بنجامين ليبيت: حرية الإرادة مجرد وهم

بنجامين ليبيت
بنجامين ليبيت
TT

بنجامين ليبيت: حرية الإرادة مجرد وهم

بنجامين ليبيت
بنجامين ليبيت

ولد بنجامين ليبيت في منتصف الحرب العالمية الأولى في مدينة شيكاغو الأميركية. هزّت تلك الحرب والحرب العالمية الثانية التي تلتها ثقة البشرية في أشياء كثيرة. في العلم، في العقل، في التكنولوجيا، وقبل كل شيء في الإنسان ذاته. كيف لإنسان عاقل أن يرتكب مثل تلك الفظائع؟ في ذلك الوقت كانت البشرية أيضا قد فقدت الثقة في الإجابات الكبرى التي كانت تبرر للإنسان الكثير من أفعاله. لم يكن ليبيت واعيا بكل هذه الإشكالات في طفولته بالتأكيد، ولكنه عاد ليفتح أمام البشرية أحد أهم أسئلة القرن الـ21. هل يملك الإنسان حرية إرادة أم أنها مجرد وهم؟ ليبيت هنا يدخل الساحة الفلسفية والفكرية كعالم يؤسس أفكاره على تجاب واختبارات تجرى في المعامل. على مدى قرون طويلة كان الاعتقاد أن إشكال حرية الإرادة خارج ومفارق لموضوع العلم التجريبي الحسي. إيمانويل كانْت مثلا يعتقد أن الحرية من تكوين مفارق للتكوين البدني لجسد الإنسان. بمعنى أنها لا تنتمي إلى عالم الظواهر الذي هو موضوع العلم. لكن ليبيت كان لديه تصوّر مختلف.
في ثمانينات القرن الماضي بدأ ليبيت بنشر أبحاث سيكولوجية مفاجئة للحقل العلمي والفلسفي، مؤدى هذه الأبحاث أن القرارات التي يتخذها الإنسان يجري اتخاذها في الدماغ قبل أن يكون الإنسان على وعي بها. عرفت هذه التجارب بـ«تجربة ليبيت». التجربة تجري كالتالي: يستدعي الباحث مجموعة من المشاركين ويطلب منهم أن يقرروا في أي لحظة يريدون أن يقوموا بحركة بسيطة كتحريك كف اليد. يطلب الباحث منهم أن تكون تلك القرارات دون تخطيط مسبق، بمعنى أن تكون تلقائية قدر الإمكان. كذلك يطلب الباحث من أفراد التجربة أن يدوّن لحظة قراره بتحريك كف يده على الساعة الموجودة أمامه. أثناء هذه العملية لكل فرد من المشاركين يجري رصد التغيرات في الحركات العصبية في المنطقة المسؤولة عن تحريك اليد في الدماغ. يعيد ليبيت هذه العملية 40 مرة مع كل مشارك للحصول على نتائج دقيقة قدر الإمكان. النتائج التي توصل إليها ليبيت تقول إنه جرى رصد تغيّر في المنطقة المخصصة لحركة اليد في الدماغ سابقة لوعي الفرد برغبته بتحريك يده، بمعنى أنه قبل كل حالة وعي بالقرار جرى رصد تغير سابق في الدماغ. يستنتج ليبيت أن القرار بتحريك اليد قد جرى اتخاذه في الدماغ وبدأ الدماغ في إرسال أوامر عصبية لليد لتتحرك قبل أن يقرر الفرد أن يحركها، بمعنى أن قرار تحريك اليد جرى دون وعي وبالتالي فهو لم يكن خيارا حرّا. الوعي بالقرار عند ليبيت شرط ليكون القرار ناتج حرية إرادة. في ذات الوقت يخبرنا ليبيت أن تجاربه أثبتت أنه وإن كانت قرارات الفرد يجري إنشاؤها في الدماغ قبل الوعي بها إلا أن الفرد يملك القدرة على نقض تلك القرارات بالوعي، بمعنى أن ما هو تحت سيطرة الفرد هو نقض القرارات وليس ابتداؤها.
