شاشة الناقد

«كثبان - الجزء الأول»
«كثبان - الجزء الأول»
TT

شاشة الناقد

«كثبان - الجزء الأول»
«كثبان - الجزء الأول»

- ‫Hinterland 1-2‬
• إخراج: ستيفن روزوفيتزكي
• النمسا - ألمانيا (2021)
• بالب فيكشن | عروض: مهرجان لوكارنو
• ★★★: جيد
يمارس المخرج ستيفن روزوفيتزكي، من مطلع الفيلم وحتى نهايته، معالجة ذات رؤية فنية لا تتزعزع أو تلين. «أرض الوطن»، هجوم على الحواس البشرية بعناصر بصرية متعددة تتبدّى كجبهة واحدة. تصاميم فنية وتنفيذ لرؤية تجعل من الفيلم هدية للباحثين عن أسلوب عمل مختلف لحكاية متعددة الانتماءات.
هو فيلم بوليسي: جرائم قتل متسلسلة تقع. الضحايا لهم تاريخ مشترك. القاتل مجهول. وهو أيضاً فيلم عن آثار الحرب على الفرد والمجتمع، تقع أحداثها بعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب العالمية الأولى وخروج المحور الألماني - النمساوي مدحوراً.
في الوقت ذاته، الفيلم دراما شخصية واجتماعية كل من الجانبين ملتصق بالآخر. بطله جندي نمساوي اسمه بيتر بيرغ عاد إلى فيينا بعد ثلاث سنوات قضاها في قسوة المعتقل الروسي. عاد ليجد أن المدينة تغيّرت، والحياة فيها كذلك. تتناوب هذه الانتماءات وتشترك معاً في السرد، هذا طبيعي. لكن القيمة الفعلية للفيلم هي كيف يروي المخرج روزوفيتزكي حكايته، وما تحمله من أحداث وشخصيات، وماذا يصنع بها بغية تحقيق عمل مختلف عن المعتاد.
يكتشف بيتر (موراثان موسلو) ومجموعة من سجناء الحرب العائدين معه، أن المدينة مشروخة كذاته. يحرص المخرج على أن يترجم ذلك بمبانٍ وعمارات ملتوية الشكل، كما لو أنها على وشك السقوط. تميل تماماً كما فعل المخرج الألماني روبرت واين عندما حقق «كابينة د. كاليغاري» (The Cabinet of Dr‪.‬ Caligari) سنة 1920. لكن على نطاق أوسع. ربما لم تكن فيينا بعد الحرب على هذه الصورة تماماً، أو ربما لم تكن كذلك مطلقاً، لكن المخرج يوظّف حريته التعبيرية في رسم معالم مدينة مشروخة في الشكل كما في البشر.
يرسم المخرج توجّهات متعددة ضمن هذه الصورة. يعود بيتر إلى منزله ليجد أن زوجته تركته مع طفلتهما. سيكتشف لاحقاً أن صديقه في شرطة المدينة فكتور (مارك ليمباخ) عاشرها لفترة بعدما اعتقدا أنه لن يعود. يكتشف أيضاً أن بذله في الحرب وتعرضه للاعتقال لا يعني شيئاً لأحد. النمسا المهزومة تريد أن تنسى، وأن تنسى سريعاً. كل شيء آخر لا يهم في مجتمع جديد ينشد التغيير.
هناك يسار ويمين ومعاداة للسامية ورغبة المرأة في احتلال مكانتها الاجتماعية. لا يقوى بيتر على مواجهة هذه المشكلات. سيجد نفسه منبوذاً وضعيفاً. سيشرب. سيدخل الكنيسة ويهينها، وسيتعرض للضرب. وفي وسط كل ذلك هناك ذلك الخط البوليسي المعقّد حول مَن هو ذلك القاتل السادي الذي يصطاد ضحاياه من بين العائدين من المعتقل. لفترة ستعتقد أنه بيتر نفسه، لكن بيتر يتعرّض لعدوان القاتل بدوره. هذا من بعد أن بدأ العمل مع بوليس المدينة لحل هذه القضية التي ستنجلي عن حدث وقع خلال الاعتقال ونيّة مجنّد سابق الانتقام من 19 رفيقاً له بـ19 طريقة تعذيب قبل القتل.
العد يتوقف دون الخمسة، لكن ذلك يتم من بعد أن تمر الأحداث على كل تلك التداعيات والمفارقات التي تشكّل الحكاية. في ثلث الساعة الأخيرة يفتر الاهتمام بنوعية القصّة المسرودة لصالح تشويق تقليدي، ولو أن الرؤية تبقى مبهرة لمعظم الوقت.
يختلف الفيلم هنا على نحو لافت عما عداه من أفلام التحريات البوليسية بفضل شغل كثيف على التصاميم الهندسية وكيف ستصيغ العالم المضطرب داخل بطل الفيلم وخارجه. ليس أن ‫روزوفيتزكي‬ ينجز ما لم يسبق إنجازه، لكنه ينجزه بكثافة وقدرة تستحقان الإعجاب. إلى جانب أن الفيلم يحمل إعجاب مخرجه بالسينما التعبيرية الألمانية الصامتة، تحمل المعالجة الفنية ملامح أفلام أحدث ومنها Dark City لأليكس بروياس (1998) وSin City لفرانك ميلر وروبرت رودريغيز (2005). تصميم العالم الغرائبي المعلّق بلا ماضٍ أو مستقبل في الفيلم الأول، ومنهج «البالب فيكشن» والفيلم نوار للفيلم الثاني.

