي لجهوده الشخصية في إدراج الاتحاد الأفريقي ضمن مجموعة العشرين من خلال اتصالات هاتفية مع رؤساء دول مجموعة العشرين. وكانت جهود الهند تتماشى مع دعمها الثابت لدور أكبر لأفريقيا في المنصات العالمية، وهدفها المتمثل في استخدام رئاستها للمجموعة في منح الأولوية لشواغل الجنوب العالمي.

يُذكر أن الاتحاد الأفريقي هو هيئة قارية تتألف من 55 دولة.

دعا مودي، بصفته مضيف مجموعة العشرين، رئيس الاتحاد الأفريقي، غزالي عثماني، إلى شغل مقعده بصفته عضواً دائماً في عصبة الدول الأكثر ثراء في العالم، حيث صفق له القادة الآخرون وتطلعوا إليه.

وفقاً لراجيف باتيا، الذي شغل أيضاً منصب المدير العام للمجلس الهندي للشؤون العالمية في الفترة من 2012 - 2015، فإنه «لولا الهند لكانت مبادرة ضم الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين قد فشلت. بيد أن الفضل في ذلك يذهب إلى الهند لأنها بدأت العملية برمتها وواصلت تنفيذها حتى النهاية. وعليه، فإن الأفارقة يدركون تمام الإدراك أنه لولا الدعم الثابت من جانب الهند ورئيس الوزراء مودي، لكانت المبادرة قد انهارت كما حدث العام قبل الماضي أثناء رئاسة إندونيسيا. لقد تأثرت البلدان الأفريقية بأن الهند لم تعد تسمح للغرب بفرض أخلاقياته».

التوغلات الصينية في أفريقيا

تهيمن الصين في الواقع على أفريقيا، وقد حققت توغلات أعمق في القارة السمراء لأسباب استراتيجية واقتصادية على حد سواء. بدأت العلاقات السياسية والاقتصادية الحديثة بين البر الصيني الرئيسي والقارة الأفريقية في عهد ماو تسي تونغ، بعد انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية الصينية. زادت التجارة بين الصين وأفريقيا بنسبة 700 في المائة خلال التسعينات، والصين حالياً هي أكبر شريك تجاري لأفريقيا. وقد أصبح منتدى التعاون الصيني - الافريقي منذ عام 2000 المنتدى الرسمي لدعم العلاقات. في الواقع، الأثر الصيني في الحياة اليومية الأفريقية عميق - الهواتف المحمولة المستخدمة، وأجهزة التلفزيون، والطرق التي تتم القيادة عليها مبنية من قِبل الصينيين.

كانت الصين متسقة مع سياستها الأفريقية. وقد عُقدت الدورة التاسعة من منتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر (أيلول) 2024، في بكين.

كما زوّدت الصين البلدان الأفريقية بمليارات الدولارات في هيئة قروض ساعدت في بناء البنية التحتية المطلوبة بشدة. علاوة على ذلك، فإن تعزيز موطئ قدم لها في ثاني أكبر قارة من حيث عدد السكان في العالم يأتي مع ميزة مربحة تتمثل في إمكانية الوصول إلى السوق الضخمة، فضلاً عن الاستفادة من الموارد الطبيعية الهائلة في القارة، بما في ذلك النحاس، والذهب، والليثيوم، والمعادن الأرضية النادرة. وفي الأثناء ذاتها، بالنسبة للكثير من الدول الأفريقية التي تعاني ضائقة مالية، فإن أفريقيا تشكل أيضاً جزءاً حيوياً من مبادرة الحزام والطريق الصينية، حيث وقَّعت 53 دولة على المسعى الذي تنظر إليه الهند بريبة عميقة.

كانت الصين متسقة بشكل ملحوظ مع قممها التي تُعقد كل ثلاث سنوات؛ وعُقدت الدورة التاسعة لمنتدى التعاون الصيني - الأفريقي في سبتمبر 2024. وفي الوقت نفسه، بلغ إجمالي تجارة الصين مع القارة ثلاثة أمثال هذا المبلغ تقريباً الذي بلغ 282 مليار دولار.

الهند والصين تناضلان من أجل فرض الهيمنة

تملك الهند والصين مصالح متنامية في أفريقيا وتتنافسان على نحو متزايد على الصعيدين السياسي والاقتصادي.

في حين تحاول الصين والهند صياغة نهجهما الثنائي والإقليمي بشكل مستقل عن بعضهما بعضاً، فإن عنصر المنافسة واضح. وبينما ألقت بكين بثقلها الاقتصادي الهائل على تطوير القدرة التصنيعية واستخراج الموارد الطبيعية، ركزت نيودلهي على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والرعاية الصحية.

مع ذلك، قال براميت بول شاودهوري، المتابع للشؤون الهندية في مجموعة «أوراسيا» والزميل البارز في «مركز أنانتا أسبن - الهند»: «إن الاستثمارات الهندية في أفريقيا هي إلى حد كبير رأسمال خاص مقارنة بالصينيين. ولهذا السبب؛ فإن خطوط الائتمان التي ترعاها الحكومة ليست جزءاً رئيسياً من قصة الاستثمار الهندية في أفريقيا. الفرق الرئيسي بين الاستثمارات الهندية في أفريقيا مقابل الصين هو أن الأولى تأتي مع أقل المخاطر السياسية وأكثر انسجاماً مع الحساسيات الأفريقية، لا سيما فيما يتعلق بقضية الديون».

ناريندرا مودي وشي جينبينغ في اجتماع سابق (أ.ب)

على عكس الصين، التي ركزت على إقامة البنية التحتية واستخراج الموارد الطبيعية، فإن الهند من خلال استثماراتها ركزت على كفاءاتها الأساسية في تنمية الموارد البشرية، وتكنولوجيا المعلومات، والأمن البحري، والتعليم، والرعاية الصحية. والحقيقة أن الشركات الصينية كثيراً ما تُتهم بتوظيف أغلب العاملين الصينيين، والإقلال من جهودها الرامية إلى تنمية القدرات المحلية، وتقديم قدر ضئيل من التدريب وتنمية المهارات للموظفين الأفارقة. على النقيض من ذلك، يهدف بناء المشاريع الهندية وتمويلها في أفريقيا إلى تيسير المشاركة المحلية والتنمية، بحسب ما يقول الهنود. تعتمد الشركات الهندية أكثر على المواهب الأفريقية وتقوم ببناء قدرات السكان المحليين. علاوة على ذلك، وعلى عكس الإقراض من الصين، فإن المساعدة الإنمائية التي تقدمها الهند من خلال خطوط الائتمان الميسرة والمنح وبرامج بناء القدرات هي برامج مدفوعة بالطلب وغير مقيدة. ومن ثم، فإن دور الهند في أفريقيا يسير جنباً إلى جنب مع أجندة النمو الخاصة بأفريقيا التي حددتها أمانة الاتحاد الأفريقي، أو الهيئات الإقليمية، أو فرادى البلدان، بحسب ما يقول مدافعون عن السياسة الهندية.

ويقول هوما صديقي، الصحافي البارز الذي يكتب عن الشؤون الاستراتيجية، إن الهند قطعت في السنوات الأخيرة شوطاً كبيراً في توسيع نفوذها في أفريقيا، لكي تظهر بوصفها ثاني أكبر مزود للائتمان بالقارة. شركة الاتصالات الهندية العملاقة «إيرتل» - التي دخلت أفريقيا عام 1998، هي الآن أحد أكبر مزودي خدمات الهاتف المحمول في القارة، كما أنها طرحت خطاً خاصاً بها للهواتف الذكية من الجيل الرابع بأسعار زهيدة في رواندا. وكانت الهند رائدة في برامج التعليم عن بعد والطب عن بعد لربط المستشفيات والمؤسسات التعليمية في كل البلدان الأفريقية مع الهند من خلال شبكة الألياف البصرية. وقد ساعدت الهند أفريقيا في مكافحة جائحة «كوفيد – 19» بإمداد 42 بلداً باللقاحات والمعدات.

تعدّ الهند حالياً ثالث أكبر شريك تجاري لأفريقيا، حيث يبلغ حجم التجارة الثنائية بين الطرفين نحو 100 مليار دولار. وتعدّ الهند عاشر أكبر مستثمر في أفريقيا من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة. كما توسع التعاون الإنمائي الهندي بسرعة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكانت البلدان الأفريقية هي المستفيد الرئيسي من برنامج الخطوط الائتمانية الهندية.

قالت هارشا بانغاري، المديرة الإدارية لبنك الهند للاستيراد والتصدير: «على مدى العقد الماضي، قدمت الهند ما يقرب من 32 مليار دولار أميركي في صورة ائتمان إلى 42 دولة أفريقية، وهو ما يمثل 38 في المائة من إجمالي توزيع الائتمان. وهذه الأموال، التي تُوجه من خلال بنك الهند للاستيراد والتصدير، تدعم مجموعة واسعة من المشاريع، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية والزراعة والري».

رغم أن الصين تتصدر الطريق في قطاع البنية التحتية، فإن التمويل الصيني للبنية التحتية في أفريقيا قد تباطأ بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة. برزت عملية تطوير البنية التحتية سمةً مهمة من سمات الشراكة التنموية الهندية مع أفريقيا. وقد أنجزت الهند حتى الآن 206 مشاريع في 43 بلداً أفريقياً، ويجري حالياً تنفيذ 65 مشروعاً، يبلغ مجموع الإنفاق عليها نحو 12.4 مليار دولار. وتقدم الهند أيضاً إسهامات كبيرة لبناء القدرات الأفريقية من خلال برنامجها للتعاون التقني والتكنولوجي، والمنح الدراسية، وبناء المؤسسات في القارة.

وتجدر الإشارة إلى أن الهند أكثر ارتباطاً جغرافياً من الصين بالقارة الأفريقية، وهي بالتالي تتشاطر مخاوفها الأمنية أيضاً. وتعتبر الهند الدول المطلة على المحيط الهندي في افريقيا مهمة لاستراتيجيتها الخاصة بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووقّعت الهند مع الكثير منها اتفاقيات للدفاع والشحن تشمل التدريبات المشتركة. كما أن دور قوات حفظ السلام الهندية موضع تقدير كبير.

