ما الفرق بين 1.5 درجة مئوية ودرجتين في ارتفاع حرارة كوكب الأرض؟

الكرة الأرضية (أرشيفية - رويترز)
الكرة الأرضية (أرشيفية - رويترز)
TT

ما الفرق بين 1.5 درجة مئوية ودرجتين في ارتفاع حرارة كوكب الأرض؟

الكرة الأرضية (أرشيفية - رويترز)
الكرة الأرضية (أرشيفية - رويترز)

توالت كلمات قادة العالم في قمة المناخ التي تنظمها الأمم المتحدة في غلاسكو وظلوا يؤكدون واحداً تلو الآخر ضرورة اقتصار الزيادة في درجة حرارة الكرة الأرضية على 1.5 درجة مئوية.
ويلزم اتفاق باريس المبرم في 2015 الدول بالعمل على بقاء متوسط الزيادة في درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية واستهداف قصر الزيادة على 1.5 درجة مئوية.
وقد قال العلماء إن تجاوز مستوى 1.5 درجة يمثل مجازفة بإطلاق تداعيات أشد قسوة في التغير المناخي على البشر والحياة البرية والنظم البيئية، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ويستلزم الحيلولة دون ذلك تقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى النصف تقريباً بحلول 2030 عن مستواها في 2010 وخفضها إلى الصافي الصفري بحلول 2050، وهي مهمة طموح يتناقش العلماء وأرباب قطاع التمويل والمفاوضون والناشطون في قمة المناخ «كوب26» في كيفية تحقيقها وتمويلها.
لكن ما هو الفرق بين 1.5 درجة ودرجتين؟ طلبنا من عدد من العلماء تفسير الفارق، وفيما يلي ما خرجنا به:

أين نحن الآن؟
ارتفعت بالفعل درجة حرارة كوكب الأرض نحو 1.1 درجة مئوية عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وزادت الحرارة في كل عقد من العقود الأربعة الأخيرة عما كانت عليه في أي عقد منذ عام 1850.
وقالت دانييلا جاكوب خبيرة المناخ في مركز المناخ بألمانيا: «لم نشهد مثل هذا الارتفاع في الحرارة العالمية خلال بضعة عقود. ونصف درجة تعني ظواهر طقس أشد تطرفاً بكثير، ويمكن أن تكون أكثر تكراراً وأشد حدة وأطول أمداً».
وفي العام الحالي، أغرقت الأمطار الغزيرة الصين وغرب أوروبا وتسببت في مصرع المئات. وسقط مئات آخرون قتلى عندما وصلت درجات الحرارة في منطقة شمال غربي المحيط الهادي إلى مستويات قياسية.
وشهدت غرينلاند ذوبان كتل جليدية هائلة وأحدثت حرائق الغابات خسائر كبيرة في منطقة البحر المتوسط وفي سيبيريا، وأصاب جفاف لم يسبق له مثيل مناطق في البرازيل.
وقالت ريتشل وارن عالمة المناخ في جامعة إيست أنجليا: «التغير المناخي يؤثر بالفعل على كل المناطق المأهولة في مختلف أنحاء الكرة الأرضية».

حرارة وأمطار وجفاف
من شأن ارتفاع الفارق إلى 1.5 درجة مئوية أن يؤدي إلى تدهور هذه التداعيات.
قالت سونيا سينيفيراتني خبيرة المناخ في جامعة إي.تي.إتش في زيوريخ: «مقابل كل زيادة في درجة الحرارة تزداد ضخامة التغيرات في الظواهر المتطرفة».
وأضافت أن موجات الحر على سبيل المثال ستتكرر بوتيرة أسرع وستكون أشد حدة.
وتقول هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ إن موجة الحر الشديد المتطرفة التي كانت تحدث مرة كل عقد في مناخ لا تأثير فيه للعنصر البشري ستتكرر 4.1 مرة كل عقد عند بلوغ الزيادة في درجة الحرارة 1.5 درجة مئوية، و5.6 مرة إذ بلغت الزيادة درجتين مئويتين.
وإذا حدث وقفزت الزيادة إلى أربع درجات مئوية، فستتكرر هذه الموجة 9.4 مرة خلال العقد الواحد.
كذلك فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الرطوبة في الجو، ما يفضي إلى مزيد من الأمطار شديدة الغزارة ويزيد مخاطر حدوث الفيضانات والسيول. كما أنه يزيد مخاطر تبخر المياه، ما يؤدي إلى مزيد من موجات الجفاف المتطرفة.