- Dune‪:‬ Part One
• إخراج: دنيس ڤيلنييڤ
• الولايات المتحدة (2021)
• خيال علمي | عروض: تجارية
• ★★★: جيد
المشاهدة الأولى لهذا الفيلم (في أجواء مهرجان فنيسيا) كانت دخول عمل كبير يتوقع الناقد منه أن يفي بوعده كفيلم فني وروائي، وكجهد إنتاجي مبهر ومكلف. اسم المخرج الكندي في هذا الشأن له أهميّته وتأثيره. الفيلم آنذاك بدا كما أريد له أن يبدو: دراما على سطح كوكب آخر في زمن بعيد مقبل (10191)، ولو أن التصاميم ما زالت على حالها اليوم: الأبواب تُغلق وتُفتح بأزرار. الأسلحة معتادة. طائرات الهيلوكوبتر ترتفع وتهبط بفضل مروحياتها، ولو أن هذه المراوح منسوجة من شكل النحلة أو الناموسة (الأجنحة على طبقات).
في المشاهدة الثانية، في صالة جمهور عادي (قليل العدد عن قصد) تكشف أن ما سبق صحيح، لكن الهالة ذاتها أقل حجماً مما كانت عليه في المرّة الأولى.
قد يرجع ذلك إلى أن المرّة الأولى كانت تمهيداً. الثانية تشرّبت الأحداث الأمينة لرواية فرانك هربرت المنشورة سنة 1965، لكنها أفضت إلى ملاحظات حول اختيارات المخرج المختلفة على كل صعيد. من بين هذه الاختيارات تفضيله سرد الحكاية الواردة بأمانة من دون أن تكون هذه الأمانة ضرورية على هذا النحو الصادق. الاقتباس هنا ليس عن رواية أدبية خالصة من أعمال ليو تولستوي أو جورج أوروَل حتى يُحاسب المخرج على ابتعاده عن روح وأحداث النص، بل عن رواية هدفت لأن تحمل الخيال والترفيه، ولو أن العمل عليهما لا يقل قيمة.
ما فعله فيلنييف هو أنه بقي سارداً لما يمكن للمشاهد أن يقرأه، إذا لم يكن قرأه من قبل. طبعاً هو اختصر مشاهد وضعها المؤلّف في فصول طويلة، لكنه التزم بالسرد وفضّله على احتمال الإتيان بلمساته الفنية الرؤيوية الخاصّة التي كان أبداها في أفلام سابقة له. هذا على عكس ما قام به المخرج ديفيد لينش سنة 1984، حين نقل رواية هربرت ضمن شروطه وترجمته الفنية الخاصّة فمنحها مناخاً أقوى تأثيراً. فيلم لينش جاء أكثر إمعاناً في تطوير الشخصيات وتكثيف الأحداث، في مقابل رغبة فيلنييف البقاء في المنطقة الآمنة.
طبعاً كلا الفيلمين رائع في بصرياته التي لعبت في فيلم فينش دوراً أقوى. فيلنييف صُوّر في صحارى الإمارات والأردن وثلوج النروج وجبالها. والمواقع أساسية وواقعية و100 في المائة أرضية. الخيال يتبع الأحداث ولا يقودها، لأنّ المخرج قرر أن واجبه الأول هو سرد الحكاية أولاً، بينما اهتمام لينش انصبّ على كيفية سرد الحكاية لتجسيد معانيها واستخراج أزماتها. معالجته لكل ما يريد تبقى مبسّطة، بما في ذلك المشاعر التي يعيشها الأمير بول (تيموثي شالامات).
«كثبان - الجزء الأول» يبقى مثيراً كحكاية صراع على كوكب صحراوي (في أساسه) غني بعشبة تشفي كل الأمراض. الصراع بين قوّتين، وأقواهما هي الشريرة التي تهاجم الجانب الآخر؛ ما يجبر الأمير الشاب على الهرب إلى تلك الصحراء طالباً عون سكانه. كيف ستقع المواجهة المقبلة ضد الأشرار، هو ما سينجلي عنه الجزء الثاني. الفيلم الحالي يقف على مشارف ذلك.
اهتمام فيلنييف بالحكاية وسردها أولاً على نحو آمن من الرؤية الذاتية يبقى مقبولاً في إطار هواة النوع أو المعجبين بالحكاية، ويطلبون مشاهدتها كما هي. لكن المشكلة التي تسود بعيداً عن ذلك، هو أن المخرج اختار، من بين كل الممثلين، تيموثي شالامات ليلعب دور البطولة. هذا ممثل لا يحمل قدرة على التعبير درامياً عما يجب أن يجول في داخله. يكتفي بالنظرات كما لو كان ينتظر توجيهاً من الممثل الذي يشاركه المشهد (غالباً أمه في الفيلم، ربيكا فرغيسون). تكفي المقارنة بين أدائها، وتمثيله لكي يدرك المرء أن شالامات لا يعكس موهبة لا دفينة ولا ظاهرة. هذا وحده أبقى هذا الناقد بعيداً عن التعاطف مع جهود الشخصية في مسعاها لفهم ذاته، وهو ينتقل من براءة المراهقة لما بعدها.

★ ضعيف| ★ ★ : وسط| ★★★: جيد | ★★★★: ممتاز | ★★★★★: تحفة


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».