يقول السفير الهندي السابق والأمين المشترك السابق لشؤون أفريقيا في وزارة الخارجية، السفير ناريندر تشوهان: «إن الانتقادات الموجهة إلى المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا قد تتزايد من النقابات العمالية والمجتمع المدني بشأن ظروف العمل السيئة والممارسات البيئية غير المستدامة والتشرد الوظيفي الذي تسببه الشركات الصينية. ويعتقد أيضاً أن الصين تستغل نقاط ضعف الحكومات الأفريقية، وبالتالي تشجع الفساد واتخاذ القرارات المتهورة. فقد شهدت أنغولا، وغانا، وغامبيا، وكينيا مظاهرات مناهضة للمشاريع التي تمولها الصين. وهناك مخاوف دولية متزايدة بشأن الدور الذي تلعبه الصين في القارة الأفريقية».

القواعد العسكرية الصينية والهندية في أفريقيا

قد يكون تحقيق التوازن بين البصمة المتزايدة للصين في أفريقيا عاملاً آخر يدفع نيودلهي إلى تعزيز العلاقات الدفاعية مع الدول الافريقية.

أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج في جيبوتي، في القرن الأفريقي، عام 2017؛ مما أثار قلق الولايات المتحدة؛ إذ تقع القاعدة الصينية على بعد ستة أميال فقط من قاعدة عسكرية أميركية في البلد نفسه.

تقول تقارير إعلامية إن الصين تتطلع إلى وجود عسكري آخر في دولة الغابون الواقعة في وسط أفريقيا. ونقلت وكالة أنباء «بلومبرغ» عن مصادر قولها إن الصين تعمل حالياً على دخول المواني العسكرية في تنزانيا وموزمبيق الواقعتين على الساحل الشرقي لأفريقيا. وذكرت المصادر أنها عملت أيضاً على التوصل إلى اتفاقيات حول وضع القوات مع كلا البلدين؛ الأمر الذي سيقدم للصين مبرراً قانونياً لنشر جنودها هناك.

تقليدياً، كان انخراط الهند الدفاعي مع الدول الأفريقية يتركز على التدريب وتنمية الموارد البشرية.

في السنوات الأخيرة، زادت البحرية الهندية من زياراتها للمواني في الدول الأفريقية، ونفذت التدريبات البحرية الثنائية ومتعددة الأطراف مع الدول الأفريقية. من التطورات المهمة إطلاق أول مناورة ثلاثية بين الهند وموزمبيق وتنزانيا في دار السلام في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

هناك مجال آخر مهم للمشاركة الدفاعية الهندية، وهو الدفع نحو تصدير معدات الدفاع الهندية إلى القارة.

ألقى التركيز الدولي على توسع الوجود الصيني في أفريقيا بظلاله على تطور مهم آخر - وهو الاستثمار الاستراتيجي الهندي في المنطقة. فقد شرعت الهند بهدوء، لكن بحزم، في بناء قاعدة بحرية على جزر أغاليغا النائية في موريشيوس.

تخدم قاعدة أغاليغا المنشأة حديثاً الكثير من الأغراض الحيوية للهند. وسوف تدعم طائرات الاستطلاع والحرب المضادة للغواصات، وتدعم الدوريات البحرية فوق قناة موزمبيق، وتوفر نقطة مراقبة استراتيجية لمراقبة طرق الشحن حول الجنوب الأفريقي.

وفي سابقة من نوعها، عيَّنت الهند ملحقين عسكريين عدة في بعثاتها الدبلوماسية في أفريقيا.

وفقاً لغورجيت سينغ، السفير السابق لدى إثيوبيا والاتحاد الأفريقي ومؤلف كتاب «عامل هارامبي: الشراكة الاقتصادية والتنموية بين الهند وأفريقيا»: «في حين حققت الهند تقدماً كبيراً في أفريقيا، فإنها لا تزال متخلفة عن الصين من حيث النفوذ الإجمالي. لقد بذلت الهند الكثير من الجهد لجعل أفريقيا في بؤرة الاهتمام، هل الهند هي الشريك المفضل لأفريقيا؟ صحيح أن الهند تتمتع بقدر هائل من النوايا الحسنة في القارة الأفريقية بفضل تضامنها القديم، لكن هل تتمتع بالقدر الكافي من النفوذ؟ من الصعب الإجابة عن هذه التساؤلات، سيما في سياق القوى العالمية الكبرى كافة المتنافسة على فرض نفوذها في المنطقة. ومع ذلك، فإن عدم القدرة على عقد القمة الرابعة بين الهند وأفريقيا حتى بعد 9 سنوات من استضافة القمة الثالثة لمنتدى الهند وأفريقيا بنجاح في نيودلهي، هو انعكاس لافتقار الهند إلى النفوذ في أفريقيا. غالباً ما تم الاستشهاد بجائحة «كوفيد - 19» والجداول الزمنية للانتخابات بصفتها أسباباً رئيسية وراء التأخير المفرط في عقد قمة المنتدى الهندي الأفريقي».