جليد وبحار وشعاب مرجانية
يعد الفارق بين 1.5 درجة ودرجتين مئويتين في غاية الأهمية لمحيطات الأرض ومناطق الجليد فيها.
قال عالم المناخ مايكل مان بجامعة ولاية بنسلفانيا: «عند 1.5 درجة الفرصة كبيرة أن نتمكن من الحيلولة دون انهيار الغطاء الجليدي في غرينلاند وغرب القارة القطبية الجنوبية».
وسيسهم ذلك في الحد من ارتفاع منسوب البحار ليقتصر على بضع أقدام بنهاية القرن الحالي، رغم أن ذلك يمثل تغيراً كبيراً سيؤدي إلى تآكل مناطق ساحلية وإغراق بعض الدول الصغيرة القائمة على جزر ومدن ساحلية.
لكن مان قال إن تجاوز درجتين مئويتين سيؤدي إلى انهيار الغطاء الجليدي وارتفاع منسوب البحار بما يصل إلى عشرة أمتار رغم أن الوتيرة التي قد يحدث بها ذلك غير مؤكدة.
كذلك فإن زيادة الحرارة 1.5 درجة مئوية من شأنه أن يدمر ما لا يقل عن 70 في المائة من الشعاب المرجانية، لكن زيادة بواقع درجتين ستؤدي إلى فقدان أكثر من 99 في المائة منها. ومن شأن ذلك القضاء على بيئات نمو الأسماك والمجتمعات البشرية التي تعتمد على الشعاب في الحصول على غذائها وأرزاقها.

الغذاء والغابات والأمراض
سيكون لارتفاع الحرارة درجتين مقارنة مع 1.5 درجة مئوية تداعيات أكبر على إنتاج الغذاء.
قال سايمون لويس عالم المناخ بجامعة لندن: «إذا حدث فقدان للمحاصيل في بعض المناطق التي تعد سلال الغذاء للعالم في وقت واحد، فسوف تشهدون زيادات متطرفة في أسعار الغذاء وجوعاً ومجاعات في قطاعات واسعة من العالم».
كما أن ارتفاع درجة حرارة العالم قد يؤدي إلى انتشار البعوض الذي ينقل أمراضاً مثل الملاريا وحمى الضنك في مناطق أوسع. غير أن زيادة الحرارة درجتين مئويتين ستؤدي إلى فقدان نسبة أكبر من الحشرات والحيوانات لمعظم مواطنها الطبيعية بالمقارنة مع زيادة بواقع 1.5 درجة فقط. ومن شأنه أيضاً أن يؤدي إلى زيادة مخاطر حرائق الغابات بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر للحياة البرية.

نقطة التحول
مع ارتفاع درجة حرارة العالم تزداد مخاطر الوصول إلى «نقطة التحول» التي تتجاوز عندها نظم الأرض عتبة تنطلق فيها تداعيات متعاقبة أو لا رجوع عنها. أما توقيت الوصول إلى هذه النقاط على وجه التحديد فغير مؤكد.
ومن الممكن أن تؤدي موجات الجفاف وقلة الأمطار واستمرار تدمير غابات الأمازون من خلال التصحر على سبيل المثال إلى انهيار نظام الغابات المطيرة وإطلاق ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بدلاً من امتصاصه وتخزينه. أو أن يتسبب ارتفاع درجة حرارة الجليد في الدائرة القطبية الشمالية إلى تحلل الكتلة الحيوية المتجمدة منذ عصور بعيدة وإطلاق كمية هائلة من الانبعاثات الكربونية. وقال لويس: «لهذا السبب من الخطر الشديد الاستمرار في إطلاق انبعاثات من أنواع الوقود الأحفوري، لأننا نزيد بذلك احتمال أن نصل إلى إحدى نقاط التحول هذه».

أكثر من درجتين
حتى الآن، من شأن التعهدات المناخية التي قدمتها الدول من واقع سجل التعهدات بالأمم المتحدة أن تدفع العالم إلى زيادة قدرها 2.7 درجة مئوية.
وقالت وكالة الطاقة الدولية يوم الخميس، إن الوعود الجديدة التي أعلنت في قمة «كوب26» قد تقصر الزيادة، إذا ما نُفذت، على ما دون 1.8 درجة مئوية، رغم أن بعض الخبراء شككوا في صحة هذه الحسابات. ويظل الغموض يكتنف ما إذا كانت هذه الوعود ستتحول إلى أفعال على أرض الواقع، أم لا.
وقال علماء إن ارتفاع درجة حرارة الكوكب بمقدار 2.7 درجة مئوية سيؤدي إلى حر لا يطاق في بعض أوقات العام في مختلف أنحاء المناطق المدارية وشبه المدارية.
وقالوا إن التنوع الحيوي سيتعرض لاستنزاف هائل وسيتراجع الأمن الغذائي وستفوق ظواهر الطقس المتطرفة إمكانات معظم البنية التحتية اللازمة لاستيعابها في المناطق الحضرية.
وقال مان: «إذا استطعنا إبقاء الزيادة في درجة الحرارة دون ثلاث درجات مئوية، فسنبقى على الأرجح في حدود قدرات التكيف التي نتمتع بها كحضارة، لكننا سنشهد عند 2.7 درجة مئوية مشاق ضخمة».


مقالات ذات صلة

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

الاقتصاد جانب من المؤتمر الصحافي الختامي لمؤتمر «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط)

صفقات تجاوزت 12 مليار دولار في مؤتمر «كوب 16»

يترقب المجتمع البيئي الإعلان عن أهم القرارات الدولية والمبادرات والالتزامات المنبثقة من مؤتمر الأطراف السادس عشر لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16).

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد مقر انعقاد مؤتمر «أطراف الاتفاقية الدولية لمكافحة التصحر (كوب 16)» في الرياض (الشرق الأوسط)

السعودية... قمة «الكوكب الواحد» تحدد مسارات تعزز قرارات الاستثمار المناخي

حددت القمة السنوية السابعة لرؤساء «مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية (الكوكب الواحد)»، المقامة في الرياض اليوم الثلاثاء، مسارات عمل رئيسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد انطلق اليوم الأول من «كوب 16» بالرياض بحضور لافت ومميز من صناع السياسات ورواد الأعمال (كوب)

الاتحاد الأوروبي: التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تحديات عالمية تتطلب تحركاً عاجلاً

أوضح الاتحاد الأوروبي أن التصحر وتدهور الأراضي والجفاف تُمثل تحديات عالمية تتطلب تحركاً عاجلاً ورفع مستوى الحلول العملية، لمواجهة تلك الظواهر التي تؤدي إلى…

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد المهندس عبد الرحمن الفضلي خلال كلمته الافتتاحية في «كوب 16» بالرياض (الشرق الأوسط) play-circle 00:41

السعودية تطلق «شراكة الرياض العالمية» بـ150 مليون دولار للتصدي للجفاف

أعلنت السعودية إطلاق «شراكة الرياض العالمية للتصدي للجفاف» بتخصيص 150 مليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة لدعم هذه الجهود.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك ينصح الخبراء بأن حتى المشي السريع يعمل على تعزيز الدورة الدموية ودعم الطاقة بشكل أفضل خلال الشتاء (أرشيفية - أ.ف.ب)

5 نصائح لتجنب الشعور بالتعب والإرهاق وسط برودة الطقس

ينصح خبراء التغذية بنصائح عدة لزيادة النشاط وتجنب التعب في الشتاء.

«الشرق الأوسط» (لندن)

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».