لم تكن الأغنيات لدى جيل الثمانينات والتسعينات مجرد ألحان وكلمات، بل كانت مناسبة ترتبط ببهجة زيارة أقرب أكشاك الأغاني في الحي، حيث هناك يكون اللقاء المرتقب مع «شريط الكاسيت» الجديد لمطربهم المفضل.
فإذا كنت من هذا الجيل، فلا بد أنك تحتفظ بعدد لا بأس به من شرائط الكاسيت التي تحمل على سطحها صوراً لنجوم هذا الجيل وعناوين ألبوماتهم، وإذا كنت من هواة مطرب بعينه، فربما سبق وجمعت شرائطه أفقياً في ركن ما في الغرفة كجبل من الذكريات المتراكمة، قبل أن تأتي الألفية الجديدة لتُطيح بتلك الشرائط، لتصبح مجرد أطلال.
لعل ذلك الحنين للماضي «نوستالجيا» الذي لايبرح عالم الثمانينيات والتسعينيات، يجد طرقه كل حين وآخر ليستدعي وجهاً جديداً للحنين، لا سيما مطربي هذا الجيل وممثليه، وهي المشاعر التي يمكن أن تختبرها بزيارة معرض «حتة ذكريات» للفنانة المصرية سارة مدحت، الذي تستضيفه قاعة «صلاح طاهر» بدار الأوبرا المصرية حتى نهاية الشهر الحالي.
ففي المعرض، الذي يضم نحو 40 لوحة، يمكنك التعرف على وجه محمد منير مُجسداً في طلته التي حملت الكثير من الأنس والبهجة لجيل الثمانينات، واستعانت الفنانة ببعض الشرائط الخاصة بألبوماته القديمة الشهيرة، وكذلك فعلت في بورتريه الفنان عمرو دياب، وكذلك الفنانة سيمون، والفنان حسام حسني، ويمكن التعرف في إحدى اللوحات على واحدة من أبرز مذيعات التلفزيون المصري في تلك الفترة، وهي ميرفت فراج صاحبة البرنامج الشهير «بانوراما فرنسية» بكل ما يحمله من رهافة ونوستالجيا لجيل التلفزيون، قبل أن تتكدس قنواته.
كانت بداية الخيط من فرقة الفنان هاني شنودة، حيث كانت الفنانة سارة مدحت تشارك فيها بالغناء، وخلال إحدى المرات لفت نظرها احتفاظ شنودة بعدد كبير من الأقراص المرنة الملونة (فلوبي ديسك)، تقول «لفتت نظري واستأذنته إذا قرر التخلص منها أن يعطيها لي، فقد كنت على يقين أنني يمكنني توظيفها فنياً»، كما تقول سارة لـ«الشرق الأوسط».
وحصلت مدحت بالفعل على تلك الأقراص وتبعتها بجمع شرائط كاسيت، قررت أن تقوم باختبارها كمواد ووسائط فنية، وتقول: «أميل بشكل عام لتجريب الخامات المتعددة، وفعلاً وجدت نتائج رائعة عندما قمت بالرسم عليها باعتبارها خلفيات تمنح للبورتريهات أبعاداً جديدة بارزة أقرب لمربعات الأحجية».
إلى جانب استنطاق سارة مدحت، خريجة كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، لجماليات خاصة من الشرائط المُهملة، فهي كذلك تنظر لمشروعها من زاوية بيئية عبر إعادة تدوير البلاستيك المصنوع منه الكاسيت وأقراص «الفلوبي ديسك»، ومنحها أبعاداً جمالية تضفي لها معانٍ جديدة.
وتعتبر سارة أن مشروعها الجديد هو مواصلة لفكرة تجريبها الدائم لخامات جديدة للرسم، فقد سبق ونظمت معرضاً قامت فيه برسم بورتريهات لنجوم السينما المصرية وتلوينها بدرجات القهوة وحبيبات البُن، وتقول إن معرضها الجديد الذي تستعين فيها بالشرائط فتح أمامها أفقاً جديداً لتقديم مزيد من الشخصيات الملهمة في الفن في مصر أو العالم، على حد تعبيرها.
وحسب الفنانة، فقد استعانت في معرضها بإعادة تدوير أكثر من ست آلاف شريط كاسيت «استغرقت نحو عام ونصف العام لجمع هذا العدد الكبير، ساعدني في ذلك كثيراً المواقع والصفحات المهتمة بإعادة التدوير بعد أن أطلعتهم على بحثي عن شرائط كاسيت قديمة لإعادة تدويرها في مشروع فني». تنظر سارة إلى معرضها كذلك باعتباره محاولة لتخليد شرائط الكاسيت كجزء أصيل من ذاكرة أجيال، ومنحها عمراً جديداً يمكن تقديمه للأجيال الجديدة التي لم تتعرف عليها في زمن الإنترنت، حيث كل الأغنيات متاحة دون وسيط حميم كـ«الكاسيت».
إنعاش «نوستالجيا» التسعينات بتوظيف شرائط الكاسيت تشكيلياً
فنانة مصرية جمعت 6 آلاف منها خلال عام ونصف العام
إنعاش «نوستالجيا» التسعينات بتوظيف شرائط الكاسيت تشكيلياً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة