أزمة الطاقة الأوروبية تُشكل التحالفات في البحر المتوسط

بين حسابات النفط والغاز والسياسة الإقليمية

أزمة الطاقة الأوروبية تُشكل التحالفات في البحر المتوسط
TT

أزمة الطاقة الأوروبية تُشكل التحالفات في البحر المتوسط

أزمة الطاقة الأوروبية تُشكل التحالفات في البحر المتوسط

مثلما جاء حاملاً «صدمة» للعالم بأسره، يبدو أن فيروس «كورونا» لا يرغب في التواري التدريجي إلا بـ«أزمة» جديدة لكنها ليست صحية فقط هذه المرة.
ذلك أنه بفضل استمرار حملات التلقيح وبدء تعافي أسواق كبرى فضلاً عن عوامل مناخية وبيئية أخرى، ارتفع الطلب على الطاقة اللازمة لاستئناف عمليات الإنتاج، وهو ما انعكس زيادة قياسية في أسعار النفط والغاز... وتواكبت هذه التطورات مع موسم شتاء يُتوقع أن يكون برده قارساً خصوصاً في أوروبا... فكيف أثرت هذه المخاوف على شكل التحالفات بين دول الإقليم؟ وما العواصم التي سعت لتعزيز تعاونها من بوابة الطاقة؟ وما العواصم الأخرى التي ستدفعها الأزمة إلى التباعد أو ربما تخفيف وتيرة التقارب؟

كان صدى التحذيرات الأميركية من استغلال قضية إمدادات الطاقة عبر «التلاعب» بأسعار الغاز المقدّمة لحلفائها الأوروبيين المترددة حول العالم خلال الأسابيع الماضية. وأعقب ذلك إجراء تحقيقات داخل أسرة «الاتحاد الأوروبي» بشأن شكاوى بعض دوله من أن «روسيا تستخدم وضعها كمورد رئيسي (قدمت 43% من واردات الاتحاد من الغاز العام الماضي) لخلق زيادة حادة في سعر الغاز في أوروبا».
كانت هذه من الإشارات التي التقطتها كل من مصر واليونان وقبرص، خصوصاً مع انخراط هذه الدول في «تحالف ثلاثي» متنامٍ يضع قضية الطاقة بصوَرها المختلفة من بين أولوياته، وأخصّها الغاز الموجود بكثافة في مياه شرق المتوسط.
الاهتمام الثلاثي لم يكن مجرد استجابة طارئة لأزمة بدأت في البروز خلال الشهور القليلة الماضية، لكنه جاء متّسقاً مع توقيع مصر وقبرص اتفاقاً في مايو (أيار) 2018 لمد خط أنابيب من حقل «أفروديتي» القبرصي الذي تقدر احتياطياته بما بين 3.6 و6 تريليونات قدم مكعبة تقريباً؛ بغرض تسييلها في مصر وإعادة تصديرها إلى أوروبا، وتقدر تكلفته بنحو مليار دولار أميركي.
ومع نمو الحاجة الأوروبية للغاز والمخاوف من ظهور أزمة خانقة، بدت الحاجة ملحّة لتسريع وتيرة التعاون الثلاثي في الإطار نفسه. وهو ما عبّر عن بوضوح اللقاء الذي جمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره القبرصي نيكوس أناستاسياديس، ورئيس وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس، في العاصمة اليونانية أثينا أواخر الشهر الماضي. خلال اللقاء أظهرت القاهرة حرصاً على علاقاتها المتنامية مع كل من أثينا ونيقوسيا لإزالة أي عقبات تواجه الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط الأنابيب الذي سيربط حقل «أفروديتي» القبرصي بمحطات الإسالة المصرية؛ تمهيداً للتصدير للأسواق الأوروبية.
أيضاً خلال لقاءات ثنائية بين الرئيس المصري ونظيره القبرصي، أكد الزعيمان أهمية متابعة نتائج اللجنة العليا المشتركة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه خلالها، «خصوصاً في مجال الطاقة، والربط الكهربائي، مع التوافق بشأن أهمية إزالة أي عقبات تواجه الإسراع في خطوات تنفيذ مشروع خط أنابيب الغاز تجاه الأسواق الأوروبية».
الدكتور أحمد قنديل رئيس «برنامج دراسات الطاقة» بمركز «الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، يشرح الأمر فيقول إن «قبرص ليست لديها منشآت لتسييل الغاز أو خطوط أنابيب لنقله للأسواق الأوروبية. وبالتالي، فهي بحاجة إلى مشروع خط الأنابيب الذي يربط حقلها (أفروديتي) مع محطات الإسالة المصرية المقدّر تكلفته بمليار دولار أميركي، ومن ثم سيكون هذا هو المنفذ الوحيد لقبرص لتصدير الغاز».
ويضيف قنديل أن «الجدوى الاقتصادية للمشروع الرابط بين قبرص ومصر أصبحت كبيرة. وعليه، صار العمل أكثر جدية وسرعة، وذلك كله بسبب ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا والتوقعات باستمرار تلك الزيادة في المدى المنظور».

- مسألة الكهرباء
ولا يقتصر الأمر، وفق الآلية المصرية - القبرصية – اليونانية، على الغاز، إذ وُقّعت مذكرة تفاهم خلال اللقاء الأحدث لقادة الدول يتعلق بإنجاز ربط كهربائي من شرق البحر المتوسط وإليه. وقال رئيس وزراء اليونان صراحةً إنه «في زمن تنويع مصادر الطاقة، يمكن أن تصبح مصر مَصدراً للتيار الكهربائي الذي سيصار إلى إنتاجه أساساً من الطاقة الشمسية، وستغدو اليونان محطة توزيع نحو أوروبا».
وفضلاً عن آلية التعاون الثلاثي، تنخرط كل من مصر واليونان وقبرص مع «إيطاليا، وفلسطين، والأردن، وإسرائيل، وفرنسا»، في منتدى غاز شرق المتوسط.
لقد بُني على مُخرَجات تعاظم الجدوى الاقتصادية للتحالف السياسي المصري - اليوناني القبرصي، خلال الأسبوع الماضي في القاهرة. إذ كثّف مسؤولون مصريون لقاءاتهم، في غضون الأسبوع الماضي مع مسؤولين من قبرص وفرنسا في اجتماعات استهدفت «دفع العلاقات بمجالات الطاقة والتنقيب عن البترول والغاز». ولم يقتصر الأمر على بحث تصدير الغاز والطاقة إلى أوروبا، بل شمل أيضاً تعزيز التعاون في التنقيب عن موارد الطاقة في البحر الأبيض المتوسط.
إذ بحث طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية المصرية، مع مارك باريتي، السفير الفرنسي في القاهرة، «التعاون المشترك في قطاع البترول والغاز وموقف التعاون القائم مع الشركات الفرنسية». واستعرض السفير الفرنسي مع الوزير المصري «موقف التعاون الجاري مع عدد من الشركات الفرنسية لإنجاز المشاريع الجديدة في قطاع البترول والغاز المصري، حيث جارٍ العمل مع شركة فرنسية في إنجاز الأعمال الهندسية لرُخص التصنيع الخاصة بمجمّع البحر الأحمر للبتروكيماويات كأكبر مشروع للبتروكيماويات سينفّذ في مصر وأفريقيا، كما ناقشا مجالات التعاون مع الشركات الفرنسية الأخرى سواءً في مجالات توزيع وتداول الوقود أو البحث عن الغاز الطبيعي في المناطق الجديدة والواعدة بحوض البحر المتوسط».
الوزير المصري والسفير الفرنسي ناقشا كذلك «الفرص الاستثمارية الجديدة في قطاع البترول والغاز، لا سيما في مجالات البحث والاستكشاف والإنتاج والبتروكيماويات والتكرير». وحرص الملا على استعراض خطط «تطوير وتحديث منظومة العمل في قطاع البحث والاستكشاف لتهيئة فرص جديدة جاذبة أمام الشركات العالمية للبحث عن الغاز والبترول المصريين في مناطق البحر المتوسط والصحراء الغربية وخليج السويس وغيرها».
غير أن اللقاء الفرنسي - المصري، سبقه بيوم واحد، انعقاد «جولة مشاورات سياسية بين مصر وقبرص»، استضافتها القاهرة، وكانت برئاسة مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأوروبية السفير د. بدر عبد العاطي، والسكرتير الدائم لوزارة الخارجية القبرصية كورنيليوس كوميلو، وحضرها عدد من مسؤولي البلدين.
وحسب إفادة مصرية بشأن اللقاء، فإنه جرى خلال المباحثات «تناول تطور العلاقات الثنائية، لا سيما، فيما يتعلق بسبل توسيع التبادل التجاري، وزيادة الاستثمارات في البلدين في مجالات الطاقة وبخاصة الربط الكهربائي، وغيرها من الملفات».

- اعتراضات تركية
من جهة أخرى، دائماً ما تواجَه صيغة التقارب السياسي والاقتصادي والعسكري بين مصر واليونان وقبرص باعتراضات من تركيا، خصوصاً إذا ما تعلّق الأمر بمكامن الطاقة في شرق المتوسط، وذلك في ظل ما ترى أنقرة أنه «تجاهُل» لها ولـ«قبرص التركية».
وبالفعل، فور صدور البيان الثلاثي الرامي إلى إعلان تسريع التعاون بشأن نقل الغاز إلى أوروبا عبر «أفروديتي»، صعّدت تركيا من خطابها. وقالت عبر وزارة خارجيتها إنه (أي البيان) «يُعد مثالاً جديداً على السياسات العدائية التي ينتهجها الثنائي اليوناني - القبرصي، ضد تركيا وقبرص التركية».
وعلى الرغم من تخفيف حدة التصريحات العدائية بين القاهرة وأنقرة إبّان الأشهر الماضية وخوض الطرفين مباحثات استكشافية عبر جولتين في عاصمتي البلدين بشأن «تطبيع العلاقات»، فإن هذا لم يمنع الخارجية التركية من القول إن «انضمام مصر لهذا البيان، مؤشر على أن الإدارة المصرية لم تدرك بعد العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرقي المتوسط».
وأضافت الخارجية التركية «لقد أظهرنا للصديق والعدو أنه لا يمكن أن يُكتب النجاح لأي مبادرة شرقي المتوسط لا تشارك فيها تركيا، وجمهورية شمال قبرص التركية». وللعلم، نفّذت تركيا عمليات للتنقيب عن مكامن الطاقة قبالة سواحل قبرص واجهتها اعتراضات دولية وإقليمية، كما وقّعت اتفاقية لترسيم الحدود مع ليبيا جوبهت أيضاً برفض كبير.
ومع الأخذ في الاعتبار أن القاهرة وأنقرة استضافتا بالترتيب جولتين في مايو (أيار) وسبتمبر (أيلول) الماضيين لمباحثات استكشافية أدارها مسؤولون في خارجية البلدين بشأن تطبيع العلاقات، فإن السؤال بشأن تأثر مسار التهدئة بين الجانبين بمستجدات تعزيز التقارب الثلاثي (المصري - اليوناني - القبرصي) يبدو ملحاً ومهماً. وعن ذلك يقول حسن الشاغل، الباحث المقيم في تركيا، وهو متخصص في شؤون الطاقة إن «العلاقات بين مصر وتركيا ذاهبة في الوقت القريب والمتوسط إلى التطبيع. وعلى سبيل المثال وتأكيداً لهذا المعني، فإن التبادل التجاري بين الجانبين لم ينخفض خلال السنوات السبع الماضية على الرغم من الخلافات السياسية».
وأردف الشاغل: «فيما يخصّ تحرّكات الأطراف في شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى أوروبا، فإنه لن تكون إمكانية لتصدير الغاز عبر المنطقة إلا عبر توافق كامل ومقنع لكل الأطراف، وذلك بسبب وقوع المنطقة أساساً تحت خلافات تقسيم الحدود البحرية من النواحي القانونية والفنية والطبيعية»... ثم استدرك منبهاً: «الاتفاق الذي يمكن العمل عليه بين دول شرق المتوسط في المدى المنظور لن يكون موجوداً إلا إذا كانت هناك حلحلة متطوّرة وبشكل كبير في العلاقات التركية - المصرية».
ثم إن هناك بُعداً يراه الشاغل «مهماً» في إطار مناقشة إمكانية تعزيز مشاريع تصدير دول منطقة شرق البحر المتوسط للغاز إلى أوروبا ويتعلق بالدول الخليجية. إذ يقول: «وضع آلية للاتفاق بين الدول المعنية لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط هو السبيل الوحيد لتطور المشروع المقترح، بالإضافة إلى أن يصل هذا المشروع إلى احتياطيات الغاز الموجودة في منطقة الخليج العربي».
وحسب الشاغل فإن «تركيا استطاعت أخيراً أن تنشئ محطتين جديدتين لتسييل الغاز بإجمالي 4 محطات، وهذا ما يسمح لها باستيراد الغاز من دول مثل نيجيريا والجزائر وقطر. وهناك زيادة بالفعل ارتفاع في استيراد الغاز من هذه الدول في الفترة الأخيرة»، وفق تقدير الباحث المقيم في تركيا.

- منافسة «إيست ميد»
ومع توقع الجدوى الكبيرة لفكرة نقل غاز حقل «أفروديتي» إلى مصر وتسييله لتصديره إلى أوروبا، فإنه لم يعدم المنافسة، وفي هذه الحالة مثّلها مشروع «إيست ميد»، الذي وقّعت كل من قبرص واليونان وإسرائيل اتفاقاً بشأنه مطلع العام الماضي. وخط أنابيب «إيست ميد» هذا يُقدّر طوله بألفي كيلومتر تقريباً، ويُتوقع أن ينقل بين 9 و11 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من الاحتياطيات البحرية لحوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان، وكذلك إلى إيطاليا ودول أخرى في جنوب شرقي أوروبا.
من جهته، يؤكد خبير الطاقة الدكتور أحمد قنديل أن «الجدوى الاقتصادية لمشروع (إيست ميد) ضعيفة، لأن تكلفته عالية للغاية (تذهب تقديرات إلى 10 مليارات يورو)، إذ إن الأعماق التي يُفترض أن تسير فيها خطوط الغاز تزيد على 3 آلاف متر، فضلاً عن المشكلات الفنية والمالية التي تواجهه». ثم إنه ينبه: «إسرائيل أيضاً منافس لقبرص في مسألة تصدير الغاز، ومع نمو عمليات الاستكشاف للغاز في قبرص باتت مسألة التعاون بين الجانبين مشكوكاً في جدواها».
كذلك ازدادت مؤشرات التشكيك في المشروع، بسبب غياب إيطاليا بوصفها طرفاً رئيساً ومستفيداً من استيراد الغاز عبر «إيست ميد» عن مراسم الاتفاق والتوقيع على تأسيس الخط، وهو ما بدا انعكاساً للخلاف بشأن جدوى المشروع بين إيطاليا ومؤسسات التمويل الأوروبية بشأن توفير مخصّصات لعمل المشروع، خصوصاً في ظل الاتجاه لمشاريع الطاقة الخضراء.