ماذا تعني هذه النتائج؟ تفسيرات وتأويلات نتائج تجربة ليبت متعددة ومتفاوتة، إحداها أن حرية الإرادة مجرد وهم. هذه التأويلات ظهرت في كبريات الصحف في العالم. ما تقوله تجربة ليبيت ليس بعيدا عن هذه التأويلات، فلا معنى لوجود إرادة حرّة إذا كانت القرارات تتخذ في الدماغ قبل أن يعي الفرد بها، بمعنى آخر أن علميات بيولوجية وعصبية في الدماغ هي من يتخذ القرارات، وليس ما نعتقد أنه «الإنسان الواعي».
عادة يفرّق الناس بين القرارات الواعية والقرارات غير الواعية، بمعنى أن الإنسان أحيانا يقوم بردود فعل أو تصرفات أوتوماتيكية دون وعي. هذه التصرفات عادة لا تحسب ضمن القرارات الحرّة وبالتالي فإن أحكامنا الأخلاقية على الناس الذين يرتكبونها مخففة ولا تحتوي على قدر كبير من تحميل المسؤولية. في المقابل القرارات التي تجري مباشرة ودون ضغوط خارجية قوية عادة ما نعدّها ضمن القرارات الحرّة، وبالتالي فإننا نحمل الفرد الذي يرتكبها مسؤولية أخلاقية عالية. تجربة ليبيت تهاجم النوع الثاني لتقول لنا إن الأفعال التي نعتقد أننا اتخذناها بمحض إرادتنا الحرّة قد جرى اتخاذها في الدماغ قبل الوعي بها. بمعنى أنها لم تعد قرارات لنا وحريتنا تجاهها تتوقف عند حق الاعتراض والنقض. يبدو كذلك أن حق الاعتراض والنقض ليس كافيا لتأسيس حرية الإرادة، فهو يجعل هذه الإرادة في حدود ردود الأفعال لا في إنشائها وإبداعها، وهو ما يبدو جوهريا في تصوّر الكثير عن حرية الإرادة.
لكن إذا كان الدماغ لا يتخذ القرارات بناء على أوامر واعية فما هو قانون حركة الدماغ؟ هل الدماغ محكوم بقوانين المادة والكهرباء؟ أعني قوانين التركيب الكيميائي لخلايا المخ والعلاقات بين الأعصاب؟ لا يبدو ليبيت جازما تجاه هذه الأسئلة، فهو يعتقد أن الحتمية تحتاج إلى الكثير من الدعم والبراهين حتى تصبح نظرية علمية واضحة وحاسمة. القضية الجوهرية في أبحاث ليبيت هي إعادة ترتيب تصوراتنا عن حرية الإرادة. الصورة النمطية تقول إن الإنسان يعي أولا ما يريد فعله ثم يتخذ القرار بناء على هذا الوعي. ليبيت يعكس الصورة لتكون أن القرار ينشأ أولا ثم بعد ذلك يعيه الإنسان ولاحقا يتخذ قرار قبول الاستمرار في تنفيذ القرار أو نقضه.
أطلقت أبحاث ليبيت كما هائلا من الأبحاث والجدال في السيكولوجيا وعلم الأعصاب وعلوم الدماغ والفلسفة والعلوم الاجتماعية. اتفاقات واسعة واعتراضات عريضة داخل هذه الحقول المعرفية النشطة توجهت لنتائج تجارب ليبت والتأويلات التي يمكن أن تستنتج من تلك التجارب. داخل الحقل الفلسفي هناك اعتراضات على نتائج ليبيت من نوعين. النوع الأول يقول إن هناك فجوة بين الملاحظات والاستنتاجات، والنوع الثاني يقول بوجود فجوة بين استنتاجات ليبيت العلمية وتأويلاته للدلالات الفلسفية لتلك النتائج.



موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

TT

موزة مثبتة بشريط لاصق تباع بـ 6.2 مليون دولار في مزاد فني

رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)
رجل يشير إلى التكوين الفني «الكوميدي» في مزاد في ميامي بيتش الأميركية (رويترز)

بيعت لوحة تنتمي للفن التصوري تتكون من ثمرة موز مثبتة بشريط لاصق على الجدار، بنحو 6.2 مليون دولار في مزاد في نيويورك، يوم الأربعاء، حيث جاء العرض الأعلى من رجل أعمال بارز في مجال العملات الرقمية المشفرة.

تحول التكوين الذي يطلق عليه «الكوميدي»، من صناعة الفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان، إلى ظاهرة عندما ظهر لأول مرة في عام 2019 في معرض أرت بازل في ميامي بيتش، حيث حاول زوار المهرجان أن يفهموا ما إذا كانت الموزة الملصقة بجدار أبيض بشريط لاصق فضي هي مزحة أو تعليق مثير على المعايير المشكوك فيها بين جامعي الفنون. قبل أن ينتزع فنان آخر الموزة عن الجدار ويأكلها.

جذبت القطعة الانتباه بشكل كبير، وفقاً لموقع إذاعة «إن بي آر»، لدرجة أنه تم سحبها من العرض. لكن ثلاث نسخ منها بيعت بأسعار تتراوح بين 120 ألف و150 ألف دولار، وفقاً للمعرض الذي كان يتولى المبيعات في ذلك الوقت.

بعد خمس سنوات، دفع جاستن صن، مؤسس منصة العملات الرقمية «ترون»، الآن نحو 40 ضعف ذلك السعر في مزاد «سوذبي». أو بشكل أكثر دقة، اشترى سون شهادة تمنحه السلطة للصق موزة بشريط لاصق على الجدار وتسميتها «الكوميدي».

امرأة تنظر لموزة مثبتة للحائط بشريط لاصق للفنان الإيطالي موريزيو كاتيلان في دار مزادات سوذبي في نيويورك (أ.ف.ب)

جذب العمل انتباه رواد مزاد «سوذبي»، حيث كان الحضور في الغرفة المزدحمة يرفعون هواتفهم لالتقاط الصور بينما كان هناك موظفان يرتديان قفازات بيضاء يقفان على جانبي الموزة.

بدأت المزايدة من 800 ألف دولار وخلال دقائق قفزت إلى 2 مليون دولار، ثم 3 ملايين، ثم 4 ملايين، وأعلى، بينما كان مدير جلسة المزايدة أوليفر باركر يمزح قائلاً: «لا تدعوها تفلت من بين أيديكم».

وتابع: «لا تفوت هذه الفرصة. هذه كلمات لم أظن يوماً أنني سأقولها: خمسة ملايين دولار لموزة».

تم الإعلان عن السعر النهائي الذي وصل إلى 5.2 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو مليون دولار هي رسوم دار المزاد، وقد دفعها المشتري.

قال صن، في بيان، إن العمل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط عوالم الفن والميمز (الصور الساخرة) ومجتمع العملات المشفرة»، ولكنه أضاف أن النسخة الأحدث من «الكوميدي» لن تدوم طويلاً.

وأضح: «في الأيام القادمة، سآكل الموزة كجزء من هذه التجربة الفنية الفريدة، تقديراً لمكانتها في تاريخ الفن والثقافة الشعبية».

ووصفت دار مزادات سوذبي كاتيلان بأنه «واحد من أكثر المحرضين اللامعين في الفن المعاصر».

وأضافت دار المزادات في وصفها لتكوين «الكوميدي»: «لقد هز باستمرار الوضع الراهن في عالم الفن بطرق ذات معنى وساخرة وغالباً ما تكون جدلية».