- خط «ليفاياثان - جيهان»
وفي سياق متصل، تتداخل العلاقات الاقتصادية والسياسية بطبيعة الحال وتتبادلان التأثيرات، غير أن ما تطرحه أزمة «الطاقة الأوروبية» يعيد التذكير بـ«مشروع خط الأنابيب الإسرائيلي - التركي» الذي تعتمد فكرته على نقل الغاز من حقل «ليفاياثان» الإسرائيلي إلى ميناء «جيهان» التركي في مسافة قصيرة -مقارنةً بالبدائل- ومنه إلى أوروبا. وخلال السنوات الماضية تبادلت أنقرة وتل أبيب الاتهامات والتنافس والخلاف في ملفات إقليمية وثنائية مختلفة، يبدو أنها حالت دون إتمام المشروع.
وحسب قنديل فإنه «في ضوء الخلافات السياسية بين تركيا وإسرائيل من ناحية، وما بين تركيا مقابل اليونان وقبرص من ناحية أخرى، وأيضاً اضطراب الأوضاع في سوريا ولبنان، وفشل التوصل لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وكذلك قلة الثقة الأوروبية في تركيا كمنفذ لهذا المشروع المهم... كل هذه العوامل تقلل من فرص تنفيذه».

- خطوط الغاز بين مصر وإسرائيل
تنقسم العلاقات المصرية - الإسرائيلية في مجال خطوط الغاز إلى قسمين:
القسم الأول يتعلق باستيراد مصر للغاز من إسرائيل عبر اتفاق بين شركات غير حكومية، وبدأت عمليات ضخه في يناير (كانون الثاني) 2020، وبلغت قيمة التعاقد 15 مليار دولار أميركي ومدتها 15 سنة، وذلك عبر خطوط لنقل الغاز كانت مخصصة سابقاً لتصدير الغاز من مصر إلى إسرائيل.
والقسم الثاني يرتبط بالمساعي الثنائية لبناء «خط أنابيب جديد للغاز» يربط حقل «ليفاياثان» البحري في شرق البحر المتوسط بمصر، وفي مباحثات هاتفية بين وزير البترول المصري طارق الملا ووزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، خلال أغسطس (آب) الماضي، تطرّق الوزيران إلى «الخطط المستقبلية لنقل الغاز الإسرائيلي إلى المصانع المصرية لإعادة تصديره.
ورأى الملا أن «تعزيز التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في مجال الغاز الطبيعي بين أعضاء منتدى غاز شرق المتوسط سيكون له تأثير جوهري وسيمتد ليتخطى منطقة شرق المتوسط»، في إشارة إلى الفرص السانحة في السوق الأوروبية.


مقالات ذات صلة

تركيا تسعى لإبرام اتفاق مع سوريا على ترسيم الحدود البحرية بالمتوسط

شؤون إقليمية سفينة التنقيب التركية «ياووز» في شرق البحر المتوسط (صورة أرشيفية)

تركيا تسعى لإبرام اتفاق مع سوريا على ترسيم الحدود البحرية بالمتوسط

قال وزير النقل والبنية التحتية التركي، عبد القادر أورال أوغلو، إن بلاده تعتزم بدء مفاوضات مع سوريا لترسيم الحدود البحرية في البحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (أنقرة)
شؤون إقليمية قبرص كشفت في يوليو الماضي عن إنشاء قاعدة جوية أميركية قرب لارنكا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

نددت تركيا بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي مع جمهورية قبرص، ورأت أنه يُخلّ بالاستقرار الإقليمي ويُصعِّب حل القضية القبرصية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي بحفاوة خلال زيارته أنقرة الأربعاء (الرئاسة التركية)

أصداء واسعة لزيارة السيسي الأولى لتركيا

تتواصل أصداء الزيارة الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأنقرة، في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد حقل «أفروديت» البحري للغاز (أ.ف.ب)

خطة لتطوير حقل الغاز القبرصي «أفروديت» بـ4 مليارات دولار

قالت شركة «نيوميد إنرجي» الإسرائيلية، إن الشركاء بحقل «أفروديت» البحري للغاز الطبيعي، قدموا خطة للحكومة القبرصية لتطوير المشروع بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية ترقب واسع في تركيا لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

لماذا استبقت «الإخوان» زيارة السيسي لتركيا بمبادرة جديدة لطلب العفو؟

استبقت جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لتركيا بمبادرة جديدة للتصالح وطلب العفو من الدولة المصرية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».